ترمب صاحب الخط الدبلوماسي الخارج عن الأعراف

ترمب خلال زيارته بريطانيا لحضور قمة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)
ترمب خلال زيارته بريطانيا لحضور قمة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)
TT

ترمب صاحب الخط الدبلوماسي الخارج عن الأعراف

ترمب خلال زيارته بريطانيا لحضور قمة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)
ترمب خلال زيارته بريطانيا لحضور قمة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)

اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن زيارته بريطانيا لحضور قمة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) كانت ناجحة جداً بكل المقاييس، قائلاً: «لقد حققت تقدماً عظيماً مع قادة الناتو، وجعلتهم يدفعون 130 مليار دولار سنوياً بشكل إضافي، و400 مليار دولار سنوياً في 3 سنوات، دون أي تكلفة إضافية على الولايات المتحدة». وقال الرئيس ترمب، الذي غادر لندن دون أن ينهي الزيارة بمؤتمر صحافي مع وسائل الإعلام كما هو متوقع، في منشور عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «وسائل الإعلام الكاذبة تفعل كل شيء ممكن للتقليل من شأن زيارتي الناجحة جداً للندن من أجل الناتو».
وجاءت تصريحات ترمب بعد الغضب الذي أظهره تجاه بعض أهم حلفائه مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الذي ظهر في مقطع مصور خلال حفل استقبال في لندن يصف فيه مدى الدهشة التي علت وجوه فريق الرئيس ترمب بسبب أدائه في مؤتمر صحافي. وكان الحوار خلال حفل الاستقبال يجمع بين ترودو ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس وزراء هولندا مارك روته وجرى تسجيله بالفيديو وكانت الأصوات مسموعة. كما كانت الأميرة آن ابنة الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا موجودة أيضاً. ووصف ترمب رئيس الوزراء الكندي بأنه «بوجهين»، كما وصف ترمب تصريحات سابقة لماكرون بأنها «مزرية للغاية».
ترمب فرض على العالم مفهومه الشخصي المغاير للأعراف للعلاقات الدولية، والذي يتراوح بين التهجم على الحلفاء والتقارب مع الأعداء ومغازلة قاعدته الانتخابية، مهدداً بالتسبب بمزيد من الاحتكاكات في وقت يسعى لتحقيق نجاحات مع اقتراب استحقاق 2020.
ففي 27 أكتوبر (تشرين الأول)، أعلن الرئيس الأميركي عن انتصار سيبقى على الأرجح أكبر إنجاز له على الساحة الدولية، وهو قتل زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي في عملية كوماندوز أميركية في سوريا.
ويقول الخبير في معهد «هيريتاج» المحافظ نايل غاردينر لوكالة الصحافة الفرنسية إنه في عهد ترمب «خسر تنظيم (داعش) أراضيه في العراق وسوريا»، مشدداً على أن «هذه نتيجة هائلة جداً»، وهو تصريح سيعتمده الملياردير الجمهوري حتماً لأزمة خلال حملته الانتخابية. لكن مقتل المطلوب الأول في العالم جاء في ختام تسلسل أحداث ومواقف متقلبة وفوضوية.
فالرئيس الأميركي أثار غضب أقرب حلفائه، سواء في أوروبا أو داخل الكونغرس الأميركي، مجاهراً في المقابل بتفاهمه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي يلقى شجباً متزايداً من كثير من الديمقراطيات الغربية. وسبب هذا الخلاف الضوء الأخضر الذي أعطته واشنطن لهجوم شنّته أنقرة شمال شرقي سوريا ضد القوات الكردية التي كانت شريكة للغرب في محاربة تنظيم «داعش». وأدى قرار ترمب إلى تعزيز موقع نظام الرئيس السوري بشار الأسد وداعمه الروسي، رغم أنهما يعدان من خصوم الأميركيين. وفي نهاية المطاف، وبعدما أعلن للمرة الثانية في أقل من عام سحب جميع القوات الأميركية من سوريا، اضطر الرئيس الأميركي إلى التراجع عن قراره المدوي، مجازفاً بإضعاف مصداقيته. وقال مسؤول أوروبي كبير مبدياً استياءه إن «أزمة العلاقات مع الولايات المتحدة استثنائية، لم يعد أحد يؤمن بأي شيء كان». غير أن كل هذا لا يمنع رئيس أكبر قوة في العالم من التطلع للعب دور صانع السلام. ومبادراته الدبلوماسية المخالفة أحياناً للأنماط المعروفة غالباً ما تصل إلى طريق مسدود. ورغم وعده بـ«وضع حد للحروب التي لا تنتهي»، اضطر إلى التخلي عن سحب القوات الأميركية من سوريا، وكذلك من أفغانستان؛ حيث أوقف مفاوضات السلام مع «طالبان» ثم بدل موقفه ليستأنفها قريباً. كما باشر تقارباً تاريخياً مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، لكن بعد فشل قمتهما الثانية في فبراير (شباط) في هانوي تعثرت المفاوضات ولا تزال مشلولة.
وفي فنزويلا، فإن الهجوم الدبلوماسي والاقتصادي الكثيف الذي باشرته واشنطن في مطلع 2018 لطرد الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو يراوح مكانه. أما خطة السلام الموعودة لوضع حد للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فتبدو طي النسيان مع تضاعف المواقف الأميركية المنحازة بشكل متزايد لإسرائيل والخارجة بشكل متزايد عن الأعراف الدولية.
وخالف ترمب رأي الصقور في أوساطه نفسها، فأبدى انفتاحاً كبيراً على التحاور مع القادة الإيرانيين، من غير أن يلقى استجابة من طهران. وبعد إحجامه عن توجيه ضربة عسكرية لإيران رداً على هجمات نسبت إليها في الخليج في يونيو (حزيران) وسبتمبر (أيلول)، اتُّهم بـ«الضعف»، وهو الذي جعل من «السلام بالقوة» عقيدته الدبلوماسية.
وبالنسبة للحروب التجارية التي شنها على وقع رسوم جمركية مشددة طالت دولاً حليفة، فقد أدت في الوقت الحاضر إلى إضعاف الاقتصاد العالمي، من غير أن تفرز غالباً ولا مغلوباً. وبعدما أشاد فيما مضى بمزايا «اتفاق كبير» مع الصين كان سيشكل أحد أبرز إنجازاته، يبدو الآن أنه يريد أن يجعل من ذلك مجدداً أحد شعارات حملته لإعادة انتخابه، كما فعل عام 2016. وقال ترمب صاحب نهج «أميركا أولاً» في 3 ديسمبر (كانون الأول): «تعجبني فكرة الانتظار إلى ما بعد الانتخابات من أجل الاتفاق مع الصين». فكل شيء اعتباراً من الآن سيقاس بميزان انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. وقال دبلوماسي أوروبي: «مشكلته الوحيدة هي أن يُنتخب لولاية جديدة».
ويبقى السؤال المطروح؛ إلى أي حد يمكنه المضي، وهو الذي يتهمه الديمقراطيون بممارسة ضغوط على أوكرانيا للحصول على مكاسب سياسية يمكنه توظيفها في السباق إلى البيت الأبيض؟ ويرى براين كاتوليس من مركز «سنتر فور أميريكان بروغرس» القريب من اليسار أنه «مع ترمب، يمكننا توقع ما لا يمكن توقعه» مضيفاً لوكالة الصحافة الفرنسية: «إنها رئاسة من نوع تلفزيون الواقع. حتى لو لم يحقق نجاحات كبرى، سيدّعي العكس».
ويشدد الصقور الضغوط منذ الآن من أجل أن يرفع النبرة حيال كوريا الشمالية التي توعدت بـ«هدية لعيد الميلاد» مليئة بالوعيد، ما يذكر بالتوتر الشديد الذي كان قائماً في بداية رئاسة ترمب. وقد تتوقف العلاقات الدولية برمتها نتيجة الانتخابات، ولو أن نايل غاردينير المؤيد بشدة للرئيس الجمهوري يرى أنه «من الخطأ أن يراهن القادة الأجانب على أنه لن يكون هنا بعد عام». وفي مطلق الأحوال، سيكون بإمكان رجل الأعمال السابق الذي انتقل إلى السياسة أن يحدث صدمة جديدة في النخبة العالمية حين يستضيف في كامب ديفيد القمة المقبلة لمجموعة السبع، وسط دعواته للعودة إلى مجموعة الثماني. فالرئيس الأميركي لم يُخفِ رغبته في دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مجازفاً بإثارة خلاف جديد حول هذه المسألة.


مقالات ذات صلة

رئيس مجلس النواب الأميركي: العاصفة الثلجية لن تمنعنا من التصديق على انتخاب ترمب

الولايات المتحدة​ رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون (أ.ف.ب)

رئيس مجلس النواب الأميركي: العاصفة الثلجية لن تمنعنا من التصديق على انتخاب ترمب

قال رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، إن عاصفة شتوية ضخمة تجتاح الولايات المتحدة لن تمنع الكونغرس من الاجتماع للتصديق رسمياً على انتخاب ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ تشهد العلاقات بين واشنطن وبكين توتراً متصاعداً بعد «اختراق صيني» مزعوم لوزارة الخزانة الأميركية (رويترز)

واشنطن وبكين تتبادلان فرض العقوبات قبيل تنصيب ترمب

أدت سلسلة من الاختراقات الإلكترونية الأخيرة المنسوبة إلى قراصنة صينيين إلى زيادة حدة التوتر بين واشنطن وبكين.

إيلي يوسف (واشنطن)
الاقتصاد دالي وكوغلر أثناء حضورهما المؤتمر السنوي للجمعية الاقتصادية الأميركية في سان فرانسيسكو (رويترز)

مسؤولتان في «الفيدرالي»: معركة التضخم لم تنته بعد

قالت اثنتان من صانعي السياسة في «الاحتياطي الفيدرالي» إنهما يشعران بأن مهمة البنك المركزي الأميركي في ترويض التضخم لم تنتهِ بعد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تحليل إخباري يأتي لقاء ميلوني وترمب قبل أيام من زيارة بايدة إلى روما (رويترز)

تحليل إخباري قضية إيطالية محتجزة لدى طهران على طاولة مباحثات ميلوني وترمب

ظهر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السبت، برفقة رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، التي كانت تزور منتجعه في مارالاغو بولاية فلوريدا الأميركية.

شوقي الريّس (روما)
الولايات المتحدة​ ترمب وماسك بتكساس في 19 نوفمبر 2024 (رويترز)

كيف تثير تدخلات ترمب وماسك تحدياً دبلوماسياً جديداً؟

سلَّطت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الضوءَ على العلاقة بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب والملياردير إليون ماسك، وتأثيرها في العلاقات الخارجية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
TT

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

قدّم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للرئيس جو بايدن خيارات لـ«هجوم أميركي محتمل» على المنشآت النووية الإيرانية، إذا «تحرك الإيرانيون نحو امتلاك سلاح نووي» قبل موعد تنصيب دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني).

وقالت ثلاثة مصادر مطّلعة لموقع «أكسيوس» إن سوليفان عرض تفاصيل الهجوم على بايدن في اجتماع - قبل عدة أسابيع - ظلت تفاصيله سرية حتى الآن.

وقالت المصادر إن بايدن لم يمنح «الضوء الأخضر» لتوجيه الضربة خلال الاجتماع، و«لم يفعل ذلك منذ ذلك الحين». وناقش بايدن وفريقه للأمن القومي مختلف الخيارات والسيناريوهات خلال الاجتماع الذي جرى قبل شهر تقريباً، لكن الرئيس لم يتخذ أي قرار نهائي، بحسب المصادر.

وقال مسؤول أميركي مطّلع على الأمر إن اجتماع البيت الأبيض «لم يكن مدفوعاً بمعلومات مخابراتية جديدة ولم يكن المقصود منه أن ينتهي بقرار بنعم أو لا من جانب بايدن».

وكشف المسؤول عن أن ذلك كان جزءاً من مناقشة حول «تخطيط السيناريو الحكيم» لكيفية رد الولايات المتحدة إذا اتخذت إيران خطوات مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 90 في المائة قبل 20 يناير (كانون الثاني).

وقال مصدر آخر إنه لا توجد حالياً مناقشات نشطة داخل البيت الأبيض بشأن العمل العسكري المحتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وأشار سوليفان مؤخراً إلى أن إدارة بايدن تشعر بالقلق من أن تسعى إيران، التي اعتراها الضعف، إلى امتلاك سلاح نووي، مضيفاً أنه يُطلع فريق ترمب على هذا الخطر.

وتعرض نفوذ إيران في الشرق الأوسط لانتكاسات بعد الهجمات الإسرائيلية على حليفتيها حركة «حماس» الفلسطينية وجماعة «حزب الله» اللبنانية، وما أعقب ذلك من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

وقال سوليفان لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «القدرات التقليدية» لطهران تراجعت؛ في إشارة إلى ضربات إسرائيلية في الآونة الأخيرة لمنشآت إيرانية، منها مصانع لإنتاج الصواريخ ودفاعات جوية. وأضاف: «ليس من المستغرب أن تكون هناك أصوات (في إيران) تقول: (ربما يتعين علينا أن نسعى الآن لامتلاك سلاح نووي... ربما يتعين علينا إعادة النظر في عقيدتنا النووية)».

وقالت مصادر لـ«أكسيوس»، اليوم، إن بعض مساعدي بايدن، بمن في ذلك سوليفان، يعتقدون أن ضعف الدفاعات الجوية والقدرات الصاروخية الإيرانية، إلى جانب تقليص قدرات وكلاء طهران الإقليميين، من شأنه أن يدعم احتمالات توجيه ضربة ناجحة، ويقلل من خطر الانتقام الإيراني.

وقال مسؤول أميركي إن سوليفان لم يقدّم أي توصية لبايدن بشأن هذا الموضوع، لكنه ناقش فقط تخطيط السيناريو. ورفض البيت الأبيض التعليق.