تجنب المخاطر يتصدر المشهد في الأسواق مجدداً

لا يزال الاقتصادان الألماني والبريطاني يحومان حول مناطق الركود (رويترز)
لا يزال الاقتصادان الألماني والبريطاني يحومان حول مناطق الركود (رويترز)
TT

تجنب المخاطر يتصدر المشهد في الأسواق مجدداً

لا يزال الاقتصادان الألماني والبريطاني يحومان حول مناطق الركود (رويترز)
لا يزال الاقتصادان الألماني والبريطاني يحومان حول مناطق الركود (رويترز)

على الرغم من هدوء المناخ الجيوسياسي في الآونة الأخيرة إلى حد كبير، وذلك بفضل تحسن آفاق أزمة الحرب التجارية وتقلص تحقق انفصال صعب للمملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي. فإن الطلب على أصول الملاذ الآمن قد شهد نمواً ملحوظاً خلال الأسبوع الماضي على خلفية المخاوف المتعلقة بالنمو العالمي.
وبالكاد تمكنت الاقتصادات البريطانية والألمانية من تجنب الدخول في حالة ركود، وفقاً لتقرير رصد صادر عن بنك الكويت الوطني. كما سجل الاقتصاد الياباني نمواً بنسبة 0.2 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام، منخفضاً من 1.8 في المائة في الربع السابق. كذلك جاءت البيانات الصينية مخيبة للآمال هي الأخرى بعد الإعلان عن ضعف مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي وبيانات الاستثمار أكثر مما كان متوقعاً.
وأضاف التقرير، أنه بالنظر إلى أصول الملاذ الآمن نلحظ ارتفاع الفرنك السويسري بنسبة 0.79 في المائة مقابل الدولار على أساس أسبوعي. كما شهد الين الياباني أداءً مماثلاً، حيث ارتفع بنسبة 0.43 في المائة. أما على صعيد السلع، فقد ارتفع المعدن الأصفر (الذهب) بنسبة 0.58 في المائة على مدار الأيام الخمسة الماضية. وفي الوقت الذي شهدت أصول الملاذ الآمن ارتفاعات جيدة تراجعت العملات المرتبطة بتجارة السلع. وتراجع الدولار الأسترالي على مدار الأسبوع وفقد نسبة 0.55 في المائة من قيمته أمام الدولار.
تراجع عائد السندات الأميركية
وكان من الواضح، وفقاً لمتابعي الأسواق، أن الإقبال على المخاطر قد انحسر الأسبوع الماضي بما تسبب في تراجع عوائد السندات الحكومية الأميركية. حيث شهد عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات انخفاضاً هائلاً يوم الخميس بلغ نحو 6 نقاط أساس وصولاً إلى مستوى 1.82 في المائة، أي أقل بواقع 15 نقطة أساس من أعلى مستوياته التي سجلها مؤخراً. ومن جهة أخرى، تجاهلت «وول ستريت» تلك المخاوف إلى حد كبير، وهو ما ظهر في استقرار مؤشرات «داو جونز» و«ستاندرد أند بورز 500» بالقرب من أعلى مستوياتها القياسية.
وتعرض الدولار الأميركي مجدداً لضغوط بيعية معتدلة إلى حد ما. وكان لتراجع عائدات سندات الخزانة الأميركية وارتفاع كل من الجنيه الإسترليني والفرنك السويسري والين الياباني دور في دفع الدولار نحو الانخفاض. وكان الدولار الأميركي قد فقد اتجاهه التصاعدي في النصف الثاني من الأسبوع استجابة لظهور المخاوف التجارية في ظل الغياب التام لأي تطورات جديدة. ويتم حالياً تداول مؤشر الدولار الأميركي عند مستوى 98.001، منخفضاً بنسبة 0.33 في المائة لهذا الأسبوع.
الضغوط التضخمية الأميركية
جاءت بيانات التضخم الشهرية في الولايات المتحدة مفاجئة لاتخاذها اتجاهاً صعودياً، وإن كان معدل النمو السنوي شهد ثباتاً نسبياً. حيث تسارعت وتيرة نمو مؤشر أسعار المستهلكين الأميركي بشكل طفيف في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من 1.7 في المائة على أساس سنوي إلى 1.8 في المائة على أساس سنوي، في حين انخفض معدل التضخم الأساسي من 2.4 في المائة إلى 2.3 في المائة. وتعد بيانات مؤشر أسعار المستهلكين أقل بكثير بالمقارنة بمستويات الذروة المسجلة خلال العام الماضي التي بلغت نحو 3 في المائة. حيث ارتفع مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي (مؤشر أسعار الإنفاق الاستهلاك الشخصي الأساسي) بنسبة 1.7 في المائة على أساس سنوي في سبتمبر (أيلول)، والذي جاء أقل من مستواه المستهدف البالغ 2 في المائة للعام الحالي.
من جهته، صرح رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في شهادته أمام الكونغرس، بأنه من غير المرجح أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بتغيير أسعار الفائدة قريباً طالما بقي الاقتصاد على مساره الحالي. وحذر باول من استمرار التحديات، مثل ضعف بيئة الأعمال الخارجية والتوترات التجارية وانخفاض التضخم. علماً بأن الأسواق لا تقوم حالياً بتسعير أي فرص كبرى لخفض أسعار الفائدة خلال الأشهر الستة المقبلة، وبخاصة في ظل تراجع التوترات التجارية والوضع الإيجابي الذي تتميز به البيانات الاقتصادية الأميركية إلى حد ما.
الأداء الاقتصادي الألماني
تمكن أقوى الاقتصادات الأوروبية (ألمانيا) بالكاد من تجنب الانزلاق في حالة من الركود في الربع الثالث بفضل نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1 في المائة على أساس ربع سنوي. وقد أدى هذا النمو إلى ارتفاع المعدل السنوي إلى 0.5 في المائة مقابل 0.3 في المائة في الربع الثاني. وتتمثل الأخبار الإيجابية في تمكن ألمانيا من تجنب الركود فنياً مجدداً. وبخلاف ذلك، يبدو أن الاقتصاد في وضع ضعيف، حيث استمر ركود القطاع الصناعي في الربع الثالث. ولحسن الحظ، تمكن قطاع الخدمات من تعزيز الأداء الاقتصادي.
وقد أظهرت أحدث المؤشرات دلالات مبدئية تدعو للتفاؤل بأن الاقتصاد الألماني يقترب من أسوأ نقطة والتي يمكن أن يبدأ منها في الارتفاع تدريجياً في عام 2020، حيث جاءت أحدثت تقارير مسح ZEW والبيانات المتعلقة بالتجارة وطلبيات المصانع أفضل من المتوقع. وكان مؤشر مديري المشتريات الصناعي العالمي قد بلغ أدنى مستوياته في يوليو (تموز) بما يعزز أن تراجع القطاع الصناعي العالمي بدأت تهدأ وتيرته. إلا أن تحسن تدفق البيانات في منطقة اليورو لم يكن كافياً لتشجيع اليورو على الارتفاع في الوقت الحالي. ولا يزال التزام البنك المركزي الأوروبي بالحفاظ على السياسة النقدية التيسيرية لفترة أطول يضعف من احتمالية ارتفاع اليورو.
ضعف البيانات البريطانية
تجنب الاقتصاد البريطاني ركوداً فنياً في الربع الثالث، حيث بلغ معدل النمو 0.3 في المائة مقابل - 0.2 في المائة في الربع الثاني. حيث يتم تعريف الركود الفني على أنه عبارة عن فصلين متتاليين من الانكماش وتحقيق نمو بالسالب. وعلى الرغم من تجنب الركود، فقد أصبح النمو الاقتصادي بطيئاً بشكل غير مريح. أما على صعيد النمو الاقتصادي على أساس سنوي، تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث إلى 1 في المائة مقابل 1.3 في المائة فيما يعد أدنى مستويات الزخم التي يشهدها منذ عام 2010. وأشارت البيانات الشهرية للناتج المحلي الإجمالي إلى تقلص معدلات النمو للشهر الثاني على التوالي في سبتمبر في ظل تباطؤ الزخم بشكل واضح مع اقترابنا من نهاية العام.
ومن الواضح أن هناك ضعفاً في العوامل الأساسية للنمو، في حين يتوقع البنك المركزي ضعف الأداء في الربع الرابع. حيث لاحظ البنك تزايد المؤشرات الدالة على تراجع الطلب على التوظيف بالتزامن مع انخفاض فرص العمل في الأشهر الثلاثة الأخيرة مع توقعات تشير إلى تراجع نمو الرواتب قريباً.
أما على صعيد سوق العمل، فقد كان قطاع التوظيف هو أبرز ما في الاقتصاد البريطاني منذ استفتاء انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي. إلا أن بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية خلال الأسبوع الماضي قد أكدت على أن سوق العمل فقد زخمه في الربع الثالث على خلفية حالة عدم اليقين المتعلقة بانفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي. حيث تراجعت أعداد التوظيف الجديدة بواقع 58 ألف موظف مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة بما يمثل أكبر معدل تراجع منذ أربعة أعوام. كما انخفضت عدد الوظائف الشاغرة بمقدار 11 ألف وظيفة بما يعد أكبر انخفاض فصلي منذ عام 2009. ومن هذا المنطلق، فإن تراجع عدد الوظائف الشاغرة يقلل من الضغوط على نمو الأجور، والذي انخفض بالفعل من 3.9 في المائة إلى 3.6 في المائة في الربع الثالث.
وعلى صعيد الأسعار، نلحظ انكماش أسعار المستهلكين خلال الشهر الماضي إلى أدنى مستوياتها المسجلة في ثلاثة أعوام فيما يعزى بصفة رئيسية إلى انخفاض أسعار الطاقة. وكشفت بيانات مؤشر أسعار المستهلكين عن ارتفاع الأسعار خلال الشهر الماضي بنسبة 1.5 في المائة مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي وتراجعها بنسبة 1.7 في المائة مقابل مستويات شهر سبتمبر. هذا، ولم يتغير معدل التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار السلع المتقلبة مثل المواد الغذائية والطاقة، حيث استقر عند مستوى 1.7 في المائة.
وبصفة عامة، تشير بيانات الناتج المحلي الإجمالي إلى أن الاقتصاد فشل في استعادة الكثير من الزخم بعد انكماش الربع الثاني، حيث ينمو الاقتصاد في الوقت الحاضر بمعدلات دون تقديرات النمو المحتمل. ويساهم فقدان زخم النمو في تعزيز فرضية بناء ضغوط انكماشية بما قد يمهد الطريق أمام بنك إنجلترا لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. أما بالنسبة لاجتماع السياسة النقدية السابق، فقد صوت عضوان بالفعل لصالح خفض سعر الفائدة؛ لذلك قد ينضم المزيد من المسؤولين إلى المجموعة المؤيدة للسياسات التيسيرية في ظل استمرار الأجواء السلبية.
وكانت تداولات الجنيه الإسترليني إيجابية على مدار الأسبوع الماضي على الرغم من البيانات الاقتصادية الضعيفة على كافة المستويات. ومنذ استفتاء انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي احتلت بيانات الاقتصاد الكلي مكانة ثانوية.



النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.


وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
TT

وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)

شكلت تصريحات وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، سعد الكعبي، خلال «منتدى الدوحة 2025»، نقطة محورية في مناقشات المنتدى الذي افتتحه أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في نسخته الثالثة والعشرين تحت شعار: «ترسيخ العدالة: من الوعود إلى واقع ملموس». وأكد الكعبي على رؤية متفائلة للغاية لمستقبل الغاز، مشدداً على أنه «لا قلق لديه على الإطلاق» بشأن الطلب المستقبلي بفضل الحاجة المتزايدة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي.

وأكد الكعبي أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيظل قوياً بفضل تزايد احتياجات الطاقة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي، متوقعاً أن يصل الطلب على الغاز الطبيعي المسال إلى ما بين 600 و700 مليون طن سنوياً بحلول عام 2035. وأبدى في الوقت نفسه، قلقه من أن يؤثر نقص الاستثمار على الإمدادات المستقبلية للغاز الطبيعي المسال والغاز.

وقال الكعبي: «لا أشعر بأي قلق على الإطلاق بشأن الطلب على الغاز في المستقبل»، مُضيفاً أن الطاقة اللازمة للذكاء الاصطناعي ستكون مُحرّكاً رئيسياً للطلب. عند بلوغه كامل طاقته الإنتاجية، من المتوقع أن يُنتج مشروع توسعة حقل الشمال 126 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً بحلول عام 2027، مما سيعزز إنتاج قطر للطاقة بنحو 85 في المائة من 77 مليون طن متري سنوياً حالياً.

وأضاف أن أول قطار من مشروع «غولدن باس» للغاز الطبيعي المسال، وهو مشروع مشترك مع «إكسون موبيل» في تكساس، سيبدأ العمل بحلول الربع الأول من عام 2026.

وأكد الكعبي أن أسعار النفط التي تتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل ستوفر إيرادات كافية للشركات للاستثمار في احتياجات الطاقة المستقبلية، مضيفاً أن الأسعار التي تتجاوز 90 دولاراً ستكون مرتفعة للغاية.

كما حذّر من كثرة العقارات التي تُبنى في الخليج، ومن احتمال «تشكُّل فقاعة عقارية».

الاتحاد الأوروبي

كما أبدى الكعبي أمله أن يحل الاتحاد الأوروبي مخاوف الشركات بشأن قوانين الاستدامة بحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول).

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي، أعربت يوم الجمعة، عن بالغ قلقها تجاه التشريعين المعروفين بتوجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات، وتوجيه الإبلاغ عن استدامتها، اللذين تتعلق بهما مجموعة تعديلات رفعها البرلمان الأوروبي، مؤخراً، إلى المفاوضات الثلاثية. وأكّدت دول المجلس أن قلقها نابع من أن هذه التشريعات ستفضي إلى إلزام الشركات الكبرى، الأوروبية والدولية، اتباع مفهوم الاتحاد الأوروبي للاستدامة، وبتشريعات تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة، وبتقديم خطط للتغير المناخي خارج إطار الاتفاقيات المناخية الدولية، كذلك الالتزام بتقديم تقارير عن الاستدامة حول آثار تلك الشركات، والإبلاغ عن ذلك، وفرض غرامات على التي لا تمتثل لهذا التشريع.

كما أعربت قطر عن استيائها من توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات الصادر عن الاتحاد الأوروبي، وهدّدت بوقف إمدادات الغاز. ويتمحور الخلاف حول إمكانية فرض توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات غرامات على المخالفين تصل إلى 5 في المائة من إجمالي الإيرادات العالمية. وقد صرّح الوزير مراراً بأن قطر لن تحقق أهدافها المتعلقة بالانبعاثات الصفرية.

من جهة أخرى، أطلق الكعبي تحذيراً بشأن النشاط العمراني في المنطقة، مشيراً إلى أن هناك «بناءً مفرطاً للعقارات في منطقة الخليج»، ما قد يؤدي إلى «تشكُّل فقاعة عقارية».

استراتيجية مالية منضبطة

من جهته، أكد وزير المالية القطري، علي أحمد الكواري، خلال المنتدى، قوة ومتانة المركز المالي للدولة. وأوضح أن التوسع المخطط له في إنتاج الغاز الطبيعي المسال سيعمل كعامل تخفيف رئيسي يقلل من تأثير أي انخفاض محتمل في أسعار النفط مستقبلاً. وأضاف أن السياسة المالية «المنضبطة» التي تتبعها قطر تمنحها مرونة كبيرة، مما يعني أنها لن تضطر إلى «اللجوء إلى أسواق الدين» لتلبية احتياجاتها من الإنفاق في أي مرحلة.