يعد الصداع من أكثر الشكاوى المرضية شيوعاً، التي تصل إلى الأطباء يوميا، حيث يعاني نحو 80 في المائة من سكان العالم من الصداع مرة في السنة على الأقل.
يمكن تقسيم الصداع إلى مجموعتين صداع أولي وصداع ثانوي. الصداع الأولي سببه غير واضح ويمكن أن يشمل الصداع النصفي، والصداع المرتبط بالإجهاد، والصداع العنقودي، وحتى أنواع أخرى نادرة من الصداع. أما المجموعة الثانوية فتشمل الصداع الذي يعرف سببه ويكون علاجه فعالا ويؤدي إلى تخفيفه. تشمل هذه المجموعة بشكل رئيسي الصداع المتصل بالجيوب الأنفية، والصداع الناجم عن مشاكل في الرقبة، والصداع الناجم عن إصابة مفصل الفك، والنزيف أو بعد عملية داخل الجمجمة، والصداع المرتبط بأجزاء مختلفة من الوجه: العين والأسنان والعضلات والأعصاب الرئوية.
أما الصداع النصفي Migraines فهو مرض قديم وأصل اسمه يأتي من الكلمة اليونانية القديمة HEMICRANIA ومعناها بالإنجليزية «نصف الرأس» (الشقيقة).
يتصف الصداع النصفي بألم يهاجم عادة أحد جانبي الرأس، يكون نابضا في نوعيته، ويستمر بين 4 إلى 72 ساعة، ويصاحبه غثيان و/ أو تقيؤ أو عدم تحمل الضوء والضوضاء. ويتم التشخيص، عادة، سريريا من قبل الطبيب بناء على شكوى المريض. ولا توجد حاليا أي اختبارات لتأكيد التشخيص.
تشخيص الصداع النصفي
تم تشخيص الصداع النصفي (الشقيقة) منذ عام 1988 بناء على معايير وضعتها جمعية الصداع الدولية the International Headache Society، والتي كان من أهمها ما يلي:
- حدوث ما لا يقل عن 5 هجمات (نوبات صداع).
- استمرار نوبات الصداع ما بين 4 - 72 ساعة (إذا لم تتم معالجتها أو تمت معالجتها دون نجاح).
- وجود اثنين على الأقل من المعايير الأربعة التالية:
• موقع الصداع في جانب واحد.
• نوع الصداع نابض.
• تتراوح شدة الألم من المعتدلة إلى الشديدة.
• إعاقة النشاط البدني الروتيني أو تجنبه، مثل المشي أو تسلق السلالم.
- أن يصاحب الصداع واحد على الأقل من المعيارين التاليين:
• الغثيان و/ أو القيء.
• عدم تحمل الضوء والضوضاء.
- استبعاد التشخيصات الأخرى المشابهة في الأعراض.
يبدو أن الصداع النصفي هو اضطراب دماغي أكثر من أن يكون اضطراباً وعائياً دمويا كما كان يُنظر إليه حتى السنوات الأخيرة. فربما تحدث الهالة (Aura) بسبب انخفاض في أداء منطقة معينة من القشرة الدماغية، التي تتغير بمعدل ثابت، يرافقه انخفاض في تدفق الدم في هذه المناطق. وتؤثر التغيرات في القشرة الدماغية على جذع الدماغ مسببة تضخماً واستجابة التهابية في الأوعية الدموية للدماغ والتي ربما تكون هي مصدر الألم (الصداع). ويكون جذع الدماغ مسؤولا عن الأعراض المرتبطة بهجمات الصداع النصفي مثل الغثيان والقيء.
وقد يكون الصداع النصفي وراثياً، فقد أمكن، في بعض الأشكال النادرة والمحدّدة من الصداع النصفي، العثور على العامل الوراثي في الكروموسوم 19 الذي ينظم دخول أيونات الكالسيوم في الخلية، وهو جزء من النشاط الطبيعي للخلية اللازم كي تعمل بشكل طبيعي في نقل الإشارات إلى الخلايا الأخرى، فوجود هذا الخلل الوراثي يؤدي إلى غلق القنوات التي يمر بها الكالسيوم، مما يعرقل نشاط الخلية. ولكن المشكلة هي أنه لم يتم اكتشاف الجين المسؤول بعد في أنواع الصداع النصفي الشائعة.
الأنواع والأعراض
يقول الدكتور كوريتسكي إن هناك نوعين رئيسيين من الصداع النصفي: صداع نصفي مع هالة، وصداع نصفي دون هالة. والهالة (aura) هي اضطراب عصبي عابر يظهر عادة قبل مرحلة الصداع، يدوم لمدة 20 - 30 دقيقة، وعادة ما يتضمن أعراضا بصرية مثل الأضواء الساطعة، خطوطا متعرجة تشبه القلاع (المعروفة باسم «أطياف التحصينات»)، أو رؤية بقع عمياء blind spots. في بعض الأحيان، تكون الهالة كوخز، وإحساسات دبابيس وإبر في ذراع أو ساق واحدة (تنميل) أو حتى صعوبة في الكلام، أو دوخة شديدة. ويكون الصداع النصفي مع هالة، مسؤولا عن 20 في المائة من الحالات، بينما يكون عند نحو ثلثي المصابين بدون هالة، ويعاني الباقون من نوبات تكون، أحيانا، مسبوقة بهالة وأحيانا بدونها. ويمكن أن يستمر هذا النوع من الصداع لمدة تصل إلى 3 أيام وتصاحبه أعراض تشمل الغثيان والقيء والضوء وعدم تحمل الضوضاء والتعرق والإسهال والشحوب، وفي الحالات القصوى، ارتباك والتباس.
ووفقا للدكتور أريه كوريتسكي استشاري ورئيس قسم الأعصاب بمركز روبين الطبي بمدينة نيويورك بالولايات المتحدة والمتخصص في علاج الصداع النصفي لأكثر من 30 عاما، أن هناك محاولات بذلت، في الآونة الأخيرة، لتبسيط تشخيص الأطباء للصداع النصفي من خلال إجراء مسح على المشاركين وتحديد أكثر الشكاوى شيوعا، فثبت أن الاستجابة الإيجابية لاثنين من الأعراض الثلاثة (الغثيان، عدم تحمل الضوء، التراجع الوظيفي) أثناء الهجوم يعتبر مؤشرا جيدا لهجمات نوبات الصداع النصفي.
الصداع اليومي المزمن
حديثا، هناك مجموعة متزايدة من الأدلة التي تبين أن الصداع النصفي في بعض الحالات هو اضطراب متطور، وبالتالي، قد يتحول من هجمات عرضية إلى مزمنة ويومية. هذا التغيير يسمى «الصداع النصفي المتحول transformation migraines» وينطوي في معظم الحالات على الإفراط في استعمال الأدوية الحادة بنسبة (70 في المائة)، لكن في بعض الأحيان يكون الانتقال عفوياً والسبب غير واضح، وفي أحيان أخرى، يمكن أن يبدأ الصداع النصفي كتكرار يومي والسبب في ذلك غير واضح أيضاً. قد يكون ذلك بسبب تشكيل أنماط جديدة في الجهاز العصبي المركزي، تكون فيها عتبة threshold الألم صغيرة فيتم تنشيط نظام الألم عن طريق المحفزات الخارجية أو الداخلية التي عادة لا تسبب الألم أو نوبة الصداع النصفي عند الأشخاص الأصحاء. هذه المعلومات غيرت الاعتبارات للتدخل العلاجي الوقائي، فالتدخل المبكر قد يمنع من تطور الاضطراب إلى شكل الألم اليومي، وتشكيل تغييرات لا رجعة فيها في الدماغ، وتكوين مقاومة كبيرة للعلاج من أي نوع.
نستنتج مما سبق، أن الصداع النصفي مرض لا يمكن علاجه نهائيا، وأن الأدوية، على العكس من ذلك، تقدم الكثير للغالبية العظمى من المرضى، وعليه فيجب مراجعة الطبيب مبكرا لوضع خطة العلاج المناسبة.
العلاج
يعتمد علاج الصداع النصفي عادة على نوعين من العلاج، دوائي وغير دوائي.
- أولا: العلاج غير الدوائي، وهو يركز بشكل رئيسي على التغييرات في نمط الحياة وتجنب العوامل التي تحرض على حدوث نوبات الصداع النصفي. هذه العوامل تتغير من وقت لآخر، وبالتالي فهي محبطة، لأنها لا تساعد على منع الصداع بانتظام. ويبدو أن دماغ الشخص الذي يعاني من الصداع النصفي يتأثر بالظروف القاسية وبالتالي يجب الاهتمام بالنوم وعادات الأكل وتجنب المواقف المجهدة للغاية. وبعبارة أخرى، ينبغي أن يتجنب المصابون بالصداع النصفي الحالات التي تضع الجسم في حالة شديدة من الجوع أو الإرهاق أو تتركه في حالة من التوتر.
وأيضا، يجب على المصابين تجنب الأطعمة التي تسبب الصداع النصفي، وعليهم أن يتأكدوا من تحديد الأطعمة التي تسبب الصداع النصفي لهم شخصيا بدلا من الاعتماد على المعلومات العامة الموجودة على شبكة الإنترنت التي تشير إلى أطعمة معينة يحتمل أنها تسبب الصداع النصفي. ويجب على المريض تتبع روتينه اليومي لمعرفة ما الذي يمنع أو يخفف من الصداع إن حدث.
- ثانيا: العلاج الدوائي، وهو ينقسم إلى نوعين رئيسيين، معالجة حادة ومعالجة وقائية.
* علاج الحالات الحادة، ويتم بشكل رئيسي عن طريق أدوية الصداع النصفي بالنوعية الخاصة التي تسمى تريبتان (triptans) وهي فعالة فقط في الصداع النصفي ولا تعمل ضد الأنواع الأخرى من الألم، ثم بالعلاج غير النوعي من مسكنات الألم العامة التي يتم توجيهها ضد الألم بشكل عام.
عقاقير التريبتان هي مجموعة جديدة نسبيا من الأدوية التي تعمل على مستقبلات السيروتونين التي تقع على الأوعية الدموية الدماغية خاصة في مغلفات الدماغ والنهايات العصبية التي تؤثر على هذه الأوعية الدموية. يقع عمل الدواء على المستقبلات لمنع توسع الأوعية الدموية والالتهابات التي تميز نوبة الصداع النصفي.
وتشمل الآثار الجانبية لهذه المجموعة الدوائية: الضعف العام، الشعور بالتوتر، عدم الراحة في الصدر والتي لا تتعلق بالقلب وليست خطيرة، وعادة ما تمر بسرعة. إن الاستجابة لهذه الأدوية فردية للغاية ولا يمكن التنبؤ بمدى جدواها مقدماً، لذلك قد يكون من الضروري تجربة العديد من الأدوية حتى يتم العثور على العقار المناسب. هذه الأدوية آمنة وفعالة وغالبا ما تغير تماما نوعية حياة المريض. وقد تبين في الآونة الأخيرة أن الإدارة المبكرة لأدوية التريبتان تؤدي إلى استجابة أسرع للتحرر من الصداع وعادة ما تقلل من فرصة التكرار.
• العلاج الوقائي، يتم تصميم العلاج الوقائي للحد من وتيرة وشدة ومدة هجمات الصداع النصفي. ويجب تنفيذ هذا العلاج عندما يكون هناك ما لا يقل عن 3 - 4 هجمات في الشهر تؤثر بشكل كبير على الأداء اليومي أو عندما يفشل العلاج الحاد أو يكون مصحوباً بآثار جانبية خطيرة. تشمل الأدوية الوقائية أدوية ارتفاع ضغط الدم (حاصرات بيتا beta blockers) ومضادات الاكتئاب ومضادات الصرع وحاصرات قنوات الكالسيوم والعقاقير المضادة للالتهاب.
من المستحسن البدء بجرعة منخفضة ثم زيادتها تدريجيا، وأيضا يجب الانتظار 6 - 8 أسابيع على الأقل لتحديد فاعلية العلاج، وأن يستمر لمدة 6 أشهر على الأقل. يمكن أحياناً إضافة العلاج الحاد عند حدوث هجمات أثناء تناول الأدوية الوقائية. يعتمد اختيار العلاج الوقائي على الأمراض الإضافية والآثار الجانبية وموانع الاستعمال. وبالنسبة للنساء في سن الإنجاب، ينبغي أخذ وسائل منع الحمل أثناء العلاج.
والأدوية التي ثبتت فاعليتها في التجارب الخاضعة للرقابة هي حاصرات بيتا (بما في ذلك PROPRANOLOL وMETOPROLOL وNADOLOL) وغيرها. يجب على الأشخاص المصابين بالربو أو السكري المعتمد على الأنسولين أو عانوا من قصور القلب تجنب هذا النوع من الأدوية. في الأشخاص الذين يشاركون في الرياضات التنافسية، قد تقلل هذه الأدوية من اللياقة البدنية.
في الآونة الأخيرة، ازداد استخدام العقاقير المضادة للتشنج كعلاج وقائي للصداع النصفي، مع العقاقير الرائدة وهما SODIUM VALPROATE (DEPALEPT)، ومؤخراً TOPIRAMATE (TOPAMAX). فعاليتهما مشابهة لتلك الخاصة بحاصرات بيتا. واعتمادا على المرض أو الحالة الكامنة، يمكن إضافة مضادات الاكتئاب أو حاصرات الكالسيوم أو الأدوية المضادة للالتهابات.
* استشاري طب المجتمع