يعتقد البعض أن معركة العالم مع «كورونا» ستنتهي بمجرد اكتشاف لقاح ناجع يحمي من الإصابة بهذا الفيروس، لكن من يتابع تفاعلات «السوشيال ميديا» الغربية بدقة سيفهم أن معركة أخرى ستبدأ بمجرد اعتماد اللقاح وإنتاجه؛ إذ تموج تلك التفاعلات بتيارات مؤثرة تعادي اللقاحات وتعتبرها غير آمنة، وهي تيارات تكسب كل يوم مؤيدين.
قبل أسبوعين، نشرت دورية «نيتشر» العلمية الأميركية دراسة حملت استخلاصاً صادماً مفاده أن الوصول إلى لقاح معتمد يقي من «كورونا» سيكون إيذاناً ببدء معركة يتعين على القادة السياسيين خوضها؛ وهي المعركة التي ستستهدف إقناع الجمهور بجدوى اللقاح ومواجهة دعاوى رافضي التطعيمات، التي تحفل بها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
سعت الدراسة، التي شارك في تنفيذها عدد من الجامعات الكبيرة، إلى متابعة التفاعلات الصادرة عن ملايين من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في 37 دولة، لتتوصل إلى «تنامي الحركة الرافضة للقاحات» بدرجة ملحوظة؛ وهو أمر كان موضع اهتمام السلطات في أكثر من بلد غربي على مدى السنوات الفائتة.
في مارس (آذار) من العام الماضي، دعا وزير الصحة البريطاني مات هانكوك شركات التواصل الاجتماعي العملاقة إلى «بذل مزيد من الجهود للقضاء على الخرافات المضادة للتطعيمات»، قبل أن يلتقي وزير التعليم داميان هندز مسؤولين بتلك الشركات لمناقشة سبل الحد من «المعلومات المضللة بشأن اللقاحات» عبر منصاتهم. لذلك، لم يكن غريباً أن يعلن «فيسبوك» أنه بصدد اتخاذ إجراءات لحظر المحتوى المضاد للتطعيمات، قبل أن يهاجم «كورونا» العالم، وتحفل «السوشيال ميديا» بتفاعلات محذرة من استخدام أي لقاح للوقاية منه.
لقد عرف العالم اللقاحات، وتمت البرهنة على نجاحها في مواجهة كثير من الأمراض، وثبتت قدرتها على إنهاء بعضها تماماً أو تقليل الإصابة بها إلى أقصى حد، لكن بموازاة ذلك نشأت حركة مضادة للتطعيمات بشكل قوي، وهي حركة اكتسبت ثقلاً وتأثيراً وزاد مؤيدوها باطراد عبر السنين، رغم عدم قدرتها على إثبات وجهة نظرها بشكل علمي حتى الآن.
يقول البروفسور هايدي لارسون، الذي يشرف على دراسة عن «الثقة في اللقاحات»، في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، إن بيئة المعلومات الصحية على مواقع التواصل الاجتماعي «مربكة للغاية»، وإن اعتماد بعض المستخدمين عليها يتزايد لأسباب مختلفة، وإن قطاعاً منهم يتأثر بالموقف من التطعيمات، خصوصاً دعاوى أفضلية «الخيارات الطبيعية».
تحفل «السوشيال ميديا» بكثير من الإفادات التي تهاجم التطعيمات وتعتبرها جزءاً من خطة لـ«تقليل عدد سكان العالم» أو «السيطرة على البشر»؛ وهي إفادات لم تتم البرهنة على صحتها بشكل مناسب حتى اللحظة، ويُستخدم التزييف والتضليل لتعزيزها كثيراً. بسبب شيوع مثل تلك الإفادات، رأت منظمة الصحة العالمية، نهاية العام الفائت، أن الحركات المناهضة للتطعيم تعد واحدة من أكبر عشرة تهديدات للصحة في العالم، وقد ثبت في بلدان عديدة أن حملات التشكيك في اللقاحات تقلل أعداد مستخدميها، وأن ذلك يقود إلى الإضرار بخطط مواجهة الأمراض.
لا يجب القبول بمصادرة حق أي صاحب رأي أو مصلحة في التعبير عن موقفه بحرية عبر وسائط التواصل الاجتماعي، لكن عندما يتعلق الأمر بالصحة العامة وحياة الناس؛ فإنه من الضروري أن تُحظر الأخبار الزائفة والدعوات المضللة أو المعلومات الصحية التي لم تثبت دقتها ولم تصدر عن المؤسسات المعنية، ما دامت الأضرار الناجمة عنها تبدو جلية.
ستكون شركات التواصل الاجتماعي العملاقة على المحك عندما تحتدم تلك المعركة حول اللقاح المنتظر، وعليها أن تطور سياسات وترسي آليات محكمة تضمن تعبير الجمهور عن آرائه بحرية وانفتاح في هذا الموضوع الخطير، لكن عليها أيضاً أن تبذل جهوداً واضحة لضمان عدم شيوع معلومات زائفة، أو دعاوى مضللة، أو حملات تحريض لا تستند إلى أدلة كافية عبر منصاتها، في شأن صحي حيوي يهم العالم أجمع.
«السوشيال ميديا»... و«معركة» اللقاح
«السوشيال ميديا»... و«معركة» اللقاح
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة