بانوراما للسينما العربية الجادة في مالمو

5 أيام حافلة بأفلام الهجرة والواقع

فيلم الافتتاح «طلق صناعي»
فيلم الافتتاح «طلق صناعي»
TT

بانوراما للسينما العربية الجادة في مالمو

فيلم الافتتاح «طلق صناعي»
فيلم الافتتاح «طلق صناعي»

تنطلق اليوم، الجمعة، أعمال الدورة الثامنة من مهرجان «مالمو للسينما العربية» وتستمر حتى العاشر من الشهر وتحتوي على 45 فيلماً من ثمانية عشر بلد بينها عشرة عربية هي السعودية والإمارات ولبنان ومصر والعراق وفلسطين وسوريا وعُمان وقطر وتونس. الدول غير العربية هي المحطات التي لجأ إليها مخرجون عرب للتمويل ومن بينها فرنسا وسويسرا وألمانيا والسويد.
تنضوي هذه الأفلام تحت ستة أقسام. فيلما الافتتاح والختام، وأفلام مسابقة الأفلام الروائية الطويلة (9 أفلام)، ومسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة (6 أفلام)، ومسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة (9 أفلام)، ومسابقة الأفلام الروائية القصيرة (15 فيلماً)، وقسم «ليالٍ عربية» (فيلمان).
الخروج إلى العالم
قبل ثماني سنوات كان هذا المهرجان حلماً صغيراً لدى رئيسه محمد القبلاوي. سويدي من أصل فلسطيني فتح عينيه على حب السينما وطموحاته أن يقدّم في السويد مهرجاناً للسينما العربية. بذلك كشف عن حبه واهتمامه بالسينما العربية بحد ذاتها وعن رغبته في السعي لأن تشهد حضوراً في ذلك البلد الاسكندنافي.
هذا التأسيس لم يكن جديداً بحد ذاته. فمهرجانات للأفلام العربية كانت قد توزعت ما بين باريس وروتردام ولندن وسان فرانسيسكو وتورونتو وواشنطن العاصمة وسواها حول العالم. الاختلافات بين كل مهرجان منها وآخر قليلة جداً. المدينة التي يُقام فيها المهرجان الواحد هي أكبر هذه الاختلافات، أما المنهج ذاته وما يقوم عليه كل مهرجان وما يحاول إنجازه من هدف فهو واحد رغم بعض التفاصيل.
تطلع السينمائيون إليه في دورته الأولى لكنهم اهتموا به فعلاً بعد نجاح تلك الدورة والدورة الثانية التي زاد فيها إصرار رئيسه على المواصلة مدركاً الدور الذي يريد أن يلعبه ومستطلعاً أدوات اللعبة. ما إن أجادها بعد حين حتى استوى المهرجان كلياً كأحد أهم المهرجانات العربية التي تقام خارج حدود العالم العربي، بل -مع الأخذ ببعض المعايير- أهمها فعلاً.
الآن، وإذ يباشر دورته الثامنة بخطوات واثقة تعكسها الأفلام المنتقاة للغاية بات مقصد العديدين من الباحثين عن فرصة الخروج من العالم العربي صوب الأسواق الدولية خصوصاً بعدما أضاف إلى قنواته سوقاً يلتقي عندها منتجون وموزعون بغاية تبادل المنافع التجارية لسينما ما زالت تحتاج إلى الكثير من الدعم لكي تتحوّل إلى وجود فعلي ومؤثر.
فيلم الافتتاح في هذه الدورة للمخرج الجديد خالد دياب وعنوانه «طلق صناعي»، الفيلم الذي شهدت عروضه التجارية في مصر والإمارات ولبنان اهتماماً ملحوظاً هو العمل الأول لدياب كمخرج، لكنه الفيلم السادس من كتابته، إذ سبق له أن وضع نصوص أفلام معروفة مثل «الجزيرة 2» و«اشتباك».
في فيلمه هذا يطرح مشكلة هروب البعض إلى دول الخارج بحثاً عن مستقبل أفضل، لكنه ليس فيلم قوارب مهاجرة مهددة بهيجان البحر أو نفاد الوقود، بل يتحدث عن زوجين (حورية فرغلي وماجد الكدواني) يريدان الحصول على فيزا للهجرة إلى أميركا ويبتدعان خطة يعتقدانها مؤكدة: اقتحام السفارة الأميركية وإنجاب طفلهما المنتظر فيها.
فيلم الختام يختلف في مضمونه وفي ما يحاول إيصاله من رسالة: طبيب يشرّح جثة ضحية لهجوم إرهابي ويأتي التقرير مخالفاً لكل التوقعات، لكن صحافية مثابرة تؤمن بما قام به وتذود عنه أمام هجمات إعلامية. الفيلم من بطولة أحمد الفيشاوي وروبي ومحمد ممدوح.
تلك المتشاركة في المسابقة الروائية الطويلة تحتوي على «واجب» للأميركية (من أصل فلسطيني) الذي يدور حول الواقع الحاضر للوضع الفلسطيني، إنما من دون الدخول في متاهات القضية. أب (محمد بكري) يستعين بابنه المهاجر إلى إيطاليا (صالح بكري) والذي عاد في زيارة لتوزيع بطاقات دعوة حفل عرس ابنته. الخلاف ينشب حول قائمة المدعوين التي تشمل شخصاً إسرائيلياً يراه الأب السبب في أنه ما زال يعمل أستاذاً في مدرسة ويراه الابن عميلاً إسرائيلياً يفرض مناهج الدراسة وما هو متاح للطلاب دراسته.
في الوضع الفلسطيني ذاته يوفر رشيد مشهراوي فيلمه «كتابة على الثلج» حول وجه آخر من وجوه ذلك الوضع: خلال قصف غزة الكثيف قبل سنوات قليلة يلجأ ثلاثة أشخاص إلى منزل رجل (غسان مسعود) وزوجته (عرين عمري) هرباً من الموت. واحد من هؤلاء اللاجئين مسلح وينتمي إلى «حماس» (من دون ذكر اسمها ويؤديه عمرو واكد)، والآخر جريح (رمزي مقدسي)، والشخص الثالث هي الفتاة التي تعمل في الهلال الأحمر الفلسطيني (يمنى مروان). الدراما كلها تقع في هذا البيت الذي لا يتسع لتضارب الآراء السياسية والعاطفية فيه.
محطات الهروب
ما يقع في العالم العربي من أحداث يقوم المخرج التركي أنداش أوغلو بتحويله إلى فيلم عنوانه «مسافر حلب إسطنبول»، يلجأ فيه إلى عرض رحلة فتاتين (صبايا مبارك وروان أسكيف) هرباً من سوريا إلى تركيا. لا يفصح التلخيص المنشور على موقع المهرجان عن الكثير في ما يتعلق بالحكاية، لكنّ المؤكد أن الفيلم يؤمّن ما يشير إليه عنوانه الواضح، مع تصوير لمأساة النازحين وما يعترضهم من مشكلات.
وهناك رحلة أخرى يؤمّها المخرج العراقي محمد الدراجي في فيلم يحمل الكلمة ذاتها «الرحلة»، لكنها ليست رحلة بعيدة. بطلته امرأة ربطت نفسها بحزام ناسف وانصاعت لرغبة إرهابيين لتفجر نفسها في محطة قطارات بغداد. الناتج فيلم حيوي الحركة وتشويقي المعالجة مع محطات للوقوف على بضعة مضامين مختلفة.
لكن في إطار الهجرة مرّة أخرى نجد الفيلم التونسي «بنزين» لسارة عبيدي. هذا الفيلم يتمحور حول زوجين يعيشان في قرية صغيرة. ابنهما اختفى والبحث عنه يقودهما لاكتشاف أنه انتهج مبدأ جماعة تكفيرية. الدراما ليست في البحث ذاته بل في العلاقة بين الزوجين كما في علاقتهما الواهية بالأمل في لقائهما مع ابنهما الوحيد.
من لبنان يأتي «غداء العيد» للوسيان بورجيلي: دراما ليس عليها أن تغادر البيت الواحد (حيث تقع الأحداث)، فالفيلم، وعنوانه «غداء العيد»، يتناول حكاية عائلة مسيحية كبيرة تلتئم على سُفرة عامرة هي وبعض ضيوفها. فجأة يتحول اللقاء السعيد إلى سجال سياسي وعائلي عندما تفقد ربة البيت مالاً أودعته حقيبتها.
الأفلام الأخرى لا تقل أهمية وهي، كسابقاتها المذكورة أعلاه، بعض أفضل ما سعت السينما العربية لتقديمه. هناك «السعداء» لصوفيا جامة (الجزائر)، و«ورد مسموم» للمصري أحمد فوزي صالح، والمغربي «ليلي» لفوزي بن سعيدي (أحد أهم مخرجي المغرب حالياً). وفي مسابقة الفيلم التسجيلي الطويل تجذبنا الأفلام الستة: «الرجل خلف المايكروفون» لكلير بلحسين (تونس)، و«مرايا الشتات» لقاسم عبد (العراق)، و«الجمعية» لريم صالح (مصري، لبناني، قطري)، و«في الظل» لندى مازني حفيظ (تونس)، و«بيت النهرين» لمايا منير (سوريا)، كما «كباش ورجال» لكريم صياد (فرنسا، سويسرا).
وما يلاحظ أعلاه كثرة الأفلام التي حققتها نساء، لكنّ لهذا وقفة أخرى مختلفة.
عروض جديدة

Angelo ★★★
• دراما تاريخية (القرن الثامن عشر) حول الصبي الأفريقي أنجيلو الذي جيء به كعبد إلى أوروبا وعومل ككيان عجيب. يذكّر بفيلم عبد اللطيف قشيش «فينوس السوداء».
A Private War ★★★
• بعد «8 أيام في عنتيبي» تعود الممثلة روزمند بايك لتاريخ المنطقة الأمنية في دور الصحافية الأميركية ماري كولفين التي قُتلت خلال تغطيتها أحد حروب المنطقة.
Venom ★
• من منتجات سلسلة «مارفل» شخصية «فينوم» كما يؤديها توم هاردي. من يحب أفلام الشركة عليه البحث عن فيلم آخر، كون هذا الفيلم لا يستحق ما هو أبعد من «التريلر».


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
TT

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»

بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024، كان أحد السينمائيين الخارجين عن قوانين السينما التقليدية في النصف الأول من سنوات مهنته. لكن على الرغم من أنه في النصف الثاني وقّع على أعمال كثيرة من التي يمكن وصفها بالتقليدية، ومن بينها 6 أفلام من بطولة نادية الجندي، فإنه واظب على معالجة نصوصه باحتراف يجمع بين حكايات تحمل مضامين تنتمي إلى نزعة جادة وتنشد ميزانيات كبيرة.

لعل حقيقة أن نادية الجندي كانت تصبو دوماً إلى أدوار تخلّدها وأفلام تحافظ عبرها على مكانتها لعب بشير الديك دوراً في تلبية هذه الرغبات عبر حكايات تشويقية في المقام الأول، وشخصية رئيسية مضخّمة وذلك في أفضل نصوص ممكنة ضمن التوليفة التجارية.

بدأ هذا التعاون على نحوٍ ثلاثي: بشير الديك يكتب، ونادر جلال يُخرِج ونادية الجندي تلعب دور البطولة. هذه الأفلام هي «الإرهاب» (1989)، و«شبكة الموت» (1990)، و«عصر القوّة» (1991)، ومن ثَمّ «مهمّة في تل أبيب» (1992)، و«الشطّار» (1993)، ولاحقاً «امرأة هزّت عرش مصر» (1995).

كمال الشناوي ونادية الجندي في «مهمّة في تل أبيب»

‫اتجاهان‬

بعد بدايات متفاوتة الأهمية من بينها «مع سبق الإصرار» لأشرف فهمي (1979)، و«دعوني أنتقم» لتيسير عبّود (1979)، و«الأبالسة» لعلي عبد الخالق (1980) التحق الديك ببدايات المخرج الراحل محمد خان عبر 6 أفلام هي «الرغبة» (1980)، و«موعد على العشاء» (1981)، و«طائر على الطريق» (1981)، و«نص أرنب» (1983)، و«يوسف وزينب» (1984) و«الحرّيف» (1984) وكلها من أفضل ما حققه خان.

تعامُل الديك مع الموضوعات الجادة التي عرفتها تلك الأفلام سمح له بكتابة واحد من أفضل أعماله وهو «سواق الأتوبيس»، الذي حققه الراحل عاطف الطيب سنة 1982، وكلاهما لاحقاً تعاونا على تحقيق فيلم مهم (أكثر مما كان جيداً) آخر هو «ناجي العلي» (1992). لجانبهما فيلم ثالث هو «ضد الحكومة» (1992) من بطولة أحمد زكي ولبلبة.

في تقييم كتابات بشير الديك تتداخل بعض العناصر التي يمكن إيجاز هذا التقييم عبرها.

من ناحية، حاول دوماً التطرّق صوب قضايا مهمّة تطرح قصصاً ذات جانبٍ وطني مثل «مهمّة في تل أبيب»، الذي دار حول جاسوسة مصرية تعمل لصالح إسرائيل، ومن ثَمّ تندم فتطلب منها الاستخبارات المصرية (ممثلة بكمال الشناوي)، العمل لحساب مصر وتنجح. «ناجي العلي» ينضم إلى هذا النحو من الأعمال.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

في ناحية أخرى، لم يتأخر عن كتابة ما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات من اتجاه صوب الحديث عن مراكز قوى في الشارع المصري والصراع بين الأخيار والأشرار. هذه الموجة لم تعرف بداية ونهاية محدودتين فتاريخها عريق يعود لعقود سابقة، لكنها عرفت في تلك الفترة تدافعاً بين المخرجين للحديث عن تلك المراكز في حارات القاهرة (في مقابل الكثير من صراع الخير والشر على ساحلَي بور سعيد والإسكندرية في أفلام الخمسينات والستينات) في أجواء ليست بعيدة عن الخط الذي وضعه نجيب محفوظ وشخصياته.

مخرجون عديدون حقّقوا هذه الأفلام التي شُكّلت حكاياتها من صراع القوى في الشارع المصري مثل أشرف فهمي («الأقوياء»، 1982)، وأحمد السبعاوي («السلخانة» 1982 و«برج المدابغ» 1983) وكمال صلاح الدين («جدعان باب الشعرية» 1983). لكن من مزايا ما كتبه بشير الديك في هذه الأعمال التي لاقت رواجاً جماهيرياً إنه كتب ما هو أعمق في دلالاته من قصص المعلّم الشرير ضد سكان منطقته وأزلامه الذين يتصدّون للأبرياء إلى أن يخرج من رحم تلك الحارة من يواجههم جميعاً.

بداية من «نصف أرنب» توّجه الديك إلى حكاية تشويقية ذات طابع بوليسي، وفي «سوّاق الأتوبيس» وقف مع ابن المدينة في موضوع حول تفتت المجتمع مادياً. أما في «الحرّيف» فنقل اهتمامه إلى الوسط المهمّش من سكان القاهرة وأحلامهم ومتاعبهم الشخصية.

‫هموم المجتمع‬

ما يجمع بين هذه الأعمال هموم تسلّلت إلى عدد كبير من كتابات بشير الديك السينمائية.

في مقابلة تمّت بين المخرج عاطف الطيب وبيني بعد مشاهدة فيلمه النيّر «سواق الأوتوبيس»، سألت المخرج عن كيف بدأ التفكير في تحقيق «سوّاق الأتوبيس». أجاب: «بدأت الفكرة في جلسة صداقة مع بشير الديك ومحمد خان. وكنا نتحدث بشأن همومنا وطموحنا الخاص لصنع سينما أخرى مختلفة، وكانت الظروف الحياتية نفسها تجمعنا كلنا تقريباً. فقد كنت أشعر في ذلك الوقت بالذنب إزاء فيلمي الأول (يقصد «الغيرة القاتلة»، 1982)، الذي اضطُرِرت فيه إلى الاعتماد على سيناريو مأخوذ عن أصل أدبي (أجنبي) رغم إيماني الدائم بضرورة الكتابة المباشرة للسينما. اقترح محمد خان وبشير الديك فكرة وُضع لها عنوان: (حطمت قيودي)، تدور حول عائلة مهدّدة بالضياع نتيجة فقدان الأب للورشة التي أسسها وبحْثُ الابن، سائق الأتوبيس، عن مخرج من الأزمة بلا جدوى وأعجبتني الفكرة، خصوصاً أنني أميل كثيراً إلى الدراما التي تدور في نطاق عائلة. وبدأنا بالفعل في تطوير الفكرة خلال الكتابة وتبادل الآراء. وكنا كلما نتعمق في الموضوع تتضح لنا أهمية الفكرة التي نريد التعبير عنها. في الكتابة الثانية للسيناريو، وصل الفيلم إلى ما أصبح عليه».

كتب بشير الديك نحو 60 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً، معظمها جمع هذه الصفات المجتمعية على نحو سائد أو مخفف. هذا ما جعله أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر في حقبة كان للسينما البديلة والمستقلة عن السائد دور فاعل في نهضة الفيلم المصري عموماً.

مع الطيّب وخان ورضوان الكاشف ورؤوف توفيق وخيري بشارة ورأفت الميهي وسواهم، ساهم بشير الديك في منح تلك الفترة مكانتها الساطعة التي لا تغيب.