يبدو أن من المبكِّر القول إن العراقيين تجاوزوا حقبة حزب «البعث» وصدام حسين، وتركوها خلف ظهورهم، حتى بعد مرور 16 عاماً على الإطاحة بهما من قبل الولايات المتحدة عام 2003. وما زال الاثنان (صدام والبعث) يطلان برأسيهما بكثرة وفي مناسبات غير قليلة، ما يدفع الأحزاب السياسية الإسلامية، ومنها حزب «الدعوة»، للتذكير دائماً بمخاطر عودة «البعث» إلى السلطة من جديد.
ورغم العقوبات الرادعة التي تضمنها قانون المساءلة والعدالة المتعلق بحظر واجتثاث حزب «البعث» من الحياة العامة، ومحاسبة المنتمين والمروجين لأفكاره بعقوبات تصل إلى السجن 15 عاماً، فإن «الخروقات» المتعلقة بالإشادة بصدام وحقبة «البعث» ما زالت متواصلة، وتعززها غالباً عمليات المقارنة بين أوضاع العراق في ظل العهدين: عهد صدام والذي تلاه بعد 2003.
وفي آخر سلسلة «الخروقات» المتعلقة بالمقارنة وتفضيل عهد «البعث»، طالبت لجنة الشهداء والسجناء (الذين قتلوا أو سجنوا في عهد حزب البعث حصراً) بمحاسبة الطيار أحمد أسعد، الذي قام أول من أمس، بتمجيد «البعث». وخاطب رئيس لجنة الشهداء النائب والقيادي في حزب «الدعوة» خلف عبد الصمد، وزارة الدفاع، في كتاب رسمي قال فيه: «استناداً للصلاحيات المخولة لنا دستورياً، وردت إلى لجنتنا معلومات تفيد بأن الطيار أحمد سعد، المنسوب للوزارة، يروج ويمجد لحزب البعث المقبور، في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)». وأشار عبد الصمد إلى أن قضية تمجيد «البعث» وصدام «تعتبر من المخالفات القانونية التي نص عليها قانون حظر حزب البعث رقم 32 لسنة 2016، ويعاقب عليها بأحكام مختلفة، ونطلب إجراء تحقيق في هذه المعلومات».
وكانت مواقع التواصل المختلفة نشرت للطيار المذكور رداً على أحد المدونين، قال فيه: «ألف رحمة ونور على روحك أبو عدي (يقصد صدام)، وأنتم ابقوا ذيولاً لولاية الفقيه».
ولم يصدر عن الطيار أحمد سعد أي بيان أو نفي لما ورد في تعليقه، وما إذا كان صادراً عنه بالفعل؛ لكن المرجح أنه سيعاقب من قبل مراجعه العسكرية في حال ثبوت نسبة الكلام إليه.
وفي محافظة ذي قار الجنوبية، أثار الشاعر الشعبي صلاح الحرباوي، مطلع الأسبوع، ضجة مماثلة، بعد قيامه بإلقاء قصيدة في تمجيد صدام، وسط تصفيق جمهور الحاضرين. ورغم أن الحرباوي كتب قصيدته الغاضبة من وحي الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، دون إبلاغ السلطات العراقية، فإن اللافت فيها أنها ألقيت في تجمع لإحياء ذكرى أحد القتلى في هيئة «الحشد الشعبي»، ما أثار غضب وانتقاد معظم الأوساط التابعة والقريبة من الأخير.
وفيما يرى الشاعر عقيل العرد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن قصيدة الحرباوي «ينقصها الوعي، وجاءت في سياق المقارنة بين حقبتين، ولم يكن هدفها مدح صدام حسين»، يقول العضو في حزب «الدعوة» قاسم محمد جبار، إن حزبه «لا يأمن جانب (البعث) لأن لديه تجارب تاريخية، ونجح في العودة إلى السلطة عام 1968، ويمكن أن يكرر تلك التجربة مرة أخرى؛ خاصة أن 15 سنة من سقوطه مدة غير طويلة في حكم الزمن».
ويرى جبار في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن مشكلة تمجيد «البعث» وصدام التي تتكرر بين فترة وأخرى من بعض الأشخاص، قد تكون «شخصية»؛ لكنها «تكمن أساساً في أن الجهات المعنية بقانون حظر حزب البعث والترويج إليه، لا تبذل جهداً لمحاسبة الأشخاص الذين تصدر عنهم مثل هذه الأقاويل، وهناك عدم متابعة حقيقية للموضوع». ويبرز حزب «الدعوة» الذي هيمن على رئاسة الوزراء لثلاث دورات سابقة، كأحد أهم الأحزاب المتوجسة من عودة «البعث»، وكشف الأسبوع الماضي عما أسماه «تحركاً مريباً لتسنم أعضاء بحزب البعث المحظور مناصب في وزارة الخارجية»، وطالب لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان بـ«تحمل مسؤوليتها الرقابية، واستدعاء وزير الخارجية للمساءلة حول الإجراءات الأخيرة التي طالبت بإعادة البعثيين».
وعن الحساسية المفرطة التي يتبناها «الدعوة» حيال عودة «البعث»، عزا قاسم محمد جبار ذلك إلى «التاريخ الطويل من الصراع بين الحزبين، إلا أن مشكلة (البعث) لا تهم (الدعوة) فقط، إنما شرائح اجتماعية مختلفة، وقد شكلت مؤخراً جبهة مناهضة لـ(البعث) في البرلمان تضم نواباً من الأكراد والشيعة والسنة».
ويضيف جبار: «خطر (البعث) ما زال قائماً، لذلك تجده يقيم المؤتمر تلو الآخر لإسقاط العملية السياسية، والجميع سمع ربما بمؤتمر فلول (البعث) بولاية ميتشيغان في الولايات المتحدة قبل أسابيع، وكذلك مؤتمر في ألمانيا، أول من أمس؛ لكن المهم أن تلك المؤتمرات لم تجد من يؤيدها أو يتجاوب معها، وكانت فاشلة بامتياز».
«البعث» يطلُّ برأسه مجدداً في العراق
مطالبات بمحاسبة طيار وشاعر شعبي امتدحا صدام علناً
«البعث» يطلُّ برأسه مجدداً في العراق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة