السيرة الكاملة لنصف سنة من دون سينما

سجل من الذكريات والآمال المؤجلة

الزبون والموظف: مسافة آمنة
الزبون والموظف: مسافة آمنة
TT

السيرة الكاملة لنصف سنة من دون سينما

الزبون والموظف: مسافة آمنة
الزبون والموظف: مسافة آمنة

تخرج بسيارتك من مرآب المبنى الذي تعيش في إحدى شققه. تستدير يساراً ثم يساراً مرّة أخرى. أنت الآن في سانتا مونيكا بوليفارد. تصل إلى تقاطع طريق وتتوقف بانتظار شارة مرور خضراء. إلى يمينك صرح كبير يحتوي على مكتبة عامرة. محلات فاخرة وصالة سينما فيها ثماني قاعات تعرض ثمانية أفلام مختلفة.
تعطيك الشارة الخضراء الإذن بالاستدارة إلى اليمين. توقف السيارة في مرآب آخر صغير وتعود أدراجك إلى بائع الصحف عن ذلك التقاطع. تشتري صحفك ومجلاتك ثم تعود إلى سيارتك. تستدير يساراً وتصعد في شارع يصل بك إلى وستوود بوليفارد. تستدير فيه وتمضي. الشوارع تتلاحق والمناظر تختلف وتتجه بسيارتك شمالاً حتى تصل إلى صنست بوليفارد. تتوقف عند فندق من خمس نجوم… موعدك مع أحد كبار سينمائيي هوليوود أو مع أحد «نجومها».
بعد ذلك، تستطيع العودة إلى البيت، أو قصد مطعم في شارع هوليوود بوليفارد القريب أو قيادة السيارة شرقاً صوب مكتبة متخصصة بكل شيء سينما.
بعد ذلك، تختار صالة السينما التي تريد. توقف السيارة في مرآبها. تشتري التذكرة. يقطعها لك موظف مبتسم. تدخل. يبدأ العرض. تمضي ساعتين وتخرج إلى المرآب. مجاني بالطبع طالما أنك لم تمض داخل المول أكثر من 4 ساعات.
لديك بعد ذلك خيار العودة إلى البيت أو حضور حفلة تقيمها «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» أو سواها. أو ربما تبقى في الجوار لكي تتعشى في مطعم همبرغر مشهور.
الأيام التالية لا تختلف إلّا من حيث الأسماء المتداولة فيه. مقابلات. عروض أفلام. قيادة السيارة مع الراديو المفتوح…

الوباء يداهم الجميع
هذا ما كان عليه المنوال حتى الشهر الثاني من هذه السنة. بعد ذلك، أصبحت لوس أنجليس مدينة محروقة بوباء فادح الأثر. ليست المدينة الوحيدة في أميركا طبعاً، وليست المدينة الوحيدة حول العالم، لكنّها المدينة الوحيدة التي تؤمّن 70 في المائة من أكثر أفلام العالم نجاحاً.
في 23 يناير (كانون الثاني) هذا العام، صدر أمر حكومي صيني بإغلاق صالات السينما. بعد شهر كامل أغلقت صالات شمال إيطاليا التي كانت تؤمن دخل صالات السينما في عموم إيطاليا بنسبة 48 في المائة.
في فبراير (شباط) أيضاً أقيم مهرجان برلين السينمائي، وحضر الجمع الغفير كالعادة. حين انتهى، اعتبر الذين حضروه أنفسهم محظوظين كونهم والمهرجان نفذوا مما انتشر لاحقاً من حصار «كورونا» للناس في كل مكان.
في 4 مارس (آذار)، أعلنت هوليوود تأجيل عرض فيلم «لا وقت للموت» آخر نتاجات جيمس بوند. هذا كان أول فيلم يُعلن عن تأجيل عروضه التي كانت مبرمجة في 31 من ذلك الشهر. الموعد الجديد العاشر من أبريل (نيسان).
‫سريعاً، توالت الأفلام الكبيرة المؤجلة، منها فيلم بعنوان «F9» الجزء التاسع من سلسلة «The Fast and the Furious».‬
في 12 مارس بدأت صالات السينما في اليونان وجمهورية التشيك وأستونيا وكوزوفو وبولاندا بإقفال أبوابها. بعد يوم واحد أعلنت شركتان أميركيتان لصالات السينما اتخاذ إجراءات تحد من دخول قاعات السينما بنسبة 50 في المائة.
بعد يوم آخر سارعت صالات فرنسا وبلجيكا ولاتفيا والنرويج وإسبانيا بغلق أبوابها. في 18 انضمت ألمانيا للمجموعة.
منتصف الشهر خرجت قوائم «التوب تن» الأميركي مزعجة للجميع: حصيلة الأفلام الخمسين المعروضة بلغت 53 مليوناً و600 ألف دولار. مبلغ كان الفيلم الناجح في المرتبة الأولى ينجزه أو يتجاوزه قبل ذلك. الهبوط بلغ 65 في المائة عمّا كان عليه سابقاً، ولم يكن له مثيل منذ سنة 2000.

الصالات تبيع المرطبات فقط
ثم تسارعت وتيرة الإغلاق في الولايات المتحدة. شركات الصالات التي تعرض الأفلام التجارية جنباً إلى تلك المتخصصة في العروض الموازية (المستقلة والمتخصصة) أغلقت أبوابها في السابع عشر من الشهر ذاته.
قبل نهاية الشهر، مالت السوق السينمائية صوب العروض المنزلية. 150 صالة أميركية سارعت لتطبيق عروض سينمائية في المنازل.
في فرنسا، ارتفعت نسبة العدوى، ما دفع الحكومة لفرض حظر على أي تجمع. مهرجان «كان» أبدى تفاؤله بإمكانية إقامة دورته الجديدة في موعدها (شهر مايو/ أيار).
مع نهاية الشهر، كانت معظم صالات السينما في أميركا وأوروبا (شرقية وغربية) أقفلت كذلك في جنوب شرقي آسيا.
المحزن هو أنّه في 31 مارس، بدأت بعض صالات السينما الأميركية التي كانت توقفت عن افتتاح قاعاتها ببيع مشروبات الصودا والبوب كورن وألواح الشوكولا لمن يرغب. تشتري منها وتمضي. تحوّلت إلى «أكشاش» لمن يرغب من العابرين.
دخلت الأزمة شهرها الثالث في أبريل بازدياد توجه المؤسسات للعروض السينمائية في المنازل. «نتفلكس» ربحت الجولة. شركات الأفلام الكلاسيكية (وورنر، يونيفرسال، باراماونت، ديزني... إلخ) أسست مواقع للمشتركين لمشاهدة أفلامها. محلات بيع أسطوانات الأفلام (التي كان الكثير منها شهد انخفاض إقبال خلال السنوات القليلة الماضية) انتعشت مبيعاتها من جديد.
في الخامس والعشرين من أبريل أشهرت شركة «CMX Cinemas» الأميركية إفلاسها. بعض صالاتها التكساسية تحوّلت إلى مطاعم مشويات.
في هذا الشهر أكد مهرجان «كان» إلغاءه دورة هذه السنة من المهرجان، وأنه سيوزع الأفلام التي استحوذها على بعض المهرجانات الأخرى مقابل ذكر اسم المهرجان. برر المدير العام للمهرجان تردده في اتخاذ هذا القرار بأنّه، ورئيس المهرجان، كانا يأملان تبدّل الوضع للأفضل. وفي مؤتمر صحافي أُعلن عن كل الأفلام التي تم اختيارها للدورة الملغاة.
بالنسبة لمهرجان فينيسيا، الذي كان وزّع استفتاء بين السينمائيين قبل أسابيع، فإنّ القرار كان بالتحضير الفعلي لدورة شهر سبتمبر (أيلول).
مع نهاية ذلك الشهر، أعلنت شركة «يونيفرسال» عن قرارها باعتماد العروض المنزلية ما أثار حفيظة شركة «AMC» (كبرى شركات أميركا الشمالية)، فأعلنت أنّها ستقاطع أفلام شركة «يونيفرسال» حال إعادة افتتاح صالاتها.

افتتاح مشروط
شهر مايو أخذ يرزح تحت ثقل المطالبة بفتح صالات السينما. المطالبون أساساً هم أصحاب الصالات (عبر مؤسسة «ناتو» وهي غير المؤسسة العسكرية بالاسم ذاته) خشية الإفلاس. صالات تكساس كانت السباقة بعدها صالات بعض الولايات الجنوبية وصالات في ولاية يوتا.
أوروبياً، أكدت السويد أنّ كل صالاتها السينمائية باشرت العمل كالمعتاد. في الإمارات العربية المتحدة افتتحت شركة «Novo»، وهي إحدى أكبر الشركات العاملة هناك، صالاتها. لكن ما هو معروض حتى اليوم ليس أكثر من إنتاجات صغيرة ثانوية، أو استمرار بعرض الأفلام الكبيرة.
في 15 مايو، بدا واضحاً تحوّل الجمهور الأميركي من صالات السينما المغلقة إلى صالات السينما المفتوحة (Drive-In Cinemas). هذه شهدت انتعاشاً لم تشهده منذ عقود.
بحلول 21 مايو، أُعلن عن أن فيلم كريستوفر نولان الجديد «تَنِت» سيعرض في منتصف شهر يوليو (تموز). كذلك فيلم «مولان» الذي كان أُجّل مرّتين من قبل.
وبحلول أواخر الشهر، ارتفع عدد الصالات المفتوحة للجمهور مع إرشادات صارمة بالنسبة لتوزيع الروّاد متباعدين، وفرض فحص مبدأي للداخلين في بعض تلك الصالات. هذا الارتفاع شهدته صالات الولايات المتحدة وكندا ونيوزيلاندا.
في التاسع والعشرين من الشهر، أعلنت فرنسا أنّ صالاتها السنيمائية ستعاود العمل بدءاً من 22 يونيو (حزيران).
مع مطلع يونيو، فتحت بلجيكا صالاتها (مع إرشادات صارمة)، كذلك فعلت سويسرا وألمانيا ولوكسمبورغ وإسبانيا.
في الأسبوع الثاني من الشهر، أعلنت «وورنر» أنّ فيلم كريستوفر نولان سينتقل من 17 من يوليو إلى 31 منه بعد أسبوع واحد على عرض الفيلم الأميركي الكبير الثاني وهو «مولان» (ديزني).
في بريطانيا، افتتاح صالات السينما كان تدريجياً وبحذر. لكن الأهم هو أن شركة «سيني وورلد» التي هي إحدى أكبر صالات السينما في بريطانيا والعالم (تمتلك نحو 11200 شاشة عرض حول العالم) تراجعت عن شراء صالات شركة «سينيبلكس» الكندية، وهو اتفاق عُقد في شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي.
في 18 يونيو، أعلنت «AMC» عن افتتاح كل صالاتها الأميركية، لتفاجأ برد فعل غاضب من قبل الرأي العام، ما دفعها لإصدار نشرة لاحقة أكدت فيها على أنها ستمارس إرشادات وقوانين صارمة لجمهورها، بما في ذلك ارتداء الكمامات داخل الصالات كذلك.
شركات «سينما مارك» و«ماركوس» و«استديو موفي غريل»، قررت افتتاح صالاتها بعدما كانت أجلت هذا القرار. شركة «ماركوس» أنتجت فيلماً دعائياً بعنوان «اهرب مجدداً إلى الأفلام» أو (Escape Back tothe Movies).

الوضع اليوم
هذه الجهود المستديمة لإعادة فتح صالات السينما أمام الجمهور، تعرقلت في بعض الولايات الأميركية بسبب ارتفاع عدد ضحايا «كوفيد - 19» مرّة أخرى. هذا أدّى لإعلان «وورنر» عن تأجيل جديد لفيلم «تَنِت» حتى 12 من أغسطس (آب). بعد هذا القرار أعلنت «ديزني» تأجيل «مولان» كذلك حتى 21 من أغسطس.
في نهاية شهر يناير، عاودت شركة «أ إم سي» الأميركية العمل الكامل في 450 صالة سينما في أنحاء الولايات المتحدة، على أن تفتح باقي صالاتها خلال شهر يوليو. لكن شركات أخرى عديدة (منها «سينيمارك» و«سيني وورلد») قررت تأجيل قراراتها السابقة بالفتح حتى نهاية الشهر الحالي.
هذا المد والجذر بين حالتين متناقضتين (فتح الصالات وارتفاع أعداد المصابين بـ«كورونا» في الولايات المتحدة) خلق أزمة تنذر بكارثة كبيرة. قوام هذه الأزمة هي:
* شركات الأفلام تحتاج لأن تبدأ نشاط عروضها للأفلام الكبيرة التي أنتجتها. كذلك تحتاج للبدء بإنتاج الأفلام الأخرى المتوقفة عن التصوير لكي تملأ خانات الأشهر المقبلة في العام المقبل.
* صالات السينما تجد نفسها على شفير الإفلاس، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
* سوق السينما الأميركية التي خسرت أكثر من 60 في المائة من إيراداته حتى الآن يترجم هذه الخسارة بوضوح: خسرت السينما حتى الآن ما يقارب 6 مليارات دولار من السوق المحلية ونحوها من السوق العالمية.
* الصالات العالمية التي افتتحت شاشاتها منذ أسابيع، تعتمد كذلك على الأفلام الأميركية، وهذه بانتظار قرارات مرتبطة بعروضها المتزامنة حول العالم بأسره. بمعنى أنّ «هوليوود» لا تستطيع افتتاح أفلامها حول العالم من دون افتتاحها محلياً في الوقت ذاته، والعكس صحيح.
في هذا الوقت، أعلنت صالات «الدرايف إن»، أن عروضها لفيلم «ستار وورز: الإمبراطورية تضرب من جديد»، قد حققت خلال نهاية الأسبوع 500 ألف دولار في 480 صالة مفتوحة. رقم هزيل بمقارنة ما كانت الأفلام تحققه من قبل، لكن هذا فيلم مضى على إنتاجه 23 سنة ما يدخل بعض الثقة لنفوس المرتادين وصانعي الأفلام، في الوقت الذي يعزز الأمل في تجاوز هذه الأزمة.

الأفلام الكبيرة المؤجلة
لجانب «مولان» و«تَنِت»، هناك أفلام كبيرة أخرى كان من المقرر لها أن تعرض خلال هذا الصيف المعتل. القائمة تحتوي على 10 منها مع ذكر تاريخ عروضها المقررة سابقاً والتاريخ (المبدأي) لعروضها المقبلة.

* «The Personal History of David Copperfield»
هذا الاقتباس المتجدد من أعمال الكاتب تشارلز ديكنز، كان سيحمل اختلافاً عن الأفلام السابقة التي حملت اسم «ديفيد كوبرفيلد». إنتاج تاريخي الملامح من بطولة الهندي دَف باتل.
- الموعد السابق: الثامن من مايو.
- الموعد الجديد: 14 أغسطس

* F9»»
الفيلم التاسع من سلسلة «السريع والهائج»، بنى الكثير من الأمل على صيف 2020، لكن «كورونا» كان أقوى. لجانب فن ديزل وصحبه تم ضم تشارليز ثيرون إلى العصبة.
- الموعد السابق: 22 مايو
- الموعد الجديد: 2 أبريل من السنة المقبلة.

* «Black Widow»
مبني على شخصية قامت سكارلت جوهانسن بتمثيلها في سلسلة أفلام «ذا أفنجرز»، مقتبسة بدورها من صفحات مجلات «الكوميكس».
- الموعد السابق: الأول من مايو
- الموعد الجديد: السادس من نوفمبر

* «Wonder Woman 1984»
المغامرات النسائية الثانية (لجانب «بلاك ويدو» أعلاه). هذا من بطولة غال غادوت في سلسلة متواصلة من المؤثرات والمعارك.
- الموعد السابق: 5 يونيو
- الموعد الجديد: 2 أكتوبر (تشرين الأول)

* «Soul»
فيلم الأنيميشن الوحيد هذا الصيف، أو ما تبقى منه، وهو من إنتاج الشركة الشهيرة «بيكسار»، التي كانت ستدخل به سباق أوسكار أفضل فيلم رسوم.
- الموعد السابق: 19 يونيو
- الموعد الجديد: 20 نوفمبر

* «Top Gun: Maverick»
فيلم توم كروز المبني على فيلمه المبكر «توب غن» قبل نحو 30 سنة. الكثير من الحماس رافق هذا الفيلم قبل وخلال وبعد انتهاء تصويره.
- الموعد السابق: 24 يونيو
- الموعد الجديد: 23 ديسمبر (كانون الأول)

* «A Quiet Place 2»
الجزء الثاني من فيلم الرعب الناجح الجامع بين جون كرازينسكي (مخرجاً وممثلاً) وزوجته إميلي بْلَنت.
- موعده السابق: 8/3
- موعده الجديد: 4/9

* «Free Guy»
أكشن من بطولة رايان رينولدز لاعباً دور موظف مصرف يكتشف أنه موجود في أشرطة ألعاب فيديو منتشرة تتنبأ بموته.
- الموعد السابق: 3 يوليو
- الموعد الجديد: 11 ديسمبر (كانون الأول)

* «Ghostbuster: Afterlife»
الكوميديا المعروفة التي قام المخرج إيفان رايتمن بتحقيقها في الثمانينات يكملها ابنه جاسون مع دان أكرويد وسيغورني ويفر وبول رَد.
- الموعد السابق: 10 يوليو
- الموعد الجديد: 5 مارس، 2021

* «Jungle Cruise»
فيلم آخر لإميلي بْلنت يجمعها هذه المرّة مع دواين جونسُن. أكشن يجمع ما بين الفانتازيا ومغامرات الأدغال.
- الموعد السابق: 24 يوليو
- الموعد الجديد: 30 يوليو

Facebook :
الجهود المستديمة لإعادة فتح صالات السينما تعرقلت في بعض الولايات الأميركية بسبب ارتفاع عدد ضحايا «كوفيد - 19» مرّة أخرى
Twitter :

- أعلنت صالات «الدرايف إن» أن عروضها لفيلم «ستار وورز: الإمبراطورية تضرب من جديد» قد حققت خلال نهاية الأسبوع 500 ألف دولار في 480 صالة مفتوحة
- صالات السينما تجد نفسها على شفير الإفلاس إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».