كيف تسببت شركة أدوية أميركية في نشر «كورونا» على نطاق واسع؟

شعار شركة بيوغن لصناعة الأدوية على مقرها الرئيسي في بوسطن (رويترز)
شعار شركة بيوغن لصناعة الأدوية على مقرها الرئيسي في بوسطن (رويترز)
TT
20

كيف تسببت شركة أدوية أميركية في نشر «كورونا» على نطاق واسع؟

شعار شركة بيوغن لصناعة الأدوية على مقرها الرئيسي في بوسطن (رويترز)
شعار شركة بيوغن لصناعة الأدوية على مقرها الرئيسي في بوسطن (رويترز)

في أول يوم اثنين من شهر مارس (آذار) الماضي، ظهر ميشال فوناتسوس، الرئيس التنفيذي لشركة بيوغن لصناعة الأدوية، في حالة معنوية جيدة جدا، حيث حقق عقار ألزهايمر الجديد الذي أنتجته الشركة إيرادات لم يسبق لها مثيل بالنسبة للشركة.
وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، فقد رد فوناتسوس على سؤال طرح عليه خلال مؤتمر صحافي في مقر الشركة في بوسطن حول ما إذا كان الفيروس التاجي الذي أثر بشكل كبير على الصين سيعطل سلاسل التوريد ويقلب الخطط الكبيرة للشركة، بالنفي مؤكدا أن الحالة الاقتصادية للشركة جيدة جدا.
ولكن أثناء حديثه، كان الفيروس ينتشر بصمت بالفعل بين كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة، والذين لم يعرفوا أنهم أصيبوا به قبل ذلك بأيام خلال اجتماع القيادة السنوي للشركة، حيث حضر هذا الاجتماع 175 مسؤولا، بعضهم جاء من دول أوروبية كان الوباء قد انتشر فيها على نطاق واسع بالفعل.
وقبل الاجتماع، تصافح الزملاء بحرارة وتبادل بعضهم القبلات على الخدين، حيث إنهم لا يلتقون سنويا إلا في هذا الاجتماع، كما تناولوا العشاء جميعا في أحد الفنادق الفخمة في نهاية اليوم.
وعقب هذا الاجتماع سافر بعض موظفي الشركة على متن طائرات مليئة بالركاب عائدين إلى عائلاتهم، حيث حملوا الفيروس إلى ست ولايات أميركية وثلاث دول على الأقل.
ويعد اجتماع القيادة السنوي لبيوغن أحد أبرز الأمثلة لما يسميه علماء الأوبئة المناسبات الناشرة للفيروس superspreading events، حيث يؤدي تجمع عدد قليل من الناس إلى عدد كبير من الإصابات. وبدلا من القيام بالمهمة المنوطة بهم في مكافحة الأمراض، تسبب موظفو الشركة في نشر الفيروس.
وأحصت إدارة الصحة العامة بولاية ماساتشوستس 99 مصابا بالفيروس من موظفي الشركة والأشخاص المخالطين لهم. إلا أن هذا العدد يشمل فقط أولئك الذين يعيشون في تلك الولاية. أما العدد الحقيقي عبر الولايات المتحدة، فكان أعلى بالتأكيد، حيث إن أول حالتي إصابة بالفيروس تم تسجيلهما في ولاية إنديانا وأول حالة في ولاية تينيسي كانوا لمديرين تنفيذيين بالشركة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن 6 من الحالات المبكرة التي تم اكتشافها في ولاية كارولاينا الشمالية تنتمي أيضا لموظفي الشركة.
وقال فوناتسوس في أول تعليق علني حول ما حدث: «بالنسبة للشركة التي تتمثل مهمتها في إنقاذ الأرواح، كان من الصعب جدا رؤية زملائنا ومجتمعنا يتأثرون مباشرة بهذا المرض. ما كنا لنعرّض أي شخص للخطر عن قصد».
وحتى يوم 21 فبراير (شباط)، قبل اجتماع بيوغن السنوي بيوم واحد، لم يكن لدى الولايات المتحدة سوى 30 حالة مؤكدة.
ويبدو أن الفيروس انتقل خلال الاجتماع من قبل اثنين من كبار المديرين التنفيذيين للشركة، حيث ظهرت نتيجة اختبارات «كورونا» الخاصة بهما إيجابية بعد أيام قليلة من اللقاء.
ورفضت الشركة ذكر أسماء هذين الموظفين، كما رفض فوناتسوس أن يخبر «نيويورك تايمز» ما إذا كان قد خضع لاختبار «كورونا».
وقال ديفيد كاويت، المتحدث باسم الشركة: «فوناتسوس يركز تماما على سلامة الموظفين، وتوفير الأدوية للمرضى، وقيادة الشركة. وهو يعتبر أن هذه الأمور لها الأسبقية على حالته الصحية».
وأكد كاويت أن الشركة تحركت بسرعة عند علمها بأن بعض موظفيها يعانون من أعراض تشبه الإنفلونزا، حيث أرسل كبير الأطباء في الشركة بريدا إلكترونيا لإبلاغ كل من حضر اجتماع القيادة بضرورة الاتصال بمقدم الرعاية الصحية عند الشعور بأي أعراض.
وبالفعل، توجه عدد من موظفي الشركة إلى غرفة الطوارئ في مستشفى ماساتشوستس العام مطالبين بإجراء اختبارات لهم، ليتم إخبارهم بأن حالاتهم لا تفي بمعايير الاختبار في ذلك الوقت، حيث لم يسافر أي منهم إلى إحدى بؤر تفشي الفيروس، ولم يتعاملوا بشكل مباشر مع أشخاص ثبتت إصابتهم بالفيروس، حسب علمهم.
وبعد يومين، تأكد اثنين من المديرين التنفيذيين، من إصابتهما بالفيروس، وذلك بعد عودتهما إلى منزليهما في ألمانيا وسويسرا، حيث كانت الاختبارات متاحة على نطاق أوسع.
وشاركت الشركة هذه الأخبار مع موظفيها وطالبتهم بالعمل من المنزل، ومع ذلك، قام مسؤول تنفيذي في بيوغن بزيارة مجموعة أبحاث الأدوية والشركات المصنعة الأمريكية PhRMA، في نفس اليوم، وقد ثبت بعد ذلك إصابة هذا المسؤول بـ«كورونا»، لتقوم المجموعة بإغلاق مقرها لتعقيمه.
بالإضافة إلى ذلك، فقد كان من ضمن الموظفين المصابين، موظفة صينية تدعى جاي لي، كانت تعيش في بوسطن منذ سنوات، وقد قررت لي السفر إلى الصين مع زوجها وطفلهما بعد شعورها بأعراض الفيروس، خوفا من ألا يجد الطفل من يعتني به في حال دخولها إلى المستشفى، حيث كان كل أقاربها في بكين.
وقال مسؤولو شركة طيران الصين (air china) إن لي تناولت الدواء لإخفاء أعراضها ولم تكشف عن حالتها الصحية للمضيفات على متن الرحلة.
وبعد هبوطها في الصين، وضعتها السلطات قيد التحقيق بتهمة «عرقلة الوقاية من الأمراض المعدية»، وهي جريمة يقال إن عقوبتها هي السجن لمدة تصل إلى سبع سنوات.
وتعافى جميع موظفي الشركة المصابين، وقال كاويت إنه، بخلاف لي التي تم فصلها، عاد الجميع إلى العمل.
وتبرعت بيوغن بمبلغ 10 ملايين دولار لمكافحة الفيروس وقامت بتوفير عدد من معدات اختبار الفيروس ومعدات الحماية للطواقم الطبية بمختلف المستشفيات الأميركية.
وتتصدر الولايات المتحدة دول العالم من حيث أعداد حالات الإصابة، ثم إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والصين وإيران وتركيا وبلجيكا وهولندا.
وبلغت أعداد الإصابات في الولايات المتحدة نحو 560 ألف إصابة إلى جانب نحو 22 ألفا و115 وفاة.


مقالات ذات صلة

ما الذي يجب أن تعرفه عن «كوفيد» الآن؟

علوم ما الذي يجب أن تعرفه عن «كوفيد» الآن؟

ما الذي يجب أن تعرفه عن «كوفيد» الآن؟

ضمن عدد من الفيروسات المعدية الأخرى

داني بلوم (نيويورك)
آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

«حكاوي القهاوي»... ملتقى فني بالقاهرة يحتفي بالفلكلور العربي

من الأعمال المشاركة في المعرض وتعبّر عن التراث النوبي (الشرق الأوسط)
من الأعمال المشاركة في المعرض وتعبّر عن التراث النوبي (الشرق الأوسط)
TT
20

«حكاوي القهاوي»... ملتقى فني بالقاهرة يحتفي بالفلكلور العربي

من الأعمال المشاركة في المعرض وتعبّر عن التراث النوبي (الشرق الأوسط)
من الأعمال المشاركة في المعرض وتعبّر عن التراث النوبي (الشرق الأوسط)

مشاهد متنوعة من الفلكلور المصري، ومن التراث الشعبي لعدة دول عربية من بينها السودان والسعودية وقطر والبحرين تلفت انتباه من يزور معرض ملتقى «عيون» الدولي للفنون التشكيلية الذي استضافته أكاديمية الفنون بالقاهرة على مدى 5 أيام، حتى الأربعاء.

والمعرض الذي حمل عنوان «حكاوي القهاوي»، يهتم بالحكي بالدرجة الأولى. كل فنان قدم حكاية تخصه أو جذبت انتباهه أو رأى فيها حالة فنية مميزة، ثم جاء الربط بينها وبين «القهاوي» أو المقاهي بوصفها حلقة الوصل الأشهر والمنتدى الأكثر شيوعاً لممارسة الحكي.

ويشير الفنان مصطفى السكري، رئيس الملتقى ومنظم المعرض، إلى أن «حكاوي القهاوي» عنوان مستلهم من برنامج تلفزيوني قديم ظل راسخاً في وجدان المصريين لفترة طويلة، كان يهتم بالحكايات الشعبية والتفاصيل الفلكلورية والتراثية في مصر.

الأفراح والفلكلور الصعيدي من ضمن الأعمال المشاركة (الشرق الأوسط)

ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا المعرض ضمَّ حكايات متنوعة من الشارعين المصري والعربي، يمكن أن تكون الحكاية في شارع أو في مولد أو في كفاح امرأة أو في نوع من التجريد لتفاصيل يومية، وإلى جانب الفلكلور المصري هناك كثير من الأعمال التي تعكس هذه الفكرة (الفلكلور العربي) لفنانين من السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر وعمان والسودان».

يضم المعرض، الذي افتتحته الدكتورة غادة جبارة، رئيسة أكاديمية الفنون المصرية، نحو 85 عملاً لنحو 70 فناناً من أجيال مختلفة، بعضهم من المتخصصين خريجي كليات الفنون، والبعض الآخر من الفنانين الفطريين أو الهواة.

لوحة للفنانة تسنيم بدر (الشرق الأوسط)

ومن بين الأعمال البارزة في المعرض عمل الفنانة الشابة، تسنيم بدر، التي عبَّرت عن الحكاية من خلال رجل عجوز يجلس وحيداً كأنه يحكي حكايته للطيور، وتبدو الطيور كأنها تهرب فزعةً من ثقل الحكايات. ويسعى الملتقى إلى «دمج الفنانين الكبار والمحترفين مع الهواة والفنانين الجدد لإحداث نوع من التفاعل بينهم، بما يُثري الفنان غير الدارس أو غير المتخصص، وإلى جانب ذلك يشارك في المعرض عدد من الفنانين من ذوي الهمم»، وفق السكري.

لوحة للفنان عمرو الأشرف ضمن معرض «حكاوي القهاوي» (الشرق الأوسط)

إلى جانب فنانين كبار مثل الدكتور أحمد سليم والدكتور عمرو الأشرف والفنان خالد السماحي، هناك مجموعة من شباب الفنانين الذين قدَّموا أعمالاً متنوعة من بينهم رشا بيطار التي تدرس في كلية الفنون الجميلة، وتوضح لـ«الشرق الأوسط» أنها «استلهمت الطبيعة الصامتة من وكالة البلح بقلب القاهرة، وما تمثله من ثراء في التفاصيل، ومن بينها لوحة عن الكراكيب، وأخرى تبدو كأنها لوحة ملقاة في الفضاء».

أعمال نحتية من الخشب ضمن معرض «حكاوي القهاوي» (الشرق الأوسط)

أعمال النحات القطري حسين فتحي، عبارة عن خمس قطع نحتية على الخشب، تتضمن مهارة في التجريد وإبداعاً في الفكرة والحكاية التي يريد قولها. وكذلك إسلام السروري الذي قدم دورة الحياة في عمل نحتي بالحديد الخردة.

ويوضح إسلام لـ«الشرق الأوسط» أن «العملين اللذين شاركت بهما يعبّران عن دورة حياة الإنسان من الولادة إلى الشباب ورحلة الحياة حتى الموت من خلال خامات بسيطة من الحديد الخردة وتروس تعبّر عن حالة الدوران، والعمل الآخر عبارة عن شخص يحمل ثقل الزمن فوق رأسه على هيئة دائرة كبيرة، وفي الوقت نفسه تبدو ملامحه مثل المهرّجين، وهي طريقة مصرية لمواجهة الصعاب والهموم بالمزحة والدعابة».

عمل نحتي بالحديد الخردة للفنان أسامة السروري (الشرق الأوسط)

«هذا النوع من المعارض نقطة مهمة للتلاقي وإطلاق الإبداع كخطوة مهمة في اكتشاف كل فنان أو محب للفن رؤيته وإمكاناته وتحديد طريقه على نحو أكثر منهجية، وذلك من خلال استيعاب الآراء المختلفة لجمهور المتلقين والنظر بعين الاعتبار إلى كل وجهة نظر أو نقد أو ملاحظة، بعيداً عن فرض الوصاية أو وضع الشروط التي غالباً ما تعرقل التحرر والإبداع واكتشاف طاقات جديدة»، وفق رأي الدكتور محمد عبد السلام، أستاذ التصوير وتاريخ الفن بكلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية.

لوحة الفنانة السعودية مشاعل بنت مشعل (الشرق الأوسط)

ومن المشارَكات العربية، قدمت الفنانة مها الغزالي، من البحرين، عملاً يعبّر عن حكاية المرأة بأسلوب تكعيبي بعض الشيء مستخدمةً الألوان في التعبير عن الحكاية. فيما قدمت الفنانة السعودية مشاعل بنت مشعل الدويخ ،التراث البدوي في عمل يعبّر عن الصحراء بما تحمله من فطرة نقية وحكايات مخفية في أعماقها.

حكاية العروسة السودانية ضمن أعمال المعرض (الشرق الأوسط)

وتشارك الفنانة السودانية شذى ميرغني بلوحة العروس السودانية، وتوضح لـ«الشرق الأوسط» أنها حافظت على الزي التقليدي التراثي الذي يعكس الهوية السودانية من خلال حكاية العرس نفسه، فبعد ملابس الزفاف (الفستان الأبيض) ترتدي أزياء شعبية وإكسسوارات تسمى «الجبلة» خاصة بالعروس السودانية، وهناك ليلة تسمى «ليلة الجردق» التي تتم فيها طقوس شعبية احتفالاً بالعريس والعروس. ولفتت إلى أنها تهتم أيضاً بالفن الأفريقي وتقدمه في أعمالها بخامات مختلفة.