أمين الجميل: ربطت التزامي الاتفاق مع إسرائيل بتنفيذ انسحابها من لبنان

«الشرق الأوسط» تنشر مذكرات الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل (3)‬

لقاء بين الرئيسين أمين الجميل ورونالد ريغان في البيت الأبيض في 19/10/1983
لقاء بين الرئيسين أمين الجميل ورونالد ريغان في البيت الأبيض في 19/10/1983
TT

أمين الجميل: ربطت التزامي الاتفاق مع إسرائيل بتنفيذ انسحابها من لبنان

لقاء بين الرئيسين أمين الجميل ورونالد ريغان في البيت الأبيض في 19/10/1983
لقاء بين الرئيسين أمين الجميل ورونالد ريغان في البيت الأبيض في 19/10/1983

في هذه الحلقة من مذكرات الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل التي تنشرها «الشرق الأوسط» يتناول ظروف توقيع اتفاق 17 مايو (أيار) 1983 بين لبنان وإسرائيل الذي أثار جدلاً كبيراً في لبنان في ذلك الحين، ويقول عنه الجميل: «كان يفترض أن يكون الحدث الأساسي لعهدي». ويذكر أن لبنان كان يسعى من وراء الاتفاق إلى خروج القوات الإسرائيلية التي دخلت بعد غزو عام 1982. لكن إسرائيل حاولت ربط انسحابها بانسحاب القوات السورية، الأمر الذي لم يوافق عليه الجميل وقال للأميركيين: «مفاوضاتنا هي لانسحاب الجيش الإسرائيلي، أما مشكلة الجيش السوري فنحلها بالتعاون مع الدول العربية.
وهنا نص الحلقة الثالثة
يقول الجميل: ما كدنا ننتهي من صوغ آخر بنود اتفاق 17 مايو ونستعد لتوقيعه في الغداة، حتى حدث انقلاب فجائي غيّر الموقف برمته في اللحظة الأخيرة. في 16 مايو طلب رئيس الفريق الأميركي في المفاوضات موريس درايبر مقابلتي على وجه السرعة. أعلمني بوجود «رسالة جانبية» (side letter) ملحقة، طلب الموفد الإسرائيلي من الأميركيين تسليمنا إياها، من المفترض أنها تشكل جزءاً لا يتجزأ من الاتفاق. نصت الرسالة، المؤرخة 17 مايو - وهو اليوم المفترض للتوقيع - على ثلاثة شروط جديدة غير واردة في النص المتفق عليه بتوقيع ديفيد كيمحي رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض تقول إنها «للتأكيد، يرتكز موقف إسرائيل من تنفيذ المعاهدة بينها ولبنان التي وُقعت اليوم على بنود عدة هي الآتية:
> الحصول على معلومات وافية عن الجنود الإسرائيليين الذين فقدوا في أثناء العملية الإسرائيلية في لبنان، وإعادة الجنود الأسرى الذين تحتفظ بهم سوريا، وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية (وهم أسرى حرب)، واستعادة رفات الجنود الذين سقطوا منذ الرابع من يونيو (حزيران) 1982. كشروط أولية لانسحاب إسرائيلي من الأرض اللبنانية كما نصت عليه المعاهدة.
> انسحاب جميع العناصر الفلسطينيين المسلحين من لبنان، وكذلك انسحاب القوات السورية في شكل يتزامن مع انسحاب القوات الإسرائيلية. تجدر الإشارة إلى أن انسحاب العناصر الفلسطينيين المسلحين من لبنان يتوافق مع الإشارات التي وردت في هذا الشأن في البند 204 من المعاهدة.
> إذا لم تتم إعادة الجنود الأسرى أو هذه الإعادات والانسحابات وفق الزمن المحدد، فإن إسرائيل تحتفظ بحقها في تعليق تنفيذها البنود الواردة في هذه المعاهدة. في هذه الحال أيضاً، فإن إسرائيل ولبنان والولايات المتحدة الأميركية تتشاور على أساس الظروف المستجدة أو الطارئة. إذا ظلت المسألة من دون حل، تحتفظ إسرائيل بحقها في إعلان المعاهدة لاغية، وتتابع حماية أمنها بطرقها الخاصة».
قال لي موريس درايبر: «أفهم الإحباط الذي تشعرون به، لكننا لن نستسلم مع ذلك. فالوزير شولتز يؤكد لك دعمه، وسوف تبذل واشنطن كل الجهود في إسرائيل وسوريا لحلحلة الوضع. مواقف هذين البلدين ليست نهائية. لدينا كل الأسباب التي تدعونا إلى هذا الاعتقاد».
أجبته: «لا أستطيع إذن المضي في الاتفاق. مفاوضاتنا هي لانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، بعدئذ تساعدنا الدول العربية على حل مشكلة الجيش السوري في بلدنا مع دمشق».
إذن، في ضوء «الرسالة الجانبية» هذه، منح أحد الأطراف - وهو إسرائيل - نفسه سلفاً، من جانب واحد، حقّ- الرجوع عن توقيعه ساعة يشاء. بيد أن هذه الهرطقة القانونية لم تفُت وزير الدفاع الأميركي كاسبار واينبرغر الذي ذهب إلى حد الاشتباه في رياء زميله وزير الخارجية. فهو سيكشف، فيما بعد، أنه ما إن أُعلم بوجود الرسالة السرية الملحقة «المقبولة من وزير الخارجية جورج شولتز والمجهولة بحسب الظاهر من أمين الجميل» تبينت له بوضوح أسباب الفشل: «الاتفاق، مع رسالته الجانبية، يمنح الرئيس الأسد حق النقض في شأن أي انسحاب وأي نوع من العلاقات الطيبة التي قد تقيمها إسرائيل مع أحد جيرانها العرب، لبنان. في نظرة ارتجاعية، كان حق النقض هذا يطاول كل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. زد على ذلك أن سوريا سوف تستفيد منه في الحال بعدم الانسحاب من لبنان. أما السبب الذي دفع جورج شولتز إلى وصف مثل هذا الاتفاق لنا بعبارات مفعمة بالحماسة، فما زال بالنسبة إلى سراً خفياً».
أكان يتعين علي صفق الباب استياءً وترك الأمور على حالها؟ كان هذا يعني تعميق إغراقنا في الأزمة وفقدان دعم واشنطن التي سنكون، في كل الأحوال، في حاجة ماسة إليها، أقله لإدارة عواقب فشل محتمل للاتفاق. لذا، آثرتُ مرّة أخرى اعتماد حل «على الطريقة اللبنانية»، يتيح الحفاظ على علاقاتنا مع الأميركيين مع التمسك بحقوقنا الأساسية: إعطاء الوفد اللبناني الإذن بتوقيع الاتفاق عن غير اقتناع طبعاً، إنما مع تحفظات معينة تُصاغ بوضوح في رسالة لبنانية صارمة (side letter)، لبنانية، موازية مؤرخة أيضاً 17 مايو، موقعة من وزير الخارجية إيلي سالم موجهة إلى «العراب» الأميركي.
- نصت الرسالة اللبنانية الجانبية، الملحقة بالاتفاق تماماً، على غرار الرسالة الإسرائيلية الجانبية، على الآتي:
«يؤكد لبنان، ما لم تنسحب إسرائيل تنفيذاً لبنود الاتفاق، أنه سيكون في حل منه ويُعلق كل التزاماته. وفقاً لذلك يتشاور لبنان والولايات المتحدة وإسرائيل في هذا المستجد. إذا بقي الأمر بلا حل، يعتبر لبنان نفسه حراً في إعلان الاتفاق لاغياً. وسيتابع السعي من أجل استعادة سيادته وانسحاب القوى الأجنبية من أراضيه كاملة بالوسائل المتاحة».
وجه إيلي سالم الرسالة إلى الموفد الأميركي فيليب حبيب، كذلك توجه بها السفير أنطوان فتال إلى السفير موريس درايبر، بالصيغة نفسها التي أقرها لبنان على نحو مشابه للصيغة التي تضمنتها الرسالة الإسرائيلية الجانبية. من ثم راسل درايبر ديفيد كيمحي وأبلغ إليه رسالة فتّال لأخذ العلم بها، كإحدى الوثائق الجديدة الرسمية التي باتت ملحقة بالاتفاق اللبناني - الإسرائيلي. حملت نسخ الرسالة اللبنانية الجانبية كلها تاريخاً واحداً هو 17 مايو، التاريخ نفسه في الرسالة الإسرائيلية الجانبية.
لم نكتفِ بهذا التأكيد، بل طالبتُ الموفد الأميركي، شرطاً لتوقيعنا، بأن يستكمل الوفد الأميركي المشارك في المفاوضات الأمر برسالة تضامنية معنا، يوقعها الرئيس ريغان، تضامناً مع موقفنا وداعماً له في المستقبل.
بناءً على إصرارنا، وافقت الولايات المتحدة على الموقف اللبناني بأن وجه إلى الرئيس ريغان رسالة جانبية ثالثة، مؤرخة بدورها 17 مايو أيضاً، هذا نصها:
«استناداً إلى العلاقات الطويلة والصداقة مع لبنان، شاركت الولايات المتحدة على نحو كامل في التوصل إلى اتفاق بينه وبين إسرائيل، ووقعت بنفسها كشاهد. ستتخذ الولايات المتحدة كل التدابير اللازمة كي تراقب تنفيذ الاتفاق كلياً، وهي تدعم السيادة والاستقلال السياسي ووحدة الأراضي اللبنانية، وستظل تدعم هدف الجمهورية اللبنانية في انسحاب كل القوات الأجنبية. في حال إخفاق القوات الأجنبية في الانسحاب، تجري الولايات المتحدة مشاورات طارئة وتتخذ خطوات أخرى تؤدي على النحو الملائم إلى تحريك خروج كل هذه القوات من لبنان.
تعترف الولايات المتحدة بأن لبنان دخل هذا الاتفاق شرط أن يكون حراً في تعليق تنفيذ التزاماته حياله، في حال عدم انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية بناء على بنوده.
لم يفت ريغان في ختام رسالته تأكيد إدارته أنها «ستدفع إلى الأمام المساعدة الاقتصادية والعسكرية بناء على طلب لبنان، وستدعم بالوسائل المناسبة إعادة البناء الاقتصادي في لبنان، وتطوير قواه العسكرية من أجل مؤازرة الحكومة اللبنانية في الاضطلاع بمسؤولياتها».
بهذه الرسالة احتفظتُ لنفسي، على الأقل بإزاء المستقبل، بشبكة إنقاذ سوف يثبت تطور الأحداث جدواها. احتفظتُ بالحق اللبناني الكامل في السيادة وبالدعم الأميركي الذي من دونه لأصبح لبنان في معركة غير متكافئة إطلاقاً في وجه سوريا وإسرائيل. أصبحت الرسائل الثلاث الملحقة، الإسرائيلية واللبنانية والأميركية (the side letters)، جزءاً لا يتجزأ من الاتفاق، بل كتباً لاغية له.
- وثيقة مسممة
رغم كل ذلك، تم توقيع الاتفاق من الوفد المفاوض في ذلك اليوم، 17 مايو 1983. من غير أن ينطوي على أي بند سري أو يؤتى به لاحقاً. في 13 يونيو و14 منه، التأم مجلس النواب في جلسة تجلت فيها درجة عالية من التوافق والشعور بالتفاؤل رغم كل الصعاب، صَادَقَ في ختامها على الاتفاق وإجازة إبرامه بأكثرية 64 صوتاً، في مقابل صوتين معارضين وامتناع 4 نواب عن التصويت وتحفظ نائب واحد.
كنت آملُ في أن يحوز الاتفاق ليس الأكثرية الساحقة فحسب، بل الإجماع، كي يمسي موقفنا أقوى وأسلم حيال الدول العربية، ناهيك ببعديه الوطني والدستوري.
أدركتُ حجم العقبات التي تنتظرني، وقد عبّرتُ عن مخاوفي صراحة للرئيس رونالد ريغان من خلال ممثليه المشاركين في التوقيع على الاتفاق. كنت أخشى، لا سيّما بعد إبلاغي الرسالة الإسرائيلية الجانبية، أن بين يدي وثيقة مسممة، فأردت التحسب للمستقبل بأي ثمن.
رحتُ أتساءل عن الأسباب التي تدفع الدولة العبرية إلى ممارسة مثل هذا الضغط علينا، وعلى الإدارة الأميركية لعقد اتفاق تعرف أنه سيولد ميتاً بسبب رسالتها الجانبية. دفنت إسرائيل هذا الاتفاق قبل أي طرف آخر في 17 مايو بالذات، عكس ما راح يدعيه بعض معارضي العهد أنهم هم الذين أسقطوه. إسرائيل أسقطته من خلال الرسالة الجانبية، وأنا ألغيته بعدم إبرامه.
أي مبررات حملت إسرائيل على إهدار كل هذه الشهور والجهود في سبيل اتفاق، قبل أن تقرر نسفه وجعله حبراً على ورق؟ ثم، ألَم ينتقد ديفيد كيمحي نفسه أرييل شارون على طريقته في إدارة المفاوضات مع لبنان؟
جعلت تلّ أبيب من هذا الاتفاق الذي ما عاد أحد مقتنعاً به أحد الرهانات الأساسية لسياستها في لبنان، فجنّدت للدفاع عنه كل الدعم الذي تستطيع توفيره في بلدنا وفي واشنطن. في الواقع، جاءني تفسير ذلك على لسان وزير العلاقات الخارجية الفرنسية كلود شيسون الذي عزاه إلى إسرائيل نفسها.
عندما سألته، حينما زار بيروت في 4 مارس (آذار) 1984. وكانت انقضت أشهر على تجميد الاتفاق اللبناني - الإسرائيلي، كيف يفسر تصرف الدولة العبرية، ضحك وقال: «بحسب معلوماتنا، منذ اليوم الأول، لم تكن إسرائيل تريد الاتفاق. علمتُ أيضاً أننا كنا ضحية مناورات وغش إسرائيلي استخدم فيه لبنان لأهداف أبعد منه. قبل إطلاق عملية «سلامة الجليل» في يونيو 1982، أبلغت إسرائيل إلى واشنطن أن الاجتياح العسكري سيقتصر على مسافة 40 كيلومتراً من الحدود بين البلدين. لكنها توغلت بجيشها حتى العاصمة بيروت، مما أثار غضباً كبيراً في العاصمة الأميركية. بقرار نادر جداً في تاريخ العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، أنزل الكونغرس في حقها عقوبات مالية وعسكرية شديدة، منها تجميد اتفاق بين البلدين، لذا احتاجت إسرائيل إلى اتفاق مع لبنان، أياً يكن، من أجل تبرير رفع الكونغرس هذه العقوبات. استبقت اجتماعه بالإعلان عن الاتفاق كي تؤكد خروجها من لبنان والتراجع من ثم عن العقوبات تلك».
أضاف الوزير الفرنسي: «إذا كان الأميركيون عزموا على اتفاق 17 مايو، فمرد ذلك إلى ما قاله لي شولتز بالذات عندما اجتمعتُ به في يوليو (تموز) الماضي: لم أكن في صدد المرور بلبنان، بل كنت قاصداً الشرق الأوسط. مروري بلبنان من أجل إيصال المفاوضات إلى نتيجة من شأنها فك الحصار عن الطائرات لإسرائيل».
فعلاً، عقب توقيعه، رُفعت العقوبات، وكان ذلك على الأرجح السبب الذي دفع الدولة العبرية إلى التشبث به بادئ ذي بدء، والحرص على منعنا من إبطاله قبل أن يقرر الكونغرس رفع العقوبات. لا شك في أن حكومة ليكود كانت تتطلب أيضاً ذريعة أمام الرأي العام الإسرائيلي بانتصار سياسي يمثله بالنسبة إليها توقيع اتفاق مع بلد عربي، في وقت أخذت الخسائر البشرية لجيش الاحتلال تتضاعف، حتى بات لبنان مشهوراً في صفوف المجندين الإسرائيليين بأنه «وادي الدموع».
في ذلك الاجتماع مع شيسون، في حضور السفير الفرنسي في بيروت فرنان فيبو، كشف لي المزيد من المعلومات: «تدرك إسرائيل تماماً أنها لا يمكن أن تقبل بالتصاق طائفة أو طائفتين بها، وما يهمها الاتفاق مع سوريا. حينما التقيتُ شامير قال لي: لا تصدق أننا في لبنان ندعم هذه الطائفة أو تلك. لدينا اتصال بكل من يمكن أن يساعدنا في الدفاع عن إسرائيل».
خاطبني شيسون بالقول: «الإسرائيليون غير مكترثين بما يحدث للبنانيين، وآمل في أن يدرك مواطنوك ذلك. لا أحد في لبنان يستطيع الاتكال على إسرائيل. قال لي شامير أيضاً إن ما تحتاج إليه حكومته هو اتفاق أمني. اتفاق 17 مايو شأن آخر. معمّر القذافي أكد لي أن اتفاق 17 مايو رديء للغاية، وعلى اللبنانيين مناقشة الأمن مع إسرائيل مباشرة. هي أقوال شامير نفسها».
ما قاله أيضاً إن «في وسع الأميركيين تحويل انسحابهم من لبنان إلى مسائل أخرى، يستطيع الرئيس ريغان أن يفعل ذلك لتغطية فشله في لبنان. عليكم أن تتقبّلوا هذه الحقيقة المحزنة: ما يحدث في لبنان ليس همّاً يومياً للأميركيين. لدي اعتقاد أن لحافظ الأسد مصلحة في إعادة النظام إلى البيت اللبناني. نحن ملزمون بسحب جنودنا في القوة متعددة الجنسيات، ونريد ذلك على نحو هادئ. لم يعد لوجودنا فيها أي معنى، ولذا يقتضي مغادرتنا. لم نرغب مرة في تجربتها، وكان دائماً لدينا قلق مما قد يحدث. خرج منها الأميركيون قبل أن يُكملوا مهمتهم».
كان من المفترض أن يشكل اتفاق 17 مايو 1983 الحدث الأساسي لعهدي، وبذلتُ أقصى جهدي لتفادي الفخاخ، لكن، هل كان يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك؟ هل كان في الإمكان تفادي هذا الإخفاق؟ ما زلت أطرحُ على نفسي هذا السؤال أكثر من أي وقت مضى، وأكثر من أي شخص آخر. على أي حال، امتنعتُ عن إعطاء الاتفاق الصيغة التنفيذية، فبقي بلا توقيع رئيس البلاد، أي من دون مفعول كأنه لم يكن.
في ظروف كهذه، أحجمتُ عن توقيع الاتفاق وإحالته على النشر في الجريدة الرسمية كي يصبح نافذاً، إدراكاً مني أنه، على الأرجح، وُلِد ميتاً، إلا إذا دفعت واشنطن، على نحو أو آخر، إسرائيل إلى الامتثال لبنوده وأبدت استعداداً لتنفيذه. وهذا ما كنت استبعده.
بمرور الزمن تيقنتُ من أنني أحسنتُ اتخاذ الموقف السليم برفضي التوقيع. رغم حملات الافتراء والتشويش عليَّ، فإن ضميري مرتاح إلى أنني خدمتُ وطني في تلك المرحلة الحرجة من التاريخ، وحفظته في وجه أخطار مدمرة.
رغم اقتناعها بأن اتفاق 17 مايو وُلد ميتاً - وقد امتنعتُ أنا عن توقيعه والعمل على نشره - جعلته سوريا «قميص عثمان»، واتخذت منه كل الأعذار من أجل إطلاق رصاصة الرحمة على لبنان، سيادة ونظاماً. لم تكتفِ بتأليب حلفائها ضدنا، بل أعلنت الحرب صراحة علينا، مهددة على نحو واضح جلي. اندفعت في حملة ترهيب في كل الاتجاهات ضدّ القادة الذين يتجرأون على معارضتها.



حملات حوثية تستهدف مُلاك المطاعم في صنعاء وإب

الحوثيون ينفذون حملات ابتزاز ضد مُلاك المطاعم في مناطق سيطرتهم (إكس)
الحوثيون ينفذون حملات ابتزاز ضد مُلاك المطاعم في مناطق سيطرتهم (إكس)
TT

حملات حوثية تستهدف مُلاك المطاعم في صنعاء وإب

الحوثيون ينفذون حملات ابتزاز ضد مُلاك المطاعم في مناطق سيطرتهم (إكس)
الحوثيون ينفذون حملات ابتزاز ضد مُلاك المطاعم في مناطق سيطرتهم (إكس)

أطلقت الجماعة الحوثية حملات جباية جديدة تستهدف ملاك المطاعم في العاصمة المختطفة صنعاء ومحافظة إب، بغية إجبارهم على دفع إتاوات تحت عدة أسماء، منها: «ضبط المخالفات والرقابة على الأسعار»، و«عدم وجود تصاريح عمل»، ودعم «حزب الله» اللبناني، و«تمويل المجهود الحربي».

وأفادت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، بأن «مشرفين حوثيين برفقة عربات ومسلحين يتبعون ما تسمى مكاتب السياحة، نفذوا حملات مداهمة ضد المطاعم الكبيرة والصغيرة في أحياء باب السلام والسنينة ومذبح وعصر، في مديريات الصافية ومعين، وأرغموا ملاكها على دفع إتاوات، بينما أغلقوا عدداً منها ضمن حملة الجباية المباغتة».

تجمع للمارة في صنعاء أثناء محاولة اعتقال مالك أحد المطاعم (الشرق الأوسط)

واشتكى ملاك مطاعم في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات استهداف وفرض إتاوات غير قانونية، وأكدوا أن «هدف الحملات الجديدة هو فرض مبالغ كبيرة عليهم بالقوة، أو تعرضهم للتهديد بالإغلاق والمصادرة والسجن في حال لم يتفاعلوا مع مطالب الجماعة».

وكشفت عاملون في مطاعم بصنعاء، أن مسلحي الجماعة الحوثية أغلقوا نحو 6 مطاعم واقعة في شوارع وأسواق بمديرية معين، واعتقلوا عدداً من أصحابها قبل أن يتم الإفراج عنهم مقابل دفع جبايات.

ويؤكد «خالد. م» وهو مالك مطعم شعبي في صنعاء أن «الحملة لم تستثنِ أحداً من ملاك المطاعم، إذ تسعى الجماعة لإجبارهم على تقديم دعم مالي يُخصص منه جزء لمصلحة (حزب الله) اللبناني، ودعم المجهود الحربي».

وأفاد مالك المطعم، بأن مسلحي الجماعة «حاولوا بعد عملية دهم مباغتة، إغلاق مطعمه الصغير بعد رفضه دفع إتاوات، كما فعلوا مع البقية في الشارع ذاته الكائن فيه مطعمه، لكنه حاول امتصاص غضبهم والتزم بدفع مبلغ مالي، بغية الحفاظ على مصدر عيشه وأطفاله».

وعلى مدى السنوات الماضية من عمر الانقلاب الحوثي، دفع اليمنيون بمناطق سيطرة الجماعة، بمن فيهم ملاك المتاجر الصغيرة والمتوسطة وأصحاب المهن البسيطة، تكلفة باهظة جراء سياسات النهب والبطش وحملات الابتزاز.

دهم وإتاوات

وعلى وقع حملات التنكيل الحوثية المستمرة ضد من تبقى من العاملين في القطاع الخاص والسكان في محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) نفذت الجماعة حملات دهم وابتزاز بحق مُلاك المطاعم بمدينة إب، وفي مناطق أخرى تتبع مديريات مذيخرة وذي السفال، وفق ما ذكرته مصادر لـ«الشرق الأوسط».

وجاء هذا الاستهداف، ضمن حملات حوثية واسعة تستهدف التجار وملاك المحال الصغيرة وباعة الأرصفة والمتجولين في إب.

الجماعة الحوثية ترغم التجار على التبرع لدعم «حزب الله» اللبناني (إعلام حوثي)

وفي منطقتي «الأفيوش» و«القاعدة» التابعتين لمديريتي مذيخرة وذي السفال بإب، اشتكى أصحاب مطاعم وتُجار لـ«الشرق الأوسط»، من إتاوات فرضت عليهم من قبل قيادات في الجماعة يتصدرهم المدعو أحمد أنعم، وهو المشرف الحوثي في مديرية مذيخرة، والقيادي محمد حيدر الأسد، المعين نائباً لـ«مكتب الصناعة» في منطقة «القاعدة».

وذكرت المصادر، أن تلك الحملات «لم تستثن حتى المزارعين والسكان الأشد فقراً بتلك المناطق، إذ فرضت الجماعة على المزارعين دفع إتاوات مالية، وتقديم بعض من محاصيلهم الزراعية دعماً للمجهود الحربي».

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد توثق بعض الانتهاكات التي تقوم بها الجماعة الحوثية ضد أهالي منطقة الأفيوش في مديرية مذيخرة، بما في ذلك الاعتداء بالضرب إثر رفضهم دفع الجبايات.

وأجبر التعسف الحوثي كثيراً من التجار، وبينهم أصحاب محلات ومطاعم وباعة أرصفة، على رفع شكاوى لسلطات الانقلاب الحوثي في إب وصنعاء لإنصافهم وإيقاف البطش المفروض عليهم لكن دون جدوى.

وسبق أن نفذت الجماعة الحوثية هذا العام، حملات استهدفت أسواقاً وعدة محال تجارية وباعة أرصفة بعموم مناطق سيطرتها، وفرضت غرامات مالية تفاوتت بحسب حجم المتاجر وقيمتها السوقية.