لم يكن أمس نهار أحد عادياً في باريس مثل غيره من الآحاد وأيام الإجازة الأسبوعية. ورغم الطقس المشمس نسبياً، فإن الباريسيين حرموا من طقسهم المفضل في احتساء فنجان قهوة وتناول فطور متأخر في واحد من آلاف المقاهي التي لا يخلو منها حي من أحياء المدينة. إنه أول أيام تطبيق تعليمات الحكومة حول الحماية من تفشي فيروس كورونا والقاضية بإغلاق كل أماكن التجمعات العامة غير الضرورية، بما فيها المطاعم والمسارح والمشارب ودور السينما والمراقص والنوادي الرياضية. وكان برج «إيفل» ومتحف «اللوفر» قد أغلقا أبوابهما منذ يومين، في سابقة ضربت الحركة السياحية في الصميم.
وفي حين خلت المراكز التجارية من الزبائن، فإن مراكز الاقتراع للانتخابات البلدية فتحت أبوابها منذ ساعة مبكرة في صباح أمس، وكانت هناك مواد لتعقيم الأيدي عند الدخول مع توصيات واصلت وسائل الإعلام التذكير بها، وهي ضرورة أن يستخدم كل مقترع قلمه الخاص لوضع إمضائه على سجل الناخبين، مع عرض بطاقته الانتخابية وهويته على مراقبي المراكز عن بعد، من دون ملامسة.
لم تغلق الكنائس أبوابها نهار الأحد، لكن القداديس تأجلت وخلت أماكن العبادة من ازدحامها المعتاد. فقد تلقى مرتادوها رسائل نصية تبلغهم بإلغاء قداس الأحد والاكتفاء بالصلاة في البيوت. أما محلات البقالة فقد عرفت إقبالاً استثنائياً، نظراً لأن العائلات سارعت إلى التزود بأنواع الأطعمة والألبان والمخبوزات لتأمين الوجبات اللازمة للأبناء الذين سيلزمون البيوت بسبب إغلاق الحضانات والمدارس والجامعات. وفي أجواء تشبه تلك التي تسبق عيد الميلاد، قصد الآباء وأطفالهم أقسام بيع الألعاب والكتب وأصباغ التلوين، كوسيلة لشغل الصغار المحتجزين في الشقق والبيوت.
ولم يلاحظ في متاجر المواد الغذائية نقص كبير في التجهيزات أو فراغات في الرفوف، بل ظلت عامرة بشكل عادي. ونظراً لقرب الشهر الفضيل فإن شاحنات النقل كانت تفرغ حمولاتها أمام المتاجر العربية والخاصة بالجاليتين التركية والباكستانية. وفي الأركان المخصصة للجزارة، واصلت تلك المتاجر تقديم اللحوم الحلال المذبوحة شرعياً وأنواع المعجنات والخبز والحلويات والحبوب والبقول والمكسرات والتمور المستوردة. ولم يصدر حتى الآن قرار يشير إلى احتمال وقف البيع في متاجر الأطعمة.
ومن المنتظر أن تعيد المصارف والصيدليات فتح أبوابها مع انتهاء عطلة الأحد، وكذلك مراكز البريد وعيادات الأطباء. وتم استدعاء طلبة الطب والأطباء المتقاعدين للتطوع في مراكز الحجر التي خصصت في عدة مستشفيات من العاصمة لمعالجة الحالات المستعصية من مرضى كورونا. وبعد شح في المادة المطهرة للأيدي، خلال الشهر الماضي، فإنها عاودت ظهورها في كثير من صيدليات باريس، منذ يومين. أما الكمامات الواقية فلا تصرف إلا بناء على وصفة طبية وللأشخاص العاملين في رعاية المسنين.
وفيما يخص حركة النقل العام فإنها تقلصت إلى الثلث تقريباً، مع توصيات بتجنب التنقل بالمترو قدر الإمكان. وبهذا، فإن الحافلات ومحطات القطارات ما زالت تستقبل الزبائن، ولم تقفر باريس من المارة بشكل كامل، كما هو حاصل في نيويورك وروما وميلانو ومدريد، مثلاً. لكن أكثر المشاهد كآبة كان منظر برج «إيفل» الذي بات مهجوراً، وجادة «الشانزليزيه» التي أنزلت الأبواب الحديدية على مداخل مقاهيها ومطاعمها وأطفأت أنوارها التي كانت تشع ليل نهار.
عاصمة النور تطفئ أنوارها وأهلها يلزمون بيوتهم
أحد حزين في باريس
عاصمة النور تطفئ أنوارها وأهلها يلزمون بيوتهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة