مخاوف في الهند من الثمنين السياسي والاقتصادي لأعمال العنف الأخيرة

هل يواصل اليمين الهندوسي الحاكم تجاهل عواقب خطابه الطائفي؟

مخاوف في الهند من الثمنين السياسي والاقتصادي لأعمال العنف الأخيرة
TT

مخاوف في الهند من الثمنين السياسي والاقتصادي لأعمال العنف الأخيرة

مخاوف في الهند من الثمنين السياسي والاقتصادي لأعمال العنف الأخيرة

عبر ثلاثة أيام من الفوضى، وسقوط أكثر من 48 قتيلاً، مع الخسائر المادية بملايين الروبيات، شهدت العاصمة الهندية دلهي واحدة من أسوأ أعمال العنف والشغب المجتمعية في الآونة الأخيرة. إذ اندلعت أعمال شغب عنيفة بين الهندوس والمسلمين على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، حال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرسمية إلى البلاد. وأثناء جلوس الرئيس الأميركي على مأدبة الغداء مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في مقر الرئاسة الهندية، كان المواطنون الهندوس والمسلمون يتضاربون ويطلقون الرصاص على بعضهم البعض في الشوارع، على مسافة لا تزيد أكثر من 15 كيلو متراً من مبنى وزارة الداخلية، في حين عانى الأبرياء أشد المعاناة في محاولات الدفاع عن منازلهم ومصالحهم وأعمالهم التجارية من الحرائق واللصوص.
مضى أسبوع كامل منذ بدء اندلاع أعمال العنف والشغب في شمال شرقي العاصمة الهندية دلهي - وما تبقى بعد المواجهات عبارة عن حفنة من المواطنين المرعوبين، والحارات والأزقة المحترقة، والمنازل والمتاجر المهجورة، وهدوء مشوب بعدم الاستقرار، مع مستقبل يكتنفه الكثير من الشك والقلق الذي يتجلّى في صمت مطبق عما شوهد في تلك المناطق من عنف وشغب وحرق وسفك للدماء على نطاق مجتمعي غير مسبوق.
لقد أشاع المسلحون من الدهماء أعمال العنف والشغب في مساحات شاسعة من شمال شرقي العاصمة. وبعضهم كان يتخفى وراء أقنعة الوجوه، وحمل معظمهم مختلف أنواع الأسلحة ما بين الأبيض منها والناري، فضلاً عن القضبان الحديدية أو ما شابه مما يمكن القتل به أو إحداث الإصابات. وتصاعدت أعمدة الدخان، واندفع الغوغاء بين مختلف الشوارع، بلا ضابط أو رقيب، يحرقون المتاجر، ويقذفون بالحجارة، ويهددون الأبرياء من السكان المحليين. وأفادت بعض المستشفيات بإصابة أكثر من 200 مواطن، من بينهم 48 فرداً من قوات شرطة مكافحة الشغب، فضلاً عن إصابة نصف ذلك العدد من المدنيين بجروح ناجمة عن الطلقات النارية العشوائية.
المآسي عديدة لعائلات فقدت أفراداً منها من الجانبين، وفي المقابل، تمكن كثيرون من النجاة بأعجوبة من أعمال العنف المريعة. مع العلم أن غالبية أعمال الشغب وقعت في محيط لا يتجاوز 5 كيلومترات مربعة في شمال شرقي العاصمة، على مسافة تبعد حوالي 15 كيلومتراً من مقر وزارة الداخلية، ونحو 10 كيلومترات أخرى من مقر شرطة العاصمة دلهي.
وفي حين لم يجر الإبلاغ عن أي حوادث غريبة في العديد من الأحياء والمناطق التي اجتاحتها أعمال العنف والشغب حتى الآن، فإن الصمت الشديد المطبق لا يزال يطارد الجميع. وفي حي شيف فيهار، وهو من أكثر المناطق تضرراً بأعمال العنف، كانت الحارات والأزقة شبه مهجورة من المارة وأغلب المنازل خاوية من السكان تقريباً. وفي حي مصطفى آباد، كان الناس أكثر حذراً وخوفاً من الخروج ومغادرة منازلهم حتى الآن.
وحتى وقت إعداد هذا التقرير، وعلى الرغم من الإعلان رسمياً عن سقوط 48 قتيلاً في أعمال العنف الأخيرة، ما زالت السلطات تستخرج جثثاً مجهولة الهوية من مختلف الخنادق ومجاري الصرف الصحي، بعدما تخلص الجناة منها هناك في أعقاب جرائم القتل المروعة.
هذا، وتخدم شبكة الصرف الصحي في شمال شرقي دلهي العديد من الأغراض. وهي بالنسبة للبعض وسيلة أكثر إراحة للتخلص من القمامة المنزلية، وللبعض الآخر من العلامات الجغرافية التي تعين زوار المرة الأولى للمنطقة في التعرف على والتنقل بين متاهة الممرات المتشابكة. ولكن تصدّرت شبكة الصرف الصحي المحلية مختلف العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام لسبب مختلف تماماً، إذ جرى انتشال 11 جثة مجهولة الهوية حتى الآن لأشخاص يرجح أنهم قتلوا خلال الأيام الخمسة الماضية، وذلك وفقاً لتقارير مختلف المستشفيات والإدارة المحلية هناك.

جذور موجة العنف
غُرست بذور الاستياء الأولى إثر إقرار الحكومة الهندية اليمينية، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، قانوناً جديداً يحمل مسمى «قانون تعديل المواطنة». وهذا القانون يتيح لأبناء طوائف الهندوس والسيخ، والبوذيين والبارسيين والمسيحيين ممّن يتعرّضون للاضطهاد على أسس دينية في البلدان الإسلامية المجاورة الثلاث باكستان وأفغانستان وبنغلاديش - باستثناء المسلمين - وممن تمكنوا من الوصول إلى الهند قبل عام 2014، الحصول على الجنسية الهندية الكاملة.
واندلعت موجات الاحتجاجات المعارضة لـ«قانون تعديل المواطنة» الجديد منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، ترافقاً مع ربط القانون الجديد مع تحديث «السجل السكاني الوطني» وتحضير «السجل الوطني للمواطنين» في البلاد. وكان السرد العام الذي أزعج، وربما أربك كثيرين، أن الجمع بين «قانون تعديل المواطنة»، و«السجل السكاني الوطني»، و«السجل الوطني للمواطنين» كان معداً في الأساس لاستهداف المسلمين من سكان الهند.
على الأثر، خرجت الحكومة الهندية بـ«توضيح» للموقف، ثم اتخذت خطوة للوراء عن موقفها الأول بشأن كل من «السجل السكاني الوطني»، و«السجل الوطني للمواطنين». غير أن ذلك لم يسفر عن أثر يُذكر على حركة الاحتجاجات الداخلية، التي واصلت المطالبة بضرورة وقف العمل بـ«قانون تعديل المواطنة». والحال أن كثيرين من مسلمي الهند - البالغ عددهم نحو 200 مليون نسمة - أن القانون الجديد مُعادٍ للمسلمين بالدرجة الأولى. بل يقول خبراء دستوريون إنها المرة الأولى في تاريخ الهند التي تصدر فيها الحكومة الاتحادية قانوناً يميز بين المواطنين على أساس الدين، وهذا يعد انتهاكاً صارخاً وفجاً لالتزام الهند بالمساواة بين طوائفها.
ثم إن ثمة قدراً كبيراً من المخاوف المتزايدة بين التقدميين الهنود وأبناء الطوائف غير الهندوسية بأن مودي، رئيس الوزراء القومي الهندوسي المتشدد، يحاول تفكيك تقاليد العلمانية الهندية الراسخة مع تحويل البلاد إلى دولة دينية وموطناً للهندوس في المقام الأول. وحقاً، يؤيد كثرة من أنصار مودي الهندوس اليمينيين تلك التحركات القومية. وللعلم، فإن مودي نفسه جاء من خلفية آيديولوجية تشدد على تفوق العنصر الهندوسي على ما سواه من الطوائف الأخرى في البلاد. ولكن، في المقابل، يعارض مودي أيضاً كثيرون من الهندوس الذين يريدون المحافظة على علمانية البلاد، تماماً على النحو الذي أراده لها مؤسّسها الأول المهاتما غاندي.
حتى اللحظة، رفضت الحكومة الهندية سحب القانون الجديد. ولقد استمرت حالة الجمود مع انعدام قنوات الاتصال النشطة والفعالة بين المتظاهرين والحكومة. وعلى مدى الشهور الماضية كانت الضغوط وكذلك الاحتقان الشعبي في غليان مستمر، مع تصاعد التوترات الاجتماعية في كل مكان، مدفوعة جزئياً بحملة الانتخابات «المسمومة» للبرلمان المحلي في دلهي التي عقدت في فبراير (شباط) الماضي. ولقد اندلعت أعمال العنف الجزئية داخل وفي محيط «الجمعية الملية الإسلامية» و«جامعة عليكرة الإسلامية»، احتجاجاً على «قانون تعديل المواطنة» الجديد.

المدى والتوقيت المريب
لم يقتصر الأمر على دلهي وحدها. إذ توسع التوتر في أجزاء أخرى من البلاد أيضاً. وكانت الخطب النارية الاستفزازية والدموية تنطلق في مختلف أرجاء الهند على ألسنة زعماء الهندوس والمسلمين، لتشعل مشاعر العداء والحقد والكراهية بين جموع الجماهير من أبناء الطائفتين. ومجرد التصوّر أن الحكومة الاتحادية ما كانت تتوقع اندلاع المواجهات كان من الأمور المحيرة والمربكة للغاية، إذ كانت الأجهزة الحكومية في غفلة من أمرها، ربما عن عمد أو لغير ذلك من الأغراض. كذلك، فإن وقوع هذه المواجهات العنيفة إبان الزيارة الرسمية لرئيس الولايات المتحدة الأميركية، من الأمور المحيرة أيضاً للغاية. فآخر ما كانت تريده الحكومة الهندية الحالية هو تشويه المناسبة الاحتفالية الرسمية بالنعرات والتصرفات المزرية وأعمال العنف الديني في شوارع العاصمة.
بالمناسبة، ترتبط دلهي، كونها العاصمة الوطنية للهند، بنظام معقّد من السيطرة الحكومية المزدوجة. إذ بينما لديها حكومة كـ«حكومة ولاية»، لكن سلطات هذه الحكومة محدودة للغاية، بينما جُل السلطات الحقيقية، بما في ذلك سيادة القانون والنظام العام، بأيادي الحكومة الاتحادية عبر وزارة الداخلية. وراهناً، يشغل منصب وزير الداخلية الاتحادي آميت شاه، الذي هو أحد أوثق المقربين من رئيس الوزراء ناريندرا مودي، كما أنه رئيس أسبق لحزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي الحاكم. بيد أن الوزارة تدير شؤون العاصمة عبر مكتب نائب الحاكم، وهو مسؤول يعين تعييناً ولا يُنتخَب.
وخلال يومين من أيام أعمال العنف الثلاثة، كان آميت شاه منشغلاً بالإشراف على ترتيبات زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى معقله ومعقل مودي السياسي ولاية غُجَرات. وفعلاً، انتقلت الحكومة الاتحادية بأسرها إلى مدينة أحمد آباد (كبرى مدن غُجَرات)، حيث كان مقرراً للرئيس ترمب ورئيس الوزراء مودي أن يتكلما في اجتماع سياسي حاشد في 24 فبراير الماضي. وقال أحد المسؤولين المطلعين على مجريات الأمور «نعم، كنا نتوقع اندلاع المزيد من الاحتجاجات ضد قانون تعديل المواطنة أثناء زيارة الرئيس الأميركي، لكننا لم نفشل في توقع شدة العنف فحسب، بل تغافلنا عن إشارات كانت واضحة لاحتمالات العنف الدموي الوشيك».
أعمال العنف اندلعت يوم الأحد 23 فبراير، أي قبيل وصول ترمب، واندفع المتظاهرون في شمال شرقي دلهي على نحو مفاجئ، واحتشدوا حول محطة مترو جفر آباد، ثم احتلوا طريقاً رئيسية، وأغلقوا حركة المرور هناك. واشتعلت المظاهرات - تتقدمها النساء - في غفلة من شرطة المدينة، التي سرعان ما استفاقت لمواجهة الوضع، مع خشيتهم من أن تؤدي محاولات التفريق القسري للمتظاهرين إلى تفاقم العنف والشغب قبل زيارة الرئيس الأميركي.
وتفاقمت الأوضاع تلك الليلة إثر وصول كابيل ميشرا - وهو قيادي في حزب «بهاراتيا جاناتا» كان قد خسر في انتخابات ولاية دلهي الأخيرة - وقيادته جموعاً من الغوغاء في جفر آباد، وتهديده المتظاهرين والشرطة. وفي مقطع للفيديو نشره على «تويتر»، هدد ميشرا المتظاهرين والشرطة، وحذر من اتخاذ إجراءات عنيفة إن لم يتفرّق المتظاهرون خلال ثلاث ساعات على الأكثر. وشوهدت قوات الشرطة في ذلك الفيديو تقف إلى جانبه وهو يتفوه بتحذيراته تلك. وبعد بضع ساعات، توافدت جموع مسلحة على المنطقة، بينما كانت قوات الشرطة في وادٍ آخر تماماً.
الصحافي راجديب سارديساي، قال معلقاً: «هذا عصر الغوغاء الذين يستغلون منصّات التواصل الاجتماعية في تضخيم أصواتهم ودعاويهم الفجة. وفي دلهي، أتقن سياسي هامشي مثل كابيل ميشرا فنون تصدّر عناوين الأخبار من خلال التصريحات الاستفزازية». وتابع: «ميشرا متهمٌ بإشعال نيران العنف التي اجتاحت جزءاً من العاصمة الوطنية عن طريق تهديده المتظاهرين المعارضين لقانون تعديل المواطنة في الشوارع، إما بالانسحاب الفوري، أو مواجهة العواقب الوخيمة. وكان نفسه قد وصف انتخابات دلهي المحلية بأنها (معركة الهند ضد باكستان)، في إشارة فئوية فاقعة غايتها بث الكراهية لكسب مزيد من الأصوات في الانتخابات التي خسرها عن جدارة. والآن يجب محاسبته على دوره المشؤوم المزري في أحداث العنف التي شهدتها العاصمة».
ولكن كابيل ميشرا، لم يكن وحده عنصر تأجيج لأحداث العنف الأخيرة. ففي الأسبوع الماضي، حذّر وارث باثان، وهو قيادي محلي في «مجلس اتحاد المسلمين في عموم الهند» بمدينة مومباي، من أن «150 مليون مسلم هندي يستطيعون التغلب على مليار هندوسي» في سياق الاحتجاجات الرامية إلى إسقاط «قانون تعديل المواطنة».
والحقيقة أن المخاوف الحقيقية هي في أن تكون أحداث العنف في دلهي مجرد شرارة البداية تنتشر بعدها أعمال عنف وشغب مماثلة في أماكن أخرى من الهند، لا سيما، أنه لا مؤشرات على أن الحزب الهندوسي الحاكم قد استفاد من دروس الماضي، أو أنه رغب فعلياً في ردم الهوة الدينية المتسعة. فهو لو كان راغباً حقاً بذلك، لكان أخرس ألسنة أمثال كابيل ميشرا بدلاً من إتاحة المجال أمامه، بل وإضفاء الشرعية على خطاباته السامة. ولكن إذا كان ينوي ردم الهوة، فعليه أن يشرع في حوار مع المتظاهرين بدلاً من إقصائهم ونبذهم. إن سياسات الكراهية المضادة للمسلمين ربما ترسخ من قاعدة التأييد الهندوسي لـ«بهاراتيا جاناتا» حالياً، لكنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى حالة استقطاب خطيرة إن شاعت بين أوصال المجتمع قد تقضي نهائياً على اللحمة الوطنية.

مؤشرات خطر أمام مودي

هناك العديد مما يجب أن يُشعر حكومة ناريندرا مودي بالقلق، على رأسها تشويه «العلامة الوطنية» للهند كدولة علمانية ديمقراطية. هذا سيؤثر سلباً على الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تمس صميم الحاجة إلى إنعاش الاقتصاد الهندي الراكد وتعزيز آفاق النمو. لقد كانت أغلب وسائل الإعلام العالمية حاضرة في نيودلهي لتغطية زيارة الرئيس ترمب الرسمية. ومع ذلك، وبدلاً من مظاهر الأبهة التي استعان بها مودي لإبهار الرئيس الأميركي وبقية دول العالم، صارت أعمال العنف في العاصمة محط الاهتمام الدولي آنذاك. وبدت الهند دولة غارقة في الفوضى والاضطراب الاجتماعي، وفي شوارع على بعد بضعة كيلومترات فقط من المكان الذي شهد اجتماعات الزعيمين الكبيرين. وهذا يحدث بينما يحاول المساعدون والمستشارون الحكوميون العثور على الطرق والوسائل الممكنة لاحتواء الضرر. وتنشغل العديد من الإدارات الحكومية في سلسلة مستمرة من الاجتماعات اليومية لمناقشة الخطوات المزمع اتخاذها في المرحلة المقبلة. ولكن لم تظهر للعلن بعد أي خطة عمل واضحة بعد.
الصحافية الهندية آرتي جيراث قالت، «لا بد أن يستشعر مودي القلق الشديد على انهيار الجهد الذي بذله خلال فترة ولايته الأولى لبناء صورته دولياً، وحيازة القبول العالمي كزعيم تُحسب له الحسابات. أي مستثمر يرغب في ضخ أمواله في دولة تشهد شوارع عاصمتها أعمال عنف طائفية دينية إبان زيارة رسمية لرئيس دولة أجنبية كبيرة ومؤثرة؟ وأي ثقة يُمكن أن توضع في دولة تنهار أجهزتها الإدارية، وتثير عناصر حزبها الحاكم مشاعر الحقد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد؟».
أيضاً ترى الصحافية الهندية المخضرمة تافلين سينغ، في تعليقها على الأحداث، «لقد تعرّضت صورة ناريندرا مودي كرجل دولة للاهتزاز الشديد، ولا يتحمل أحد اللوم سواه. ولا نقول هذا عن أعمال العنف الرهيبة في دلهي فحسب، وإنما عن خطابات الكراهية التي سمح مودي لكبار رجال دولته بإلقائها في مختلف المناسبات. كانت خطابات الكراهية السبب الرئيس في اندلاع العنف، ومعها بدأ المسلمون يشعرون بالغربة في وطنهم إبان ولاية مودي الأولى... شخصياً، لا أذكر فترة كانت فيها التوترات الطائفية بين الهندوس والمسلمين أكثر اشتعالاً مما هي عليه الآن. والسبب أنه في (الهند الجديدة) يعتقد الرجال والنساء الهندوس المفعمون بالكراهية ضد المسلمين أنهم يملكون الضوء الأخضر من زعماء الهند لمعاملة مسلميها كمواطنين من الدرجة الثانية».
وأردفت: «إن رئيس الوزراء، على اعتباره بطلهم، وحده يستطيع وقف حملة الكراهية الشديدة التي عصفت بمكانته الشخصية على المستويين المحلي والدولي. ومن المهم فعل ذلك بسرعة، لأنه ليس من الجيد أبداً بالنسبة للهند كدولة كبيرة أن تظل طائفة تبلغ 200 مليون نسمة من مواطنيها في حالة من العزلة والإقصاء المستمرين».

فتش عن «قانون تعديل المواطنة»
> علّقت الصحافية الهندية فرح نقوي، في أعقاب أعمال الشغب في دلهي، «كان من المهم قبل اندلاع أعمال العنف الأخيرة النظر في ومراجعة تداعيات القانون الطائفي الجديد من قبل (التحالف التقدمي الهندي المتحد)، قبل أن يحول إلى قانون نافذ المفعول. الهند في أمسّ الحاجة إلى قانون يتعامل مع جريمة نشر الكراهية. كما تحتاج البلاد إلى قانون ينص على معاقبة الأشخاص الذين يتقاعسون عن إجراءات اللازمة لمنع وقوع أعمال الشغب المجتمعية والتصرف بأسلوب صحيح فور وقوعها. وفي اللحظة الراهنة، نترك الأمر برمته إلى الضمير الأخلاقي للحكومات. ولا بد أن يصير الأمر من المتطلبات القانونية التي لا محيد عنها بحال».
وترى نقوي أن الاحتجاجات على «قانون تعديل المواطنة» من التحولات المهمة جداً في الهند، وأن الباب الذي أُوصد قسراً في وجه المسلمين يحاولون الآن فتحه عنوة وبكل قوة. وهم يؤكدون على هويتهم كمواطنين كاملي المواطنة في الهند، مع التأكيد على جنسيتهم وكل حقوقهم الدستورية الأخرى.

أعمال عنف... أم أكثر؟!
> ثار جدل حول ما إذا كان ينبغي توصيف الأحداث التي شهدتها العاصمة في الأسبوع الماضي على أنها من أعمال الشغب أو أمر أكثر خطورة - ربما «مذبحة مدبرة» مثلاً. وتعتبر «المذابح المدبرة» درجة خاصة من أعمال الشغب التي تتجاوز مجرد الصدام المؤقت بين جماعتين من المتعارضين. بدلاً من ذلك، تناصر قوات الشرطة إحدى الجماعات، إما عن طريق غض الطرف تماماً، أو عن طريق التحريض غير المباشر، أو ربما المشاركة المباشرة في أعمال العنف في بعض الأحيان. ويكمن الاختلاف بين أعمال الشغب و«المذابح المدبرة» في تصرفات الدولة نفسها - من خلال أفعال قوات الشرطة خلال الأحداث. وبدأ مصطلح «المذابح المدبرة» في الظهور إبان روسيا القيصرية مع إطلاق المذابح المروّعة ضد اليهود الروس.
وهنا يقول الكاتب رافي أغاروال، «يُعتقد أن أعمال الشغب بين الهندوس والمسلمين في العاصمة دلهي خلال الأسبوع الماضي تحمل بعض السمات المميزة للمذابح المدبرة. ولقد شهدت الهند مثل تلك الأعمال من قبل: ففي عام 2002، في ولاية غُجَرات، عندما كان مودي يشغل منصب رئيس وزراء الولاية، سقط أكثر من 1000 قتيل في أعمال شغب دينية، معظمهم من المسلمين. ومع تبرئة ساحة مودي حينذاك من ارتكاب أي مخالفات من قبل القضاء، قال النقاد إنه كان بإمكانه فعل الكثير للحؤول دون وقوع الهجمات».
ومرة أخرى سابقة في عام 1984، في العاصمة دلهي، جرى استهداف وقتل أكثر من 3 آلاف من طائفة السيخ في أعقاب حادثة اغتيال رئيسة الوزراء أنديرا غاندي، على أيدي حراسها الشخصيين من السيخ. وفي كلتا الحالتين - حسب الخبراء - ما كان ممكناً اندلاع أعمال الشغب من دون تواطؤ واضح من جانب قوات الشرطة الحاضرة.
في أي حال، أكدت شرطة العاصمة دلهي أن هذه هي أول أعمال الشغب التي تندلع بين الهندوس والمسلمين باستخدام واسع النطاق لمختلف الأسلحة. وذكرت مصادر في الشرطة «أن مثل هذا الاستخدام الكبير للأسلحة النارية، لا سيما الأسلحة المصنعة محلياً، يعكس بوضوح أن الناس كدّسوا مسبقاً هذه الأسلحة قبل اندلاع الأحداث».



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».