استنفار للجيش التونسي بعد تعرضه لأكبر هجوم منذ استقلال البلاد

وزارة الدفاع: المعتدون تونسيون وجزائريون متدربون بشكل جيد على الجبال

استنفار للجيش التونسي بعد تعرضه لأكبر هجوم منذ استقلال البلاد
TT

استنفار للجيش التونسي بعد تعرضه لأكبر هجوم منذ استقلال البلاد

استنفار للجيش التونسي بعد تعرضه لأكبر هجوم منذ استقلال البلاد


أعلنت تونس أمس حالة حداد وطني لمدة ثلاثة أيام، مع تنكيس الأعلام في المؤسسات العمومية، إثر الهجوم الإرهابي الذي نفذته، الليلة قبل الماضية، كتيبة عقبة بن نافع الإرهابية، ضد قوات الجيش التونسي في جبال الشعانبي (وسط غربي البلاد)، وأسفر عن مقتل 14 عسكريا في حصيلة أولية، وإصابة 23 آخرين، من بينهم ثلاث حالات خطيرة، إلى جانب فقدان أحد العسكريين، في أكثر الهجمات دموية في تاريخ المواجهات مع المجموعات الإرهابية. وكان من بين العسكريين الذين قتلوا في هذا الهجوم ضابط برتبة رائد، وآخر برتبة ملازم أول.
ودخلت تونس حالة استنفار قصوى، بعد الهجوم الدموي الذي شنه إرهابيون عند موعد الإفطار، أول من أمس، باستعمال أسلحة نوعية، مثل قاذفات «آر بي جي»، وأسلحة رشاشة، وقنابل يدوية، حسب المتحدث الرسمي لوزارة الدفاع، فيما أصيب قسم كبير من التونسيين بالذهول والمفاجأة، جراء فشل الأجهزة الأمنية في تعقب الإرهابيين، ونجاحهم في توجيه ضربة موجعة إلى إحدى أهم المؤسسات التونسية، بعد نحو سنة من ذبح ثمانية عسكريين في المنطقة ذاتها. وتوعد نضال الورفلي، المتحدث باسم الحكومة، بتتبع كل من احتفل باغتيال العسكريين التونسيين في جبال الشعانبي، بعد تواتر أنباء تفيد بإقامة حفلات وولائم أقامها أنصار كتيبة عقبة ابن نافع الإرهابية، احتفالا بسقوط العسكريين بين قتلى وجرحى.
ومباشرة بعد وقوع الهجوم، شكل مهدي جمعة، رئيس الحكومة، خلية أزمة مكونة من وزارة الداخلية، ووزارة العدل، ووزارة الصحة، وقيادات عسكرية لمتابعة آثار العملية الإرهابية، ووضع خطة بديلة لمكافحة آفة الإرهاب.
وبدأت وزارة الدفاع التونسية، منذ أمس، في نقل جثامين بعض العسكريين على متن سيارات عسكرية إلى عائلاتهم من أجل التعجيل بدفنهم، وأدانت الأحزاب السياسية العملية الإرهابية، ودعت إلى مسيرات شعبية تدين الإرهاب وتدعو إلى محاربة كل الأطراف الداعمة له، إذ دعت حركة النهضة، ذات المرجعية الإسلامية، إلى مسيرات حاشدة بعد صلاة الجمعة (اليوم) في كل المدن التونسية، فيما حمل حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي مسؤولية العملية الإرهابية إلى المجلس التأسيسي (البرلمان) واتهمه بالتباطؤ في التصديق على قانون الإرهاب.
وشهد المستشفى الجهوي بالقصرين تدفق عائلات العسكريين الذي كانوا هدفا للإرهابيين، وحاول بعضهم اقتحام الممر المؤدي إلى قاعة حفظ الأموات من أجل التنكيل بجثة الإرهابي الوحيد الذي سقط قتيلا في المواجهات مع قوات الجيش، إلا أن الوحدات الأمنية والعسكرية نجحت في تهريب الجثة على متن سيارة عسكرية مصفحة.
ونظم سكان مدينة القصرين مسيرة سلمية تعبيرا عن رفضهم للإرهاب، ودعوا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات حازمة للقضاء على المجموعات الإرهابية المتحصنة في جبال الشعانبي. وقال الجنرال محمد الصالح الحامدي، رئيس أركان جيش البر التونسي، في مؤتمر صحافي عقده أمس بمقر قصر الحكومة، إن تونس ستنتصر على الإرهاب، وأضاف «الإرهابيون لن يتغلبوا علينا، سيؤلموننا لكنهم لن ينتصروا في النهاية على الدولة». ودعا الحامدي كل الفئات الاجتماعية إلى المشاركة في مكافحة الإرهاب، باعتبارها معركة الجميع، على حد تعبيره. وقال الحامدي إن تونس مستعدة لحرب طويلة الأمد. وأضاف أن المؤسسة العسكرية مستعدة نفسيا لتقبل خسائر أخرى، وصنف الحرب الحالية ضد الإرهابيين بأنها «حرب أعصاب».
وبشأن تفاصيل العملية الإرهابية، قال الحامدي إن الشهداء والجرحى كانوا موزعين على نقطتين عسكريتين، وهم مدربون جيدا، ولديهم خبرة في القتال. وأضاف أن الإرهابيين نجحوا في مخططهم خاصة أن هجومهم كان عند موعد الإفطار الذي يشهد إقبال التونسيين على منازلهم لتناول وجبة الإفطار، كما توقع هجمات إرهابية أخرى خلال الفترة المقبلة. وقال «يجب أن نستعد نفسيا لخسائر أخرى لكننا سننتصر عليهم».
وقدم العميد سهيل الشمنقي، قائد العمليات العسكرية في جيش البر، معطيات إضافية عن الهجوم الإرهابي، وقال إن الإرهابيين استعملوا ذخيرة مختلفة الأنواع في العملية، كلفت 14 قتيلا، خمسة منهم قتلوا بالرصاص، فيما لقي تسعة آخرون حتفهم حرقا داخل الخيمة، إضافة إلى 18 جريحا، ثلاثة منهم تعرضوا لإصابات خطيرة، وجرى نقلهم إلى المستشفى العسكري، فيما أخلي سبيل خمسة جرحى آخرين. وأكد فقدان عسكري تونسي أثناء الهجوم، فيما قتل إرهابي وحيد يحمل الجنسية التونسية. وأضاف أن هناك جنسيات أخرى شاركت في العملية الإرهابية.
وأشار الشمنقي إلى أن تونس تخوض حربا مفتوحة ضد الإرهاب، وقال إن «هذه العملية لن تثني المؤسسة العسكرية لحظة واحدة عن مواصلة تعقب الإرهابيين. كما أن المجهود الأمني بدأ منذ أبريل (نيسان) 2013، وهو متواصل ولن يتراجع».
وبشأن اللجوء إلى قذائف الـ«آر بي جي» لأول مرة في الهجمات الإرهابية، قال محمد الصالح الحدري، العقيد العسكري المتقاعد، لـ«الشرق الأوسط»، إن القذائف المستعملة روسية الصنع، وهي على الأرجح مهربة من ليبيا المجاورة، وتستخدم كأسلحة مضادة للدبابات وطائرات الهيلكوبتر وحاملات الجنود وبإمكانها اختراق الفولاذ. واستغرب الحدري استعمال هذا السلاح ضد الأفراد، وقال إن اللجوء إلى هذا النوع من الأسلحة يؤكد أن المجموعة الإرهابية أرادت تسجيل أكبر عدد من القتلى في صفوف العسكريين. ودعا الحدري إلى اعتماد استراتيجية جديدة في مكافحة الإرهاب بالابتعاد عن الطرق التقليدية في مجابهة المخاطر الإرهابية، وقال إنه على الحكومة التونسية اللجوء إلى نفس أسلوب الجماعات الإرهابية، وذلك باعتماد فرق مختصة، وأفراد مهمتهم ملاحقة الإرهابيين في أماكن تحصنهم والقضاء عليهم، على حد قوله.
وفي مؤتمر صحافي عقده كل من غازي الجريبي وزير الدفاع الوطني، ولطفي بن جدو وزير الداخلية، مساء أمس، أكدا على مواصلة محاربة الإرهاب إلى حين القضاء عليه من جذوره. وأشار الجريبي إلى فتح تحقيق داخلي حول العملية الإرهابية وتحديد المسؤوليات، وقال إن العملية الإرهابية خطيرة و«تدعونا إلى تغيير نمط تعاملنا مع المجموعات الإرهابية مستقبلا».
وبشأن العسكري المفقود خلال الهجوم الإرهابي، قال الجريبي إن المؤسسة العسكرية لا تتوفر على أي معطيات واضحة، وأضاف أن اليقظة والإبلاغ عن كل التحركات المريبة هو الطريق الأنجح لمكافحة الإرهابيين، مؤكدا أن أعداد الإرهابيين قد تكون «أكثر مما تصورناه».
من جهته، قال بن جدو إن تونس أحبطت ست عمليات إرهابية خلال أقل من ثلاثة أسابيع، ورأى أن الهدف من هذه العمليات إدخال البلاد في الفوضى، ومن ثم تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، وإفشال المسار الانتقال الديمقراطي في تونس. وأشار بن جدو إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات المستعجلة، على غرار تأمين السجون ونقاط جمع وتوزيع المياه، وإعادة تدريب أعوان الغابات للمساعدة على مكافحة الإرهابيين في المناطق الغابوية.
من جهته, قال الملحق الإعلامي، بوزارة الدفاع التونسية، رشيد بوحولة، إن «الجيش في حالة استنفار أكثر من أي وقت مضى».
وحول ما جرى تداوله بشأن خطأ استراتيجي للجيش، في الهجوم الإرهابي الذي قتل فيه 14 من عناصره، وأصيب أكثر من 20، وأن الإفطار كان جماعيا وهذا غير مفترض في عمل الجيش، أكد بوحولة لـ«الشرق الأوسط» أن «الإفطار لم يكن جماعيا بل كانت مناوبة، وأن الإرهابيين، وكما يعمدون دائما لجأوا لعنصر المباغتة»، مؤكدا أنهم يستعملون هذا الأسلوب سواء في تحديد التوقيت أو في اختيار المكان، مشيرا إلى أن هذا لا ينقص من قيمة أداء الجيش، بل إنه حتى «أقوى البلدان الغربية جرى استهدافها من طرف الإرهابيين. ومساحة الشعانبي 100 كلم مربع وليس من اليسير أو الهين السيطرة عليه شبرا شبرا، وأنه حتى نقاط المراقبة يمكن استهدافها وخصوصا أن الإرهابيين مدربون»، وأضاف: «هم متدربون على الجبال جيدا وعلى الكهوف، وهم من التونسيين والجزائريين، وهذا ما يفسر اختيارهم للشعانبي الذي هو امتداد للجبال الجزائرية».
وحول التعاون بين تونس والجزائر لمكافحة الإرهاب في المناطق الحدودية أكد الملحق الإعلامي لوزارة الدفاع أنه «على مدار السنوات كان هناك تعاون خاصة في مكافحة الإرهاب وعلى الحدود واتفاقية مشتركة بموجبها يقع تبادل المعلومات الأمنية».
وشدد على أن «القوات المسلحة وبغض النظر عن هذه الأحداث دائما على أهبة الاستعداد لحماية البلاد..كلها عزم وإصرار على مكافحة الإرهاب، والجيش التونسي في حالة استنفار أكثر من أي وقت مضى لتأمين وتوفير عوامل الانتقال الديمقراطي، والمشاركة بالمساعدة بفترة الانتخابات».
وحول صلاحيات الجيش بالتدخل مباشرة للرد على مثل هذه الأحداث قال بوحولة إن «الجيش يساهم في حفظ النظام العام بطلب من الحكومة أو وزارة الداخلية، متميز بحياده وهذا مصدر قوته، ووقت المحن أثبت الجيش التونسي قدرته على إعادة الأمور إلى نصابها والمحافظة على مؤسسات الدولة».
من جانبه, قال زعيم حركة النهضة التونسية (الحزب الحاكم) راشد الغنوشي، متحدثا عن منفذي العملية الإرهابية في جبل الشعانبي: «هؤلاء المجرمون هم خوارج العصر ولكنهم كأسلافهم لن يستطيعوا أن يصلوا إلى مبتغاهم لأن الشعب التونسي موحد ضد الإرهاب والتطرف، موحد باتجاه استكمال مسيرته نحو الديمقراطية. قلوبنا ودعواتنا لعائلات الشهداء الذين نرجو لهم الصبر والسلوان ونقول لهم إن كل التونسيين معهم في مصابهم». ودعا الغنوشي الدولة والمجتمع في تصريحات خص بها «الشرق الأوسط» لتسخير «كل الإمكانيات للوقوف مع عائلات الشهداء والجرحى. ندعو جميع قوى الشعب التونسي أن تتوحد في وجه سرطان التطرف والإرهاب، وكلنا ثقة أن المستقبل لقوى الخير والسلم والاعتدال لأن الله لا يحب المعتدين».



«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
TT

«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)

تستضيف العاصمة القطرية، الدوحة، اجتماعاً عسكرياً، الثلاثاء، لبحث «تشكيل قوة الاستقرار» في قطاع غزة التي تنص عليها خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام، التي دخلت حيز التنفيذ 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولاقت دعماً من مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت.

ذلك الاجتماع المرتقب يأتي وسط ضبابية بشأن مستقبل تلك القوات وتعثر الانتقال للمرحلة الثانية، ويراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» محاولة لسد فجوات، منها مهام تعترض عليها فصائل فلسطينية مرتبطة بالوجود داخل القطاع أو نزع السلاح، بخلاف وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة دول بينها تركيا، وسط تباين بشأن قدرة الاجتماع على تقديم حلول ناجزة، في ظل عدم اتفاق سياسي على الانتقال للمرحلة الثانية، وترقب نتائج لقاء ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أواخر هذا الشهر.

وتوقع مسؤولون أميركيون نشر هذه القوات مطلع العام المقبل، بعد بحث التفاصيل خلال اجتماع للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة عدد من الدول، في العاصمة القطرية، الدوحة، الثلاثاء، وفق ما أوردت وكالة «رويترز».

وقال مسؤولان أميركيان للوكالة، أخيراً، إنه من المتوقع أن ترسل أكثر من 25 دولة ممثلين عنها للمشاركة في الاجتماع الذي «سيتضمن جلسات لمناقشة هيكل القيادة، وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة»، لافتين إلى أن «قوة الاستقرار الدولية لن تقاتل حركة (حماس)، وأن دولاً كثيرة أبدت رغبتها في المساهمة فيها».

ونقل موقع «أكسيوس»، الجمعة، أن مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، الذي زار إسرائيل أخيراً، أبلغ نتنياهو ومسؤولين آخرين بأن إدارة ترمب ستتولى قيادة ما تُعرف باسم «قوة الاستقرار الدولية» وستعين جنرالاً قائداً لها.

ويعطي قرار تبناه مجلس الأمن الدولي في 17 نوفمبر الماضي تفويضاً «لمجلس سلام» في غزة والدول التي تتعاون معه، من أجل تأسيس «قوة استقرار دولية» مؤقتة في القطاع.

وسبق أن تحدثت القناة الـ«14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر الماضي، بأن الولايات المتحدة الأميركية حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة لإمكانية تأجيله مجدداً.

صبيَّان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرُّها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، يرى أن اجتماع الدوحة سيركز على «سد الفجوات» مثل عدم تعيين قائد للقوة، رغم أن التسريبات تشير إلى أنه أميركي، فلا مهام محددة بشأن القوة حتى الآن، كما أنه لم يتم تشكيل «مجلس السلام» الذي صدر له التفويض الأممي بتشكيل القوة، بجانب وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة تركيا، وهذا يعرقل مسار تحديد الدول، بخلاف عدم حسم قضايا سياسية مرتبطة بنزع السلاح.

وأشار إلى أن حديث انتشار القوات بداية العام يكون صحيحاً إذا كنا قد عرفنا الآن مهام وتسليح القوات، وباتت تتجمع هذه الأيام، وبالتالي نحن بصدد ترتيبات ستأخذ ربما شهرين لتحقيق انتشار لو حُسمت الملفات السياسية.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن اجتماع الدوحة بشأن تلك القوات يناقش سد الفجوات «لكنه يشكل إطاراً عاماً للتعايش معها، وليس لحلها»، موضحاً أن الفجوات تتعلق بكيفية الانتشار ومهام القوات، وهل ستنزع سلاح «حماس» وتبدأ الانسحابات. ونبه إلى أن هذا الاجتماع قد يحسم التشكيل والتمويل، و«لا يعني مشاركة 25 دولة فيه أن هناك موافقة على الانخراط في القوة؛ لكن ستتم مناقشة الخطوط الأولية».

منظر عام لمخيَّم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بغزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش مشاركته في «منتدى صير بني ياس» بالإمارات، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت: «ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأهمية تشكيل قوة الاستقرار الدولية»، وذلك خلال لقاء المدير العام لـ«أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية»، والمنسق الأممي الخاص السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

وهذا التأكيد ليس الأول من نوعه من جانب مصر؛ حيث أعلنته أكثر من مرة أخيراً.

وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، على الصحافيين أخيراً بشأن تطورات اتفاق غزة، قائلة إن «هناك كثيراً من التخطيط الهادئ الذي يجري خلف الكواليس في الوقت الحالي للمرحلة الثانية من اتفاق السلام... نريد ضمان سلام دائم ومستمر».

وأوضح راغب أن المرحلة الأولى لم تنتهِ بعد، وهناك أمور سياسية لم تُحَل، لافتاً إلى أن «قمة ترمب-نتنياهو» المقررة نهاية هذا الشهر ستكون فاصلة في المرحلة الثانية، وتشكيل القوات، ورفع «الفيتو»، وإنهاء الفجوات.

أما نزال فيرى أن المرحلة الثانية لم تنضج بعد، والهدوء الأميركي في المناقشات محاولة لتفادي الفشل من أي إعلان قد يُحدث ضجة عند أي طرف، في ظل ريبة فلسطينية مما يُعد في الكواليس، متوقعاً أن تزداد مساعي الوسطاء تجاه الانتقال للمرحلة الثانية بأقل تكلفة ومخاطرة، وهذا سيتضح عقب لقاء ترمب بنتنياهو.


حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يترقَّب الشارع اليمني أن تُكلَّل الجهود التي تقودها السعودية، بشراكة مع الإمارات، بنزع فتيل التوتر وإنهاء التصعيد في حضرموت والمهرة على خلفية التحركات الأحادية الميدانية التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي في الأيام الماضية، التي أدت إلى إرباك معسكر الشرعية اليمنية، وسط مخاوف من أن يقود ذلك إلى تبعات اقتصادية وإنسانية وأمنية في ظل تربص الجماعة الحوثية بالمناطق المُحرَّرة.

جاء ذلك غداة حراك سياسي وعسكري مكثَّف في إطار الجهود السعودية - الإماراتية الرامية إلى احتواء التوتر في المحافظات الشرقية، وذلك مع وصول فريق عسكري مشترك إلى عدن، وعقد لقاءات رسمية مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، بالتوازي مع لقاءات في حضرموت مع قيادات محلية وقبلية، في مسعى لإعادة تطبيع الأوضاع ومنع انزلاقها إلى مزيد من التصعيد.

وجاءت هذه التحركات في وقت تشهد فيه محافظتا حضرموت والمهرة توتراً متزايداً على خلفية تحركات ميدانية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وما أعقبها من مواجهات وأحداث أمنية، دفعت «تحالف دعم الشرعية» إلى تكثيف مساعيه السياسية والعسكرية لفرض التهدئة، والحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة في المناطق المُحرَّرة.

الزبيدي استقبل في عدن وفداً عسكرياً سعودياً إماراتياً مشتركاً (سبأ)

في هذا السياق، استقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، وهو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في القصر الرئاسي بعدن، قيادة القوات المشتركة لـ«تحالف دعم الشرعية»، يتقدمهم اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي، بحضور عضو مجلس القيادة عبد الرحمن المحرمي، ورئيس هيئة التشاور والمصالحة محمد الغيثي، ورئيس اللجنة العسكرية والأمنية المشتركة العليا اللواء هيثم قاسم طاهر.

ووفق مصادر رسمية، ناقش اللقاء سبل توحيد الجهود لمواجهة التحديات التي تهدِّد أمن اليمن والمنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب، وتهريب الأسلحة، والتهديدات التي تمس المصالح الدولية وحرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز التنسيق العسكري والأمني بين القوات اليمنية والتحالف.

وأشاد الزُبيدي بالدور الذي تضطلع به دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، مؤكداً أهمية الشراكة القائمة في دعم القوات اليمنية، بينما أكدت قيادة القوات المشتركة دعمها المستمر للقوات المسلحة اليمنية في مواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في المرحلتين الحالية والمستقبلية.

بيان رئاسي

بالتوازي مع هذه التحركات، جدَّد مصدر مسؤول في مكتب الرئاسة اليمني الإشادة بجهود السعودية لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، وذلك بعد وصول الفريق العسكري السعودي - الإماراتي إلى عدن.

وأوضح المصدر أن الزيارة تأتي ضمن جهود الرياض وأبوظبي لتعزيز وحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، ومعالجة تداعيات الإجراءات الأحادية الأخيرة، بما يضمن عودة الأوضاع إلى مسارها الطبيعي، وتمكين السلطات المحلية والحكومة من أداء مهامها وفقاً للدستور والقانون.

وأشار البيان إلى أن المشاورات الجارية تتناول معالجة مسألة القوات المُستقدَمة من خارج المحافظات الشرقية، وسبل مغادرتها، إضافة إلى تمكين مؤسسات الدولة من ممارسة صلاحياتها الحصرية، واحترام المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال حشد في عدن (أ.ف.ب)

وحذَّر المصدر من أن أي تصعيد إضافي من شأنه تبديد المكاسب المُحقَّقة، وصرف الانتباه بعيداً عن المعركة ضد جماعة الحوثي، وتقويض جهود الإصلاحات الاقتصادية، ومفاقمة الأزمة الإنسانية في البلاد، مؤكداً حرص قيادة الدولة على تغليب الحلول السياسية، ودعم الجهود السعودية - الإماراتية، والعمل الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

آليات مرتقبة للحل

أفادت مصادر مطلعة بأن الفريق العسكري السعودي - الإماراتي يبحث وضع آليات تنفيذية لخروج القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتَي حضرموت والمهرة، وإعادتها إلى مواقعها السابقة، إلى جانب ترتيبات لتسليم بعض المواقع لقوات «درع الوطن»، في إطار إجراءات منسقة تهدف إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

كما عقد الوفد السعودي، برئاسة اللواء الدكتور محمد القحطاني، لقاءً موسعاً في حضرموت مع قيادة السلطة المحلية برئاسة المحافظ سالم الخنبشي، وقيادات الكتلة البرلمانية ومجلس الشورى، ومرجعيات قبائل حضرموت، ومشايخ وأعيان الوادي والصحراء.

وأكد المحافظ الخنبشي أن زيارة الوفد السعودي تمثل دعامةً لأواصر الأخوة بين البلدين، مشيداً بمواقف المملكة الداعمة لحضرموت في هذه الظروف، بينما شدَّد رئيس الوفد السعودي على أن اللقاءات تأتي في إطار فرض التهدئة، ورفض أي تشكيلات عسكرية خارج نطاق الدولة، والحفاظ على أمن واستقرار المحافظة.

رئيس الوفد السعودي في حضرموت اللواء محمد القحطاني يلتقي قيادات قبلية ومحلية (سبأ)

وأشادت القيادات البرلمانية والقبلية بالموقف السعودي، عادّةً أن هذه التحركات تمثل تطميناً للمواطنين، وتؤكد الحرص على معالجة تداعيات دخول قوات من خارج المحافظة، والحفاظ على النسيج الاجتماعي.

في المقابل، نعت رئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية عدداً من منتسبي المنطقة العسكرية الأولى، الذين سقطوا خلال مواجهات وصفتها بأنها اعتداءات نفَّذتها مجاميع تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مشيرةً إلى سقوط 32 قتيلاً و45 جريحاً، إضافة إلى مفقودين، ومؤكدة التزام القوات المسلحة بواجباتها تحت قيادة الدولة ووفقاً للدستور والقانون.

وفي موقف سياسي لافت دعا أحمد علي عبد الله صالح، وهو النجل الأكبر للرئيس اليمني الأسبق، جميع الأطراف اليمنية، إلى وقف التصعيد وضبط النفس، والعودة إلى الحوار، محذِّراً من أن استمرار التوتر في المحافظات الشرقية لا يخدم استقرار البلاد، ولا جهود توحيد الصف في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية.


في زمن الحرب... «الدان الحضرمي» على قائمة التراث الإنساني اللامادي

الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي اللامادي بعد سنوات من العمل المؤسسي (إكس)
الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي اللامادي بعد سنوات من العمل المؤسسي (إكس)
TT

في زمن الحرب... «الدان الحضرمي» على قائمة التراث الإنساني اللامادي

الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي اللامادي بعد سنوات من العمل المؤسسي (إكس)
الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي اللامادي بعد سنوات من العمل المؤسسي (إكس)

في إنجاز ثقافي يُعد من أبرز المكاسب الرمزية لليمن في السنوات الأخيرة، أدرجت لجنة التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، في دورتها العشرين المنعقدة في العاصمة الهندية نيودلهي، ملف «جلسة الدان الحضرمي» ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، بعد جهود استمرت سنواتٍ من العمل المؤسسي والفني المتواصل.

ويُعد هذا الإدراج اعترافاً دولياً مستحقاً بأحد أهم الفنون التقليدية في محافظة حضرموت، شرق اليمن، لما يحمله «الدان الحضرمي» من قيمة تاريخية وثقافية وجمالية، بوصفه فناً يجمع بين الشعر والموسيقى والغناء، ويعكس في طقوسه ومضامينه أنماط العيش والعلاقات الاجتماعية والذاكرة الجمعية للحضارم عبر قرون طويلة.

وثمّن مندوب اليمن الدائم لدى اليونسكو، محمد جميح، قرار اللجنة، مشيراً إلى أن «(الدان الحضرمي) يستحق عن جدارة هذا الإدراج»، مؤكداً أن الوصول إلى هذه النتيجة جاء ثمرةً لعمل دؤوب استمر لسنوات، منذ أن كانت الفكرة مشروعاً ثقافياً، وصولاً إلى اعتمادها اليوم تراثاً إنسانياً عالمياً.

محمد جميح مندوب اليمن لدى اليونسكو (سبأ)

وعبّر جميح عن شكره لوزارة الثقافة وطاقمها، واللجنة الوطنية لليونسكو، ومؤسسة حضرموت للثقافة التي تولت إعداد وتمويل ملف الترشيح، إضافة إلى لجنة التراث الثقافي غير المادي وخبراء التقييم وسكرتارية اللجنة، ورئيسها السفير الهندي لدى اليونسكو فيشال شارما.

وتسلمت الجمهورية اليمنية شهادة إدراج الملف رسمياً من المدير العام المساعد لليونسكو لقطاع الثقافة، أرنستو راميريز، في مقر انعقاد اللجنة بنيودلهي، في لحظة عكست حضور اليمن الثقافي رغم ظروف الحرب والتحديات السياسية والإنسانية.

إشادة حكومية

أكد معمر الإرياني، وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية، أن هذا الإنجاز يمثل «اعترافاً دولياً مستحقاً بأحد أهم التجليات الإبداعية في حضرموت واليمن عموماً»، معتبراً أن «الدان الحضرمي» يجسد عمق الهوية الثقافية اليمنية التي حافظت عليها الأجيال المتعاقبة، رغم التحولات القاسية التي شهدها البلد.

وأشار الإرياني إلى أن هذا الاعتراف العالمي يعكس تقديراً للفن الحضرمي الأصيل الذي يختزن في تفاصيله الذاكرة الجمعية وروح المكان، وهو ثمرة جهد وطني مشترك شاركت فيه وزارة الثقافة ومؤسسة حضرموت للثقافة، إلى جانب الدور البارز الذي اضطلع به السفير محمد جميح في متابعة الملف داخل أروقة اليونسكو.

ويمثل «الدان الحضرمي» أكثر من مجرد لون غنائي تقليدي؛ فهو ممارسة ثقافية متكاملة ترتبط بالمجتمع والبيئة والتاريخ، وتُؤدى في جلسات جماعية تتناوب فيها الأصوات على إلقاء الشعر وإنشاد الألحان، في تعبير حي عن التفاعل الاجتماعي والوجدان الجمعي.

وأكدت مؤسسة حضرموت للثقافة أن إدراج هذا الفن في القائمة التمثيلية لليونسكو يعكس قيمته في حفظ الذاكرة الثقافية للحضارم، ويؤكد دوره في نقل التراث الشفهي من جيل إلى آخر.

وأوضحت المؤسسة أنها عملت على إعداد ملف الترشيح بالتعاون مع مجموعات من الممارسين لهذا الفن، وبشراكة فاعلة مع وزارة الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية، وبدعم فني من مكتب اليونسكو الإقليمي لدول الخليج واليمن، الذي كان له دور محوري في إبراز تميز الملف واستيفائه للمعايير الدولية.

بعد تاريخي

أشار وزير الثقافة اليمني السابق ومستشار رئيس مجلس القيادة الرئاسي للشؤون الثقافية، مروان دماج، إلى البعد التاريخي العميق لـ«الدان الحضرمي»، معتبراً أن هذا الفن العتيق الممتد من جذور التاريخ أصبح اليوم جزءاً من الذاكرة الإنسانية جمعاء.

وذهب دماج إلى أن العرب عرفوا الغناء «داناً» منذ أكثر من ألفي عام، وأن الدان يمكن اعتباره من أقدم أشكال الأغنية العربية، مستحضراً ارتباطه بالشعر العربي القديم وأسواقه التاريخية في وادي حضرموت.

وتتجاوز أهمية إدراج «الدان الحضرمي» البعد الثقافي البحت، لتأخذ دلالات وطنية وإنسانية أوسع، في ظل ما يتعرض له التراث اليمني من مخاطر الطمس والتشويه بسبب الحرب والانقسام والإهمال. ويؤكد هذا الإنجاز أن اليمن رغم الدمار والمعاناة لا يزال حاضراً في خريطة الثقافة العالمية، بقيمه الإبداعية وإسهاماته الحضارية.

كما يمثل الإدراج خطوةً مهمةً في مسار صون التراث غير المادي، ويوفر مظلة حماية دولية لهذا الفن، ويعزز فرص توثيقه ونقله للأجيال المقبلة، باعتباره جزءاً أصيلاً من الهوية اليمنية وقوة ناعمة يمكن أن تسهم في تحسين صورة اليمن وتعزيز حضوره عربياً ودولياً.

وفي المحصلة، يشكل الاعتراف الأممي بـ«جلسة الدان الحضرمي» رسالةً واضحةً بأن الثقافة قادرة على تجاوز الحروب، وأن الذاكرة الإنسانية أوسع من حدود الصراعات، لتحتفي بالفنون التي تعبر عن روح الشعوب وعمق تاريخها، كما هي حال حضرموت في شرق اليمن.