شخصية الشرير «جوكر» تبدأ مريضة وتنتهي مجنونة

أثار مخاوف القتل العشوائي مجدداً

The Joker City مدينة حافلة بالمتاعب: لقطة من «جوكر»
The Joker City مدينة حافلة بالمتاعب: لقطة من «جوكر»
TT

شخصية الشرير «جوكر» تبدأ مريضة وتنتهي مجنونة

The Joker City مدينة حافلة بالمتاعب: لقطة من «جوكر»
The Joker City مدينة حافلة بالمتاعب: لقطة من «جوكر»

إذ يطل فيلم «جوكر»، بدءاً من هذا الأسبوع، على شاشات العالم، تواجه الشركة الموزعة (وورنر) وضعاً مزدوجاً. الأول إيجابي، وهو أنها على أهبة تسجيل هدف تجاري لم تحققه منذ سنوات بعيدة. الثاني سلبي من حيث إن هناك من يرى الفيلم مثل عشب يابس ينتظر من يشعله بعود كبريت لتلتهم نيرانه البستان كله.
داخل الولايات المتحدة، ومنذ نحو أسبوعين، أصوات تحذر من مغبة عرض «جوكر» في صالات السينما؛ حتى لا يدفع بمعتوهين يؤمنون بحمل السلاح واستخدامه ضد الأبرياء في الصالة أو في الشوارع أو في الكليات، كما حدث أكثر من مرّة في غضون السنوات العشرين الأخيرة على الأخص.
بوليس مدينة لوس أنجليس LAPD عمد إلى رفع درجة تأهبه لأحداث عنف قد يقوم بها أفراد يتأثرون بما تنضح به شخصية جوكر من شرور. لا ننسى أن شخصية جوكر باتت عدو الشعب رقم واحد، والمطلوب رقم واحد أيضاً من قِبل هواة السينما. لكن، لماذا يمكن للناس في كل مكان مشاهدة الفيلم، بصرف النظر عن آرائهم فيه، والخروج منه من دون أن يولّد في أنفسهم أي دوافع عنيفة، لكنهم في الولايات المتحدة قد يستلهمون الشخصية ويقومون بأفعال مستوحاة منها؟
تقييم
هناك إجابات متعددة تبرع بها المنتدون على الإنترنت خلال هذين الأسبوعين. ملاحظة أن تأثيره على بعض الأميركيين يختلف عن تأثيره على شعوب أخرى، بعضهم جيران الولايات المتحدة، مثل كندا، في محلها. في بلد جعل بيع السلاح إحدى دعائم الاقتصاد الوطني وما زال يتمتع بحماية الدستور الأميركي بعد كل الأحداث التي وقعت في غضون العقدين الأخيرين وقبلهما، فإنه من المتوقع أن ينفرد شخص من بين عشرات الملايين التي تشاهد الفيلم فيعلن لنفسه أنه «جوكر» أو أسوأ منه ويرتكب مجزرة.
فرد واحد قد يضع عملاً بلغت ميزانيته أكثر من مائة مليون دولار ويقصد التمهيد لمستقبل جديد في سلسلة «باتمان» في مهب الريح. لن يهم كثيراً، حينها، إن كان هذا الفرد مريضاً قبل مشاهدة «جوكر» وما زال بعده. كلنا شاهدنا «تاكسي درايڤر» لمارتن سكورسيزي وهو يحاول تنظيف الفساد بقتل جماعي، لكن أحداً لم يتبنَ قضيته وينفذ المهمة المستحيلة بنفسه.
كذلك، لم ينبر أحد بعمل عنيف بعدما شاهد جاك نيكولسون أو هيث لدجر في الدور نفسه. الأول لعب الدور في نسخة تيم بيرتون «باتمان» سنة 1989 والثاني مثل الدور في «الفارس الداكن» لكريستوفر نولان سنة 2008
ما لم يثره الكتّاب وأصحاب الرأي حقيقة أن «جوكر» الجديد قد يكون أكثر تأثيراً بمفرده مما كان عليه في المثالين السابقين. هذا لأن البطولة آنذاك كانت لباتمان بينما لعبت شخصية جوكر حجماً محدوداً من الظهور والتأثير. هناك هامَ المشاهدون حباً بالفارس الذي يحارب من أجل الناس. هنا ليس هناك من ذلك الفارس وجوكر هو البطل والموضوع.
الهالة تلقائية إلى حد. «جوكر» كما ينجزه تود فيليبس رجل بائس بمرض يمنعه من الضحك طبيعياً. تبدو ضحكته انعكاساً روحياً لدواخل شديدة الدكانة ليس فيها قبس واحد من خير أو نور. اسمه آرثر فلْـك (يقوم به البارع في أي دور يتبناه واكين فينكس) يعيش مع والدته العجوز (فرنسيس كونروي، ممثلة مسرحية الأصل لعبت عشرات الأفلام المستقلة سابقاً). ليست المرأة الوحيدة بالنسبة إليه، لكنها الأقرب إليه من سواها. هناك جارة لطيفة وموظفة شؤون اجتماعية تؤمّن له الدواء الذي يجب أن يتناوله بسبب حالته المرضية.
تلك الحالة، كما وردت في أصول مجلات DC منذ سنة 1940 كعدو رئيسي لباتمان. جوكر (والكلمة تفصح عن نفسها بما فيه الكفاية) يضحك كثيراً وطويلاً وبصورة مخيفة مستمد من ذلك الداخل المليء شراً. سادي في أذاه وموهبته الوحيدة التي يعرف كيف يمارسها بنجاح هي الجريمة. وهو يضع على وجهه مساحيق حمراء وسوداء كنسخة سيئة التنفيذ لمهرجي الملاهي في والمسارح الصغيرة. لكن ليس بالبهجة ذاتها ولا بما تبثه ملامح هؤلاء من براءة وصفاء.
تدرج صوب الحضيض
السيناريو، كما كتبه المخرج تود فيليبس بمعية سكوت سيلفر لا يأخذ من التاريخ الشخصي الوارد في مجلات الكوميكس إلا الأمارات العامة والعناصر الأساسية المكوّنة لما نراه. الباقي هو أحداث لا يرد غالبها في تلك المجلات، بل مكتوبة خصيصاً لهذا الفيلم. هناك أحداث تأتي على دفعتين أو في مكان واحد مرّتين. مثلاً، هناك مشهدان يقعان في محطتي قطار تحت الأرض، ومشهدان يقعان في المراحيض. وهو يبحث عن أب يتبناه في شخصيّتين: شخصية روبرت دي نيرو (يؤدي شخصية كوميدي تلفزيوني يريد آرثر- جوكر منه أن يتبناه) وشخصية سياسي اسمه توماس واين (برت كولِن) يخوض بشراسة انتخابات محافظ مدينة غوثام (تقع الأحداث في الثمانينات). ربما تدرك أن اسم توماس واين ليس غريباً، وهو بالفعل كذلك فهو والد بروس واين الذي لاحقاً ما سيصبح باتمان. والفيلم يوحي بذلك اللقاء الذي سيقع بين بروس - باتمان وفلْـك - جوكر مستقبلاً.
في كل هذا، لا يحاول المخرج إدانة شريره. يصنع من جوكر بطولة شاء المشاهدون أم لا، وهذا تبعاً لسيناريو حصر نفسه في خانة «اليَك»، حيث على شخصيته المفضلة أن تقود الفيلم وأن تقوده بصرف النظر عن شرورها. هذا يختلف عما فعله مارتن سكورسيزي في «تاكسي درايڤر» (1976) من حيث إنه منح بطله (دي نيرو) تدرّجاً واقعياً قبل إطلاقه مخزونه من العنف (وعلى من رأي كاتب سيناريو ذلك الفيلم، بول شرادر إنه يستحق) وقضية يلجأ إلى السلاح من أجلها.
«جوكر» نوع من الأفلام الذي يرتقي إلى الإجادة عبر ممثله لجانب عناصر فنية أخرى ليست من صميم شغل المخرج. واكين فينكس يرتدي الشخصية بتفاصيلها المخيفة. هو الفيلم بأسره ليس فقط من حيث بطولته له، بل أساساً من حيث إنه السبب الذي من أجله يستحوذ الفيلم على التقدير في نهاية المطاف. ورغم قصور نواحٍ محددة في عمليتي الكتابة والإخراج، فإن هذا لا يمنع دفقاً من القوّة الممنهجة التي يسددها الفيلم صوب مشاهديه جالباً كل الذين يحتفون اليوم بتلك الشخصية البائسة واليائسة والتي تبدأ مريضة وتنتهي، في ختام الفيلم، مجنونة.
ومن حسن حظ الفيلم أن مخرجه انتبه إلى أن عليه أن يربط بين جنوح بطله صوب الجريمة والشر وجنوح المجتمع الذي يعيش فيه صوب فساد سياسي واجتماعي. يوزع شخصيات ثانوية وأخرى رئيسية تتداول ما هو فساد مستشرٍ ولو بحجم أقل ويربط بين وصول بطله إلى مطلق الدكانة (وهي حضيض مؤكد) وبين محيط يراه الفيلم مماثلاً.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.