مع 89.4 مليون زائر العام الماضي، تمثل فرنسا أول وجهة سياحية في العالم. وهي تحتل المرتبة الأولى منذ سنوات بفضل طبيعتها المتنوعة وثروتها التراثية والتاريخية والعمرانية والثقافية والدينية، ومتاحفها ومهرجاناتها المتنوعة، وفنادقها، ومطبخها المتفوق، وخدماتها المتميزة، وعياداتها الطبية والتجميلية، ومَن عبر العالم لم يسمع بـ«الريفييرا» الفرنسية ومنتجعاتها، مثل مدن نيس وكان وأنتيب، أو تلك المطلة على الشواطئ الأطلسية، مثل: لا بول، ولا روشيل، وبوردو، أو قصور نهر اللوار، أو منتجعات جبال الألب والبيرينه...؟
ولكن مع وباء «كوفيد19» وتدابير الحجر التي فرضت منذ 17 مارس (آذار) الماضي ولم ترفع إلا جزئياً وتدريجياً بداية الأسبوع الحالي، وإقفال الحدود ووقف رحلات الطيران وإغلاق المطاعم والفنادق والملاهي والمتاحف، أصيب القطاع السياحي في الصميم. ولأجل إنقاذ هذا القطاع، سيقوم رئيس الحكومة اليوم بالكشف عن «خطة مارشال» لإخراج القطاع من حالة الموت السريري ومنعه من الغرق. وسبق للرئيس إيمانويل ماكرون أن أعلن في كلمته إلى الفرنسيين مساء 13 أبريل (نيسان) الماضي أن القطاع السياحي يمثل «أولوية وطنية»، وهو أحد كبار المشغلين؛ إذ يوفر وظائف لمليوني شخص، ويشكل 8 في المائة من الناتج الوطني الخام، أو ما يساوي 56.2 مليار يورو (إحصاءات عام 2018). وحدها الفنادق والمطاعم والملاهي البالغ عددها، عبر فرنسا كلها، 235 ألف مؤسسة، توفر مليون فرصة عمل. ووفرت السياحة للفنادق ولأشكال الإقامة الأخرى 316 مليون ليلة. ولإكمال الصورة، تتعين الإشارة إلى القطاعات المصاحبة مثل قطاع النقل بأنواعه كافة، والمكاتب السياحية والعقارية والمرشدين والقطاعات المرتبطة بها، كالمصارف ومحلات الصيرفة والمخازن التجارية بأنواعها كافة، ناهيك بالقطاع الزراعي والتحويلي، ما يعكس صورة متشابكة لأنشطة أساسية منتشرة على الأراضي الفرنسية كافة.
لم تنتظر الحكومة الكشف عن «خطة مارشال» للبدء بمساعدة القطاع السياحي؛ إذ إنها وفرت له حتى اليوم ما لا يقل عن 10 مليارات يورو؛ منها ما يزيد على 6 مليارات يورو على شاكلة قروض تضمنها الحكومة، إضافة إلى دفع رواتب عشرات الآلاف من الموظفين في إطار ما تسمى «البطالة الجزئية» التي تعني أن الدولة تتحمل عبء ما يزيد على 80 في المائة من رواتب القطاع الخاص.
وبما أن قطاع النقل الجوي هو عصب السياحة، فإن الحكومة أقرت قروضاً ومساعدات لشركة «إير فرنس»، وهي الناقل الوطني، بقيمة 7 مليارات يورو لإبقائها على قيد الحياة؛ إذ إن رئيسها أقر بأنها تخسر 25 مليون يورو في اليوم. ووجهت مجموعة تمثل أصحاب الفنادق والمطاعم رسالة إلى رئيس الجمهورية تنبه فيها إلى انهيار القطاع، وتؤكد أن 25 في المائة من المؤسسات التي تمثلها «لن تقوى على البقاء» من غير مساعدات مكثفة من الدولة. من هنا، أهمية ما سيأتي به إدوار فيليب، رئيس الحكومة، اليوم، عقب اجتماع اللجنة الوزارية المختصة. وتطالب المجموعة بخفض الضريبة المضافة وبتدابير طارئة على المستويات كافة.
ثمة قناعة بأن الموسم السياحي الصيفي سيكون كارثياً إذا بقيت الحدود مقفلة كما هي حال الحدود الفرنسية اليوم، وإذا بقيت الطائرات جاثمة في المطارات وممنوعة من التحليق بسبب الخوف من موجات جديدة من فيروس «كورونا». وتأتي الخطة الفرنسية في اليوم التالي لكشف المفوضية الأوروبية عن خطتها لمساعدة السياحة الأوروبية بشكل عام، ومن بين مقترحاتها تشجيع الحكومات الأوروبية على إعادة فتح الحدود في الفضاء الأوروبي، بينما الحدود الخارجية ستبقى مقفلة إلى أجل غير محدد. وانطلاقاً من ذلك، فإن السلطات الفرنسية تشجع المواطنين على تمضية عطلتهم الصيفية على الأراضي الفرنسية، مما يمكن أن يوفر تعويضاً جزئياً عن وصول السياح الدوليين. وتبين الأرقام الرسمية لعام 2018 أن الأوروبيين يمثلون القسم الأكبر من السياح في فرنسا؛ 15 في المائة من بريطانيا، و13.7 من ألمانيا، و13 في المائة من بلجيكا ولوكسمبورغ، و8 في المائة من إيطاليا. ومن خارج الاتحاد الأوروبي يحتل الأميركيون المرتبة الأولى بـ5 في المائة، وهي نسبة تساوي ضعف السياح القادمين من الصين. أما من الشرق الأوسط، فإن هذه النسبة تتراجع إلى 1.6 في المائة.
وخلاصة القول إن العودة لفتح الحدود بين دول الاتحاد من شأنها الحد من خسائر القطاع الذي سيحتاج لسنوات عدة حتى يقف مجدداً على رجليه شرط أن تكون الخطة الحكومية بمستوى التحدي وأن يتراجع خطر «كوفيد19».
فرنسا تكشف اليوم خطتها من أجل إنقاذ قطاعها السياحي
فرنسا تكشف اليوم خطتها من أجل إنقاذ قطاعها السياحي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة