هجوم دياب المبرمج على سلامة يدخل لبنان في مرحلة سياسية جديدة

يسعى إلى جس نبض اللبنانيين قبل اصطدامه بقانون النقد والتسليف

TT

هجوم دياب المبرمج على سلامة يدخل لبنان في مرحلة سياسية جديدة

أدخل رئيس الحكومة حسان دياب لبنان في مرحلة سياسية جديدة في هجومه غير المسبوق على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، غير تلك التي كانت قائمة قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي، ما فتح الباب على مصراعيه أمام ارتفاع منسوب تبادل الحملات السياسية والإعلامية التي طاولت بشكل مباشر رئيس الجمهورية ميشال عون، خصوصاً من أطراف بارزة في المعارضة اتهمته بأنه يقف وراء التحريض على سلامة بذريعة مكافحة الفساد ووقف هدر المال العام واسترداد الأموال المنهوبة والتحويلات إلى الخارج.
وطرح هجوم دياب المفاجئ على سلامة أكثر من علامة استفهام من قبل معارضيه، مع أن من يؤيده رأى في هجومه الناري الذي ضمّنه تهديدات مباشرة له ولمن يقف إلى جانبه، بأنه كان مضطراً لوضع النقاط على الحروف لعله يكسب انحياز المجتمع الدولي الذي ينادي باستمرار بمكافحة الفساد، وأيضاً «الحراك الشعبي» في تبنّيه لأبرز مطالبه من جهة وفي حملته غير المباشرة على بعض الأطراف التي تولّت السلطة في السابق.
ويقول من يؤيد دياب في خطابه، إن من حقه أن يسأل سلامة عن مصير التطمينات على صمود سعر صرف الليرة، وبالتالي فهو نطق باسم السواد الأعظم من اللبنانيين، من دون أن يخفي هؤلاء رغبته في إنهاء خدمات سلامة.
وفي المقابل، فإن خصوم دياب يرون أنه حاول أن يقدّم نفسه من خلال التهديدات التي وجّهها إلى سلامة بأنه الرئيس القوي تيمّناً بما يسمى بـ«العهد القوي»، مع أنه يعلم جيداً بأن عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل كانا يصران على استبداله بمنصور بطيش وطرحا تغييره مع الرئيس سعد الحريري الذي أصر على بقائه ولم يكن أمامهما سوى استرضاء بطيش بتعيينه وزيراً للاقتصاد.
ويطرح هؤلاء مجموعة من الأسئلة، خصوصاً بعدما تعذّر على دياب إقالة سلامة في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء رغم أنه لم يطرحها مباشرة وإنما بطريقة غير مباشرة بسؤاله: ما العمل مع سلامة؟ وقد اصطدم بموقف وزير المال غازي وزني الذي لم يدافع عنه بمقدار ما اعتبر أن مثل هذه الخطوة تأخذ البلد إلى المجهول لوجود موانع قانونية تمنع إقالته.
ومن أبرز هذه الأسئلة:
- هل يُعقل أن يشكو رئيس الحكومة، سلامة للبنانيين باعتبار أنه يفقد السلطة عليه، بدلاً من أن يتقدّم هؤلاء منه بشكواهم على تردّي أحوالهم المعيشية والاجتماعية؟
- إذا كان دياب يريد كسب ودّ المجتمع الدولي، فإن هناك من يسأله: كيف تطلب مساعدة من صندوق النقد الدولي وتعمل لإعادة تعويم قرارات مؤتمر «سيدر» وتدخل في مفاوضات مجدولة الديون وأنت لا تمون على موظف برتبة مدير عام؟
- يسأل دياب عن مصير التطمينات على سعر صرف الليرة؟ مع أنه يجب أن يتوجّه بسؤاله إلى عون الذي كان صرّح أو نُقل عنه بأن لا خوف على الليرة وأن الاستقرار النقدي في أمان، خصوصاً أن تطميناته جاءت قبل وبعد الانتفاضة الشعبية؟
- لماذا صمت دياب طويلاً قبل أن يبادر إلى «تهشيم» الوضعية المالية والنقدية لسلامة مع أنه يلتقيه أسبوعياً، وينسحب السؤال على عون؟
- من عطّل إعادة النصاب إلى المجلس المركزي في مصرف لبنان بإصدار رزمة التعيينات المطلوبة مع أن الأكثرية كانت لعون وحلفائه في الحكومات التي شُكّلت فور انتخابه رئيساً للجمهورية؟
- يعرف دياب جيداً أن المسؤولية تقع أولاً على عون وليس على الحريري في عدم تعيين مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، مع أنه هو بمثابة العين الساهرة للحكومة والحكم في مراقبته لكل ما يدور في «المصرف المركزي» إضافة إلى موافقة عون على التمديد لسلامة؟
- إن «حزب الله» يشكّل رأس حربة في دعم إقالة سلامة، لكنه يقف وراء عون ودياب لئلا يقال إن حكومة الحزب هي التي اتخذت القرار.
- إن دياب كان وافق على مجموعة من التدابير لمكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، لكنه أسقط نفسه في مشكلة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري في إيكاله هذه المهمة لمدير عام وزارة المال آلان بيفاني قبل أن يتراجع عن موافقته بسبب تهديد وزني وزميله مصطفى مرتضى بالانسحاب من جلسة مجلس الوزراء.
لذلك، فإن جلسة مجلس الوزراء المقررة بعد غد الثلاثاء وعلى جدول أعمالها «شرعنة» مجموعة من التدابير تحت عنوان مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة قد تشهد مواجهة ما لم يصر إلى تصويب هذه التدابير، لأن الصيغة التي اعتمدت تجعل من الذين يُشرفون على تنفيذها وكأنهم يشغلون مناصب قضائية وينوبون عن القضاء في تولي مهمة ليست من اختصاصهم.
وفي هذا السياق، تتهم قوى في المعارضة دياب بأنه يستمد فائض القوة في هجومه على سلامة من تشكيل «غرفة أوضاع» على غرار الغرفة التي أنشأها الرئيس إميل لحود وكانت وراء استهداف فريق معين، وترى أنه بالنيابة عن عون يتزعّم القيام بانقلاب يطيح بالنظام المصرفي الحالي من دون إعفاء سلامة من أخطائه، لكن الكلمة تتجاوزه لخوض «حرب إلغاء» للمعارضة. وعليه فإن دياب يحاول توجيه اتهامات بنبرة عالية لسلامة لاستدراجه للاستقالة لأن إحراجه من وجهة نظره سيدفع به إلى الاستقالة، لكنه أخطأ في الحساب لأن سلامة سيقول كلمته في الرد عليه. كما أن دياب يسعى من خلال هجومه المبرمج لجس نبض اللبنانيين في حال إقالته لسلامة قبل أن يصطدم بقانون النقد والتسليف.
ويبقى السؤال، على ماذا يعتمد دياب في هجومه على المعارضة؟ مع أن بعضها أخطأ أثناء توليه السلطة وهل يستمد قوته من أطراف غير «العهد القوي» الذي يتعامل معه هذا البعض على أنه انتهى سياسيا قبل أوانه؟
«أمل»: واشنطن تمنع إقالة سلامة
إلى ذلك، تحدث مسؤول في «حركة أمل» التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري أمس، عن تحذير أميركي تلقاه لبنان مفاده بأن إقالة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة «ستؤدي إلى حجز أموال لبنان وذهبه البالغة 20 مليار دولار في الولايات المتحدة، واعتبار هذه الأموال هي لحزب الله»، وذلك بموازاة دعم كبير تلقاه سلامة من البطريرك الماروني بشارة الراعي، إلى جانب شخصيات وأحزاب أخرى تعارض توجهات «التيار الوطني الحر» ورئيس الحكومة حسان دياب.
وبعد شيوع معلومات عن أن بري و«حركة أمل» يقدمان الحماية لحاكم المصرف المركزي، ويعارضان إقالته، نُقِلَ عن عضو هيئة الرئاسة في «أمل» قبلان قبلان تأكيده أن بري يهتم بالبلد أكثر من الأشخاص، موضحاً: «ليس صحيحاً أن أحداً في الحكومة أو خارجها طلب إقالة سلامة، إنما الصحيح أن السفيرة الأميركية أبلغت رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية من خلال جبران باسيل أن إقالة سلامة ستؤدي إلى حجز أموال لبنان وذهبه في الولايات المتحدة البالغة 20 مليار دولار، واعتبار هذه الأموال هي لحزب الله»، مضيفاً: «وعليه لم يتجرؤوا على إقالته ويبحثون عن أحد يحملونه المسؤولية».
وأشار قبلان إلى أن إقالة سلامة وتعيين أحد مكانه اليوم قبل تعيين نواب للحاكم «قفزة في المجهول لأنه لا يوجد شخص واحد اليوم في لبنان يعرف ماذا يوجد في مصرف لبنان وفي المصارف، وبالتالي إقالة سلامة دون بديل موثوق هي ضياع لما تبقى من ودائع بعد أن ضاع المصير، ومن ثم هذا يعني تفلت سعر الدولار، والدخول في أزمة خطيرة على مستوى الشارع اللبناني، لأن الأزمة في الأساس هي استهداف المقاومة وإدخالها في صراع مفتوح وخطير في الداخل اللبناني». وقال إن «الرئيس بري يحاول تجنيب المقاومة والبلد الانزلاق الكبير، مع التأكيد على أن إقالة سلامة لم تطرح، لأن باسيل ودياب لا يملكان جرأة رفض طلب السفيرة الأميركية، وكل اتهام للرئيس بري ولحركة أمل هو اتهام باطل».
ويدفع «التيار ‏الوطني الحر» باتجاه إجراء تعديلات بالسياسات والأشخاص في مصرف لبنان، وأوضح رئيسه جبران باسيل أمس «أنّ المصرف المركزي يتحمل مسؤولية كبيرة بالخسائر الواقعة عليه، وبعدم شفافية أرقامه، ولكن من غير المعقول القول إنّ المصرف المركزي هو وحده المسؤول، بل إنّ المجلس النيابي والحكومة هما المسؤولان عن تركه بالتمادي في هذه الأخطاء بدون التصحيح اللازم».
وأكّد باسيل أنّه إذا قررت الحكومة تحمّل مسؤولياتها فهذا لا يعني انقلاباً على النظام المالي الحرّ، معتبراً أنّه على المصرف المركزي التعاون لتفادي الأعظم.
لكن التغييرات في حاكمية مصرف لبنان، لا تقتصر مخاطرها على افتعال أزمة مع واشنطن في هذا الوقت، بل تصطدم بموانع وضعها البطريركية المارونية. فقد عبّر البطريرك الراعي أمس عن تفاجئه «بحُكمٍ مبرم بحقّ حاكم مصرف لبنان، من دون سماعه وإعطائه حقَّ الدفاع عن النفس عملياً، ثمّ إعلان الحكم العادل بالطُّرق الدستورية. أمَّا الشَّكل الاستهدافي الطاعن بكرامة الشَّخص والمؤسَّسة التي لم تعرف مثل هذا منذ إنشائها في عهد المغفور له الرئيس فؤاد شهاب، فغير مقبول على الإطلاق». وتساءل الراعي: «مَن المستفيد مِن زعزعة حاكمية مصرف لبنان؟ المستفيد نفسه يعلم! أمَّا نحن فنعرف النتيجة الوخيمة وهي القضاء على ثقة اللبنانيين والدول بمقومات دولتنا الدستورية». واعتبر أن هذا النهج «المُغاير لنظامنا السياسي اللبناني جزءٌ مِن مخطَّط لتغيير وجه لبنان». وشدد على أن «هذا الكرسي البطريركي المؤتمن تاريخياً ووطنياً ومعنوياً على الصِّيغة اللبنانية يُحذِّر من المضي في النهج غير المألوف في أدبياتنا اللبنانية السياسية».
وأكدت كتلة «اللقاء الديمقراطي» أن البطريركية المارونية تكرس صوت العقل الوطني الحريص على بقاء لبنان وطناً ديمقراطياً بعيداً عن التفرد والإقصاء. وأعلنت رفضها «بشكل قاطع كل محاولات القضاء على ثقة اللبنانيين والدول بمقومات دولتنا الدستورية. كما نرفض هذا النهج المغاير الذي يبدو كأنه جزء من مخطط لتغيير وجه لبنان». ولفتت إلى أنه «كما في معركة قيام لبنان الكبير، ثم في معركة الاستقلال الثاني، حيث كان الكرسي البطريركي مؤتمن على الصيغة اللبناني».



التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)

رغم اتفاق القاهرة وواشنطن على ضرورة تفعيل خطة لإعادة إعمار غزة، فإن النهج الذي ستتبعه هذه الخطة ما زال غامضاً، فضلاً عن عدم تحديد موعد لعقد مؤتمر في هذا الشأن.

ووسط تسريبات إسرائيلية عن مسعى لإعمار جزئي، وتناغم خطة أميركية جديدة مع هذا المسار العبري من دون رفض للخطة المصرية في إعمار كامل وشامل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط» إن مصر تهدف إلى «إطلاق مسار متكامل بشأن إعمار غزة».

تلك الجهود أكدتها أيضاً الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» قائلة إنها «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

المسار الأول

ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ظهر مساران، أحدهما مصري والآخر أميركي يبدو متناغماً مع طرح إسرائيلي، والاثنان يقودان تصورات على أرض الواقع بشأن إعمار القطاع المدمر بسبب الحرب الإسرائيلية على مدار نحو عامين.

وعقب الاتفاق، كان المسار المصري أسرع في الوجود، وجدد الرئيس المصري التأكيد على عقد مؤتمر لإعمار قطاع غزة، وكان موعد نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، هو المحتمل لذلك التنظيم، ومع عدم عقده قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، قبل أسابيع، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «لتعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ولتسريع الجهود، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني يوهان فاديفول، أوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

لقطة عامة لخيام نازحين وسط أحوال جوية قاسية في خان يونس جنوب قطاع غزة 18 ديسمبر 2025 (رويترز)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار.

ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

إعمار من دون تهجير

وحسب عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية والأكاديمي المصري أحمد فؤاد أنور، فإن «مصر تسعى لتوفير توافق أكبر على جعل أي نهج للإعمار، سواء عبر خطة مصرية أو غيرها وفق إطار جعل غزة مكاناً ملائماً للحياة دون أي تهجير أو تهديد للأمن القومي المصري»، متوقعاً أن «تنجح الدبلوماسية المصرية في ذلك كما نجحت في مؤتمر شرم الشيخ للسلام».

ويضيف أنور: «الأولوية لدى مصر هي توفير طوق نجاة للجانب الفلسطيني، وتواصل التعاون مع الشركاء بشكل جدي من أجل توفير الزخم اللازم لإنجاز مهمة الإعمار، سواء كانت نابعة من خطة مصرية أو أميركية شريطة أن تصل بنا لجعل غزة مكاناً ملائما للسكن وليس للتهجير أو المساس بحق الفلسطينيين أو الأمن القومي المصري».

المسار الآخر

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدأت بوادر المسار الآخر الأميركي، وأكد جاريد كوشنر، صهر ترمب في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية، وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة؛ وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

ومطلع الأسبوع الحالي، تحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن خطة أعدها كوشنر والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» لإعمار غزة مع اشتراط نزع سلاح «حماس»، بدءاً من الجنوب في رفح على مدار 10 سنوات، وتعنون بـ«رفح الجديدة» (تتمسك بها إسرائيل للبدء بها، والتي تقع على مقربة من الحدود المصرية) دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

هذا المسار الأميركي المنحاز لإسرائيل، وفق تقديرات فؤاد أنور، «أقرب لصفقة تفاوضية، تريد أن تضع شروطاً تخدم مطالب إسرائيل بنزع (سلاح المقاومة)، والضغط عليها وفي الوقت ذاته احتمال تمرير التهجير دون أن ترفض الخطة المصرية صراحة، وبالتالي هناك اختلاف بين رؤيتي القاهرة وإسرائيل».

أي المسارين سينجح؟

وسط ذلك الاختلاف، والتساؤل بشأن أي المسارين سيكتب لها التموضع، قال وزير الخارجية التركي في تصريحات أدلى بها للصحافيين، السبت، إن «هناك تفاهمات تبعث على الأمل رغم تعنت إسرائيل»، مضيفاً: «هناك دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة، تم تقديمها ونقاشها بشكل تمهيدي»، وفقاً لما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية، غداة اجتماع للوسطاء في مدينة ميامي الأميركية، لبحث مستجدات اتفاق وقف إطلاق النار.

وخرج تقرير «بلومبرغ»، الاثنين، التي نقلت خلاله عن مصادر، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة، مطلع الشهر المقبل على أقرب تقدير على أن يعقد في واشنطن أو مصر أو مواقع أخرى في ظل سعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعطاء زخم جديد لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

عمال فلسطينيون يُصلحون قبل أيام طريقاً تضرر من الحرب بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وتعليقاً على تقرير «بلومبرغ»، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في تصريح خاص، الأربعاء، إن «الجهود الدولية لا تزال مستمرة للتشاور والتنسيق بين الأطراف المعنية، بما في ذلك مصر والولايات المتحدة، وبالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين؛ بهدف تهيئة الظروف الملائمة لإطلاق مسار متكامل للتعافي المبكر وإعادة الإعمار».

وأضاف خلاف: «لا تزال المشاورات جارية بشأن إعادة الإعمار، لدعم الشعب الفلسطيني وتخفيف معاناته، وبما يتسق مع الجهود الأوسع لتثبيت وقف إطلاق النار ودفع مسار التهدئة».

وبشأن مستجدات عقد مؤتمر الإعمار، وهل سيكون بشراكة مع مصر أم منفرداً، وحول مكان انعقاده، قالت الخارجية الأميركية في تصريح خاص مقتضب، إن الولايات المتحدة «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

وتحفظت وزارة الخارجية الأميركية عن الإدلاء بتفاصيل حالية، قائلة: «نتواصل بشكل فعّال مع شركائنا، وليس لدينا أي بيانات رسمية في الوقت الحالي».

ويرى فؤاد أنور، أن «مسار مصر أقرب للنجاح وسط المحادثات والمشاورات المصرية المستمرة لإنجاز مسار الاتفاق»، مشيراً إلى أن «واشنطن لن تغامر بالانحياز الكامل لإسرائيل في المرحلة الثانية المنتظرة والمرتبطة بترتيبات أمنية وإدارية مهمة، وقد تتجاوب مع الأفكار المصرية العربية ونرى مقاربة مغايرة أفضل قليلاً وتبدأ النقاشات بشأنه للوصول لرؤية ذات توافق أكبر».


وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
TT

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)

قالت حركة «حماس» إن وفداً بقيادة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة اليوم الأربعاء، وبحث معه مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب، والأوضاع السياسية، والميدانية.

وذكرت «حماس» في بيان أن الحية أكد لوزير الخارجية التركي التزام الحركة ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، محذراً من استمرار «الاستهدافات، والخروقات» الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة، والتي قال إنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وتقويض التفاهمات القائمة».

وفيما يتعلق بالأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، أشار الحية إلى أن المساعدات الإغاثية التي تدخل القطاع «لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات»، موضحاً أن 60 في المائة من الشاحنات التي تسمح إسرائيل بدخولها هي شاحنات لبضائع تجارية، وليست مساعدات إنسانية.

وأكد الحية أن ذلك «يحرم الشريحة الكبرى من أبناء شعبنا من الحصول على احتياجاتهم الأساسية من غذاء، ودواء، وخيام بشكل إغاثي عاجل».

وتناول اللقاء أيضاً التطورات في الضفة الغربية، والقدس، حيث أكد وفد «حماس» على خطورة الممارسات «الإجرامية» الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية، والمسيحية.

كما ناقش الجانبان مسار تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة «المخططات» التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، بحسب بيان «حماس».


العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
TT

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد العليمي، على رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة في بلاده، أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، مؤكداً أن حماية المركز القانوني للدولة، ووحدة القرار السياسي تمثلان أولوية وطنية لا تقبل المساومة.

وفي إشارة إلى تصعيد مجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة، حذّر العليمي من أن أي مساس بوحدة الدولة سيقود إلى فراغات أمنية خطيرة، ويقوض جهود الاستقرار، ليس في اليمن فحسب، بل على أحد أهم خطوط الملاحة الدولية.

جاءت تصريحات العليمي خلال استقباله في الرياض، الأربعاء، سفيرة فرنسا لدى اليمن كاترين قرم كمون، حيث جرى بحث مستجدات الأوضاع المحلية، وفي المقدمة التطورات في المحافظات الشرقية، والدور المعول على المجتمع الدولي في دعم جهود التهدئة التي تقودها السعودية، وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة.

وأشاد العليمي - حسب الإعلام الرسمي - بالدور الفرنسي الداعم لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية، وبموقف باريس الثابت إلى جانب وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه، على النحو الوارد في بيان مجلس الأمن الدولي الصادر، الثلاثاء. كما جدّد تقديره للعلاقات التاريخية بين البلدين، معرباً عن ثقته باستمرار الدعم الفرنسي المتسق مع مبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وتطرق اللقاء - وفق ما أوردته وكالة «سبأ» الحكومية - إلى التحديات المتشابكة التي تواجهها القوى الوطنية في مسار استعادة الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، في ظل الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي خارج الأطر الدستورية ومرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

تحذير من المخاطر

أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني أن الدولة ستقوم بواجباتها كاملة في حماية مركزها القانوني، مشدداً على أن هذا المسار يتطلب موقفاً دولياً أكثر وضوحاً لدعم الإجراءات الدستورية والقانونية التي تتخذها مؤسسات الشرعية. وأشاد في هذا السياق بالتوصيف المُقدَّم للأزمة اليمنية الوارد في إحاطة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

وحذّر العليمي من أن أي تفكك داخلي سيعزز نفوذ الجماعات المتطرفة، ويخلق بيئات رخوة للجريمة المنظمة، مؤكداً أن أمن البحر الأحمر وخليج عدن يبدأ من استقرار الدولة اليمنية، وليس من شرعنة كيانات موازية أو مكافأة أطراف منقلبة على التوافق الوطني.

حشد في عدن من مؤيدي المجلس الانتقالي الجنوبي الداعي إلى الانفصال عن شمال اليمن (رويترز)

وأوضح أن ضبط النفس الذي مارسته القيادة خلال السنوات الماضية لم يكن تعبيراً عن ضعف، بل كان التزاماً وطنياً ومسؤولية سياسية لتجنُّب مزيد من العنف، وعدم مضاعفة معاناة الشعب اليمني، واحتراماً لجهود الأشقاء والأصدقاء الرامية إلى خفض التصعيد.

وجدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي التزام المجلس بحل عادل للقضية الجنوبية، يستند إلى الإرادة الشعبية، والانفتاح على الشراكات السياسية، وخيارات السلام، مع التأكيد على الرفض القاطع لتفكيك الدولة أو فرض الأمر الواقع بالقوة.

وفي سياق متصل، جدّد الاتحاد الأوروبي التزامه القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، ودعمه لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية. وأعلن الاتحاد، في بيان، الأربعاء، تأييده للبيان الصادر عن أعضاء مجلس الأمن، مؤكداً دعمه لجهود المبعوث الأممي إلى اليمن، والعمل من أجل سلام مستدام وازدهار دائم للشعب اليمني.

ودعا الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف إلى خفض التصعيد، وتعزيز الجهود الدبلوماسية، مرحباً بالاتفاق الذي جرى التوصل إليه في مسقط بشأن مرحلة جديدة لإطلاق سراح المحتجزين.

كما أدان الاتحاد الأوروبي بشدة استمرار احتجاز الحوثيين لموظفين أمميين وعاملين في منظمات إنسانية ودبلوماسية، مطالباً بالإفراج الفوري وغير المشروط عنهم.