حبس شقيق بوتفليقة ومديرين سابقين للمخابرات الجزائرية بتهمتي «المس بالجيش» و«التآمر»

حزب إسلامي يتحدث عن {تطور نوعي} في حملة الاعتقالات

صورة أرشيفية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة مع شقيقه السعيد (أ.ب)
صورة أرشيفية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة مع شقيقه السعيد (أ.ب)
TT

حبس شقيق بوتفليقة ومديرين سابقين للمخابرات الجزائرية بتهمتي «المس بالجيش» و«التآمر»

صورة أرشيفية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة مع شقيقه السعيد (أ.ب)
صورة أرشيفية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة مع شقيقه السعيد (أ.ب)

بينما أمرت محكمة عسكرية جنوب العاصمة الجزائرية، بإيداع السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ومديري الاستخبارات السابقين بشير طرطاق ومحمد مدين، الحبس الاحتياطي، طُرحت تساؤلات في الشارع الجزائري حول حقيقة ما يحصل وما إذا كان الأمر يتعلق بـ«تصفية حساب» يقوم به قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح ضد خصومه.
وقال مجلس الاستئناف العسكري بالبليدة، في بيان أمس، إن قاضي التحقيق لدى المحكمة العسكرية بالبليدة «أصدر أوامر بإيداع كل من عثمان طرطاق ومحمد مدين والسعيد بوتفليقة الحبس المؤقت، بتهم المساس بسلطة الجيش والمؤامرة ضد سلطة الدولة». والتهمتان يمكن تصنيفهما على أنهما تدخلان في خانة الخيانة العظمى التي تؤدي بصاحبها إلى الإعدام إذا ما أدين.
وأوضح البيان أن «الوكيل العسكري للجمهورية (النيابة) لدى المحكمة العسكرية بالبليدة قام بتكليف قاضي تحقيق عسكري، بمباشرة إجراء التحقيق، وبعد توجيه الاتهام، أصدر هذا الأخير أوامر بالإيداع في الحبس المؤقت للمتهمين الثلاثة».
وتتعلق التهم، بحسب مصدر قضائي تحدث إلى «الشرق الأوسط»، باجتماعات عقدها الثلاثة نهاية مارس (آذار) الماضي، للبحث عن رئيس مؤقت للبلاد خلفاً لبوتفليقة الذي كان لا يزال رئيساً. فيما ذكرت مصادر سياسية أن الاجتماع بحث إقالة رئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح، بواسطة بيان يُنسب للرئيس. واشتم قايد صالح رائحة تدبير انقلاب ضده في ذلك الاجتماع، لذلك أصدر بياناً في اليوم نفسه شجب فيه الاجتماع واعتبره «تآمراً على الحراك»، وقال إنه «سيكشف لاحقاً من شاركوا في الاجتماع المشبوه».
يشار إلى أنه لا يجوز قانوناً متابعة السعيد بوتفليقة في القضاء العسكري لأنه مدني، بعكس اللواء طرطاق والفريق مدين، رغم أنهما غادرا الخدمة العسكرية. الأول تمت إقالته الشهر الماضي، والثاني في 2015. وتلتزم كوادر الجيش بحمل الصفة العسكرية لمدة 5 سنوات بعد انتهاء الخدمة.
وفي نفس الموضوع، طرحت في الشارع الجزائري، بحدة، تساؤلات حول مدى صحة اعتقال السعيد وطرطاق ومدين الشهير بـ«توفيق». وتجمع صباح أمس بالبريد المركزي بالعاصمة، المكان الرمز للمظاهرات الجارية منذ شهرين ونصف، طلبة الجامعة ونشطاء الحراك ضد النظام، محاطين برجال الأمن الذين لم يبرحوا هذا الفضاء العام منذ أن بدأ الاحتجاج ضد بوتفليقة في 22 فبراير (شباط) الماضي. وكان الحديث منصباً حول «اعتقال رؤوس العصابة»، وهي جملة وردت على لسان قايد صالح في خطاباته، وكان يقصد أساساً السعيد بوتفليقة والجنرال توفيق وهما أساس الاتهام بـ«التآمر على الحراك».
وقال كمال جعفر وهو كادر متقاعد من قطاع الشباب والرياضة يحضر يومياً إلى البريد المركزي: «لا يمكنني أن أصدق بأن الثلاثة تعرضوا للاعتقال ما لم أشاهدهم على شاشات التلفزيون، مكبلي الأيدي. لدي اقتناع راسخ بأن النظام لن يلتهم أبناءه، مهما بلغ الصراع بين أجنحته.. إنها مسرحية يحاول مخرجها، السيد قايد صالح، إضعاف الحراك وإيهامنا بأنه حقق مطالبنا... خدعة لن تنطلي علينا».
ويقول مجيد نعاك، وهو خمسيني يعمل تاجراً في قطع غيار السيارات إن «قائد الجيش بطل حقيقي، فقد أصغى جيداً لمطالب الحراك الجمعة الماضي، وتأكد أن المتظاهرين لن يتوقفوا عن الاحتجاج إن لم يقطف رؤوس الفساد وأولهم السعيد بوتفليقة».
من جهته، يرى كريم سالم، الطالب بكلية الطب، أن قايد صالح «تغدى بخصومه قبل أن يتعشوا به»، ويقصد بذلك ما نُسب إلى السعيد بوتفليقة بأنه كان يعتزم تنحية قائد الجيش في نفس اليوم الذي سارع فيه صالح إلى جمع القيادة العليا للجيش، أي في 02 أبريل (نيسان) الماضي، وأمر الرئيس بوتفليقة بالتنحي. وهو ما حصل بالفعل. وعندما عُزل الرئيس، تخلص صالح من شقيقه السعيد الذي كان يوصف بأنه «الرئيس الفعلي»، على الأقل منذ 2013، عندما بدأ انسحاب رئيس الجمهورية من المشهد بسبب المرض.
وتباينت مواقف الطبقة السياسية بين مرحب باعتقال الثلاثة، ومطالب بتحقيق المزيد من شروط الحراك، وبخاصة تنحية رئيس الدولة عبد القادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي. وهناك من شكك في استقلال القضاء، بخصوص معالجة قضايا كل المعتقلين بمن فيهم رجال أعمال محسوبون على بوتفليقة. فقد تشكلت قناعة عامة بأن القضاء تحرك بإيعاز من الجيش، وبالتالي سيكون خاضعاً لأوامره بشأن مصير المتابعين.
من جهتها، قالت: «حركة مجتمع السلم» الإسلامية، في بيان، إن «مساءلة شقيق ومستشار الرئيس سابقاً، والمسؤولين السابقين عن جهاز المخابرات، تعتبر تطوراً نوعياً مهماً في حملة الاعتقالات الجارية في الجزائر، وإذ تثمن الحركة إمكانية مساءلة المسؤولين مهما كانت قوتهم وحصانتهم وامتداداتهم، فإنها تؤكد أن الذي أنشأ العصابة ومكّن لها وحصّن رؤوسها هو النظام السياسي القائم على تزوير الانتخابات ومصادرة الإرادة الشعبية، وأن الذي يحفظ البلد من تشكيل عصابة أخرى وبروز قادة مافيويين آخرين ونهب جديد لثروات الوطن، هو الديمقراطية الحقة لا غير».
ويرى الحزب، الذي ينتمي للمعارضة، أن «العزمات اللحظية والشخصية لمحاربة الفساد، وتوقيف الرؤوس المتهمين بالفتنة من قبل قيادة الجيش، مهما كانوا، هي مهمة ولا شك، وأصحابها مشكورون، غير أن الذي يضمن استمرار وفاعلية وعدالة مكافحة الفساد والتآمر والانتصار عليهما نهائياً، هو بناء مؤسسات برلمانية وقضائية ومجتمعية قوية وذات مصداقية». وأضاف أن «الانطلاق في مسار مكافحة الفساد ومتابعة المتهمين بالتآمر على الدولة، مهم جداً ويجب تأييده ومساندته شعبياً، غير أن الأهم الذي يضمن الاستمرار وعدم التملص من التعهدات، هو الاستجابة لمطالب المواطنين المعبر عنها في الحراك الشعبي بتنحية رموز النظام، وتحقيق نجاح الانتقال الديمقراطي السلس، الذي يجسد الإرادة الشعبية من خلال انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها الناخبون بكثافة».
وتابع الحزب أن «مصلحة البلد وضمان ازدهاره وتطوره، تكمن في تجسيد نظام سياسي مدني حقيقي والخروج نهائياً من نظام الواجهة الديمقراطية، وصراعات العصب. كما أن مصلحة المؤسسة العسكرية وضمان استمرار مصداقيتها واستمرار الالتحام الذي تحقق بينها وبين الشعب في الحراك الشعبي، يكمن في مرافقتها الحقيقية والصادقة للانتقال الديمقراطي السلس، وعدم انحيازها السياسي مجدداً، كما كان الحال في المرحلة السابقة، ضد أو مع أي جهة حزبية أو سياسية في البلاد».
ودعا الحزب إلى إطلاق «مسار - الحقيقة والعدالة - لمعرفة الجهات التي تضررت انتخابياً وسياسيا وعلى المستوى الشخصي، من تدخلات الجهاز المخابرات الذي كان لسنوات طويلة ذراعاً للنظام السياسي، بكل مكوناته، في التزوير الانتخابي وملاحقة الأحزاب والشخصيات، ونشر الفساد مع ضرورة الاعتراف والتعويض المعنوي».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».