ينشغل اللبنانيون في الآونة الأخيرة، خصوصاً خلال الإغلاق الذي تسبب به تفشي فيروس «كورونا»، ومع تردي الأوضاع الاقتصادية وزيادة معدلات البطالة، بمحاولات لملء أوقات فراغهم بأساليب عدة؛ أبرزها الزراعة. وقد ظهرت في الأشهر الماضية حملات متعددة على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو اللبنانيين إلى الاستفادة من أوقاتهم والمساحات الخارجية أمام منازلهم للزراعة والاهتمام بالأرض.
وضمن السياق ذاته؛ أقدم شابان لبنانيان، هما معضاد ووائل كمال الدين، على طرح فكرة جديدة ترتبط باستغلال المساحات الداخلية، خصوصاً في المدن المزدحمة التي تندر فيها الأراضي الفارغة والحدائق المنزلية، بهدف الزراعة، وأطلقوا على مشروعهم اسم «سيتي غرينز».
وابتكر معضاد ووائل نموذجاً ذكياً صالحاً للاستخدام في المساحات الداخلية، وهو خزائن يمكن وضعها في أي غرفة من المنزل، قادرة على تأمين الأجواء الملائمة للبذور كي تنبت وتصبح خضراوات ورقية عضوية يمكن تناولها بعد فترة لا تتجاوز 10 أيام.
وقال معضاد، وهو مهندس معماري لـ«الشرق الأوسط» إن فكرتهما أتت من حبهما للزراعة، وغياب الوقت والطاقة اللازمة للاهتمام بالأرض، لانشغالهما بعملهما. وأوضح: «الحياة السريعة والمساحات الضيقة، خصوصاً في المدن، وعدم توافر الحدائق الملائمة للزراعة، كلها كانت مصدر فكرة النموذج الخاص بالزراعة الداخلية في المنازل». وتابع: «تعرفنا على ما تسمى الخضراوات الورقية، وهي أوراق النبات التي تؤكل خضراوات صغيرة ويتوفر منها بشتى الأنواع، وطبعاً هي غنية بالفيتامينات ولها فوائد صحية متعددة... ومن ثم انطلقنا لتطوير نظام يسمح لنا بإنتاجها بطريقة سهلة وسريعة».
وأوضح معضاد أن الفوائد الصحية التي يأخذها الجسم من الخضراوات الورقية تعد أكبر بكثير من تلك التي نحصل عليها من الخضراوات العادية، وقال: «على سبيل المثال؛ 80 غراماً من الشمندر، على شكل خضراوات ورقية، تحتوي على إفادة أكثر من تلك الموجودة في 8 كيلوغرامات من الشمندر العادي».
وأضاف: «هذه الخضراوات يجب أن يتناولها على الأخص النباتيون الذين يتبعون نظاماً صحياً خالياً من اللحوم، والذي يعتمد على الخضراوات والفاكهة فقط».
وأشار معضاد إلى أن مشروعهما يلتزم مبادئ الزراعة المستدامة، ويخدم الأسر التي تعيش في منازل صغيرة وشوارع مكتظة، وتابع: «خلال الإغلاق الخاص بـ(كورونا)، كان معظم المحال مقفلاً، لذا؛ فإن الزراعة داخل المنازل تعطي السكان بدائل جيدة لمنتجات الأسواق وتوفر عليهم المال والوقت للبحث عنها».
وتحدث أيضاً عن الفوائد الاجتماعية لهذا المشروع، حيث أكد على أنه «يساهم في مشاركة الأطفال أيضاً في الزراعة، وإدخالهم إلى عالم الحفاظ على البيئة والأرض، حيث إن طريقة الري والاهتمام بالخضراوات سهلة جداً، كما أنها خالية من أي استخدام للمواد الكيماوية».
بدوره؛ قال وائل كمال الدين، تقني كهربائي مشارك في تطوير مشروع «سيتي غرينز» والنظام الخاص بإنتاج الخضراوات الورقية، إن الفكرة كانت لديهما «منذ نحو سنة ونصف، ولكن في ظل (كورونا) أصبحت الحاجة إليها ملحَة أكثر». وتابع: «المشروع يجمع التكنولوجيا والطبيعة والزراعة في آن معاً». وأضاف: «من أهدافنا إبعاد الناس عن التلوث الذي قد يحتويه بعض الخضراوات في الأسواق نتيجة طرق الري غير السليمة... وغيرها، حيث إن الخضراوات الورقية صحية ومفيدة أكثر وسهلة الزراعة».
وعن طريقة إنتاج هذه الخضراوات في الخزائن، قال وائل: «نضع البذور في النظام الذي يؤمن لها الحرارة والضوء والأجواء المناسبة مع التربة الخاصة بها، في مكان غير مضيء نحو 4 أيام... ومن ثم نعرضها للضوء لفترة 6 و7 أيام، وتصبح الخضراوات صالحة للأكل بعد ذلك».
وعن الكمية التي يمكن للنظام إنتاجها، أشار وائل إلى أن ذلك يعتمد على عدد الخزائن والصواني المستخدمة للزراعة، لكنه أوضح أن صينيتين من البذور يمكن أن تكفي عائلة واحدة صغيرة 10 أيام وأكثر.
وحول ما يتعلق بسعر هذا النظام والخزائن، قال معضاد إن ذلك يعتمد على التصميم، وأوضح: «يمكن لكل شخص تصميم الخزائن بالشكل واللون الذي يحب، لتتناسب مع منزله أو فندقه أو مطعمه أو أي مكان داخلي... إلا إن الأسعار مدروسة وغير باهظة».
وأكد المهندسان أن من بين الخضراوات التي يمكن زراعتها في هذا النظام الجرجير والخس والبازلاء والبروكلي ودوار الشمس والفجل والشمندر... وغيرها.