قانون الموازنة يهدد بأزمة مؤسساتية في إيطاليا

مخاوف من مراكمة مائة مليار يورو جديدة على الدين

قانون الموازنة يهدد بأزمة مؤسساتية في إيطاليا
TT

قانون الموازنة يهدد بأزمة مؤسساتية في إيطاليا

قانون الموازنة يهدد بأزمة مؤسساتية في إيطاليا

دخل رئيس الجمهورية الإيطالية سرجيو ماتّاريلا للمرة الأولى على خط السجال المتصاعد نحو المواجهة المفتوحة حول الموازنة العامة التي أعلنتها الحكومة الائتلافية، متجاهلة قواعد النظام المالي في الاتحاد الأوروبي وتحذيرات المفوّضية الأوروبية، وذلك عندما ذكّر بأن «الدستور يقضي بأن الموازنة العامة للدولة يجب أن تضبط الدين العام وتحافظ على توازن الإنفاق، من أجل حماية مدّخرات المواطنين وموارد الأسر والمؤسسات ومنظومة الخدمات الاجتماعية».
وتأتي هذه التصريحات التي تنذر بمواجهة بين الحكومة ورئيس الجمهورية، الذي له صلاحية التصديق النهائي على قانون الموازنة العامة لدخوله حيّز التنفيذ بعد مناقشته في البرلمان، بعد أن كشفت المعلومات أن ماتّاريلا تدخّل شخصيا لإقناع وزير الاقتصاد بالتراجع عن اعتراضه على الموازنة وسحب تهديده بالاستقالة، تحاشيا لوضع الحكومة في مأزق من شأنه أن يؤدي حتماً إلى سقوطها والعودة إلى الانتخابات.
يذكر أن وزير الاقتصاد كان قد شدد على عدم تجاوز العجز في الموازنة نسبة 1.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، لكن زعيمي «النجوم الخمسة» و«رابطة الشمال» أصرّا على رفع نسبة العجز إلى 2.4 في المائة لزيادة الإنفاق، من أجل تنفيذ الوعود الانتخابية المكلفة، وهي نسبة يقول الخبراء إنها قد تراكم مائة مليار يورو في السنوات الثلاث المقبلة على الدين الإيطالي العام، الذي يتجاوز بالفعل حاليّاً 135 في المائة من إجمالي الناتج القومي.
ويفسّر المراقبون وساطة رئيس الجمهورية التي حالت دون استقالة وزير الاقتصاد، بأنه يتحاشى الوقوع في لعبة الاستفزاز والاستدراج التي يمارسها زعيما «النجوم الخمسة» لويجي دي مايو و«رابطة الشمال» ماتّيو سالفيني، اللذان يمسكان بأغلبية الأصوات في مجلسي النواب والشيوخ، ويعرفان أن سقوط الحكومة يعني العودة إلى الانتخابات التي ترجّح الاستطلاعات فوزهما فيها بأغلبية ساحقة.
المفوّضية الأوروبية من جهتها جنحت إلى الاعتدال؛ إذ صرّح مفوّض الشؤون الاقتصادية والمالية بيير موسكوفيتشي بأن بروكسل ليست في وارد الدخول في أزمة مع روما، محذّراً في الوقت ذاته من أنها ليست مستعدة للقبول بانتهاك قواعد الموازنة في الاتحاد الأوروبي. لكن سبق للمفوضية أن تغاضت غير مرة في السابق عن تجاوزات وانتهاكات متكررة لهذه القواعد بعد الأزمة الاقتصادية والمالية في عام 2008. وترجّح الأوساط في بروكسل أن تخفّض الحكومة الإيطالية نسبة العجز إلى حدود معقولة خلال مناقشة قانون الموازنة في البرلمان، تحت الضغط المتوقع من أسواق المال بدءا من هذا الأسبوع.
وتخشى المعارضة الإيطالية، التي انهزمت في الانتخابات الأخيرة على يد الحزبين الحاكمين، اليوم من أن يكون قانون الموازنة الذي يشكّل تحديّاً سافراً للقواعد الأوروبية، تهيئة لانتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة، ومجرد خطوة في خطة مدروسة بإتقان لتدمير المشروع الأوروبي من الداخل، لكن اللافت أن المعارضة اليسارية تناشد حركة «النجوم الخمسة» عدم الوقوع في حبائل المخطط اليميني المتطرف لـ«رابطة الشمال»، بينما المعارضة اليمينية تناشد حليفها السابق سالفيني عدم الرضوخ لشروط الحركة.



الدردري: اقتصاد سوريا خسر 24 عاماً من التنمية البشرية

TT

الدردري: اقتصاد سوريا خسر 24 عاماً من التنمية البشرية

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري «الذي خسر 24 عاماً من التنمية البشرية حتى الآن».

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

لبنان

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.