التصحر... مصر تواجه «القاتل الصامت» بحلول استراتيجية

التصحر... مصر تواجه «القاتل الصامت» بحلول استراتيجية
TT

التصحر... مصر تواجه «القاتل الصامت» بحلول استراتيجية

التصحر... مصر تواجه «القاتل الصامت» بحلول استراتيجية

كثيراً ما يستخدم تعبير «القاتل الصامت» لوصف بعض الأمراض التي تتسلل لجسم الإنسان، لكن إطلاقه عند الحديث عن أخطار التصحر قد يبدو غريباً للوهلة الأولى، باعتبار أن الظاهرة تحمل أبعاداً بيئية بالدرجة الأولى، لكن منظمة الصحة العالمية أعطت مبرراً لهذا الوصف عندما أفردت على موقعها الإلكتروني صفحة خاصة عن التصحر.
- تأثيرات شديدة
عرَّفت المنظمة على موقعها هذه الظاهرة باختصار بأنها تعني «تحوّل الأرض الخصبة لصحراء»، وقالت إن الظواهر المناخية الشديدة، لا سيما الجفاف، والأنشطة البشرية التي تسهم في تلوّث الأرض أو ترديها، هي ما تؤدي لتحويل الأرض الخصبة إلى صحراء.
ولأن التأثيرات الصحية لهذه الظاهرة لا تأتي بشكل مباشر، بل تتسلل مع مرور الزمن، استحقت الظاهرة وصف «القاتل الصامت»، إذ إنها وفق موقع المنظمة تتسبب في 4 تأثيرات صحية سلبية، هي ارتفاع مخاطر سوء التغذية بسبب نقص إمدادات الأغذية والمياه، وزيادة الأمراض المنقولة بالمياه والأغذية نتيجة تدني مستوى النظافة الشخصية ونقص المياه النقية، وانتشار الأمراض التنفسية بسبب الغبار الجوي الناجم عن التعرية بسبب الرياح، وانتشار الأمراض المعدية مع زيادة هجرة السكان.
ولم تكن الحكومات المصرية السابقة تضع مواجهة هذه المشكلة على قائمة أولوياتها، لكن أخيراً أصبح هناك تحرك في أكثر من اتجاه، بعد أن أصبحت مصر تصنف من أكثر الدول معاناة من المشكلة، وفق إحصائيات السكرتارية التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.
يقول الدكتور عبد المنعم محمود أستاذ الأراضي بجامعة الزقازيق، «وفق إحصائيات السكرتارية التنفيذية للاتفاقية، فإن هناك 3.5 فدان تتعرض للتصحر كل ساعة، وهو أمر خطير جداً، لأن المساحة الزراعية محدودة، حيث تمثل نحو 4 في المائة من مساحة مصر».
ويرى أن الحكومات المتعاقبة في السنوات الماضية أهملت المشكلة، لكنه بات يشعر حالياً بأن هناك محاولات جادة لمواجهتها، بعد أن صار الحديث عنها ليس ترفاً، لكنه أمر يتعلق بالوجود والحياة.
- جدار أخضر
من الجهود الإيجابية في هذا الإطار مشاركة مصر في إحياء مشروع «الجدار الأخضر»، الذي ولدت فكرته عام 2007، ولم يتحقق منه سوى 15 في المائة.
وقد أخذت فكرة هذا المشروع من الصين التي شرعت في أواخر سبعينيات القرن الماضي في بناء جدار أخضر عملاق، يربط بين أقصى الشمال الشرقي والشمال الغربي، على امتداد 4500 كيلومتر، لينجح هذا المشروع في استصلاح أكثر من 20 في المائة من الأراضي الصحراوية، ووقف تدهور أكثر من 40 في المائة من الأراضي التي تعاني من انهيار التربة، بالإضافة لحماية 70 في المائة من الأراضي الزراعية.
والتقطت الفكرة نيجيريا التي دعت لتنفيذ المشروع في أفريقيا، وحصلت على موافقة الاتحاد الأفريقي، لينطلق عام 2007 بمشاركة 12 دولة أفريقية، منها مصر، وتنضم إليها لاحقاً 9 دول أخرى، سيفصلها جدار أخضر لمواجهة التصحر. ويقول محمود: «أخذ المشروع زخماً في البداية، ثم توقف، لكن مع رئاسة مصر الحالية للاتحاد الأفريقي عاد الحديث عن إحياء هذا المشروع».
ووفق تقرير نشره موقع «زد أم إي ساينس» في 4 أبريل (نيسان) الحالي عن المشروع، فإنه سيتكلف نحو 8 مليارات دولار، وينتهي بحلول عام 2030. ويستهدف استصلاح واستعادة أراضٍ زراعية مساحتها 100 مليون هكتار.
وتسعى مصر من خلال هذه المشروع لإنقاذ أكثر من مليوني فدان من الأراضي الواقعة في التخوم الغربية لمحافظات الصعيد جنوباً، كما أوضح دكتور إسماعيل الباجوري، الأستاذ بمركز بحوث الصحراء والمنسق الوطني للمشروع، في تصريحات صحافية، إذ قال: «تعاني هذه الأراضي من أخطار سفي الرمال التي تؤدي إلى خفض إنتاجيتها بمعدلات تتراوح بين 25 في المائة إلى 35 في المائة، بفعل 8 عوامل تنجم عنه، منها أنه يتسبب في تجريح أوراق النباتات، ما يجعلها عرضة لجميع الأمراض النباتية والفيروسات، كما تؤدي الرياح الشديدة لفقد النبات والتربة للمياه». وأضاف الباجوري: «سيبدأ تنفيذ المشروع أولاً في محافظتي المنيا والفيوم، على أن تنقل جميع الممارسات الناجحة المطبقة فيهما إلى باقي المحافظات بطول الصحراء حتى أسوان».
- حلول وقتية
إذا كان هذا المشروع من النوع الذي يمكن تسميته بـ«الحلول الاستراتيجية بعيدة الأمد»، التي تهدف لمنع تفاقم المشكلة، فإن هناك حلولاً وقتية يجري تنفيذها على الأرض تعتمد على استخدام حلول غير تقليدية لتثبيت الرمال. وأحد هذه الحلول يتمثل في استزراع نباتات تتحمل الجفاف في البيئة الصحراوية، وتكون بمثابة حائل يمنع انتقال الكثبان الرملة، وبدأ تنفيذ تلك التجربة في محافظة البحر الأحمر، حيث تمت زراعة نبات «الساليكورنيا».
ويسقى «الساليكورنيا» بماء البحر، ويمكن استخدامه كخضار وعلف ووقود حيوي، ونجح استزراعه في الإمارات من خلال التجارب التي نفذها المركز الدولي للزراعات الملحية «إكبا»، ويسعى المركز لنقل التجربة إلى مصر بالتعاون مع الجهاز التنفيذي لمشروعات التنمية الشاملة بوزارة الزراعة المصرية.
ونجح حل آخر نفذه باحث مصري في محافظة الوادي الجديد، حيث ابتكر مادة «بوليمرية» يمكن وضعها على الكثبان الرملية لتوقف زحفها، ومن ثم قدمها كحل لمواجهة التصحر.
يقول مبتكر تلك المادة الدكتور أحمد إسماعيل، الأستاذ بقسم «البوليمرات» والمخصبات في المركز القومي للبحوث بمصر لـ«الشرق الأوسط»، إنها «عبارة عن مستحلب مصنع من مشتقات (بوليمرية)، يخفف بالماء، ثم يرش على الرمال، فيؤدي إلى تماسك حبيباتها».
وأوضح: «المنتج آمن بيئياً، لأنه مركب عضوي غير سام، وغير قابل للتآكل أو الاشتعال، ولا يلوث المياه الجوفية».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً