توفي، أول من أمس، بالدار البيضاء، عن سن يناهز 70 عاماً، الكاتب الميلودي حمدوشي، أحد مؤسسي الرواية البوليسية بالمغرب، وأبرز وأشهر مبدعيها.
وترك الراحل، الذي يختصر المتتبعون مساره المهني وتجربته الإبداعية بلقب «كولومبو» الأدب والرواية في المغرب، ما يناهز عشرين رواية، تحول بعضها إلى عمل تلفزيوني ناجح، على غرار فيلم «الحوت الأعمى» (2001) لمخرجه حسن غنجة وبطولة عبد القادر لطفي ومحمد عفيفي ويونس ميكري.
ومن بين الأعمال الروائية التي تركها الراحل، نجد «السكين الحرون» و«القديسة جانجاه» و«الحياة الخاصة» و«مخالب الموت» و«حلم جميل» و«ضحايا الفجر» و«أم طارق» و«بيت الجن» و«اغتيال الفضيلة». وفضلاً عن أعماله الروائية، كانت للراحل، بحكم مساره المهني وتخصصه في علم الإجرام، وكذا خلفيته الأكاديمية، مساهمات في مجال الدراسات القانونية. ويعد الراحل من الروائيين المغاربة والعرب القلائل الذين كتبوا الرواية البوليسية، باعتباره أدباً يلتصق، حسب رأيه، بـ«الوجه الكالح الذي تتحاشى المجتمعات المنغلقة الحديث حوله لأنها غالباً ما تكون مسؤولة عنه اجتماعياً واقتصادياً على الأقل»، مشدداً على أنه «ليس للرواية البوليسية وظيفة أخلاقية بالمفهوم العام، لأنها تحكي فقط عن ظواهر اجتماعية وتصفها بدقة تاركة للقارئ أن يستخلص منها ما يريد»؛ فيما «الحقيقة التي ينبغي أن يبشر بها أي إبداع بوليسي، كون الغلبة ينبغي أن تكون دائماً للقانون، لا للجريمة والمجرمين». وتميز الراحل بالكتابة باللغتين العربية والفرنسية؛ هو الذي عمل في الأمن الوطني المغربي، حيث تدرج في مناصب عليا، بينها اشتغاله عميد أمن في أكثر من مدينة مغربية، قبل أن ينتقل إلى ميدان البحث والتدريس. كما عرف بصداقته للكتاب المغاربة.
ونعت الإدارة العامة للأمن الوطني، الراحل، مشيرة إلى أن «وفاة العميد الإقليمي المتقاعد الدكتور ميلودي حمدوشي هي مناسبة لاستحضار مناقب رجل بخصال عالية ومسار مهني وأكاديمي متميز».
واستعاد الإعلامي أحمد إفزارن، تحت عنوان «طنجة: كُولمبُو في ذمة الله»، علاقته بالراحل، معدداً خصاله، حيث كتب على حسابه بـ«فيسبوك»: «رحلَ عنا إلى دار البقاء الدكتور الميلودي حمدوشي، المعروف بـ(كولمبو)... رحمه اللهُ تعالى رحمة واسعة... إنا لله وإنا إليه راجعون.. إن هذا الرجل، حُقوقي، أديب، مُثقف من الطراز الرفيع، وإلى هذا هو نموذج للأمني المسؤول، بكل ما تعني المسؤولية المهنية. الدكتور الميلودي حمدوشي هو من أشهر كفاءات الساحة الأمنية ببلدِنا، في ثمانينيات القرن الماضي، كان مسؤولاً بطنجة، وأثناء مُزاولة مسؤوليته الأمنية، لم يكُن يُفرّق بين فقيرٍ وغنيّ. الناسُ أمامه سواسية. وقد كتَبت عنه جريدة (لوموند) الفرنسية مقالاً تحدّثت فيه عن نزاهة (كولمبو)، وهي التسمية التي أطلقَها عليه سكانُ طنجة. وكان ينشرُ أول قصصِه البوليسية في جريدة (الخضراء الجديد)، إنه أولُ أديب كاتب في القصة البوليسية بالمغرب. ومثلُ هذا الرجل، لا ينجُو من مُؤامرات، وذات يوم، فوجئ سكانُ طنجة بنقلِه إلى الرباط. وكانت لي به علاقة فكرية عميقة، والتقينا عدة مرات، في طنجة والرباط... وتحدّثنا في شؤون الأدب والصحافة... وعرفتُ منه، فيما بعد، أنه فتحَ مكتباً للمحاماة في باريس. رجل مُتخصّص في إشكاليات الجريمة وتعقيداتِها. تخصّصٌ نفسي واجتماعي، ترجَمهُ إلى نماذجَ قصصية من الواقعِ في المغرب، والهدفُ من هذا اللونِ الأدبي هو أخذُ العِبرة، مع الحيطة والحذَر، مع فهمِ واقعٍ محفوفٍ بمَخاطر. الرجل مثقفٌ من الطراز الرفيع، يربطُ الثقافة بالواقع. وكان على صلة بمختلفِ المثقفين. أحرّ التعازي إلى كل مسؤول نزيه في ربوع بلدنا».
من جهته، كتب الناقد والروائي الحبيب الدايم ربي، مستحضراً تجربة الراحل وصداقته: «لم يكن معنياً بالتشويق والحبكة فحسب، كما هو الشأن في القصص البوليسية، وإنما كان يولي أهمية بالغة لما هو معرفي فيها كذلك. ولا شك أن الراحل كان واحداً من القلة التي أرست جنس الرواية البوليسية بالمغرب، إلى جانب أحمد عبد السلام البقالي وعبد الإله حمدوشي وغيرهما. واللافت أنه ما ثبت إجماع بالمغرب على (رجل أمن) سابق كالإجماع على حب (كولومبو)، وهذا لقبه الدال على حزمه وانضباطه في عمله وإخلاصه لوطنه. ولعل الذين عاصروا فترة مزاولته لمهامه الأمنية يتذكرون تفانيه في تطبيق النظام والقانون والحزم في تطهير المدن، التي اشتغل بها، من الخارجين عن القانون. حتى أنه كان يقوم لوحده بدوريات ليلية ليعم الأمن وتسود الطمأنينة، دونما شطط، لكن من غير تهاون، في زمن كان شطط رجال الأمن هو السائد والمعمول به، علماً بأن خلف هذا الشرطي الصارم كان يتخفى مثقف كبير وأديب وأكاديمي استثنائي، شغوف بالبحث والمعرفة».
وحظيت أعمال الراحل الروائية بالمتابعة والتحليل، بحكم الإضافة التي أغنت بها التجربة الروائية المغربية. ونقرأ، في هذا الصدد، للناقد حسن إغلان، في تقديم إحدى روايات الراحل: «راكم ميلودي حمدوشي كتابة الرواية البوليسية منذ زمن، ولأن هذا الجنس لا يكتب فيه إلا القليل من الكتاب، فإن ريادة صاحبنا مبنية على استراتيجية محددة، وهي مربوطة بين الممارسة والكتابة. بمعنى أن الكاتب لا يرتهن للتخييل فحسب، وإنما يندفع نحو تحرير تجربته الميدانية السابقة أفقاً للكتابة. قد نقول، من دون مواربة، إن تقاطع التجربة السابقة، وكيفية استثمارها كتابة تقدم لنا نظاماً مائزاً في هذا النوع من الكتابة. ولأن هذا الجنس الإبداعي له خصائص ترمي إلى الوضوح والدقة في الوصف، والجمل القصيرة، وعقلنة السرد، وعدم الانجرار وراء التجريب الأدبي، واللعب باللغة، أو النزوع نحو جنون الكتابة فإنها تظل كتابة تخييلية حتى إن كانت خارجة من مكاتب التحقيق البوليسي، ومن الواقع الميداني، ما دامت اللغة بحمولاتها الدلالية ترمي إلى ذلك».
وفاة الميلودي حمدوشي أحد مؤسسي الرواية البوليسية المغربية
وفاة الميلودي حمدوشي أحد مؤسسي الرواية البوليسية المغربية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة