تونس: انطلاق الدور الثاني من السباق الرئاسي على وقع الاتهامات المتبادلة

البعثة الأوروبية لمراقبة الانتخابات تحث على احترام مبدأ تكافؤ الفرص

تونسيتان تمران أمام حائط وضعت عليه برامج وشعارات المرشحين للانتخابات الرئاسية التونسية (أ.ف.ب)
تونسيتان تمران أمام حائط وضعت عليه برامج وشعارات المرشحين للانتخابات الرئاسية التونسية (أ.ف.ب)
TT

تونس: انطلاق الدور الثاني من السباق الرئاسي على وقع الاتهامات المتبادلة

تونسيتان تمران أمام حائط وضعت عليه برامج وشعارات المرشحين للانتخابات الرئاسية التونسية (أ.ف.ب)
تونسيتان تمران أمام حائط وضعت عليه برامج وشعارات المرشحين للانتخابات الرئاسية التونسية (أ.ف.ب)

انطلقت أمس بشكل رسمي الحملة الانتخابية الخاصة بالدور الثاني للانتخابات الرئاسية في تونس، والتي ستستمر إلى 11 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وهي تجمع بين قيس سعيد، المرشح المستقل الذي فاز في الدور الأول بالمرتبة الأولى من الانتخابات الرئاسية بنسبة 18.4 في المائة، ونبيل القروي مرشح حزب «قلب تونس»، الذي نال 15.58 في المائة من أصوات الناخبين، على الرغم من وجوده في السجن بشبهة غسل الأموال والتهرب الضريبي.
وطالبت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتمكين القروي من إجراء مقابلات صحافية وتلفزيونية، في إطار الحملة الانتخابية، وفي هذا السياق أكد أنيس الجربوعي، عضو الهيئة، أن هيئة الانتخابات «وجدت نفسها في وضع مزعج ومحرج للغاية»، وذلك بسبب عدم تمتع المرشحين للانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية بالحظوظ نفسها، نظراً لبقاء القروي في السجن.
وشرع قيس سعيد في حملته الانتخابية أمس بتوجيه مراسلة إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، تضمنت اتهامات باستغلال صورته في الحملات الدعائية لبعض الأحزاب والقائمات المستقلة المترشحة للانتخابات البرلمانية، ووجّه هذه الاتهامات إلى «ائتلاف الكرامة»، الذي يتزعمه سيف الدين مخلوف، المرشح السابق في الانتخابات الرئاسية، وحزب حركة النهضة، الذي أعلن دعمه الصريح للمرشح قيس سعيد في الدور الثاني من السباق الرئاسي، وقائمات «أمل وعمل»، التي يتزعمها ياسين العياري، النائب في البرلمان عن التونسيين المهاجرين في ألمانيا.
كما أوضح سعيد أن فريق حملته الانتخابية عاين استغلال صوره من قبل عدد من القائمات الانتخابية البرلمانية، مؤكداً أنه «لا علاقة له بهذه الممارسات، التي لا تمت له بصلة، بأي شكل من الأشكال»، وذلك خشية الطعن في نتائج الانتخابات.
في الجهة المقابلة، وعلى الرغم من وجوده وراء القضبان منذ 23 أغسطس (آب) الماضي، فقد استهل نبيل القروي حملته الانتخابية بتوجيه رسالة حادة اللهجة من سجنه إلى راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، ليؤكد فيها أن وجوده في الزنزانة «أوهم حزب النهضة بأنّه بات في موقف ضعف»، فهاجمه شخصياً وهاجم حزب «قلب تونس». كما اتهم سعيد حركة النهضة بالمغالطة والتضليل، وفسر بقاءه في السجن برفضه التحالف السياسي مع النهضة، معتبراً أن أكبر دليل على ذلك هو أنه «لا يزال سجيناً ولأسباب معلومة» على حد تعبيره.
كما اتهم سعيد حركة النهضة بالمسؤولية عن الاغتيالات السياسية، في إشارة إلى مقتل القيادي اليساري شكري بلعيد، والنائب البرلماني محمد البراهمي سنة 2013 إبان حكم تحالف «الترويكا» بزعامة «النهضة». علاوة على مسؤوليتها عن مقتل عدد من الأمنيين والعسكرين من قبل التنظيمات الإرهابية، ومساعدة الشبكات الإرهابية على تسفير المواطنين التونسيين إلى بؤر التوتر خارج البلاد.
في السياق ذاته، أوضح حاتم المليكي، المتحدث باسم نبيل القروي، أنه وجّه رسالة إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وإلى رئيس الجمهورية والمنظمات الوطنية (اتحاد الشغل، واتحاد رجال الأعمال، ونقابة الفلاحين)، طالب فيها بضرورة تطبيق «تكافؤ الفرص» بين المترشحين، ورجّح أن يتم الطعن في نتائج الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، وعدم الاعتراف بها دولياً نتيجة عدم تكافؤ الفرص بين المتنافسين.
وبخصوص إدارة الحملة الانتخابية في ظل استمرار حبس القروي، قال المليكي: «سننتظر موقف محمد الناصر رئيس الجمهورية المكلف، وبناء عليه سنصدر موقفنا اليوم بخصوص إجراء الدور الثاني للانتخابات من عدمه».
ويواجه القروي ضغوطاً سياسية وقضائية متزايدة، بعد أن نشر الأميركي شاران غريوال، الباحث في العلوم السياسية، خبر إبرام القروي عقداً مع شركة كندية مختصة في الضغط السياسي والتعبئة الانتخابية، ومنحها مبلغ مليون دولار من أجل مساعدته على الوصول إلى منصب رئيس الجمهورية. وهو ما دفع عدداً من المنظمات الحقوقية إلى مطالبة النيابة العامة بفتح تحقيق حول هذه الاتهامات التي تعتبر قضية أمن قومي، في نظرها.
وعلى صعيد متصل، دعت البعثة الأوروبية لمراقبة الانتخابات في تونس إلى ضرورة منح المرشح الرئاسي الموقوف في السجن نبيل القروي فرصة قيادة حملته الانتخابية، عملاً بمبدأ تكافؤ الفرص، وفق ما تفرضه القوانين التونسية والالتزامات الدولية في مادة الانتخابات.
وقالت البعثة، في بيان لها أمس، إنها تأمل أن يتم تنظيم الدور الثاني للانتخابات الرئاسية المبكرة في كنف الظروف التي تمكن الشعب التونسي من التعبير بشكل كامل عن اختياره بطريقة سيادية.
ولاحظت البعثة أن المؤسسات التونسية، بما في ذلك رئاسة الجمهورية وهيئة الانتخابات، وهيئة الاتصال السمعي والبصري والتلفزيون التونسي، كانوا قد أعلنوا دعمهم للمرشح نبيل القروي حتى يشارك في الحملة الانتخابية، واللقاءات الصحافية والمناظرات التلفزيونية.
وعكس المرشح قيس سعيد، فقد غاب القروي الموقوف في السجن، عن الحملة الانتخابية للدور الأول، كما غاب عن المناظرات التلفزيونية، بسبب تهم فساد مالي في قضية قامت بتحريكها منظمة «أنا يقظ»، الناشطة في مجال مكافحة الفساد منذ سبتمبر (أيلول) 2016. وقد رفض القضاء في وقت سابق 3 مطالب من محامي القروي للإفراج عنه حتى يشارك في الحملة الانتخابية.
وأفادت البعثة الأوروبية بأنها التقت المرشح قيس سعيد، كما تقدمت بطلب إلى السلطات لزيارة نبيل القروي في سجنه، لكنها لم تتلق رداً حتى اليوم.
ودعت الهيئة فريقي الحملتين الانتخابيتين للمرشحين إلى الابتعاد عن الشحن والمعلومات المغلوطة أثناء الحملة الانتخابية، التي بدأت أمس.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».