الحرب التجارية تأخذ منحى هبوطياً

واشنطن تحذر بكين بشأن اتفاق التجارة قبل تطبيق تعريفات جديدة على وارداتها

حاويات في ميناء تجاري في تشينغداو بمقاطعة شاندونغ بشرق الصين.(أ.ف.ب)
حاويات في ميناء تجاري في تشينغداو بمقاطعة شاندونغ بشرق الصين.(أ.ف.ب)
TT

الحرب التجارية تأخذ منحى هبوطياً

حاويات في ميناء تجاري في تشينغداو بمقاطعة شاندونغ بشرق الصين.(أ.ف.ب)
حاويات في ميناء تجاري في تشينغداو بمقاطعة شاندونغ بشرق الصين.(أ.ف.ب)

بدأت الحرب التجارية تأخذ منحى هبوطياً، رغم تباين التصريحات المتعمدة عن قرب التوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة الأولى بين أكبر اقتصادين في العالم، وذلك نتيجة تأثر القطاعات الاقتصادية في الولايات المتحدة والصين بالسلب، جراء تصعيد الطرفين.
وتتزايد التوقعات بركود للاقتصاد الأميركي وتباطؤ اقتصادي في الصين، وهو ما ظهر جلياً في تراجع الصادرات لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهو ما يدفع واشنطن وبكين لتقديم تنازلات سريعاً، الأمر الذي يبرر تصريحات المسؤولين من البلدين، منذ شهور عدة بـ«قرب التوصل إلى اتفاق».
وحذرت الإدارة الأميركية من إمكانية الانسحاب من المفاوضات التجارية مع الصين ما لم تلتزم الأخيرة بـ«الضمانات المرضية» لواشنطن للوصول إلى اتفاق المرحلة الأولى لكنها ذكرت، مع ذلك، أن أكبر اقتصادين في العالم يقتربان حثيثاً من الاتفاق.
وقال لاري كودلو مدير المجلس القومي الاقتصادي الأميركي يوم الجمعة، وفق «بلومبرغ»، إن الرئيس دونالد ترمب على استعداد للانسحاب من مفاوضات ما يسمى «اتفاق المرحلة الأولى» ما لم تلتزم بكين بـ«ضمانات» مرضية للولايات المتحدة. وأشار كودلو، وهو كبير المستشارين الاقتصاديين بالبيت الأبيض، إلى أن المحادثات إذا لم تكن مرضية «فلن تتردد الإدارة الأميركية في زيادة التعريفات».
يأتي هذا قبل أيام من موعد تطبيق حزمة جديدة من التعريفات الجمركية الأميركية في 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي بنسبة 15 في المائة على واردات صينية بقيمة 156 مليار دولار، من بينها الهواتف الجوالة الصينية وأجهزة الكومبيوتر والألعاب والملابس.
وذكر المسؤول الأميركي أن «المفاوضات تسير بصورة شبه يومية، وأن البلدين يقتربان من الاتفاق أكثر مما سبق»، مضيفاً: «لا يوجد موعد نهائي بشأن المحادثات أو الاتفاق، لكن موعد 15 ديسمبر مهم للغاية، والأمر متروك برمته للرئيس ترمب لتطبيق أو العدول عن التعريفات الجديدة».
وكانت الصين قالت الجمعة، إنها ستتنازل عن تعريفة استيراد بعض فول الصويا وشحنات لحم الخنزير من الولايات المتحدة، ما انعكس إيجابياً على أسواق المال.
ومن شأن التوصل إلى اتفاق بشأن «المرحلة الأولى» تهدئة حرب تجارية استمرت 17 شهراً أزعجت الأسواق المالية، وعطلت سلاسل الإمداد وأثرت على النمو الاقتصادي العالمي.
وتباينت المواقف بين قطبي الاقتصاد العالمي فيما يخص المطالب والتنازلات؛ فقد طالبت الصين بإلغاء بعض التعريفات الأميركية الحالية المفروضة على صادراتها بقيمة نحو 375 مليار دولار، بالإضافة إلى إلغاء تعريفة 15 ديسمبر على نحو 156 مليار دولار من صادراتها المتبقية إلى الولايات المتحدة.
لكن الرئيس الأميركي، من جانبه، طالب الصين بالالتزام بحد أدنى محدد من مشتريات المنتجات الزراعية الأميركية، من بين تنازلات أخرى بشأن حقوق الملكية الفكرية والدخول إلى أسواق الخدمات المالية في الصين.
- تداعيات الحرب التجارية على بكين
انكمشت صادرات الصين في نوفمبر الماضي، للشهر الرابع على التوالي، ما يبرز الضغوط المستمرة على المُصنعين بسبب الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، لكن نمو الواردات قد يكون مؤشراً إلى إسهام خطوات تحفيز تتبناها بكين في تعزيز الطلب.
وزاد النزاع التجاري بين البلدين المستمر منذ 17 شهراً من خطر ركود عالمي وأجج تكهنات بأن يطلق واضعو السياسات في الصين مزيداً من التحفيز، إذ إن النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم تباطأ لأقل مستوى في نحو 30 عاماً.
وتراجعت الصادرات 1.1 في المائة في الشهر الماضي، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لما كشفته بيانات الجمارك الصادرة أمس (الأحد)، مقارنة بتوقعات بتوسع واحد في المائة، في استطلاع أجرته «رويترز» لآراء المحللين وانخفاض 0.9 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول).
وسجلت الواردات ارتفاعاً مفاجئاً نسبته 0.3 في المائة مقارنة بها قبل عام لتسجل أول نمو سنوي منذ أبريل (نيسان)، مقارنة مع توقعات اقتصاديين بانخفاض 1.8 في المائة.
وقد تشير بيانات الواردات التي جاءت أفضل من التوقعات لتحسن الطلب المحلي بعد أن أظهرت أنشطة المصانع بوادر تحسن مفاجئ في الآونة الأخيرة، إلا أن المحللين أشاروا إلى صعوبة استمرار التعافي وسط مخاطر تجارية.
وبلغ الفائض التجاري للصين 38.73 مليار دولار مقارنة مع توقعات بتسجيل فائض 46.30 مليار دولار في استطلاع الرأي ومع الفائض المسجل في أكتوبر عند 42.81 مليار دولار.
وتتفاوض بكين وواشنطن بشأن اتفاق تجاري أولي يهدف لنزع فتيل النزاع التجاري، ولكن الخلافات لا تزال قائمة بشأن تفاصيل مهمة.
وقال مستشار البيت الأبيض الاقتصادي لاري كودلو يوم الجمعة، إن موعداً نهائياً في 15 من ديسمبر لا يزال قائماً فيما يتعلق بجولة جديدة من الرسوم الجمركية الأميركية من المقرر أن يبدأ سريانها على بقية الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة البالغة قيمتها نحو 156 مليار دولار، ولكنه أضاف أن الرئيس دونالد ترمب راضٍ عن مسار محادثات التجارة مع الصين.
وقال مسؤول صيني، وفق «رويترز»، إن بكين ستفرض رسوماً من جانبها رداً على ذلك إذا جرى فرض رسوم أميركية في 15 ديسمبر، ما قد يبدد أي فرصة لاتفاق تجاري في وقت قريب.
وأظهرت حسابات لـ«رويترز»، تستند إلى بيانات جمارك صينية أمس، أن الفائض التجاري لبكين مع الولايات المتحدة بلغ في نوفمبر 24.60 مليار دولار، ليتراجع من فائض الشهر السابق البالغ 26.45 مليار دولار.
وبلغ الفائض التجاري للصين مع الولايات المتحدة في الفترة من يناير (كانون الثاني) وحتى نوفمبر 272.5 مليار دولار، وفقاً لحسابات «رويترز» المستندة إلى بيانات جمارك صينية.
وقالت الجمارك إن إجمالي تجارة الصين مع الولايات المتحدة نزل 15.2 في المائة في الـ11 شهراً الأولى من 2019، مع تراجع الصادرات 12.5 في المائة وهبوط الواردات 23.3 في المائة. لكن الجمارك لم تعلن التغيرات بالنسبة المئوية في التجارة الثنائية للصين مع الولايات المتحدة لشهر نوفمبر.
- النمو المحتمل للصين
قال مستشار للبنك المركزي في الصين إن النمو الاقتصادي المحتمل في الصين سيقل عن 6 في المائة في السنوات الخمس المقبلة. وذكر ليو شي جين مستشار السياسات لبنك الشعب الصيني في مؤتمر في بكين، إن الاقتصاد سينمو بين 5 و6 في المائة في الفترة بين عامي 2020 و2025، وذلك حسب مقال نشره على وسائل التواصل الاجتماعي. وقال ليو إن السياسة المالية ميسرة جداً بالفعل، وإن محاولة تحفيز الاقتصاد لينمو بوتيرة أسرع من إمكاناته قد تؤدي لانهياره.
وتباطأ النمو الاقتصادي في الصين بأكثر من المتوقع إلى 6 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام، وهي أقل وتيرة في 3 عقود تقريباً، وعند الحد الأدنى لتوقعات الحكومة لنمو بين 6 و6.5 في المائة للعام بالكامل.
ورغم تنامي الضغوط على الاقتصاد نتيجة تباطؤ الطلب المحلي والحرب التجارية مع الولايات المتحدة، فإن بكين ما زالت تحجم عن تطبيق خطوات تحفيز مهمة خشية زيادة المخاطر المالية في ظل مستويات الدين المرتفعة بالفعل.
وحذر محللون من أن النمو الاقتصادي في الصين قد ينزل عن الحد الأدنى لهدف بكين لعام 2019 والبالغ 6 في المائة في الربع الثالث من العام أو في العام المقبل، لكن خبراء الاقتصاد بالحكومة أكثر تفاؤلاً بقليل، حيث يتوقعون أن يسهم التحفيز في تجنب تباطؤ أكثر حدة.
ويرجح خبراء الاقتصاد مزيداً من التباطؤ للنمو الاقتصادي الصيني في الربع الحالي، مقارنة مع الفترة بين أبريل ويونيو (حزيران) التي سجل فيها النمو أضعف وتيرة في نحو 30 عاماً عند 6.2 في المائة. غير أنهم اختلفوا على استمرار اتجاه التباطؤ رغم مجموعة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة على صعيد السياسات.



النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.


وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
TT

وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)

شكلت تصريحات وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، سعد الكعبي، خلال «منتدى الدوحة 2025»، نقطة محورية في مناقشات المنتدى الذي افتتحه أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في نسخته الثالثة والعشرين تحت شعار: «ترسيخ العدالة: من الوعود إلى واقع ملموس». وأكد الكعبي على رؤية متفائلة للغاية لمستقبل الغاز، مشدداً على أنه «لا قلق لديه على الإطلاق» بشأن الطلب المستقبلي بفضل الحاجة المتزايدة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي.

وأكد الكعبي أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيظل قوياً بفضل تزايد احتياجات الطاقة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي، متوقعاً أن يصل الطلب على الغاز الطبيعي المسال إلى ما بين 600 و700 مليون طن سنوياً بحلول عام 2035. وأبدى في الوقت نفسه، قلقه من أن يؤثر نقص الاستثمار على الإمدادات المستقبلية للغاز الطبيعي المسال والغاز.

وقال الكعبي: «لا أشعر بأي قلق على الإطلاق بشأن الطلب على الغاز في المستقبل»، مُضيفاً أن الطاقة اللازمة للذكاء الاصطناعي ستكون مُحرّكاً رئيسياً للطلب. عند بلوغه كامل طاقته الإنتاجية، من المتوقع أن يُنتج مشروع توسعة حقل الشمال 126 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً بحلول عام 2027، مما سيعزز إنتاج قطر للطاقة بنحو 85 في المائة من 77 مليون طن متري سنوياً حالياً.

وأضاف أن أول قطار من مشروع «غولدن باس» للغاز الطبيعي المسال، وهو مشروع مشترك مع «إكسون موبيل» في تكساس، سيبدأ العمل بحلول الربع الأول من عام 2026.

وأكد الكعبي أن أسعار النفط التي تتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل ستوفر إيرادات كافية للشركات للاستثمار في احتياجات الطاقة المستقبلية، مضيفاً أن الأسعار التي تتجاوز 90 دولاراً ستكون مرتفعة للغاية.

كما حذّر من كثرة العقارات التي تُبنى في الخليج، ومن احتمال «تشكُّل فقاعة عقارية».

الاتحاد الأوروبي

كما أبدى الكعبي أمله أن يحل الاتحاد الأوروبي مخاوف الشركات بشأن قوانين الاستدامة بحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول).

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي، أعربت يوم الجمعة، عن بالغ قلقها تجاه التشريعين المعروفين بتوجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات، وتوجيه الإبلاغ عن استدامتها، اللذين تتعلق بهما مجموعة تعديلات رفعها البرلمان الأوروبي، مؤخراً، إلى المفاوضات الثلاثية. وأكّدت دول المجلس أن قلقها نابع من أن هذه التشريعات ستفضي إلى إلزام الشركات الكبرى، الأوروبية والدولية، اتباع مفهوم الاتحاد الأوروبي للاستدامة، وبتشريعات تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة، وبتقديم خطط للتغير المناخي خارج إطار الاتفاقيات المناخية الدولية، كذلك الالتزام بتقديم تقارير عن الاستدامة حول آثار تلك الشركات، والإبلاغ عن ذلك، وفرض غرامات على التي لا تمتثل لهذا التشريع.

كما أعربت قطر عن استيائها من توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات الصادر عن الاتحاد الأوروبي، وهدّدت بوقف إمدادات الغاز. ويتمحور الخلاف حول إمكانية فرض توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات غرامات على المخالفين تصل إلى 5 في المائة من إجمالي الإيرادات العالمية. وقد صرّح الوزير مراراً بأن قطر لن تحقق أهدافها المتعلقة بالانبعاثات الصفرية.

من جهة أخرى، أطلق الكعبي تحذيراً بشأن النشاط العمراني في المنطقة، مشيراً إلى أن هناك «بناءً مفرطاً للعقارات في منطقة الخليج»، ما قد يؤدي إلى «تشكُّل فقاعة عقارية».

استراتيجية مالية منضبطة

من جهته، أكد وزير المالية القطري، علي أحمد الكواري، خلال المنتدى، قوة ومتانة المركز المالي للدولة. وأوضح أن التوسع المخطط له في إنتاج الغاز الطبيعي المسال سيعمل كعامل تخفيف رئيسي يقلل من تأثير أي انخفاض محتمل في أسعار النفط مستقبلاً. وأضاف أن السياسة المالية «المنضبطة» التي تتبعها قطر تمنحها مرونة كبيرة، مما يعني أنها لن تضطر إلى «اللجوء إلى أسواق الدين» لتلبية احتياجاتها من الإنفاق في أي مرحلة.