بينما يتابع اللبنانيون الأحد المقبل (23 الجاري) على خشبة «أريسكو بالاس» في بيروت مسرحية «لبعيد قريب»، فإن جمهوراً آخر في قاعة «بورسل روم» في مركز ساوث بانك اللندني سيتابعونها في الوقت نفسه عبر «سكايب».
هذا العمل المسرحي الذي تنظمه وتشرف عليه جمعية «سيناريو» وتشارك فيه مجموعة من اللاجئات السوريات، يعد الأول من نوعه لاستحداث مسرح عبر الحدود انطلاقاً من العاصمة اللبنانية. وقد تم اختيار عدد من اللاجئات معظمهن سوريات من منطقة البقاع بالتعاون مع جمعية «نساء الآن». فيما أخذت منظمة «نساء من أجل اللاجئات» على عاتقها اختيار مجموعة أخرى من اللاجئات تعيش في إنجلترا ومن جنسيات أفريقية مختلفة. وتحكي قصة العمل عن مارسيل التي تنتظر ولادة طفلها الأول وهناك شخص واحد ترغب في أن تتحدث إليه وأن يشاركها هذا الحدث، ألا وهي صديقتها المصرية «بسمة» المهاجرة إلى بلد آخر. وبما أنها لا تستطيع الوصول إليها فإنها تفكر في التواصل معها عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي (سكايب).
«يتوج هذا العمل الأسبوع العالمي للاجئين ويصادف الأحد 23 الجاري آخر أيامه». تقول فكتوريا لابتن من جمعية سيناريو ومخرجة العمل في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إنها تجربة فنية تضامنية ومحاولة لاستكشاف التواصل عبر الحدود بين نساء فرّقتهن المسافات وتجمعهن القضية نفسها». وابتكر هذا العرض منذ نحو ثلاثة أشهر وقمنا بالتدريبات عليها عبر «سكايب». فتضمن تحديات وصعوبات جمّة أبرزها عملية التحادث بين الممثلات في ظل عدم إتقانهن اللغات نفسها. وهو من كتابة وتمثيل مجموعة من اللاجئات تعيش بين لندن ولبنان.
وسيجري العرض بشكل متوازٍ بين لندن وبيروت عبر رابط فيديو مباشر في مسرح «بورسل روم» اللندني وفي أريسكو بالاس في بيروت. وتقوم كل مجموعة في أداء دورها من على الخشبة الواقفة عليها، فيما تجمعهما مشاهد أخرى سويا ودائما عبر «سكايب».
والمعروف أن جمعية «سيناريو» هي مؤسسة خيرية مهمتها زرع الثقة في نفوس اللاجئين في لبنان من سوريين وفلسطينيين وأكراد وعراقيين ولبنانيين. كما تسهل إنشاء عروض مبدعة مستخدمة النهج التشاركي لفنون الأداء والتعليم مع مجتمعات اللاجئين في لبنان والأردن وبالتبادل مع لندن بهدف استحداث مسرح محترف. «إنها مبادرة تعمل من أجل تزويد هذه المجتمعات بحب الحياة والازدهار وأيضاً انخراطهن في محيطهن بسهولة أكبر»، توضح لابتن في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط».
يشارك في هذا العمل نحو 30 ممثلة قمن بتجارب يومية وبروفات مشهدية طيلة 90 يوماً. ويوقع إخراج هذه المسرحية إضافة إلى فكتوريا لابتن ولمى الأمين من لبنان كل من جو تيابجي وبرندا نسالي ليستون من لندن. ولأن العمل يرتكز على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض مشاهده تمزج ما بين الخيال والواقع فقد تطلب الأمر إشراف المنتجة الرقمية عليه هيذر باسفيلد.
«لقد كنت أمر بفترات اكتئاب كثيرة قبيل دخولي تجربة المسرح هذه، ومعها نسيت مشكلاتي كلاجئة تعيش في ظروف صعبة. والجميل هو أنني أعيش تجارب من واقعي في هذا العمل الذي شاركنا في كتابته، وهو ما خففّ من وطأة مشاعر عميقة سلبية كانت تسكنني». تقول فاتن إحدى اللاجئات السوريات المشاركات في هذه المسرحية. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أضافت إلينا الكثير من الثقافات المتنوعة لا سيما أننا نتشارك في تقديمها مع آخرين من بلدان مختلفة».
أما نجاح التي تلعب دور (سعاد) رفيقة مارسيل بطلة العمل فتقول: «المسرح هو أهم جزء في حياتي الجديدة التي لا زلت غير متأقلمة معها، ولقد ساعدني كي أتحلّى بالابتسامة وبأن أنظم حياتي كما يجب». وتتابع في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ما تعلمته من هذه التجربة هو أهمية البوح بحبنا للآخر وقبل أن نفقده من حياتنا. وهو ما حصل بالفعل قبيل رحيل والدي فوضعت نظارته على عيني وقلت له: «الآن أصبحنا متشابهين أحبك بابا» وهو مشهد تتضمنه مسرحية «لبعيد قريب».
400 شخص في لبنان مقابل العدد نفسه في لندن سيؤّلفون الجمهور الذي سيحضر هذه المسرحية التي تفتح أبوابها مجاناً أمامهم، «هناك أصدقاء وأقارب للاجئات في لبنان سينضمون إلى هذا الجمهور ليشكلوا حافزاً قوياً للممثلات المشاركات فيه»، تقول فكتوريا لابتن وتضيف: «إن (السوشيال ميديا) لا تستطيع أن تحل مكان حضن الأب والأم والأخت ولمسة حنان نلقاها منهم. وكل ذلك تحكي عنه المسرحية في ظل فقدان العلاقات الحميمة والحقيقية بين الناس واللاجئون يشكلون شريحة تعاني منها أيضاً. كما أن المسرحية تكشف عن صعوبة التواصل التي يعيشها اللاجئون مع أحبابهم وأقاربهم، إذ في أحيان كثيرة يتعذر عليهم استخدام الإنترنت لانقطاعه في مناطق معينة. ومن أجل ألا يحصل هذا الموضوع معنا أثناء عرض المسرحية قمنا بتدابير خاصة ساهم فيها القيمون على مسرح «أريسكو بالاس».
مسرحية «لبعيد قريب» تجربة فنية مميزة تعيشها اللاجئات عبر الحدود
تعرض عبر «سكايب» بين بيروت ولندن
مسرحية «لبعيد قريب» تجربة فنية مميزة تعيشها اللاجئات عبر الحدود
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة