الميليشيات الحوثية تحرم اليمنيين الرعاية الصحية وتحصرها على أتباعها

تدمير ممنهج للمستشفيات والمراكز والأجهزة الطبية وإقصاء وظيفي

جانب من أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
جانب من أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الميليشيات الحوثية تحرم اليمنيين الرعاية الصحية وتحصرها على أتباعها

جانب من أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
جانب من أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)

أفادت مصادر صحية في صنعاء بأن الميليشيات الحوثية لا تزال تتعمد، منذ اجتياحها صنعاء، قطع جميع الخدمات الصحية سواء الخدمات الأساسية أو الثانوية، مكتفية بنهب مقدرات الدولة ومواردها وتسخيرها لخدمة المجهود الحربي وزيادة أرصدة الجماعة وقياداتها.
وأوضحت المصادر أن شهية الجماعة الحوثية اتسعت للهيمنة على القطاع الطبي عن طريق تهميش وفصل الكوادر والموظفين ممن لا يؤمنون بأفكارها الخمينية وتعيين أتباعها من محافظة صعدة حيث معقلها الرئيسي لتتفرغ بعدها لنهب ممتلكات المواطنين والتجار وفرض الإتاوات والضرائب وإقفال مشاريعهم وشركاتهم في حالة عدم التبرع للمجهود الحربي ورفد الجبهات.
وفي حين لم ينجُ القطاع الصحي من عبث الميليشيات الانقلابية عملت الجماعة -حسب المصادر- على انهيار المنظومة الصحية والاعتداء المسلح على المستشفيات والتسلط على كل المساعدات الطبية والدوائية ومنع دخول المستلزمات الطبية والأدوية المنقذة للحياة خصوصاً لذوي الأمراض المزمنة، ما أسفر عن حرمان ملايين المواطنين من الرعاية الصحية الأساسية والإنسانية والغذائية. وفي ظل مؤشرات انهيار النظام الصحي كشفت لـ«الشرق الأوسط» مصادر في القطاع الصحي الخاضع للميليشيات عن أن عدد المنشآت الصحية التي عطلتها جماعة الحوثي كلياً وجزئياً أكثر من 600 منشأة، حيث استخدمت الجماعة كل أصناف الممارسات غير الإنسانية من أعمال نهب وابتزاز واقتحام وإغلاق ومصادرة.
واتهمت المصادر قيادة الجماعة الحوثية المهيمنة على القطاع الطبي بأنهم منعوا إجراء أي صيانة للأجهزة والمعدات الطبية، متذرعين بأن ذلك ليس من أولويات المرحلة.
وكشف مصدر طبي في مستشفى «الثورة العام» في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة حصرت أغلب الدعم الطبي على جرحاها في الجبهات كما خصصت المعدات والأجهزة الطبية لأتباعها فقط أو ممن يوالونها شريطة أن تكون الأسرة قد ضحّت بأحد أفرادها في جبهات القتال.
ويقول مختصون في القطاع الطبي في صنعاء إن انهيار هذا القطاع جاء نتيجة طبيعية للممارسات الحوثية التي حرمت أكثر من 48 ألف موظف في القطاع الصحي من الحصول على مرتباتهم، كما تسببت في انقطاع الكثير من الأطباء والموظفين جراء النزوح والظروف الاقتصادية إلى جانب توقف المنشآت والمستشفيات والمرافق الصحية عن العمل جراء الاقتحام أو النهب.
وتشير المصادر الطبية إلى وجود 40 ألف مريض بالسرطان لا يلقون عناية طبية كافية في مناطق سيطرة الجماعة حيث يلقى 50% منهم حتفهم نتيجة تعطيل جهاز الإشعاع الخاص بعلاج الأورام، وعدم توفر الأدوية بسبب منع الجماعة عدداً من الأدوية ومصادرتها لأغلب المساعدات ونهبها أو حجزها وبيعها في السوق السوداء.
وأكد لـ«الشرق الأوسط» طبيب مختص في أمراض القلب ويعمل في مستشفى حكومي شهير في صنعاء، أن أعداد مرضى القلب في تزايد في ظل انعدام أي رعاية لهم، حيث يعانون من انعدام جهاز «القسطرة القلبية» بعد تعطل الجهاز الوحيد لدى مستشفى «الثورة العام» الحكومي، إلى جانب عدم وجود دعامات قلبية لأكثر من 30 ألف مريض وعدم وجود صمامات للعدد ذاته من المرضى.
وأوضح الطبيب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، خشية بطش الميليشيات، أن الجماعة قامت بنقل أجهزة ومعدات الأمراض القلبية الأخرى إلى مستشفى الشرطة والمستشفى العسكري بصنعاء وحصرت تقديم الخدمة على أسر الجماعة ومقاتليها.
وتشير التقارير الطبية القادمة من مناطق سيطرة الجماعة إلى استمرار تفشي الأوبئة والأمراض بين السكان؛ إذ بلغ عدد المصابين بالكوليرا والإسهالات المائية أكثر من مليونين ومائتي ألف شخص توفي منهم نحو ثلاثة آلاف و750 شخصاً، يمثل الأطفال نسبة 32% منهم، فيما رصدت 34 ألفاً و520 حالة إصابة بمرض الحصبة توفيت منها 273 حالة 65% منها أطفال. وأوردت التقارير أن عدد المصابين بمرضى الدفتيريا بلغ أربعة آلاف و500 مريض، توفي منهم 253، ويمثل الأطفال دون الخامسة نحو 16% منهم، في حين يوجد 2.9 مليون طفل دون الخامسة مصاب بسوء التغذية من أصل 5.4 ملايين طفل، منهم 400 ألف طفل مصاب بسوء التغذية الحاد الوخيم.
إلى ذلك أفادت التقارير بأن 86% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من أحد أنواع فقر الدم، و46% من الأطفال يعانون من التقزم، كما أن هناك 80 ألف طفل مصاب باضطرابات نفسية فضلاً عن أن ستة مواليد يموتون كل ساعتين بسبب تدهور خدمات الرعاية الصحية، بينما يموت 65 طفلاً دون الخامسة من أصل ألف طفل بسبب الأمراض.
وتسببت قرارات الميليشيات الحوثية بمنع 10 أصناف من الأدوية –حسب مصادر طبية- من الاستيراد، كما أقدمت على مصادرة أصناف أخرى وإغلاق الصيدليات وسحب تراخيص عدد من وكالات الأدوية ومنح تصاريح لوكالات تابعة لقيادات بارزة في الجماعة.
وتمارس الميليشيات إجراءات تعسفية بحق مالكي الصيدليات والمصانع الدوائية والقطاع الطبي الخاص، حيث تعرضت ما يقارب 200 شركة ومؤسسة خاصة بالجانب الدوائي والمستلزمات الصحية للمضايقات من الحوثيين، في حين فقد نحو 50% من الصيادلة وظائفهم وتوقف النشاط الاستثماري خصوصاً في مجال التصنيع والاستيراد الدوائي.
وأدى قرار الميليشيات الحوثية منع تداول العملة الوطنية المطبوعة خلال السنوات الثلاث الماضية إلى خلق أزمة سيولة خانقة في القطاع الطبي، وأُصيب نشاط مئات المستوردين للأدوية بالاضطراب لعدم توفر العملة القديمة في الأسواق واستعصاء الحصول على العملة الصعبة.
ويشكو موظفون في المستشفى الجمهوري التعليمي في صنعاء الخاضع لسيطرة الميليشيات من قيام رئيسه الحوثي بنهب مستحقاتهم ومنع صرف اﻷدوية للمرضى الفقراء والمحتاجين وحرمانهم من الأدوية رغم توافرها كمساعدات وهبات إلا أن الجماعة تقوم ببيعها وتجبر المرضى على شرائها من الصيدليات الخارجية.
ويقول ناشطون في القطاع الصحي إن الميليشيات الحوثية مسؤولة عن تعثر نقل أكثر من 300 صنف من الأدوية، ومصادرة بعض المواد الطبية اللازمة للصناعات الدوائية وعرقلة وصول شحنات الأدوية والمستلزمات الطبية بحجة عدم حصولها على الموافقة من الجهات التابعة للميليشيات، إلى جانب فرض إتاوات وجمارك على الناقلات التي تقل الأدوية، فضلاً عن احتجازها لفترات طويلة كنوع من الابتزاز مما يتسبب في إتلافها.
وتعيق الجماعة –حسب المصادر- عمل المنظمات الدولية والمحلية التي تعمل في اليمن ووصول المساعدات الطبية، حيث تمارس عليها كل أصناف الابتزاز وبشكل مخلّ للقوانين والاتفاقيات الدولية وتحت مبررات واهية.
واشترطت الجماعة في أحدث رسالة بعثتها إلى منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن ليز غراندي، ضرورة أن تكون الأجهزة والمستلزمات الطبية المقدمة كمساعدات من مصادر موثوقة ولها ضمانات صيانة.
وذكرت مصادر طبية أن الجماعة قامت بمصادرة أجهزة الرنين المغناطيسي التشخيصي وهو (جهاز إشعاعي خاص بمرضى الأورام) وتحويل المواد المستخدمة فيه لأغراض عسكرية، حيث يحتوي هذا الجهاز على غاز الهيليوم، وهو الأمر الذي أغضب المنظمات الدولية وجعلها تتجاهل طلبات حوثية لتوفير مثل هذه الأجهزة.
كانت المنظمات الدولية ومنها منظمة الصحة العالمية قد رفدت القطاع الصحي القابع تحت سيطرة الميليشيات، بالاحتياجات فيما يتعلق بمرضى الفشل الكلوي، حيث رفدتها بـ48 جهازاً خاصاً بالغسيل الكلوي في الوقت الذي تمنع الميليشيات الكهرباء والمشتقات النفطية لتشغيل هذه الأجهزة وهو ما يعرّض المرضى للموت، إذ تزيد أعداد المرضى المصابين بالفشل الكلوي على 20 ألف مريض.
كانت منظمة الصحة العالمية قد قدمت أكثر من 500 طن أدوية ومستلزمات طبية أساسية كمساعدات، وتحوي هذه الشحنات أدوية مضادة للسرطان منقذة للحياة لتغطية نحو 50% من الاحتياج المُلح لمرضى السرطان لمدة عام. كما تحوي الشحنات 100 مجموعة من لوازم علاج سوء التغذية إضافةً إلى أنواع مختلفة من أجهزة الفحص السريع والمحاليل المخبرية لتغطية الاحتياجات العاجلة وأدوية علاج الأمراض المزمنة ومعدات جراحية ومستلزمات علاج الطوارئ ومحاليل وريدية.
لكن الدعم المقدم من المنظمات الدولية للقطاع الصحي بدأ بالتراجع جراء المضايقات التي تمارسها جماعة الحوثي، حيث يعد ابتزاز أنشطة تلك المنظمات من أبرز الممارسات الحوثية، والتي تتسبب في توقف الأنشطة الإغاثية والإنسانية وتعرّض المئات من الأطنان للتلف بسبب التخزين لفترات زمنية طويلة.
كانت الجماعة قد استولت على ست من كبريات المستشفيات الأهلية في العاصمة صنعاء وهي: مستشفى الأم، والمستشفى الأهلي، ومستشفى جامعة العلوم، والمستشفى الألماني الحديث، ومستشفى سيبلاس، والمستشفى المغربي وقامت بالحجز التحفظي على جميع أموال وممتلكات المستشفيات وتعيين حارس قضائي مزعوم عليها.
ولم تتوانَ الميليشيات الحوثية الإرهابية عن قصف المستشفيات الميدانية حيث قصفت مؤخراً وبشكل عشوائي المستشفيات الميدانية بمديرية التحيتا جنوب الحديدة ومستشفيات أخرى في محافظتي تعز والبيضاء. وتشهد الخدمات الصحية في مناطق سيطرة الجماعة غلاءً فاحشاً بسبب الإتاوات والجبايات التي تفرضها الجماعة بدءاً من الجمارك مروراً بإتاوات موظفي الجماعة في مكاتب الصحة وابتزاز موظفيها في الضرائب وكبار مشرفيها.
وكانت الجماعة قد فرضت على المستشفيات الخاصة في المناطق الواقعة تحت قبضتها، استقبال ورعاية العشرات من جرحاها المقاتلين مجاناً، إلى جانب تقديم إتاوات شهرية تقدر بملايين الريالات، وتعيين حراس قضائيين عليها.


مقالات ذات صلة

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

شهد اليمن خلال العام الماضي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتسببت مواجهات البحر الأحمر والممارسات الحوثية في المزيد من المعاناة للسكان والإضرار بمعيشتهم وأمنهم.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 في وقفة تحدٍ لتحالف الازدهار (غيتي)

تحالف حقوقي يكشف عن وسائل الحوثيين لاستقطاب القاصرين

يكشف تحالف حقوقي يمني من خلال قصة طفل تم تجنيده وقتل في المعارك، عن وسائل الجماعة الحوثية لاستدراج الأطفال للتجنيد، بالتزامن مع إنشائها معسكراً جديداً بالحديدة.

وضاح الجليل (عدن)
شؤون إقليمية أرشيفية لبقايا صاروخ بالستي قال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق من اليمن وسقط بالقرب من مستوطنة تسور هداسا (إعلام إسرائيلي)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن

قال الجيش الإسرائيلي في ساعة مبكرة من صباح اليوم (السبت)، إن الدفاعات الجوية الإسرائيلية اعترضت صاروخاً أطلق من اليمن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الخليج جانب من مؤتمر صحافي عقده «فريق تقييم الحوادث المشترك» في الرياض الأربعاء (الشرق الأوسط)

«تقييم الحوادث» في اليمن يفنّد عدداً من الادعاءات ضد التحالف

استعرض الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن عدداً من الادعاءات الموجهة ضد التحالف، وفنّد الحالات، كلٌّ على حدة، مع مرفقات إحداثية وصور.

غازي الحارثي (الرياض)

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.