جهاز المناعة... أقوى الدفاعات ضد «كورونا»

جهاز المناعة... أقوى الدفاعات ضد «كورونا»
TT

جهاز المناعة... أقوى الدفاعات ضد «كورونا»

جهاز المناعة... أقوى الدفاعات ضد «كورونا»

يعتبر فيروس كورونا «كوفيد - 19» من الأمراض البيئية الوبائية المتميزة مثله مثل العديد من الأمراض الأخرى «إيبولا» و«سارس» و«كورونا الشرق الأوسط» والعديد من الأمراض الأخرى. وتوجد على سطح الكرة الأرضية مليارات الفيروسات أغلبها غير ممرض تقدر نسبتها بحوالي 94 في المائة والقليل منها الممرض. ويستفاد منها في إعادة تدوير المواد العضوية في البحار.
تحدث إلى «صحتك» الدكتور مجدي بن حسن الطوخي استشاري الصحة العامة والأمراض المعدية والمستشار بالهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة – مستعرضا عددا من الحقائق العلمية – من أن الفيروسات تصيب كل شيء حي وأن الإنسان يستنشق ويأكل الملايين منها ويحمل أيضا جينات فيروسية تعتبر جزءا من الجينات البشرية. وكمثال فإن ملعقة من ماء البحر تحمل ملايين الفيروسات، ويوجد في مياه المحيطات 1030 باكتريوفاج Bacteriophages وهي الفيروسات التي تغزو البكتيريا وتعيش بداخلها. وحجم تلك المعادلة مماثل لحجم جميع الفيلة في العالم الآن. وتصيب عائلة فيروسات Calciviruses مثلا الحيتان في المحيطات، ولو انتقلت هذه الفيروسات إلى الإنسان لسببت له اضطرابات معوية. ويقول بعض الخبراء ومنهم البروفسور كاننغهام أستاذ وبائيات الحياة البرية بجمعية الحيوان البريطانية إن أحد أسباب انتشار كورونا حاليا أو سابقا هو تدخل الإنسان وتعكيره صفو الحياة الطبيعية للخفافيش أو الثعابين أو حيوان قط الزباد، بالإضافة إلى السرعة الفائقة في انتقال الإنسان عبر الطائرات والوسائل الأخرى.
- من الخفاش إلى الإنسان
> كيف يحدث التناغم بين الفيروسات التي تحتضنها الحيوانات ومنها الخفافيش وتعيش معها في وئام وسلام؟
- يجيب الدكتور مجدي الطوخي بأن الخفاش، وهو الحيوان الثديي الوحيد القادر على الطيران لمسافات بعيدة محتضنا العديد من الفيروسات، فخلال طيرانه الطويل بحثاً عن الغذاء والعودة مرة ثانية، تنشط لديه الدورة الدموية ويرتفع الضغط والحرارة وتتولد الحمى - والتي تحارب أي ارتفاع في نشاط الفيروس، ويحدث ذلك مرتين يومياً عند الطيران لإحضار الطعام، فبهذا السلوك يصبح الجهاز المناعي للخفافيش قويا جداً ويجعل الفيروسات والأمراض في جسم الخفافيش في حالة كمون وتعايش سلمي.
> كيف ينتقل الفيروس من الحيوان (الخفاش) إلى الإنسان ثم إلى العالم أجمع؟
- يجيب الدكتور مجدي الطوخي أنه لكي نفهم هذه الميكانيكية العجيبة يجب أن نفهم طبيعة تلك الحيوانات، فنأخذ مثلا الخفافيش، التي تحتضن العديد من الفيروسات والأمراض، ومن بين أنواعها خفافيش الفاكهة Fruit bats بالتحديد التي تُعتبر العائل الطبيعي لفيروس «إيبولا» الذي ينتقل إلى عائل وسيط كالقرود أو الكلاب ثم إلى الإنسان كما نجد أن خفافيش حدوة الحصان Horse shoe أو Rhinolopus هي العائل الطبيعي لفيروس كورونا «سارس» الذي ينتقل إلى قط الزباد Civit كعائل وسيط ثم إلى الإنسان. أما كورونا الحالية «COVID - 19» فما زالت، في أغلب الأحوال، خفافيش حدوة الحصان هي العائل الطبيعي للفيروس الذي ينتقل إلى آكِلِ النمل الحرشفي Pangolins كعائل وسيط ثم ينتقل إلى الإنسان كعائل نهائي.
> متى تأتي المشاكل؟
- تأتي عند انتقال الفيروس من الحيوان إلى حيوان آخر أو للإنسان. يعتقد العلماء أن حبس وتقييد حرية الحيوانات ومن ضمنهم الخفافيش في أقفاص لمدد طويلة يؤدي لاضطراب الجهاز المناعي فتقل فعاليته ويصبح غير قادر على مقاومة الفيروس فيخرج الفيروس من جسم الخفاش إلى الإنسان عند أول اختلاط أو تلامس وهذا ما حصل في سوق مدينة ووهان بالصين حيث تبقى الحيوانات في أقفاص لمدد طويلة تمهيدا لبيعها فيتولد الضيق والضغط على الحيوان وبالتالي يصبح الفيروس أكثر نشاطاً وعرضة للخروج وإصابة الإنسان أو أي حيوان آخر بمجرد الملامسة أو الأكل.
- تغلغل الفيروس
> كيف يدخل الفيروس إلى الخلية؟
- يوضح الدكتور مجدي الطوخي أن الفيروسات ما هي إلا جسيمات أو طفيليات تحت مجهرية تتألف من غلاف بروتيني (كابسيد) ومادة نووية هي القلب أو المخ للفيروس إما DNA أو RNA يحيط بها من الخارج مجموعة من البروتينات وهي تعتبر العضلات للفيروس. وكل بروتين له مهمة معينة حسب طبيعة وتكوين وشراسة الفيروس، بعضها موجه للجسم جميعه بدءا من الجهاز المناعي بهدف السيطرة عليه ثم إحداث انهيار كامل ونزيف حاد ثم الوفاة، والبعض الآخر مثل فيروس HIV يسيطر على الجهاز المناعي، والبعض الثالث مثل COVID - 19 موجه إلى الجهاز التنفسي وبالأخص الرئتين ليسيطر على الحويصلات الهوائية Alveoli ويشل الجهاز التنفسي بأكمله.
تتكون على السطح الخارجي للفيروس مجموعة من المسامير أو النتوءات Spikes تحمل بداخلها بروتينات متعددة منها بروتين سكري Glycoprotein يسمى (RBP) Receptor binding protein ومهمته الالتصاق على سطح الخلية والنفاذ والانصهار من خلال اختراق المستقبلات وهي من نوع ACE2)Angiotensin converting enzyme 2) مثل ما يحصل بين القفل والمفتاح. وعند نفاذ الفيروس داخل الخلية يبدأ حمض النواة الريبوزي RNA الخاص بالفيروس بالسيطرة على DNA الخلية ويبدأ جينوم الفيروس بالتكاثر داخل الخلية بعد السيطرة عليها. والجينوم الواحد يمكن أن ينتج حوالي 40 جينوما بالتكاثر العددي ويبدأ بالخروج من الخلية المصابة ليصيب خلية أخرى سليمة. وهكذا تتكرر العملية آلاف المرات حتى يسيطر الفيروس على الجسم إلا إذا كان الجهاز المناعي للشخص المصاب قويا وجيدا ويفرز أجساما مضادة تستطيع مهاجمة ومقاومة الفيروس والتغلب عليه.
> ماذا يصيب مرض كوفيد - 19 فئات من الناس أكثر من غيرهم وقد تكون إصابتهم قاتلة؟
- يجيب الدكتور مجدي الطوخي بأن فيروس كوفيد - 19 يمكن أن يُصيب الأشخاص من جميع الأعمار. ويبدو أن كبار السن والأشخاص المصابين بحالات مرضية سابقة الوجود (مثل الرَبْو، وداء السُكَّريّ، وأمراض القلب والسرطان) هم الأكثر عُرضة للإصابة لضعف جهاز المناعة لديهم.
وفي ظل عدم وجود علاج ناجع أو لقاح واقٍ ضد فيروس كورونا المستجد لحد الآن، فلا يزال الأطباء والباحثون يراهنون على قدرة الجسم البشري على التصدي للمرض القاتل، طالما أن جهاز المناعة لديهم سليم وصحيح.
- جهاز المناعة
يؤكد الدكتور مجدي الطوخي أن علم المناعة هو من أحدث العلوم الطبية الأساسية وأسرعها تطورا علـى الإطلاق كما أن التداخل المتعاظم لعلم المناعة في معظم أو جميع النظم والاختصاصات الطبية ودوره الهام في تشخيص كثير من الأمراض رفع من أهمية هذا العلم وجعل معرفته ضرورية للجميع.
ومنذ مطلع القرن العشرين بدأ تطور العلوم البيولوجية والتقنيات المستخدمة بها وتوجه الباحثون نحو إجراء التجارب المناعية لفهم الاستجابة المناعية والتعرف على نوعية الأضداد. فبمساعدة الأضداد بشكل عام والأضداد وحيدة النسيلة بشكل خاص أمكن تشخيص الكثير من الأمراض والوقاية منها ومعالجتها بشكل ناجع وخاصة الأمراض الخمجية التي تعتبر المسـبب الأساسي للوفيات في العالم ولا سـيما في بلدان العالم النامي. ومع أن السـيطرة على هذه الأمراض معقدة جدا، إلا أن قدرة الجهاز المناعي على التعامل مع الخمج هي قدرة لافتة للنظر، لا سـيما حينما تدعمها تقنيات اللقاحات الحديثة.
ويكمن سر اللقاحات في وجود الذاكرة الاستثنائية للجهاز المناعي، فهذا الجهاز لا يسـتطيع التعرف على الدخيل وتخريبه فحسب وإنما يستطيع أن يتذكره لعقود من الزمن ولذلك فإن الجسم يستجيب بإنتاجه أضدادا وخلايا تائية (مناعية) تتمكن في نهاية الأمر من التخلص من أي دخيل للجسم. ولقد استخدمت أنواع مختلفة من اللقاحات كالجراثيم أو الفيروسات أو الطفيليات الحية أو الميتة أو المضعفة. إلا أن استخدام التقنيات الجزيئية في تصنيع اللقاح زادت مـن نوعية اللقاح وفعاليته وخاصة عند استخدام مجموعة من البروتينات وهي الأضداد Polyclonal Antibody أو استخدام بروتين محدد وهي الأضداد وحيدة النسـيلة Monoclonal Antibody موجهة نحو الجزء الفعال من الجسم الغريب أو الدخيل فيحيده مما يساعد على درء المرض.
ويتألف جهاز المناعة من ثلاثة عناصر، هي:
- الأعضاء: وهي على نوعين: أعضاء مركزية (نخاع العظام والغدة الصعترية «غدة التيموس» Thymus gland)، وأعضاء خارجية أو محيطية (العقد اللمفاوية والطحال ولويحات باير Peyer’s patches).
- المواد الذائبة، وهي: الأضداد Antibodies - المتممات Complement - الليمفوكينات Lymphokins.
- الخلايا، وهي: الخلايا البلعمية الكبيرة - الخلايا البيضاء اللمفاوية - الخلايا البيضاء المعتدلة - الخلايا البيضاء الحامضية - الخلايا البيضاء الأساسية.
- أقسام المناعة
أما عن أقسام المناعة، فيقول الدكتور مجدي الطوخي أن المناعة تنقسم إلى قسمين رئيسيين، طبيعية ومكتسبة:
> أولا: المناعة الطبيعية. هي المناعة التي يمتلكها الإنسان قبل ولادته ويرثها من أبويه ولذلك تسمى بالمناعة الخلقية أو المتأصلة أو الغريزية، وهي مناعة عامة لا تختص بنوع معين من الكائنات الحية الممرضة ولذلك تسمى بالمناعة غير النوعية Non - specific Immunity وهي التي تحمي الجسم ضد غزو كل الكائنات والمواد الغريبة عنه بشكل عام دون تخصص وتؤمن له حماية غير محددة حيث تمنع دخول العديد من مسببات الأمراض للجسم كالبكتيريا والفيروسات والطفيليات وغيرها، وتقوم بذلك عبر عدة تقنياتٍ دفاعية كالعوائق الملموسة مثل الجلد، والعوائق الكيميائية مثل البروتينات المضادة للميكروبات التي تؤذي أو تدمر الأجسام الغريبة في الجسم والخلايا التي تهاجم الجسم والتي تحمل عوامل التهابية. هناك عدة عوامل تؤثر في المناعة الطبيعية وهي التأثير الوراثي؛ والعمر؛ والغدد الصم؛ والتأثير الهرموني؛ والتأثير الغذائي.
> ثانيا: المناعة المكتسبة. هي مناعة يتم اكتسابها خلال حياة الكائن الحي بعد تعرضه للأمراض، وتتميز مكوناتها بالعمل بطريقة انتقائية ومتخصصة إذ أن كل خلية أو جسيم تابع لها يستطيع العمل ضد عامل ممرض واحد ووحيد وخلافا للمناعة الطبيعية التي تتشابه عند بعض الأفراد ضد نوع معين فإن الاستجابة المناعية المكتسبة تختلف من فرد لآخر وفق عامل الحصانة المناعية المكتسبة التي مر بها جسم كل شخص على انفراد وبحسب الأمراض التي تعرض لها خلال حياته. هناك ميزة أخرى تضاف للحصانة المكتسبة ألا وهي القدرة على إنتاج ذاكرة مناعية. ويشمل جهاز المناعة المكتسبة الخلايا اللمفاوية من نوع B، T المستضدات. ويوجد نوعان من المناعة المكتسبة، هما:
- المناعة المكتسبة طبيعيا: وهي المناعة التي تظهر في الجسم بعد شفائه مـن مرض معد نتيجة تعرضه لجرثومة معينة لأول مرة، مثل: الجدري؛ الكوليرا؛ الحصبة، وتُقسم إلى قسمين هما المناعة الفاعلة Active والتي يكسبها الجسم نتيجة إصابته بخمج جرثومي معين ويتم تكوين وإفراز أضداد نوعية Antibodies ضد هذه الجراثيم كالمناعة التي يكتسبها الشخص عند إصابته بالعدوى لأول مرة بمرض السل أو الحصبة، والمناعة المنفعلة Passive التي يكسبها الجسم نتيجة دخول الأضداد الجاهزة إليه دون أن يقوم هو بتشكيلها، كالمناعة التي يكتسبها الطفل الوليد مـن أمه عـن طريق المشيمة أثناء الحمل، والمناعة التي يكتسبها الرضيع من الأم عن طريق الرضاعة.
- المناعة المكتسبة صناعيا: وهي المناعة التي تظهر في الجسم بعد تلقيحه أو حقنه بالأمصال بقصد رفع مقاومته للمرض مثل اللقاح ضد الجدري، وتُقسم إلى قسمين هما المناعة الفاعلة Active والتي يكتسبها الجسم نتيجة إدخال جراثيم معينة ميتة أو مضعفة بالتطعيم أو اللقاح بأضداد نوعية كالمناعة التي يكتسـبها بعد تلقيحه ضد تحفـز الجسم على تكوين مرض الكزاز أو مرض السل، والمناعة المنفعلة Passive والتي يكتسبها الجسم نتيجة تزويده بالأضداد الجاهزة صناعيا التي تحتوي على الأضداد النوعية المستخرجة من عائل آخر. كالمناعة التي يكتسبها ضد مرض التهاب الكبد الفيروسي أو مرض الدفتيريا أو داء الكلب.
وعن دور الخلايا اللمفاوية في المناعة، يضيف الدكتور الطوخي بأن الخلايا اللمفاوية تستجيب للتنبيه المناعي ويكون لها دور كبير في حدوث استجابة مناعية خلطية أو خلوية، وتنتشر هذه الخلايا في الأعضاء اللمفاوية وتتحرك مع الدم واللمف وهي على درجة عالية من التخصص، وتُصنف إلى مجموعتين متميزتين هما: الخلايا اللمفاوية البائية B - Lymphocytes: والخلايا اللمفاوية التائية.
- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19»....

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».