تحولات المجتمع العراقي في ثلاث روايات

منذ خمسينات القرن الماضي إلى احتلال «داعش» الموصل

سقوط تمثال صدام حسين
سقوط تمثال صدام حسين
TT

تحولات المجتمع العراقي في ثلاث روايات

سقوط تمثال صدام حسين
سقوط تمثال صدام حسين

تذهب رواية «شتات نينوى» للروائية العراقية غادة رسول إلى قراءة الوضع العراقي وبيان المأساة والظروف القاسية التي عاشها الشعب العراقي منذ خمسينات القرن الماضي، وحتى ساعة تدوين أحداث الرواية من خلال مكان واحد هو الموصل، أي بدءاً من مقتل الملك فيصل الثاني ملك العراق، ومسألة التحزب والخلافات التي دارت بين الشيوعيين والقوميين والإسلاميين التي أسفرت عن سطوة صاحب القرار في الاغتيال والقتل والسحل، ثم ما حدث في العراق إبان الحرب العراقية - الإيرانية، وما أسفرت عنه من ضعف الاقتصاد وانهيار البنية التحتية، والقتال الذي بات ضحيته الشعب العراقي، ثم اشتداد المأساة الناتجة من دخول جيش النظام العراقي إلى الكويت.
باتت هذه الخصوصية جديدة على العراق الذي كان مكتفياً بمقومات البناء من الاقتصاد القوي والنفط والغاز والزراعة والمياه والعقول والأرض والمساحات الشاسعة والأيدي العاملة، لكن تكالبت عليه الدول العظمى وأفسدت كل ما بناه، هكذا كان يقول أحد أصدقاء أحمد، وهو الشخصية الرئيسية في الرواية: «طيب الحكومة العراقية حركت الجيش واحتلت الكويت، وحرروا الكويت. قصفوا أهدافاً عسكرية فيها، لماذا هذا التركيز على هدم العراق؟ ص 181». كما يؤكد النص الروائي الذي هو مذكـرات كتبها أحمد بأن المعاناة لم تقف أو تضمحل، بل راحت تكبر وتزداد، فظهرت التنظيمات السياسية والأحزاب، وبدأ التشدد في طرائق العمل السياسي والاستحواذ على مقدرات العراق.
وتزداد المأساة تعقيداً حينما برز تنظيم «داعش» في العراق وفي سوريا، لينتشر الاضطراب والفوضى في مدن وقرى الشمال، حيث لا يفرق هذا التنظيم في معاداته بين المسلمين المختلفين عنه في التوجه العقائدي، أو الأقليات الدينية والعرقية والطائفية، فـ«(داعش) تضرب مدناً وقرى، تقتل وتسبي، تكبّر وهي تفعل كل هذا حتى صار التكبير مرادفاً للرعب... «داعش» طردت المسيحيين من الموصل بعد أن رفض القساوسة حضور اجتماع معهم لتحديد مبلغ الجزية، ثم صادرت أملاكهم، ص 276»، وقد أتقنت الكاتبة البناء النصي منطلقة من رؤية تتمثل في كشف زيف الحياة العراقية في ظل الأنظمة السياسية المتناحرة على السلطة، ومن خلال تقنية الاسترجاع، فضلاً عن توظيف تقنية التواصل بين الشخص الذي راسل دار النشر وعائلة أحمد الذي مثلها ابنه سعيد المريض بالتخلف العقلي، وقد نجح النص ليكون مرآة حاضرة لدى القارئ، وكاشفاً دور التطرف في هدم العراق، ودور الدول الكبرى في ذلك.
وتتناول رواية الروائي العراقي حسين السكاف «وجوه لتمثال زائف» - وهي مخطوط - الجماعات السياسية والتنظيمات العلنية والسرية التي تلعب بالعراق إبان النظام العراقي الأسبق (فترة صدام)، وبعد سقوطه، وظهور الكثير من التشكلات التي تؤيد بعضها القوى العظمى، والدور الذي تقوم به هذه التشكلات الحزبية والتنظيمية والسياسية في بث الرعب والفساد وضعف البنى التحتية، ويمحور الروائي النص في شخصية مرهون عيسى صاحب وما آلت إليه أعماله الإجرامية، فعيسى عاش طفولة لم ينعم بها، فعاقر الخمر والحشيش وهو صغير السن، بل تعرض لعمليات اغتصاب، كما رأى زوج أمه يُقتل، وهرب أمه وأخته من البيت، وبهذه الأعمال يدخل السجن، ثم يخرج لتبدأ حياته أكثر إجراماً من خلال القتل بطرق شتى: التخدير، الصعق الكهربائي، الطلق الناري بكاتم الصوت، التفجيرات، وها هو يقول: «قبل أربع سنوات... كنت في بلدي أعمل مديراً عاماً للمؤسسة العامة للثقافة والنشر، مؤسسة أنشأتها أنا، وهي لا تمت بصلة إلى وزارة الثقافة إلا بالاسم فقط، فقد كانت مستقلة بشكل مطلق، بل كانت أكثر استقلالاً من أي وزارة أو كيان حكومي... بل أكثر من هذا، كانت لها الكلمة العليا على كل الوزارات والمؤسسات الحكومية دون أن يعرفها أحد، هذه المؤسسة قد أسستها مع السيد وكيل وزارة الداخلية، ص 4».
والهدف من ورائها القيام بعمليات إرهابية متنوعة ومتعددة الأشكال والأهداف ففي «فترة وجيزة نفذت مؤسستنا الكثير من العمليات التي هزت أركان البلد بكل مكوناته... حيث تم اغتيال نائبين، وأربعة أساتذة جامعة، وخمسة ضباط متقاعدين، وسيدتين كان لهما دور سياسي هامشي، لكنه كان مؤثراً على صعيد إجراء الصفقات والمقابلات التلفزيونية، ص 126»، وهكذا كانت تتوسع علاقاته مع كبار الدولة، تكبر الإجرام الذي ينفذه أمراً من جهات عليا نظير المكافآت المالية الكبيرة بالعملة الأجنبية، بل وصل الأمر إلى شراء المحال التي تشتغل على التفخيخ، وأن يقتل أمه وأخته للتخلص من عار لم يدخلاه بمحض إرادتهما، كما كشفت عن كره السياسيين إلى المثقفين والكتاب والفنانين، وتصفيتهم الجسدية، وكذلك طرائق استغلال الثقافة لصالح الاغتيالات، «شممت رائحة زكية كانت تبعثها الدماء التي كانت تسيل من رأس وجسد الأستاذ عبد الله، ص 170».
أما رواية «رأس التمثال» لحسن الفرطوسي فوقفت على معاناة الشعب العراقي في ظل الحرب الأهلية والتطاحن المستميت بين الفصائل والميليشيات العراقية، بعد سقوط نظام صدام، وأخذ الكاتب تمثال صدام مدخلاً لأحداث الرواية، فبعد سقوط التمثال حاول أحد الشباب تحطيمه بمطرقة، لكن التمثال كان أقوى صلابة وتجذراً في المكان، ذلك ما استدعى حضور رافعة أميركية لإسقاطه، هكذا قال السارد وكأنه يقول بلسان حال الرافقة: «لا تحاول أيها البائس، ما هكذا يسقط الطغاة... ابتعد أنت ومطرقتك الغبية، فنحن نعرف لغة الجبابرة، ونعرف كيف نسقط الرؤوس – ص 9».
وهذا ما أسهم في سرعة نمو شخصية ناصر بائع الخضراوات المتجول الطامح لارتداء العمامة، حيث انتشرت في موجة التحزبات ميليشيات وأحزاب وتنظيمات تستغل «لبس العمامة» من أجل تحقيق مصالحها، هكذا لبس ناصر بائع الخضراوات العمامة وبات أحد الذين يشار لهم ويقدر بآرائه ونهجه في تحقيق أهداف الميليشيات التي ينتمي إليها؛ إذ قال محمود: «هذا ناصر صار عصابجي، رأيته بعيني وهو يتصدر مجموعة مسلحة متشحة بالسواد، هاجمت عيادة طبية، واقتادت صاحبها بعد أن وضعوه في صندوق السيارة... وشاهده مفيد عباس يرتدي جبة وعمامة بيضاء، ص 65»، وبتحقيق هذا الطموح والصعود غير المتوازن فرض عليه أن يكون أحد مخططي أو منفذي عمليات الاغتيالات، «فمن خلال زجاج واجهة المحل المغبرة لمح رحمان عدداً من الرجال الملتحين يقطعون الزقاق بسراويلهم السود وقمصانهم الفضفاضة النازلة حد الركبة.. شاهدهم يتهامسون أمام بيت يعود إلى مهند شاب يعمل في دائرة البلدية، وما أن فتح الباب حتى عاجل أحدهم بثلاث طلقات في الرأس، ص 53».
وهنا تكشف الرواية عن أن الخصوصية الثقافية في هذه الفترة هي تلك العلاقة المتبادلة بين رجال الدين ورجال السياسة، أو العلاقة التي ترسمها الثقافة الجديدة للمجتمع، هي: علاقة الدين بالسياسة في ضوء علاقة السياسيين بالنظامين القديم والحديث، وكيف تبنى المصالح التي أضعفت البنى المجتمعية بتشييد التنظيمات والأحزاب المتحاربة من أجل تحقيق مصالحها الشخصية.

- كاتب من البحرين



مصر: الكثبان الرملية تحاصر واحة الخارجة وتهدّد مركز إنتاج الحرير

وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد توقعان بروتوكولاً لحماية إنتاج الحرير (وزارة الزراعة المصرية)
وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد توقعان بروتوكولاً لحماية إنتاج الحرير (وزارة الزراعة المصرية)
TT

مصر: الكثبان الرملية تحاصر واحة الخارجة وتهدّد مركز إنتاج الحرير

وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد توقعان بروتوكولاً لحماية إنتاج الحرير (وزارة الزراعة المصرية)
وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد توقعان بروتوكولاً لحماية إنتاج الحرير (وزارة الزراعة المصرية)

في ظل التحديات البيئية المتزايدة التي تشهدها مناطق الصحراء الغربية بمصر، خصوصاً منخفض الخارجة، الذي تتقدم نحوه سلاسل من الكثبان الرملية تهدد الطرق والمنشآت والمساحات الزراعية، ومن بينها المنطقة التي يقع فيها مركز إنتاج الحرير، تم توقيع بروتوكول تعاون بين مركز بحوث الصحراء، ومحافظة الوادي الجديد، لتنفيذ مشروع «حماية المركز الإقليمي لإنتاج الحرير بواحة الخارجة من أخطار زحف الرمال».

ووفقاً للبروتوكول، تتولى محافظة الوادي الجديد تنفيذ عدد من الأعمال الأساسية الداعمة للمشروع، وتتضمن: «حفر بئر للري مجهزة بكامل مستلزماتها لتوفير المياه اللازمة لعمليات التثبيت والزراعة، وإنشاء شبكات ري متكاملة لخدمة الحواجز النباتية ومصدات الرياح، ضمن منظومة الحماية من زحف الرمال».

ويزرع في مركز إنتاج الحرير نحو 255 فداناً من شجر التوت، ويعد من أهم مشروعات التنمية الزراعية بمحافظة الوادي الجديد.

في المقابل، يتولى مركز بحوث الصحراء الجانب الفني والتنفيذي للمكونات العلمية والهندسية للمشروع، وتشمل: إنشاء الحواجز الأمامية في الاتجاهات الأكثر تعرضاً لحركة الكثبان الرملية للحد من سرعة الزحف، وإقامة الأحزمة الخضراء ومصدات الرياح حول مركز إنتاج الحرير، باستخدام أنواع نباتية مقاومة للجفاف، وذات قدرة عالية على التثبيت، وتدريب كوادر بمحافظة الوادي الجديد على إدارة منظومة الحماية، والتعامل مع التغيرات البيئية في المناطق الجافة، والإشراف الفني والصيانة والمتابعة الدورية لجميع الأعمال المنفذة؛ لضمان كفاءة وفاعلية منظومة الحماية طوال مدة المشروع»، وفق بيان لوزارة الزراعة المصرية، الثلاثاء.

وكان مجلس الوزراء المصري عقد اجتماعاً في مايو (أيار) الماضي، واستعرض خطة تستهدف توطين صناعة الحرير الطبيعي من خلال إقامة مراكز إنتاج الحرير في مختلف المحافظات.

وعرض اللواء محمد الزملوط، محافظ الوادي الجديد، الموقف التنفيذي لمبادرة إنتاج الحرير الطبيعي، حتى مايو 2025، موضحاً أن عدد المعامل المجهزة يصل إلى 32 معملاً، كما تصل المساحة المنزرعة إلى نحو 344 فداناً و14 صوبة زراعية، ويتم تنفيذ 25 مشروعاً في هذا الإطار، وفق بيان سابق لرئاسة مجلس الوزراء.

فيما أكد علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، حرص الوزارة على دعم الجهود التنموية في محافظة الوادي الجديد، وتعزيز قدرات المناطق الصحراوية على مواجهة المخاطر البيئية، خصوصاً حركة الرمال التي تمثل أحد أبرز التحديات أمام التوسع الزراعي والتنمية المستدامة في واحة الخارجة.

وأشار إلى أن ذلك المشروع سيسهم في زيادة إنتاجية مركز إنتاج الحرير، فضلاً عن تحسين الحركة على الطرق المحيطة بالمركز والمهددة بزحف الرمال، لافتاً إلى تخطيط وتنفيذ وإدارة برامج مقاومة زحف الرمال، بما يسهم في الخطة الوطنية لمكافحة التصحر بالصحراء الغربية.

من جانبه، أكد محافظ الوادي الجديد التعاون الدائم والمثمر بين وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد، في العديد من المجالات المرتبطة بتحقيق التنمية الزراعية المستدامة في المحافظة، مشيراً إلى أن المشروع يستهدف حماية هذه المساحات من التناقص نتيجة زحف الرمال، وضمان استمرار الإنتاج ودعم استدامته.


مصر للاهتمام بـ«السياحة الأدبية» واستثمار «زخم» المتحف الكبير

نجيب محفوظ تناول العديد من شوارع وحواري مصر الفاطمية في رواياته (متحف نجيب محفوظ على فيسبوك)
نجيب محفوظ تناول العديد من شوارع وحواري مصر الفاطمية في رواياته (متحف نجيب محفوظ على فيسبوك)
TT

مصر للاهتمام بـ«السياحة الأدبية» واستثمار «زخم» المتحف الكبير

نجيب محفوظ تناول العديد من شوارع وحواري مصر الفاطمية في رواياته (متحف نجيب محفوظ على فيسبوك)
نجيب محفوظ تناول العديد من شوارع وحواري مصر الفاطمية في رواياته (متحف نجيب محفوظ على فيسبوك)

من مبنى ذي طابع تراثي بحي الجمالية، يحمل اسم أديب نوبل نجيب محفوظ، بدأ الخبير السياحي المصري، بسام الشماع، في شرح طبيعة المكان بشوارعه ومبانيه التاريخية وحواريه وأزقته وشخوصه التي تبدو كأنها خارجة لتوها من إحدى الروايات الأدبية.

مجموعة السائحين الذين اصطحبهم الشماع إلى هذا المكان كانت لهم أسئلة «مثيرة للاهتمام»، وفق قوله لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «لقد سألوني عن تاريخ المكان وعن شخصيات في روايات نجيب محفوظ مثل شخصية (سي السيد) التي ظهرت في ثلاثيته الشهيرة (بين القصرين – قصر الشوق – السكرية)»، مؤكداً أنهم كان لديهم فضول لمعرفة المزيد عن هذه الأماكن.

وبعد الزخم الذي حققه المتحف المصري الكبير في جذب السائحين منذ افتتاحه، تسعى مصر إلى تسليط الضوء على نمط سياحي جديد، يتمثل في السياحة الأدبية. ويعتمد هذا النمط على ربط السائح بالأحياء والمواقع التي ذُكرت في الأعمال الأدبية ذات الشهرة الواسعة، مثل أعمال أديب نوبل نجيب محفوظ، وروايات إحسان عبد القدوس، وغيرهم من رموز الأدب العربي.

«كأنك تتجول بداخل رواية»، هكذا يصف الخبير السياحي المصري، محمد كارم، فكرة السياحة الأدبية التي يراها غير مستغلة في مصر بالقدر الكافي، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الأمر يحتاج إلى 3 خطوات ليأتي هذا النمط بالمستهدف منه، وهي أن يكون هناك اعتراف رسمي بالسياحة الأدبية كمنتج له مسارات وبرامج، والشراكة بين السياحة والثقافة والقطاع الخاص لتحويل الأماكن الروائية إلى تجرية حية، بالإضافة إلى تسويق ذكي دولياً يستهدف السائح المثقف خصوصاً في أوروبا وأميركا اللاتينية، وهو ما سيكون لها مردود سياحي كبير».

مشهد من حي الجمالية بالقاهرة الفاطمية (صفحة خريطة مشروعات مصر)

وتزخر مصر بالعديد من الأماكن الحيوية والتراثية التي تم ذكرها في روايات وأعمال أدبية متنوعة، كما توجد متاحف لأدباء كبار لهم شهرة عالمية مثل متحف نجيب محفوظ في حي الجمالية بالقاهرة الفاطمية، ومتحف قسطنطين كفافيس في الإسكندرية، ومن قبلهما متحف أحمد شوقي «كرمة ابن هانئ» ومتحف طه حسين «رامتان» في الجيزة.

وتعمل وزارة السياحة والآثار على الترويج لهذا النمط السياحي خلال الفترة المقبلة، بعد أن ركزت عليه خلال منتدى نظمته بالشراكة مع منصة «TripAdvisor» العالمية، وعدّت نمط السياحة الأدبية، له مردود اقتصادي مهم وقادر على جذب أعداد كبيرة من الزائرين. وفق بيان للوزارة.

ولفت الشماع إلى أن الزخم الذي حققه المتحف المصري الكبير منذ افتتاحه يشجع على ترويج العديد من الأنماط السياحية الجديدة ومنها السياحة الأدبية، متوقعاً أن يسهم المتحف المصري الكبير بزيادة عدد السائحين الوافدين لمصر هذا العام لأكثر من 20 مليون سائح.

ووفق إحصاءات حكومية وتصريحات للمسؤولين، وصل متوسط عدد زوار المتحف الكبير في أول أيام افتتاحه إلى 19 ألف زائر يومياً، أكثر من القدرة الاستيعابية التي قُدرت من قبل بنحو 15 ألف زائر يومياً، وتستهدف مصر زيادة عدد السائحين إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2031، ومن المتوقع أن تحقق الحركة السياحية بنهاية هذا العام ما يقرب من 19 مليون سائح، وأن يزيد عائدها على 18 مليار دولار.

وتراهن مصر على التنوع في منتجاتها السياحية، وفق كارم، الذي يلفت إلى أن «الأماكن التي كتب عنها نجيب محفوظ مثل الجمالية والحسين وبين القصرين وخان الخليلي وزقاق المدق، يمكن أن تتحول لمسارات سياحية متكاملة تربط الروايات بالمكان»، مشيراً إلى «أهمية استغلال الزخم الذي حققه المتحف المصري الكبير في التأكيد على التنوع والابتكار في المنتجات والمقاصد السياحية المصرية».

وسبق أن أطلقت مصر حملة ترويجية لمقاصدها السياحية حملت عنوان «مصر... تنوع لا يضاهى» للتأكيد على تنوع المنتجات السياحية الموجودة بها مثل السياحة الثقافية والشاطئية والعلاجية والبيئية وسياحة السفاري والمغامرات وسياحة المؤتمرات... وغيرها.


رحيل أيقونة الغناء السوداني ونقيب الفنانين عبد القادر سالم

صورة أيقونية للراحل (صفحته على «فيسبوك»)
صورة أيقونية للراحل (صفحته على «فيسبوك»)
TT

رحيل أيقونة الغناء السوداني ونقيب الفنانين عبد القادر سالم

صورة أيقونية للراحل (صفحته على «فيسبوك»)
صورة أيقونية للراحل (صفحته على «فيسبوك»)

في مشهد غلبت عليه مشاعر الحزن والأسى، ودَّع السودانيون أحد أبرز وجوههم الثقافية والموسيقية، الدكتور عبد القادر سالم، الذي توفي في العاصمة الخرطوم بعد معاناة قصيرة مع المرض، عن عمر ناهز 77 عاماً.

وُلد الراحل في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان عام 1946، ويعد من أبرز الأصوات الغنائية التي عرَّفت السودان، خصوصاً غربه، على العالم، من خلال مشروع فني وغنائي، جمع بين الروح الشعبية والبناء الأكاديمي، والإبداع الموسيقي الممزوج بإرث غني من الإيقاعات والإحساس.

وتعبيراً عن الفقدان، قال الصحافي محمد الأسباط لـ«الشرق الأوسط»: «أفقت من نومي اليوم على خبر فاجع، أصابني بحزن عميم، كأنما فقدت شخصاً من العائلة، فعبد القادر سالم لم يكن مجرد فنان، بل أيقونة للغناء الكردفاني والسوداني، وخسارته خسارة كبيرة تضاف لخسائر الناس الذين أفنتهم مأساة الحرب».

من الدلنج إلى أوروبا

نشأ عبد القادر سالم في بيئة غنية بالتقاليد والموسيقى المحلية، حيث مثلت ولاية كردفان مخزوناً لا ينضب من الإيقاعات والمفردات الشعرية، وبدأ بالغناء في محيطه المحلي، قبل أن ينتقل إلى الخرطوم، حيث أتيحت له فرص أوسع للظهور والانتشار».

بدأ مع الفرقة الغنائية الشهيرة «فرقة فنون كردفان»، وشارك معها في مهرجانات الثقافة أواخر الستينات، وهناك عرفه الجمهور السوداني بصوته المختلف.

عندما صدح سالم على خشبة المسرح القومي بـ«اللوري حل بي»، وهي الأغنية التي أصبحت لاحقاً من الأغنيات الخالدة في الوجدان السوداني، يقول صديقه الشاعر التجاني الحاج موسي لـ«الشرق الأوسط»: «كان صوت عبد القادر سالم جديداً في طبيعته، كان حضوره قوياً، ومليئاً بالدفء الإنساني».

نقل إيقاع «المردوم» إلى مسارح العالم

لم يكتفِ سالم بالغناء داخل السودان، بل حمل فنه إلى العواصم الأوروبية، مشاركاً في مهرجانات ومناسبات فنية وثقافية، عرَّف خلالها الجمهور الأجنبي على الإيقاعات السودانية، مثل: «المردوم، والنقارة، والكرن»، وهي إيقاعات ميَّزت تراث غرب السودان.

كان أول فنان سوداني تنتج له شركة بريطانية «أسطوانة»، وسجل عدداً من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الخارج.

وتعد أغنية «ليمون بارا» إحدى أشهر أغنيات سالم، فقد لاقت رواجاً كبيراً، حتى إن بعض المغنين الأوروبيين حاولوا تقليده، وأداءها وبعض أعماله بأساليبهم.

بين الفن والعلم

جمع سالم بين التعليم والفن منذ بداياته، فقد تخرج في معهد التربية بمدينة الدلنج، ثم عمل معلماً في عدد من مدارس كردفان، قبل أن ينتقل إلى الخرطوم، ليلتحق بكلية الموسيقى والمسرح، ويتابع مسيرته الأكاديمية والفنية بالتوازي.

كما عمل مدرساً في دولة تشاد، وهناك أسس المدرسة السودانية الثانوية، مساهماً في نشر التعليم وسط الجالية السودانية.

حصل سالم على درجة الدكتوراه في مجال الفولكلور الشعبي، وكان أستاذاً مشاركاً في عدة جامعات، ودرَّس لأجيال من طلاب الموسيقى، الذين أصبح بعضهم اليوم نجوماً في الساحة الفنية.

يقول وزير الثقافة والإعلام السابق جراهام عبد القادر لـ«الشرق الأوسط» عن الرجل: «لم يكن عبد القادر سالم فناناً فقط، بل كان مشروعاً ثقافياً متكاملاً»، ويتابع: «كان رجلاً أكاديمياً، وموسيقياً، وباحثاً، ومعلماً».

تجديد الغناء السوداني

تميز أسلوب الراحل الموسيقي، بقدرته على الانتقال السلس بين السلم الخماسي التقليدي الذي تقوم عليه موسيقى الوسط والشمال، والسلم السباعي العالمي الذي تتغنى به الجماعات الثقافية في غرب البلاد، مما منح أعماله جاذبية خاصة، وجعلها قادرة على عبور الثقافات.

وأدخل الآلات الغربية دون أن يفرّط في أصالة موسيقاه، وكان حريصاً على أن يحافظ على الطابع السوداني في كل ما يقدمه، فكان بحق أحد المجددين الحقيقيين في الموسيقى السودانية الحديثة.

فنان ونقابي

لم يقتصر نشاط سالم على الغناء والتدريس، بل كان ناشطاً في العمل الثقافي العام، إذ شغل رئاسة اتحاد المهن الموسيقية لفترة طويلة -اتحاد الفنانين- وكان عضواً بارزاً في لجان المصنفات الأدبية والفنية، وداعماً لحقوق الفنانين وتنظيم العمل الموسيقي في البلاد.

شارك في عدد من المؤتمرات الإقليمية والدولية، الخاصة بحماية التراث الموسيقي والفولكلوري، وكان له حضور معتبر في مناقشات تطوير السياسات الثقافية.

حضور إنساني

في زمن الحرب والانقسامات، ظل عبد القادر سالم حاضراً إلى جانب الناس، لم يغادر الخرطوم رغم ما شهدته من دمار ومعاناة منذ اندلاع الحرب قبل زهاء ثلاث سنوات، متضامناً مع زملائه، ومشاركاً في دعمهم مادياً ومعنوياً، وأطلق عدداً من المبادرات لمساندة الفنانين المتضررين من الحرب.

يقول وزير الثقافة جراهام عبد القادر لـ«الشرق الأوسط»: «في وقت اختار فيه كثيرون مغادرة الخرطوم، بقي عبد القادر سالم، مشاركاً في الحياة العامة، ومبادراً لدعم زملائه في المحنة».

إرث فني ووجداني

من أشهر أعماله التي لا تزال تتردد حتى اليوم: «مكتول هواك يا كردفان»، و«ليمون بارا»، و«غاب تومي»، و«بسامة»، وهي أغنيات تمثل وثائق وجدانية تحافظ على اللغة والمكان والوجدان السوداني، وتدرَّس اليوم في كليات الموسيقى بوصفها مراجع فنية وتراثية.

شارك بأعمال غنائية مع شعراء مرموقين، أبرزهم عبد الله الكاظم، وفصيلي جماع، وترك بصمته في مكتبة الإذاعة السودانية بعدد من الأعمال الخالدة.

نعي رسمي وشعبي

نعت الدولة الراحل رسمياً، وقال مجلس السيادة في بيان: «عبد القادر سالم كان من أبرز أعمدة الموسيقى في البلاد، وصوتاً شغوفاً بالتراث، حيث صال وجال في مختلف دول العالم معرِّفاً بالإرث السوداني، خصوصاً الكردفاني الأصيل»، وتابع البيان: «لقد شهدت له المسارح ودور الفنون بمثابرته واجتهاده، في البحث الأكاديمي المرتبط بالموسيقى».

لكن ما هو أبقى من النعي الرسمي، هو ما زرعه في وجدان الناس، حيث لا يزال صوته يتردد في البيوت، وعلى أجهزة المذياع القديمة، ومشغلات الصوت الحديثة، وفي الحفلات المدرسية، وجلسات الطرب، وذاكرة شعب بأكمله.

يقول محمد الأسباط: «لقد أطفأت الحرب الكثير من قناديل الفن، لكنّ منارات مثل عبد القادر سالم لا تنطفئ، إنها تبقى هادية، لمن يأتي بعده».