تجربة تناول الطعام على الكرسي نفسه الذي جلس عليه رئيس إحدى الدول؛ تعد تجربة مشوقة جدا، وقد لا تتكرر كثيرا، لكنها السمة الأبرز لأحد المطاعم التركية العريقة، الذي اشتهر منذ تأسيسه قبل نحو 70 سنة بأنه ملتقى رؤساء الدول والمشاهير والأثرياء من زوار مدينة إسطنبول، وذلك منذ تأسيسه عام 1945، إذ يحمل اسم «مطعم بيتي»، وهو يمثل اليوم واحدا من أهم المزارات لمرتادي إسطنبول.
وبعيدا عن لذة المأكولات واللحوم الطازجة التي يشتهر بها المطعم، فإن جاذبيته تكمن في أنه يمثل ملتقى لأهم شخصيات العالم الذين زاروا إسطنبول، حيث يشهد على حقبة ثرية من خلال الصور التي تجمع الكثير من الشخصيات المهمة التي كانت تتردد على هذا المطعم، منهم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات السابق، والرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، والرئيسان الأميركيان جيمي كارتر وريتشارد نيكسون.
وإلى جانب قائمة الزوار المشاهير، يأتي الموسيقى العالمي ليونارد بيرنشتاين، ووزير الاقتصاد الألماني الأسبق لودفيج إيرهارد، والكاتب الأميركي الشهير آرثر ميلر، والمطربة الفرنسية سيلفي فارتان، والفنان الفرنسي جوني هاليداي، وأمين جامعة الدول العربية السابق عمرو موسى، والأمير السعودي تركي الفيصل، والأمير عبد الله الفيصل، والكثير من الرؤساء والأمراء ورجال الاقتصاد والسياسة والفن.
وتمتلئ زوايا المطعم بالهدايا التذكارية الفاخرة، في مكتبة زجاجية ضخمة، من الممكن أن يطلق عليها اسم «متحف»، حيث تعود الكثير من هذه التذكارات إلى عقود عدة مضت، ما بين العملات الورقية والأوسمة العسكرية والأقلام الفاخرة والنياشين والسيوف والمشالح الخليجية، وهو ما يجعل من يزور المطعم للمرة الأولى يتجول لنحو نصف ساعة لاكتشاف هذا الكم الكبير من التذكارات الساحرة التي تطغى عليها سمة الترف والرفاهية.
وتختلف هذه التذكارات باختلاف الشخصية التي تناولت وجبتها في المطعم، من ذلك التذكار الذي وضعته هذا العام المغنية الخليجية أحلام، وهو ألبومها الغنائي الأخير، موقعا باسمها مع بعض الصور الخاصة لها، حيث قامت أحلام بالتصوير داخل المطعم، وطلبت من جمهورها الذهاب إليه عبر حسابها على برنامج «إنستغرام»، قائلة: «كل ملك أو رئيس دولة أو أي شخصية مهمة تصل إسطنبول لا بد أن يتعشى في هذا المطعم».
وعند بوابة الخروج، يبدو لافتا وجود صندوق خشبي ضخم مفتوح على مصراعيه، يضم عددا كبيرا جدا من بطاقات الأعمال «بيزنس كارد»، يضعها كل زبون قبل خروجه من المطعم، وبسؤال النادل عن عددها، يضحك ويقول: «يفوق الملايين، ويجري تفريغ الصندوق سنويا»، إلا أن اللافت أن كثيرا من البطاقات الملقاة في الصندوق هي باللغة العربية، مما يعني أن الزوار العرب يمثلون الحصة الأهم لملاك المطعم.
ولا يمكن إغفال الديكور المكلف جدا الذي يزين مطعم «بيتي»، حيث تتدلى الثريات الضخمة من أعلى الأسقف، وتتوزع أصيصات الزرع النحاسية في كل زواياه، إلى جانب قطع السجاد الفاخرة التي تغفو على أرضيات المطعم ذي الكراسي الجلدية الوثيرة والمحاط بالأباجورات ذات الطراز الكلاسيكي، الأمر الذي يجعل الزبون يغوص في عالم مخملي مليء بالترف، أثناء تناول وجبته أمام الحديقة الغناء التي تحيط بالمطعم.
إلا أن هذه الأجواء الملكية تنعكس بدورها على فاتورة الحساب، حيث يصنف هذا المطعم من ضمن المطاعم الأغلى في إسطنبول، خاصة مع كونه يقع في حي فلوريا بمنطقة بكركوي، وهذا الحي يعد واحدا من أرقى الأحياء في إسطنبول، حيث يتخذ المطعم موقعا هادئا في أحد الشوارع الفرعية من الحي، بعيدا عن الصخب والضجيج الذي يميز المدينة.
وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» داخل المطعم، أوضح العاملون فيه أن «بيتي جولر» هو مؤسس المطعم، ويعد واحدا من أهم طهاة تركيا، وأكثر ما يميزه أنه يختار اللحوم الطازجة بنفسه ويعتني بإعدادها بصورة خاصة، ويقول جولر عن نفسه: «منذ أن تأسس المطعم وحتى اليوم وأنا شخصيا أكون فيه كل يوم، وهذا لا أسميه إضاعة للوقت، لأن عملي يأتي قبل أي شيء». في حين يقول نادل يعمل بالمطعم «من وقت لآخر، نرحب بالملوك والأمراء والأميرات والرؤساء والوزراء ونجوم السينما وأعضاء من المجتمع الراقي، ونحن سعداء لتقديم أطباق اللحوم اللذيذة لهم، وتوفير الخدمات لمئات الضيوف كل يوم»، ويبدو اعتزاز العاملين في المطعم عاليا وواضحا، حيث يبدون فخورين جدا بمكانهم الذي يقولون إنه تأسس نتيجة العمل الشاق والانضباط.
ويتكون المطعم من عدة طوابق، حيث يضم الطابق الأول ما يسمى «غرفة القبة» وهي عبارة عن مكان مجهز لاجتماع 100 شخص، وعادة ما تجري فيه اجتماعات الأعمال واستقبال الوفود، وهناك قاعة أخرى تسمى «قاعة القبول»، وفيها يجري استعراض عدد كبير من الجوائز الدولية التي منحت لمؤسس المطعم وتختص بفن الطهو وتقييم المطاعم ذات الجودة العالية، وهناك قاعة أخرى خاصة مزينة بالبلاط، تخيم عليها الأجواء التركية التقليدية والزخارف العثمانية العريقة.
جدير بالذكر أن موقع المطعم يعد بعيدا جدا عن المناطق السياحية الشهيرة في إسطنبول، حيث يقع بالقرب من مطار أتاتورك الدولي، وهو ما يستغرق نحو 30 إلى 40 دقيقة للقدوم من وسط المدينة إلى المطعم، إلا أنه يبدو من الجيد الذهاب إليه في رحلة الذهاب إلى المطار، لتقليل تكلفة النقل، وحتى تبقى ذكرى هذه الوجبة المخملية عالقة في أذهان كل من يغادر إسطنبول.
مطعم يجمع زبائنه مع الرؤساء والأثرياء.. على طاولة واحدة
يعد مقصدا للمشاهير من زوار إسطنبول.. في تاريخ يمتد لنحو 70 سنة
مطعم يجمع زبائنه مع الرؤساء والأثرياء.. على طاولة واحدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة