«حرب الفساد» تطرق أبواب القضاء اللبناني

النيابة العامة تطلب الإذن لملاحقة أطباء ومحامين... واتجاه لإسقاط حصانات

TT

«حرب الفساد» تطرق أبواب القضاء اللبناني

لم تعد الخطة التي أطلقتها الحكومة اللبنانية لمكافحة الفساد تقتصر على الجانب السياسي والإداري، بل بدأت تطرق أبواب السلطة القضائية ومتفرعاتها من موظفين في قصور العدل والمحاكم، إلى ضباط وعناصر أمن يصنفون في عداد الضابطة الأمنية المساعدة للنيابات العامة في مهامها، والأطباء الشرعيين، إذ بدأت أرقام الموقوفين تزداد يومياً مع إعلان توقيف أحد الضباط في قوى الأمن الداخلي بعد توفر شبهات عن دور له في قضية فساد، وتزويد محامية بمعلومات عن ملفات وكلائها الموقوفين بجرائم مخدرات.
هذه الخطة وضعت قيد البحث في الاجتماع القضائي الذي ترأسه وزير العدل اللبناني ألبيرت سرحان في مكتبه وحضره رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد، والنائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، ورئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي بركان سعد، والمدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، والمدعون العامون في جميع المحافظات اللبنانية، وخصص للبحث في مهام النيابات العامة المتعلقة بمتابعة قضايا الفساد والمعوقات الإدارية التي تعترض عمل القضاء، مثل الحصانات التي يتمتّع بها موظفون، والحاجة إلى أذونات مسبقة للملاحقة، والتي تؤثر سلباً على آلية إطلاق الملاحقة القضائية وتعرقل محاربة الفساد. وأحيطت مقررات المجتمعين بالسرية، لكن الاجتماع شدد على «حصر إجراء التحقيقات الأولية في قضايا الفساد بالمدعين العامين الكل بحسب صلاحياته، إضافة إلى المهام التي يتولاها التفتيش القضائي فيما يخص القضايا التي تمت إثارتها أخيراً في وسائل الإعلام»، أي المعلومات التي تحدثت عن تورّط قضاة في عمليات فساد بالتواطؤ مع مساعدين قضائيين ومحامين وضباط وعناصر في أجهزة أمنية مختلفة.
ومع تحوّل ملف الفساد في قصور العدل إلى كرة ثلج تكبر يوماً بعد يوم، أكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار الحرب على الفساد لا هوادة فيه». وشدد على أن «القضاء الذي توكل إليه سلطة ملاحقة المجرمين والفاسدين، أولى به محاسبة الفاسدين في صفوفه سواء كانوا قضاة أو موظفين، وكل من يتعاون معهم سواء كانوا محامين أو عناصر أمنية أو الأطباء الذين تؤثر تقاريرهم في مسار الملفات». وجزم بأن «القضاء سيذهب في النهاية إلى اجتثاث الفاسدين وتنقية السلطة القضائية من الشوائب، حتى لا تكون قراراتها وأحكامها موضع تشكيك وشبهات».
ويأتي هذا التطور استكمالاً لقرار وزير العدل الذي أعطى فيه الإذن بملاحقة ستة مساعدين قضائيين مشتبه بتورطهم بقبض رشى مالية، والتلاعب بملفات قضائية وتغيير الوصف الجرمي للاتهامات بهدف تخفيف وطأة الجرائم المنسوبة إليهم، فيما كشفت معلومات لـ«الشرق الأوسط» أن «ملفاً واحداً كلّف صاحبه المتهم بأنه من أكبر تجار المخدرات في لبنان، مبلغ 600 ألف دولار، مقابل تحريف مضمون الملف، والحصول على تقارير طبية مزورة تتحدث عن إصابته بمرض عضال ومميت، أسهمت في إطلاق سراحه، في حين أثبتت الصور والتحاليل الطبية التي أخضع لها أنه خالٍ من أي مرض». وفي حين تواصل هيئة التفيش القضائي تحقيقاتها حول شبهات تحوم حول قاضيين اثنين في هذا الملف، علمت «الشرق الأوسط» أن النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون «طلبت من نقابتي المحامين والأطباء رفع الحصانة عن عدد من المحامين المتدخلين في هذا الملف، والأطباء الذين أسهموا بتقديم تقارير طبية مزورة، من أجل ملاحقتهم قضائياً». واستكمالاً للملف الذي بدأ بتوقيف ثمانية مدنيين وعسكريين قبل ثلاثة أسابيع، أمر مفوّض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني الحجار قبل يومين بتوقيف ضابط في شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي برتبة نقيب، وعنصر في مكتب مكافحة المخدرات، بعد ثبوت تواصل واتصالات هاتفية مكثفة بينهما وبين محامية عدد من المتهمين بقضايا مخدرات، واستقاء معلومات متعلقة بموكليها. وأوضح مصدر مطلع على هذا الملف أن القاضي الحجار «طلب من نقابة المحامين إعطاء الإذن لملاحقة المحامية».
وفي سياق متصل أيضاً لا يزال قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان يتابع تحقيقاته في ملفات دفع وقبض رشى مع مدنيين وعسكريين، من ضمنهم مرافق النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون المعاون في جهاز أمن الدولة حميد خ. وعدد من السماسرة الذين لعبوا دور الوساطة للتلاعب بملفات قضائية، وأصدر قبل أيام مذكرات وجاهية بتوقيف نحو 16 شخصاً، استناداً إلى مواد الادعاء كما أصدر مذكرتين غيابيتين بحق فارين من وجه العدالة، ويتابع استجواب باقي الموقوفين في هذه الملفات وعددهم 21 موقوفاً.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.