مرّت 10 سنوات منذ أن جلسنا مع المخرج جيمس كاميرون. ليس لأنه لا يحب المقابلات أو لأن الظروف لم تسمح بذلك، بل لأن الرجل مشغول جداً ومع ذلك هو قليل الإنتاج.
خذ السنوات الخمس الأخيرة مثلاً، أنتج «تحدي أعماق البحر» و«ما بعد المجد» في عام 2015. وفي سنة 2016 كتب فيلماً قصيراً بعنوان «تيرميناتور 2: إعادة صنع مع جوزف بايينا». وقام بدور المنتج المنفذ لفيلمين هما «ما قد يقوله المحيط؟» و«متغيرات اللعبة». وهذا من دون أن نحسب تلك الإنتاجات التلفزيونية من أفلام مخصصة أو مسلسلات أقدم عليها خلال الفترة ذاتها بما فيها فيلم عن «تايتانيك» الذي حققه المخرج قبل 22 سنة بعنوان «تايتانيك: بعد 20 سنة مع جيمس كاميرون».
أفلامه كمخرج لا تتعدّى 15 فيلماً بما فيها حفنة من الأفلام القصيرة وأفلام فيديو أنجزها للمتعة الشّخصية لا تخون حبه للخيال الموزع بين أعماق المحيط وأعالي الفضاء. وهو من بعد «أفاتار»، الذي كان سبب اللقاء الأول بيننا (والذي نشر في «الشرق الأوسط» حينها) انشغل، فوق كل ما سبق، بالكتابة والإنتاج والاستعداد لإخراج الجزأين الثاني والثالث من «أفاتار»، وهو غير مستعجل لعرضهما، فالتّخطيط لهما كان بدأ قبل سنتين والإنجاز سيكون في غضون سنة 2024 و2025. أمّا الجزآن الرابع والخامس فهما مدرجان في خططه، لكنّهما ما زالا من دون جدول عمل.
شغف من الصغر
في هذه الغضون نراه ينجز مع المخرج روبرت رودريغيز فيلم فانتازيا بعنوان «أليتا: ملاك معارك» الذي بوشر بعرضه قبل نحو شهر وسجل نجاحاً معتدلاً. وعلينا ألا ننسى أنّه يحضر كذلك لإعادة صنع «تيرميناتور» الأول. هذا الرجل لا يتوقف ليأكل أو ينام… أو هكذا يبدو.
ترى ما سر حبك للخيال العلمي، جيمس؟ كيف بدأ؟ هل دراستك لعلمي الفلك والفيزياء قادتك إلى ذلك التّعلق بالفضاء والغرائب؟
يجيب: «تستطيع أن تعتبر مشاهدتي لفيلم (2001: أوديسا فضائية) كان أحد أهم أسباب حبي لهذا النوع. تحدثت كثيراً عنه في الواقع لكنّ اللحظة الفاصلة أنّه دفعني للتّحوّل من معجب بقصص الخيال العلمي إلى منفذ».
أراد كاميرون معرفة كل شيء عن ذلك الفيلم. وجد نفسه، كما يقول، مهتماً بالتفاصيل التنفيذية. بالمؤثرات وكيف تم صنعها وحقيقة الدور الذي لعبته في صياغة فكرة فيلم يعتبره مؤرخون ونقاد وباحثو سينما، أهم فيلم خيال علمي حُقّق في التّاريخ. نتيجة انبهاره بذلك الفيلم أنّه أمّ العمل على تنفيذ مؤثرات خاصة به واحتراف الأنيميشن والعمل على تكوين قاعدته الصغيرة من الأدوات التي لا بد منها لتحقيق أحلامه وكل هذا قبل أن يبدأ في تحقيقها فعلاً.
مدخله الحقيقي يبقى، على الرّغم من ذلك، دراسته علم الفلك والفيزياء: «عندما بدأت بدراستهما وجدت الرغبة في حبّ روايات وأفلام الخيال العلمي. في الأساس كان لدي شغف قادني إلى دراسة علم الفلك، وهو رغبتي في معرفة أسرار الكون ومواقع الكواكب. البعض يوغل في هذه الدراسة من زاوية دينية. بالنسبة لي أوغلت بها من زاوية علمية».
قبل دراساته كان عليه وَلَهٌ مسبق بالخيال العلمي:
«أحببت هذه القصص منذ أن كنت ولداً. الأفلام التي أحببتها منذ صغري كانت أفلام الخيال العلمي، خصوصاً تلك التي تحتوي على مخلوقات غريبة أو (روبوتس). لم أكترث كثيراً لأفلام السّاحرات والسّحرة المبنية على دكانة في الأحداث والشّخصيات. هذا هو الفرق الأساسي في نظري بين الفانتازيا والخيال العلمي».
- لكنك خرجت عن خط الخيال العلمي عندما أخرجت «أكاذيب حقيقية» و«تايتانيك».
- صحيح جداً لكن ذلك كان ضرورياً في حينه. بالنسبة لي سينما الخيال العلمي هي جاذبيتي (my gravity). أعيش لها منذ أن أحببتها. قبل ذلك أحببت قراءة الكتب الروائية القديمة وما زلت أقرأ. هناك عالم موازٍ كبير يشدني إليه.
ثيمة عسكرية
في عام 1978، كان لا بد له أن يجرّب حظّه في السينما. لقد تشرّب من التّأثيرات العلمية والسينمائية ما اعتبر أنّه كافياً لينطلق في غمار هذه الأفلام، فأنجز فيلماً قصيراً عنوانه Xenogenesis («مختلف كلياً عن الأصل») وأدار تصوير فيلم جون كاربنتر الجيد «هروب من نيويورك» سنة 1981، ومرّس يديه في الإنتاج في «مجرة الرعب» في العام ذاته. مع نهاية 1981 أخرج أول فيلم له، وهو فيلم رعب «بيرانا 2: التفريخ» (Piranha 2: The Sapwling)، الفيلم كان صغيراً وناجحاً ولفت إليه أنظار هوليوود فأسندت إليه تحقيق فيلم كتبه بنفسه (وهو منوال قام به منذ ذلك الحين)، وهو «ذا تيرميناتور».
كيف خطرت على باله فكرة فيلم يتعاطى مع مخلوق ورد من الفضاء ليبيد الأرض؟
«كتبت فكرة تماماً كما يفعل كل من يحب كتابة القصص. تفكر عن الفكرة وعندما تجدها تتجه بها إلى الفورم الذي تحبذه. ربما تتحول إلى رواية مطبوعة أو إلى سيناريو. طبعاً في حالتي تحوّلت إلى سيناريو، وبعد ذلك عرضتها من خلال وكيل أعمالي وتلقيت بضعة عروض لها أفضلها كان العرض الذي تسلمته من شركة همدال».
- هل كنت تعلم أنّه سيحقق النجاح الكبير الذي سيضطرك لتحقيق أجزاء لاحقة؟
- ليس تماماً. أعني أن المرء لا يمكن أن يكون متأكداً حيال أي شيء تقريباً. والأفلام أصعب شيء للتّكهن. لكن الفيلم احتوى على كل العناصر التي من شأنها تحقيق هذا النّجاح. لم يكن هناك سبب بادٍ يمكن له أن يطيح بذلك الجهد.
يعود جيمس الآن إلى حكاية «ذا تيرميناتور» لينجزها مجدداً. القصّة ذاتها لجمهور جديد:
«أعتقد أن (ذا تيرميناتور) الجديد موجه إلى جيل جديد بدوره. بعد أكثر من 30 سنة على الفيلم الأول لا بدّ من تجديد فكرته الأساسية وتوفيرها إلى جمهور يستطيع بالطبع مشاهدة الفيلم السابق، لكنّه يفضل لو أنه يشاهد صنعاً جديداً له».
حصد «ذا تيرميناتور» نجاحاً ساحقاً حينها، ما جعل العودة إليه في جزء لاحق، ذاك الذي تم تحقيقه سنة 1991، أمراً محسوماً. لكن كاميرون أمضى الفترة ما بين الجزء الأول والجزء الثاني (1984 - 1991)، مشغولاً بأفلام أخرى. شارك في كتابة الجزء الثاني من «رامبو» (1985) وأخرج «Aliens 2» في العام التالي. هذا كان الفيلم الفضائي الأول له على أساس أنّ أفلامه من نوع الخيال العلمي السابقة دارت فوق الأرض.
- هناك شعور لدي بأنّ هذا الفيلم كان ذا ثيمة عسكرية. طاقم السفينة ينطلق إلى حرب ضد المخلوق الغامض…
- لقد وصفت السبب. هو يحمل هذا الاندفاع صوب المهمة على نحو أي مهمة عسكرية تخاض في أي حرب وذلك مطلوب، لأن الفريق كان بالفعل يخوض حرباً ضد ذلك الشيء الغريب الآتي من الفضاء الذي ينوي بطريقته الخاصة القضاء على الجميع ووضع بذور في شخص ريبلي (سيغورني ويڤر).
- لكنك في «أفاتار» عكست الصورة: أبناء الأرض غزاة ومخلوقات الفضاء مسالمون…
- طبيعي. لأن الحكاية هنا تختلف. لا تنسَ أنّ سلسلة «أليانز» بدأت قبلي وسارت على المنهج ذاته في الجزأين الأولين.
- الموسيقار الراحل جيمس هورنر اشتكى حينها أنّه لم يمنح الوقت الكافي لكتابة الموسيقى، ما اضطره لاستنساخ نفسه. وأن التوتر بينكما كان مرتفعاً لدرجة اعتقاده أنك لن تطلبه للعمل معك بعد اليوم.
- صحيح. كان الوقت ضيقاً لنا جميعاً. كنت أريد كل شيء غداً. وربما تجادلنا بصوت مرتفع لكنّني أعجبت كثيراً بما كتبه لهذا الفيلم واشتغلنا لاحقاً على فيلم آخر.
نصف بشر
في «أليتا: ملاك المعارك» وجهة ثالثة: حكاية مستقبلية تُركب فيها حياة جديدة فيما تبقّى من جثة امرأة وإطلاقها قوةً مدمرةً لمواجهة أشرار العالم المقبل. المشروع بدأ قبل عدة سنوات، وكاميرون لم يرد أن يحققه بنفسه لانشغاله، فاكتفى بإنتاجه مسنداً المهمة لروبرت رودريغيز (سلسلةSpy Kids ) الذي كان عليه أن يتأقلم سريعاً بين متطلبات أفلام تكلف عشرات الملايين وميزانية فيلم بلغت 175 مليون دولار.
بدأ هذا المشروع في عام 1995، عندما قرأ كاميرون رواية مصوّرة وضعها الياباني يوكيتو كيشيرو. لماذا استغرق المشروع 24 سنة لإتمامه؟
- لماذا انتظرت طويلاً لتحقيق «أليتا: ملاك المعارك»؟
- قرأت روايات كيشيرو التي تقوم أليتا ببطولتها في منتصف التّسعينات، وأبقيتها في بالي طوال الوقت. في فترات لاحقة عدت إليها وصمّمت على إنجازها، لكن هناك ما منعني من الإقدام عليها في حينه. لجانب أنّي كنت منشغلاً جداً بمشاريع أخرى، اعتقدت أنّ المؤثرات الخاصة عليها أن تنمو لتناسب مخيلة الكاتب ومتطلبات الفيلم.
يضع كاميرون في الاعتبار أنّ المؤثرات تغيّرت تغيراً كبيراً منذ أن بدأ عمله في رحاب السينما. أكثر من ذلك، من يشاهد «ذا تيرميناتور» الأول و«ذا تيرميناتور 2» يلحظ التطورات المهمة التي طرأت في الفترة القصيرة بين الفيلمين.
كاميرون يواكب التطوّرات أولاً بأول لأنه جزء من الماكينة التي يشتغل عليها يومياً. «أفاتار» سنة 1999 نجح جزئياً لاحتوائه كل هذه المشاهد التي تم رسمها واستنتاجها عبر مؤثرات وبرامج الكومبيوتر غرافيكس. كان وقع الفيلم على المشاهدين من القوة، بحيث إنه أنجز أكثر من ملياري دولار حول العالم. لكنّ كاميرون يعزو النجاح الكبير إلى سبب آخر:
«السبب الأول في رأيي هو أنّنا منحنا الشّخصيات صفة المصداقية. لم يكن (أفاتار) سينجز النّجاح الذي حقّقه لو أن المشاهدين لم يصدقوا أو يوافقوا على شخصياته سواء البشرية أو المخلوقات الأخرى. لقد منحنا المخلوقات غير البشرية على الأخص تلك الصّفات الإنسانية. يدرك المشاهد أنّهم ممثلون ونقطته التالية هي مراقبة كيف سيتصرفون. بما أنّ الفيلم عن شعب مسالم يتعرض للغزو فإنّ تعابير وجوههم وتصرفاتهم عليها أن تتماشى مع الموضوع، ولهذا فإن التّجانس بين مضمون الفيلم عنهم وبين تصرفاتهم حقيقية».
- جزء من هذه الصّفات البشرية نجدها في «أليتا» إذن. هل هذا صحيح؟
- بالطبع. وهذه الصفات وردت في رسومات كيشيرو الأساسية. ما أدهشني أنّ الرّسام الياباني توصل إلى خلق سمات وجه غير إنسانية مع صفات وتعابير وتصرفات إنسانية، وما أعجبني أنّ كلا الجانبين متناسق جداً. وهذا كله يتماشى مع شكل الشّخصيات التي في بالي عندما أحقق فيلماً.
- تماشى أساساً مع شخصيات فيلمك «القاع» (The Apyss)… ولو بحجم صغير؟
- نعم.
- … وما زلت تنتقل من قاع المحيطات إلى كواكب تقع على بعد ألوف الأميال في الفضاء. ما تفسيرك؟
- هما عالمان متصلان عندي. واحد يقع في عمق الكوكب الذي نعيش فيه والآخر في أعلى الكون الذي ننتمي إليه. لكن الخط المشترك بين الاثنين هو أنّنا جزء من عالم أكبر وربما جزء صغير في عالم من الغرائبيات التي كانت تحتاج إلى الخيال البشري وإلى فن السينما لتقديمها إلى الناس.
أحد المضامين التي يفصح عنها «أليتا» هو القدر الكبير من الاحتواء البشري للعلم الحديث. صحيح أنّ السينما تناولت شخصيات نصف آدمية - نصف صناعية على مدار عقود كثيرة، لكن كاميرون، وقد أشرف على العمل من زاويته كمخرج حتى استطاع ترك بصماته في إخراجه أيضاً ولو أنّه لم يقم بفعل الإخراج ذاته، يمنحها تركيبة الشخصية الثالثة الفعلية. عن هذه الملاحظة يجيب: «أحاول. هذا وصف صحيح لأنّني أعتقد أنّ البشرية والتكنولوجيا باتتا تتداخلان جيداً، وهناك تجارب عضوية كثيرة ستزيد من هذا الاندماج».
- ألا تعتقد أنّه اندماج خطر وسيؤدي إلى خلو البشرية من صفاتها الإنسانية؟
- من يستطيع أن يجزم بذلك. ربما هناك مشكلات، على العلم التّعامل معها. لكن التكنولوجيا والإنسان يسيران جنباً إلى جنب في هذا المجال وخارج نطاق الدمج الذي نتحدث فيه. هناك مؤسسات تحقق نتائج رائعة في فك أسرار الجسد البشري بحيث ستصل إلى تفكيك الشيفرات العصبية التي تتحكم بالإنسان. إذا ما حصل ذلك فهو أمر في منتهى الإيجابية، إذ سيتمكن المقعدون من ترك كراسيهم والمشي واستخدام الأطراف طبيعياً.
- هل تعتقد أنّ المستقبل البشري سينجو من محنة العلم الطّاغي على حياتنا اليوم؟ أنا من الذين يعتقدون أنّنا جميعاً نندفع باتجاه الحافة…
- اسمع. يبدو الأمر كذلك، هذا لا ريب فيه. لقد صنع الإنسان الذرة دفاعاً عن نفسه ضد الآخر، من ثمّ تحوّلت إلى طاقة تساعدنا في تأمين شروط الحياة. لكنّها لا تزال تشكل خطراً. في اعتقادي لا بدّ مني ومن الآخرين الذين يصنعون أفلام الخيال العلمي أن يطرحوا مخاوفهم وتحذيراتهم. الشيء المؤكد أنّنا لا نسير في اتجاه صحيح. نهدم الصِّلات بين البشر ونبني الحواجز والسُّدود. نهدم العلاقات الإنسانية بدل أن نهدم الحواجز بيننا. نحن أذكياء عندما نخترع التكنولوجيا وغير أذكياء حين نستخدمها.
مستقبل السينما
بعض ما يذكره كاميرون لي خلال هذه الجلسة (لساعة) ينضوي على وضع السينما في المستقبل القريب. اليوم كل الناس تتحدث عن احتمال اختفاء السينما كما نعرفها. هل يوافق كاميرون على ذلك؟
«ليست لدي كرة سحرية أنظر إليها لأعطيك الجواب القاطع. لكن ما أقوم به هو الدّفع في الاتجاه المعاكس لافتراضية أنّ هذا ما سيحدث في المستقبل. أقصد أنّ السينما قد تنتهي كما نعرفها».
- ما الذي يحدث حقاً هنا؟ هل يمكن درء خطر انكماش السينما في تقنيات الإنترنت؟
- كل شيء ممكن، لكن هل سيحدث ذلك فعلاً؟ ما أقوم به هو السير في اتجاه لا يمكن للأفلام المصنوعة للاحتواء المنزلي تقليده. أسعى للإدهاش ولكي يكون الفيلم مدهشاً هناك شروط معينة منها الإنتاج الذي لا يمكن تقليده. دار السينما هي التي عليها أن تبقى كما عهدناها. المكان الذي تدخله لكي تترك للفيلم أن يستوعبك بالكامل.
- شروطها مختلفة بالطبع لأنّها…
- مختلفة بشكل جذري. حين تشاهد فيلماً في البيت، فإن علاقتك به ليست وثيقة، أعجبك الفيلم أم لم يعجبك. علاقتك مرهونة بحياتك الشّخصية. تستطيع إيقاف الفيلم في أي وقت تشاء لمرة أو لمرات كثيرة. هذا يفقد الفيلم أصالته ويفقدك أنت استقبال الفيلم وما يوفره لك من ثقافة ومتعة ورسالة على النحو الكامل. صالة السينما تمتلكك تماماً. تقبض على واقعك وتلغيه. هذا هو الوضع تحديداً: الفيلم قد يكون عقداً بينك وبينه حين يعرض في صالات السينما. سيأخذ من حياتك ساعتين، لكنّه سيمنحك الحياة الخيالية كواقع جديد ويأخذك إلى حيث لم تذهب من قبل… أو حتى حيث ذهبت من قبل ولا تزال تود العودة إليه. في المقابل هناك الفيلم المنزلي الذي قد يعجبك وقد لا يعجبك، ليس لأنه جيد أو رديء بل لأنّك لا تستقبله جيداً. لا يمكن لك أن تحكم عليه. شاهد فيلماً ما على شاشة البيت لم تشاهده في السينما من قبل، من ثمّ شاهده في السينما إذا استطعت، وستجد أنّك تراه فعلياً للمرّة الأولى.
في ردهة الفندق الذي سنخرج منه كل إلى سيارته يشير إلى المستقبل الكامن في الغد مرّة أخرى:
«من الذي يعلم تماماً ما الذي ستكون الحال عليه بعد عقد من الزمان أو أكثر؟ في كل مرحلة من مراحل الحياة هناك تطوّر خلق وضعاً جديداً، وبعض هذا الوضع كان غير فاعل أو غير إيجابي. أنظر إلى العالم قبل الحضارة الصناعية. كان الناس بلا ريب سعداء وأصحّاء ربما أكثر ممّا هم عليه اليوم. هل يدخل العلم على الخط ليجعلهم أكثر سعادة أو أكثر صحّة؟ هناك كثير ممّا يؤكد هذا الاحتمال، لكن مع كل تقدم صناعي هناك خطأ أو أخطاء».