آثار محتملة للحجر المنزلي في زمن كورونا: «قلق واكتئاب وأرق واضطرابات إدراكية»

مواطنون يرتدون كمامات للوقاية من الكورونا (رويترز)
مواطنون يرتدون كمامات للوقاية من الكورونا (رويترز)
TT

آثار محتملة للحجر المنزلي في زمن كورونا: «قلق واكتئاب وأرق واضطرابات إدراكية»

مواطنون يرتدون كمامات للوقاية من الكورونا (رويترز)
مواطنون يرتدون كمامات للوقاية من الكورونا (رويترز)

يرجح أن تترك أزمة فيروس كورونا المستجد وإجراءات الحجر المتبعة في كثير من الدول آثارا نفسية بسبب الخوف من انتقال العدوى والضغط النفسي الناجم عن العزل في المنازل.
ويتوقع الطبيب النفسي سيرج إيفيز تسجيل حالات «قلق واكتئاب وأرق واضطرابات إدراكية». وقد أغلق هذا الطبيب على غرار زملاء كثيرين له عيادته وبات يقدم استشارات عبر «سكايب».
هذا الوضع غير المسبوق المتأتي من تفشي فيروس كورونا المستجد الذي انطلق من الصين نهاية 2019، دفع بمنظمة الصحة العالمية مطلع الشهر الحالي إلى نشر سلسلة توصيات للصحة العقلية للسكان، سواء للأشخاص المعزولين أو المسنين أو العاملين في القطاع الطبي. ومن بين هذه النصائح، التصدي للأخبار الكاذبة بسبب تأثيرها السلبي على السكان وتشجيع الحوار في حالات الضغط النفسي.
وتقول الطبيبة النفسية فاطمة بوفيه إنه مع تفشي الفيروس وتدابير الحجر المنزلي «نلاحظ وصول مرضى جدد يعانون أصلا مشكلات نفسية. هذه الفترة تعرضهم لأوضاع عاطفية صعبة يتعين عليهم إدارتها».
وتعدد الطبيبة النفسية قائمة المشكلات ومكامن القلق المسجلة لدى مرضاها في الاستشارات (عن بعد)، وهي تشمل «الخوف من الموت ومن الإصابة بالعدوى، ومن فقدان الأحبة»، إضافة إلى «الخلافات في داخل العائلات أو المجموعات الضعيفة أساسا، والضجر والانغلاق وعدم القدرة على استباق الأمور وتراجع المداخيل وعدم القدرة على التنقل والانعزال والاضطرار إلى الوقوف مع الذات».
من بين كل السيناريوهات الكارثية المتداولة، كانت نظرية انتشار وباء يشل الحركة في العالم الأقل ترجيحا ربما لكثيرين، بعد سنوات من الأزمات المالية والاعتداءات والطوارئ المناخية. ويفسر ذلك حال الصدمة السائدة، بحسب المحلل النفسي رولان غوري الذي عمل على تبعات اعتداءات العام 2015 في فرنسا.
ويقول: «حالات الصدمة تحصل عندما يكون الشخص غير مستعد لحدث ما، وعندما نواجه أمرا مباغتا على الصعيد النفسي. إذا ما كنتم تعلمون أن خطرا ما سينشب فإنكم تتحضرون له. الصدمة النفسية ليست متكافئة البتة مع الجراح» اللاحقة بالأشخاص.
وقد تُرجم ذلك من خلال إنكار الخطر الذي لازم البعض أخيرا ممن دأبوا على مد اليد للمصافحة، أو الهلع لدى مرضى آخرين تولّد لديهم شعور بأن أمرا ما «ينهار في طريقة عيشنا».
ويشير سيرج إيفيز إلى أن رد الفعل هذا طبيعي في حالات الأوبئة، وهي محطات متجذرة في المخيلة الجماعية منذ زمن الطاعون الأسود في القرون الوسطى والإنفلونزا الإسبانية في مطلع القرن الماضي.
ويوضح أن «ما يسجل في المقام الأول هي اللامعيارية (مصطلح أطلقه أولا عالم الاجتماع دوركايم) والقلق من انهيار الروابط الاجتماعية وغياب المعايير والهلع المتصل بعمليات النهب». ويضاف إلى ذلك الخوف من انتقال العدوى والذي يعززه الطابع الخفي للفيروس».
كذلك يسود قلق آخر يرتبط بالخوف من الموت جوعا (ما يفسر تهافت المستهلكين على تخزين المنتجات الأساسية)، وهو دليل على وجود رد فعل حيوي لا إرادي، وأيضا الشهية الجنسية وهي الشهية على الحياة عندما نخاف من الموت أو من العيش في الوحدة أو فقدان الأحبة.
لكن في الحالات غير المسبوقة تنشأ ردود غير مسبوقة: فتدابير الحجر المنزلي الجماعي المعتمدة في بلدان كثيرة حول العالم وفق النموذج الصيني قد تضع الصحة النفسية لدى البعض على المحك؛ خصوصاً لكون الكثير من المنشآت المتخصصة في هذا المجال مغلقة.
ويضيف إيفيز: «الأشخاص الموجودون في كنف عائلات يبدون الأكثر قدرة على تحمل الوضع مقارنة مع أولئك المعزولين، ما قد يؤدي إلى أضرار لا ندركها تماما بعد». ويتابع قائلا: «لا نعلم ما سينجم عن الوحدة، كما لا نعرف ما سيترتب عن كون الشخص موبوءا». وهذه الحالات تترجم باستهلاك مفرط للتبغ أو المخدرات أو الكحول.
وفي المجموعات والخلايا العائلية، يشكل الحجر المنزلي مصدر مشكلات بينها الكبت والاختلال في العلاقة بين الأفراد ما قد يُترجم بصورة عنفية أحيانا.
وتقول فاطمة بوفيه دو لا ميزونيف إن «المنازعات مع المراهقين تزداد لأنهم لا يدركون تماما (الوضع) ويرغبون في الخروج مع أصدقائهم. كما أن بعض المسنين يرغبون في العيش كما في الماضي لأنهم يقولون إنه لا شيء عندهم ليخسروه».


مقالات ذات صلة

«كوفيد» الطويل الأمد لا يزال يفتك بكثيرين ويعطّل حياتهم

صحتك صورة توضيحية لفيروس «كوفيد-19» (أرشيفية - رويترز)

«كوفيد» الطويل الأمد لا يزال يفتك بكثيرين ويعطّل حياتهم

منذ ظهور العوارض عليها في عام 2021، تمضي أندريا فانيك معظم أيامها أمام نافذة شقتها في فيينا وهي تراقب العالم الخارجي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

الأمم المتحدة: 40 % من ضحايا الحروب نساء... و30 % أطفال

بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)
بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)
TT

الأمم المتحدة: 40 % من ضحايا الحروب نساء... و30 % أطفال

بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)
بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)

حالكاً كان المشهد العام بالنسبة إلى المرأة خلال العام الماضي في مناطق الصراعات المسلحة والأزمات الإنسانية، التي شهدت تضاعف عدد الضحايا من النساء مقارنة بالعام السابق عليه، ولن يكون أحسن حالاً خلال هذه السنة التي تشرف على نهايتها، كما يتبيّن من التقرير السنوي الذي يعدّه مكتب الأمين العام للأمم المتحدة بشأن حماية المدنيين في ظروف الحرب.

يرسم هذا التقرير، الذي صدر منذ أيام، صورة قاتمة جداً لما عانته النساء في الأزمات المسلحة خلال عام 2023، حيث شكّلن 40 في المائة من مجموع القتلى المدنيين؛ أي ضعف ما بلغته هذه النسبة عام 2022، فيما كانت نسبة الأطفال الذين قضوا في هذه النزاعات 30 في المائة، أي 3 أضعاف العام السابق عليه.

مدنيو غزة... 70 % من إجمالي الضحايا

سيدة فلسطينية تتفقد الدمار في حي الدرج بعد غارة إسرائيلية يوم 22 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)

كما يفيد التقرير بأن عدد الضحايا المدنيين في المدة نفسها ارتفع بنسبة 73 في المائة، حتى بلغ 34 ألفاً من القتلى غير المحاربين، وذلك بسبب نشوب نزاعات مسلحة جديدة، خصوصاً الحرب في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث كانت نسبة الضحايا في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 في المائة من مجموع القتلى الذين سجلتهم وكالات الأمم المتحدة.

يقول بابلو كاستيّو، وهو خبير دولي في شؤون المرأة شارك في إعداد التقرير الأممي بشأن المرأة والسلم والأمن، إن «نسبة النساء الضحايا ارتفعت في جميع الحروب، وإن السبب في ذلك هو عدم احترام القانون الدولي والمواثيق الإنسانية في ظروف الحرب؛ الباردة والساخنة، بين القوى العظمى، وأيضاً بسبب المناخ الجيوسياسي العام وزعزعة النظام الدولي متعدد الأطراف». ويحذّر كاستيّو بأن «ثمة تنامياً لمنحى مهاجمة كل ما يمكن تعريفه أنثوياً، والمشهد العام بالنسبة إلى وضع المرأة تدهور إلى حد اقتضى عودة الأمم المتحدة إلى استخدام سرديتها السابقة، وإدانة استهداف النساء في تقاريرها».

وينبّه التقرير إلى أن «العالم بات رهينة دوامة مخيفة من النزاعات وعدم الاستقرار والأزمات المسلحة، التي بلغ عددها 170 نزاعاً في العام الماضي، و612 مليوناً من النساء والبنات يعشن على مسافة لا تتخطى 50 كيلومتراً من مناطق القتال، أي بزيادة 150 في المائة على العقد السابق».

الاعتداءات الجنسية

من المعلومات الأخرى المقلقة التي يكشف عنها التقرير أن حالات الاعتداءات الجنسية في مناطق الصراعات المسلحة والأزمات ارتفعت بنسبة 50 في المائة، وأن عدد البنات اللاتي يتعرضن لحالات اغتصاب خطرة قد ازداد بنسبة 35 في المائة. وتقول كريستين غارنت، الخبيرة في «الارتباط بين الحرب والنوع الاجتماعي»، إن «هذه الأرقام ليست وليدة الصدفة؛ لأن العنف الجنسي كان ولا يزال من الأسلحة المستخدمة في الحروب، ليس فحسب لدفع السكان إلى النزوح القسري، بل أيضاً للمقايضة بين الجماعات الإرهابية وسبيلاً لتمويل أنشطتها».

يشير التقرير في مواقع عدة إلى «حرب ضد النساء»، وإلى تعرّض المرأة لأشكال شتّى من المعاناة، فضلاً عن القتل والاغتصاب. فهي مثلاً تواجه صعوبات متصاعدة للحصول على العناية الطبية، وأيضاً ما لا يقلّ عن 500 امرأة وبنت يلقين حتفهن كل يوم في مناطق النزاعات المسلحة بسبب المضاعفات الصحية الناجمة عن الحمل و الولادة، «كما حدث في غزة المدمرة أواخر العام الماضي، حيث كانت تسجل 180 حالة ولادة يومياً، جلّها من غير عناية طبية أو مستلزمات صحية أساسية».

وتقول ماري فيكس، رئيسة فريق «أطباء بلا حدود» في السودان، إن «امرأة ريفية حاملاً اضطرت إلى الانتظار 3 أيام لتجمع المال الكافي كي تحصل على العناية الطبية، لكن عندما وصلت إلى المركز الصحي وجدت أن الأدوية والمستلزمات الأساسية لم تكن متوفرة، وعادت إلى منزلها حيث تدهورت حالتها في انتظار المساعدة إلى أن فارقت الحياة بسبب التهاب بسيط كانت معالجته سهلة».

«غياب الوعي العالمي»

نساء مُصطفّات للحصول على مساعدات غذائية بجنوب السودان في 13 نوفمبر الماضي (أ.ب)

يتضمّن التقرير أيضاً، لأول مرة، انتقاداً مباشراً لما يسميه «غياب الوعي العام الأساسي بخطورة هذه المظالم»، ولضعف التغطية الإعلامية لهذه الحالات: «تضاعفت كمية الأنباء المتداولة على وسائل الإعلام حول الحروب 6 مرات في السنوات العشر الماضية، لكن نسبة 5 في المائة منها فقط تناولت أوضاع المرأة ومعاناتها الناجمة عن الصراعات».

منذ سنوات تتوالى الاتهامات حول استخدام العنف الجنسي سلاحاً في الصراع الدائر بجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث سجّلت الأمم المتحدة وقوع 123 ألف حالة اغتصاب في العام الماضي وحده؛ أي بزيادة 300 في المائة على عام 2020، لكن من غير أن يتعرض أي من المرتكبين للإدانة القضائية. والأغرب من ذلك، أن السنوات الماضية شهدت تراجعاً في تمويل المنظمات الناشطة ضمن برامج المساواة والحد من تداعيات الحروب والنزاعات المسلحة على النساء والبنات، في الوقت الذي ازدادت فيه الهجمات والانتقادات التي تتعرض لها هذه المنظمات. ويفيد التقرير بأن السلطات المحلية والوطنية في بلدان، مثل العراق وليبيا واليمن، منعت استخدام مصطلحات مثل «النوع الاجتماعي»، فيما شهدت بلدان كثيرة ازدياداً في الاعتداءات على المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والفنانات.

في أفغانستان، يشير تقرير الأمم المتحدة إلى حالة «آبارتهايد» تتعرض لها المرأة؛ المحرومة منذ 3 سنوات من حقها في التعليم بعد الثانية عشرة من العمر، وإلى أن محاولات الانتحار تزداد بنسبة خطرة بين النساء منذ صيف عام 2021 عندما عادت «طالبان» إلى الحكم. ويدعو التقرير إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة وضع المرأة في أفغانستان «قبل فوات الأوان».