المرأة لا تترك مهنة التحري للرجال

نساء الشاشة البوليسية في ميزان دقيق

«من دون حسبان»
«من دون حسبان»
TT

المرأة لا تترك مهنة التحري للرجال

«من دون حسبان»
«من دون حسبان»

«من دون حسبان» (الترجمة الأقرب للعنوان الإنجليزي Out of Blue) فيلم نوار حديث يحتوي العناصر المكوّنة للحكاية التشويقية ذات الظلال السوداوية والسراديب النفسية التي يؤدي كل منها إلى آخر.‬
ينتمي أيضاً، وعلى نحو مصاحب، إلى أفلام التحري المتمثل هنا بامرأة تعمل في سلك بوليس مدينة نيو أورليانز. قضيتها تبدأ، كالعادة في الكثير من هذه الأفلام بجريمة قتل. والتحقيق حول ما الذي حدث مع الضحية (فتاة)، ولماذا قتلت من ثم من قتلها يفتح النوافذ على ما هو أكبر حجماً من مجرد جريمة واحدة أو ضحية محددة.
عن رواية الكاتب البريطاني مارتن أميس (عنوانها «قطار ليلي») الذي استعارت السينما منه خمس روايات سابقاً، آخرها «لندن فيلدز» مباشرة قبل هذا الفيلم، وهي رواية من بطولة امرأة كحال «قطار ليلي».
ما تختلف به روايته هذه عن باقي أعماله هو في أن بطولتها لتحرية في مهنة عادة ما آلت، روايات وأفلاماً، إلى الرجال. والمخرجة كارول مورلي تجيد توظيف هذا الاختلاف، لا لكونها امرأة فقط، بل لأنها تعرف حياكة النسيج بأسره ووضع بطلتها في موضعين متوازيين: هي القانون وهي المرأة التي اعتادت أن تكون ضعيفة ووجدت في سلك البوليس طريقة مثلى للانتصار على ضعفها.
اسمها مايك (تقوم بها باتريشا كلاركسون) وهو اسم رجل يرمز، في أكثر من حين، إلى مرايا عاكسة تجعل ما يتبدّى في الوهلة الأولى غير ما قد يتبدى في الثانية أو الثالثة، لدى مايك ذكريات تحاول أن تنساها. بذلك تلف نفسها في الوقت ذاته بسواتر؛ رغبة في المحافظة على المسافة التي تعتقدها بعيدة بين الحاضر وذلك الماضي. نتج من محاولاتها نسيان نشأتها وإدمانها الشرب. هذا قبل أن تتوقف لتعيد ترتيب شخصيتها وحياتها الجديدة.
- من ماري ونانسي...
الشرب أيضاً هو آفة التحرية إرين، بل كما شاهدناها قبل شهر في «مدمرة» بطولة نيكول كدمان. هذه أيضاً تحرية تنطلق من جريمة قتل لتسبر وضعاً متأزماً في محيطها المباشر. وهي على عكس شخصية مايك لا تستطيع التوقف عن العيش في الماضي لا بساتر يحميها منه ولا بسواه. بل تعيشه وتعود إليه في فصول كثيرة من الفيلم الذي أساءت إخراجه كارين كوزاما.
والمقارنة بين مايك وإرين تصبّ لصالح الأولى ككتابة شخصية، كما أن المقارنة بين مخرجتي هذين الفيلمين، كارول مورلي وكارين كوزاما يصبّ كذلك في صالح الأولى. مورلي أكثر حذقاً في كيفية معالجتها الموضوع من كوزاما التي تمارس نوعاً من دفع متكلف للأحداث، وتدخل مناطق يدور فيها الفيلم حول نفسه كما راقص الموالد الشعبية.
ليس أن الإتيان بتحريات يقمن بالعمل الذي اعتاد الجمهور العاشق للسينما البوليسية متابعته في شخصيات رجالية بالأمر الجديد. هناك أفلام نسائية البطولة في هذا المجال من أيام ما قامت غلوريا ستيوارت ببطولة «مطلوبة! جين تيرنر» سنة 1936.
وفي الأربعينات قامت مارشا هنت بدور تحرية اسمها ماري في فيلم بعنوان «ماري رايان، تحرية». وما هي إلا أسابيع أخرى قبل أن نشاهد فيلماً جديداً من بطولة تحرية امرأة هو «نانسي درو والسلم المخفي» لمخرجة ثالثة هي كات شايا.
شخصية نانسي درو ليست جديدة مطلقاً؛ إذ وردت في روايات ألفتها كارولين كين في مطلع ومنتصف الثلاثينات ونقلتها السينما بدءاً من فيلمين معاً سنة 1939 أولهما «نانسي درو... ريبورتر» والثاني «نانسي درو مسببة متاعب» (Nancy Drew‪…‬ Trouble Shooter)، وكلاهما من إخراج واحد باسم ويليام كليمنتس اشتغل كثيراً على الأفلام البوليسية والبوليسية - الكوميدية كما هو حال سلسلة نانسي درو. والشخصية ذاتها ارتسمت على شاشة التلفزيون في التسعينات، وهناك مسلسل جديد حولها في موسم خريف هذا العام.
التلفزيون كان وافر الحظ بالمسلسلات النسائية التي تلاحق فيها السيدات المجرمين (غالبيتهم من الرجال) كما الحال في «ملائكة تشارلي» الذي انطلق في منتصف السبعينات وتوقف سنة 1981 وقامت ببطولته فرح فوست وجاكلين سميث وكايت جاكسون. وفي العام الذي توقف فيها ذلك المسلسل (الذي انتقل إلى السينما مرتين في التسعينات) انطلق مسلسل «كاغني ولايسي» حتى سنة 1988، وكان من بطولة شارون غليس وتيني دالي.
وفي منتصف تلك الفترة وحتى منتصف التسعينات تم تقديم مسلسل «جريمة، كتبت» المستوحى من شخصية «الآنسة ماربل»، كما وضعتها الكاتبة أغاثا كريستي. استيحاءً وليس اقتباساً كاملاً؛ إذ كانت «الآنسة ماربل» بطلة لفيلم «جريمة، قالت» الذي قامت البريطانية مرغريت روثرفورد ببطولته سنة 1961.
- ضعف وقوة
تيني دالي كانت شريكة كلينت إيستوود في فيلم بوليسي من بطولته هو «الفارض» (The Enforcer)، أخرجه جيمس فارغو سنة 1976. وإذا ما كان هناك جدال بين هواة الفيلم البوليسي (أو بين السينمائيين أنفسهم) حول صلاحية المرأة لتكون بطلة أفلام التحري، فإن فيلم «الفارض» حسمها بالنفي من حيث لم يخطط.
في تلك الفترة كان إيستوود منشغلاً بتقديم شخصية هاري كالاهان في سلسلة أفلام بدأت بفيلم «ديرتي هاري» (1971) وتواصلت عبر «قوة الماغنوم» (1973) و«الفارض» ـ 1976) ثم «تأثير مفاجئ» (1983) ثم انتهت بفيلم «البركة الميتة» (1988).
يلحظ المتابع الجيد أنّ الشّخصية البوليسية الثانية في غالبية هذه الأفلام كانت من الأقليات. في «ديرتي هاري» كان مساعده في التحقيقات تحر لاتيني الأصل اسمه تشيكو وأداه ريني سانتوني.
في «قوة الماغنوم» كان، ولفترة وجيزة أفرو - أميركي باسم إيرلي سميث كما أداه فلتون بيري. أمّا في «البركة الميتة» (الذي قامت باتريشا كلاركسون بدور مساند) وجدنا شريكه أميركياً من جنوب شرقي آسيا.
تبعاً لذلك، وبينما يحتفظ إيستوود بالبطولة المطلقة طبعاً، نجد شركاءه الذين يعملون معه، يمثلون تعدد الأقليات وللأمانة فإن الأقليات والعناصر الأخرى كثيراً ما لعبت أدواراً على جانبي القانون في أفلامه. في «الفارض» مثلت تيني دال هذه المفارقة. هي أنثى بيضاء اسمها كاي، وهي من تشارك إيستوود ملاحقة العصابة الإرهابية (أميركية) وفي البداية، كما الحال مع تشيكو، يرفض أن تؤازره امرأة. لكنّه يتأقلم مع تشيكو في «ديرتي هاري» ومع كايت في «الفارض». لكنّ كايت تسقط مقتولة ما يزيد حدة الدّافع لدى هاري للانتقام لها بعدما لمس بذلها.
تيني، كتحرية، ليست «سوبر وومان» ولا تستطيع أن تكون. تؤدي دورها كما لو كانت شخصية قلقة منذ البداية. تعلم أنّ عليها استحواذ رضا هاري بكل ما أوتيت وهي تبرهن لاحقاً عن جدارتها، ولو أنّها ما زالت متأخرة في مهنة من الأفضل - تبعاً لقراءة الفيلم - أن تُسند إلى رجال.
من حسن الحظ، أنّ هناك أفلاماً تستحق فيه المرأة وجهة نظر مختلفة تماماً. أحد هذه الأفلام هو «بلو ستيل» للمخرجة كاثرين بيغلو («خزنة الألم») التي حققته، سنة 1990 حول شرطية في لوس أنجليس تواجه شريراً (رون سيلڤر) قد تتحوّل، تبعاً لقدراته، إلى ضحية له. لكن التحرية (ولعبتها بجدارة جامي لي كورتيس) تبرهن على أنها ليست سهلة المنال. وبين ما رسمته السينما من بطلات في «بزنس» التحريات يبقى «بلو ستيل» دلالة قوّة على أكثر من صعيد وبينها صعيد رسم وتقديم شخصية امرأة لا تحتاج إلى بطل رجل لكي تبرهن على قدراتها في التحري والدّفاع عن النفس.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.