أثار صعود مانشستر يونايتد في ظل قيادة المدرب أولي غونار سولسكاير، نقاشاً حول الخصال المميِّزة للمدربين الذين كانوا لاعبين في ما مضى -وربما يكون لدى أكاديميين ألمان إجابة عن هذا الأمر.
دعونا نسأل أولاً: ما مدى تميز أولي غونار سولسكاير كمدرب؟ رغم كل الإشادات التي يجري إغداقها على المدرب النرويجي صاحب الشخصية المحبوبة، لا أزال أبدي تحفظاً تجاهه. وأرجو ألا يُساء فهمي. الواضح للعيان أنه يضطلع بمهمته على أكمل وجه، المسألة أنه من الصعب للغاية الفصل بين الصعود الذي حدث في المزاج العام وأداء مانشستر يونايتد منذ أن أصبح سولسكاير مدرباً للفريق، وهو الأمر الذي انعكس بوضوح في مباراة الإياب أمام باريس سان جيرمان، وبين الحقيقة الجلية التي تقول إن أي نادٍ يملك هذا القدر من المال واللاعبين العالميين ينبغي أن يفوز بغالبية المباريات التي يشارك فيها.
وعندما تضيف إلى هذا الخليط فترة التراجع التي مر بها الفريق خلال الشهور القليلة الأخيرة التي قضاها البرتغالي جوزيه مورينيو في «أولد ترافورد»، والتأثير الإيجابي الذي عادةً ما يتركه على الفريق قدومُ مدرب جديد، إضافة إلى سجل سولسكاير السابق في كارديف، حينها ستجد نفسك أمام لغز معقّد عليك فكّ طلاسمه كي تتمكن من تحديد مدى مهارة المدرب النرويجي حقاً. بالطبع ليس من السهل الفصل بين مهارة مدرب ما -بمعنى لمسته الخاصة- ومهارة اللاعبين الذين يعتمد عليهم وميزانية النادي الذي يعمل به. حتى هذه اللحظة لا يصدق أحدٌ أن روبرتو دي ماتيو مدرب عظيم، مع أنه قاد تشيلسي إلى الفوز بدوري أبطال أوروبا 2012. كما أن المدرب أفرام غرانت كان على بُعد ركلة واحدة من نقطة ثابتة أهدرها جون تيري من غزو أوروبا عام 2008.
ومع ذلك، يعتقد فريق من الأكاديميين الألمان أنهم وجدوا طريقة لفصل تأثير المدرب عن تأثير الفريق، وذلك بعد فحصهم الفترة التي قضاها كل مدرب في البوندسليغا منذ موسم 1993-1994 حتى موسم 2013-2014، وقد نشروا بحثهم في دورية «سبورتس إكونوميكس» في أغسطس (آب) الماضي، بعد أن فحصوا 6.426 مباراة وميزانية كل نادٍ للموسم. وكان بعض النتائج التي توصلوا إليها غير مثيرة للدهشة.
على سبيل المثال، انتهى الفريق الأكاديمي إلى أن الشخص الذي مثّل بلاده عندما كان لاعباً لا يصبح مدرباً أفضل عن غيره ممن لم يحالفهم هذا الحظ. وبالمثل، ليس هناك دليل على أن اللعب في أي مركز معين لا يجعل من اللاعب مدرباً أفضل لاحقاً، إلا أنه عند فحص مستويات أداء نفس المجموعة من المدربين داخل أندية مختلفة ومتفاوتة القوة والميزانية المالية -ومن خلال تطبيق ذات الأدوات الإحصائية التي جرى استخدامها في تقييم حجم الاختلاف الذي أضفاه رؤساء العمل المختلفون على الإنتاجية داخل الولايات المتحدة- توصل الفريق الأكاديمي إلى نتيجتين مثيرتين للاهتمام.
أولاً: أن الـ20% الأولى من المدربين الذين عملوا بالدوري الألماني خلال فترة 21 عاماً، والتي تضمنت يورغن كلوب ولوسيين فافر، أحدثت تحسناً في أداء الفرق التي أشرفوا عليها بمقدار نحو 0.3 نقطة في المباراة في المتوسط مقارنةً بشخص ينتمي إلى الـ20% الأدنى حتى بعد أخذ عاملَي قوة الفريق وميزانية النادي في الاعتبار.
ويعني ذلك زيادةً بإجمالي 10.2 نقطة في المتوسط على امتداد 34 مباراة في موسم البوندسليغا.
ثانياً: يحمل هذا المقياس قدرة كبيرة على توقع الأداء المستقبلي للفرق التي تستعين بالمدرب المعنيّ. ويبدو أن هذه الدراسة تدعم بالمصادفة ما كتبته «الغارديان» وآخرون من قبل حول مهارة المدربين. في جوهره، يعد هذا الأمر أشبه بفكرة أن أفضل وأسوأ المدربين يخلّفون تأثيراً على نتائج الفرق -بينما مَن ينتمون إلى الوسط يعتمدون على جودة مستوى لاعبيهم واستراتيجية الانتقالات التي يتبعها النادي الذي يتعاونون معه وأخيراً الحظ في نجاحهم أو فشلهم. وبالطبع يعد النجاح النسبي مجرد مقياس واحد فقط من المقاييس التي ينبغي أن ينظر إليها نادٍ ما عند التفكير في استقدام مدرب جديد. ومن بين العوامل المحورية الأخرى شخصية المدرب والسياسة التي يتبعها تجاه تنمية مهارات وتحسين أداء اللاعبين الصاعدين وأسلوبه في اللعب.
وهناك نتيجة أخرى توصل إليها الأكاديميون ربما يجب على الفرق أن تضعها نصب أعينها، وهي أن أندية البوندلسيغا التي كان مدربوها لاعبين محترفين سابقين لعبوا في أعلى فرق من الدوري الألماني مالت إلى تقديم أداء أسوأ، في المتوسط، عن المدربين الذين إما لم يسبق لهم اللعب على المستوى الاحترافي على الإطلاق وإما لم يتجاوزوا القسم الثالث في الدوري. من جانبه، يفسر الدكتور غيرد ملهوسر من جامعة هامبورغ، هذا الأمر بأن المدربين الذين لم يكونوا لاعبين نجوماً يشعرون بالحاجة إلى بذل مجهود أكبر ليثبتوا أنهم مدربون أفضل ومن أجل ضمان الحصول على عمل في الأدوار الممتازة من بطولات الدوري. وأضاف: «بمعنى آخر فإنه يتحتم عليهم بدء مسيرتهم العملية بمجال التدريب في أدوار دنيا وإثبات امتلاكهم قدراً كبيراً من المهارة مسبقاً».
وربما لا يعد هذا مفاجأة لنا، فعلى أي حال كان الإيطالي أريغو ساكي لاعباً هاوياً وبائع أحذية قبل أن يُحدث ثورة في عالم تدريب الكرة داخل نادي إيه سي ميلان، بينما كان مورينيو وجيرارد هولييه وبريندان رودجرز من بين المدربين الكثيرين الناجحين الذين لم يلعبوا الكرة على مستوى احترافي كبير. ومع هذا، أوضح عمر تشودهري، رئيس وحدة استخبارات الكرة داخل مؤسسة «21 كلوب» الاستشارية المعنية بكرة القدم، أن هذا ربما يعني أن كرة القدم تقلل من قيمة المدربين الذين لم يلعبوا الكرة الاحترافية.
وقال تشودهري الذي يعمل مع العديد من الأندية الكبرى: «للأسف، من غير الممكن معرفة ما إذا كان عدد المدربين من المحترفين السابقين أقل عرضة للنقد والخطر من غير المحترفين سابقاً. وأيضاً ما إذا كان غير المحترفين سابقاً سيقدمون أداءً أفضل في المتوسط. ومع هذا، توحي الدراسة بأن المدربين غير المحترفين سابقاً يحملون مخاطرة أقل عن الاعتقاد السائد في سوق المدربين. والسؤال هو عمّا إذا كان أي نادٍ بمقدوره استغلال هذه النتيجة -إذا كان المدربون غير المحترفين سابقاً لا يزال يتعين عليهم إثبات أنفسهم، فإنك ربما لن تعرف إذا ما كانوا ماهرين حتى يثبتوا أنفسهم بالفعل».
المثير للاهتمام أن الوضع يختلف داخل الدوري الأميركي لسلة المحترفين، حيث يميل كبار اللاعبين إلى أن يكونوا مدربين أفضل عن غيرهم ممن لم يسبق لهم اللعب. ومن المحتمل أن يكون السبب وراء ذلك أن هؤلاء اللاعبين لا يصلون إلى منصب المدرب العام مباشرةً، وإنما يتحتم عليهم إثبات جدارتهم أولاً في الجهاز التدريبي. وربما يحمل هذا درساً مهماً لأندية كرة القدم وكذلك للاعبين.
وضمن هذا السرد للدراسة الألمانية تجب الإشارة إلى أن 36 مدرباً تركوا وظائفهم في الكرة الإنجليزية هذا الموسم. والغريب أن 20 منهم استمروا في عملهم لأقل من عام، بينهم زميل سولسكاير السابق في مانشستر يونايتد، بول سكولز الذي انفصل عن نادي أولدهام بعد أقل من 3 أشهر في المنصب. ويوحي ذلك بأن قطاعات كبيرة من قطاع الكرة لا يزال يواجه مشكلة في تقييم المدرب الجيد.
هل النادي الذي يملك المال واللاعبين العالميين قادر على ضمان النجاح؟
مورينيو فشل في جمع عدد النقاط التي حصدها سولسكاير مع يونايتد بنفس التشكيلة وعدد المباريات
هل النادي الذي يملك المال واللاعبين العالميين قادر على ضمان النجاح؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة