نشاط {داعشي} في الشيشان

أرضية خصبة لتجنيد عناصر جديدةc

الشيشان حاضنه جيدة لـ{داعش} للحصول على عناصر جديدة ({الشرق الاوسط})
الشيشان حاضنه جيدة لـ{داعش} للحصول على عناصر جديدة ({الشرق الاوسط})
TT

نشاط {داعشي} في الشيشان

الشيشان حاضنه جيدة لـ{داعش} للحصول على عناصر جديدة ({الشرق الاوسط})
الشيشان حاضنه جيدة لـ{داعش} للحصول على عناصر جديدة ({الشرق الاوسط})

من بين الدراسات العديدة التي تتناول إشكالية حصول تنظيم «داعش» على عناصر بشرية جديدة، يمكننا الحديث عن دراسات تتعلق بروسيا تأتي في المقدمة، حيث إن معظم هؤلاء المجندين الجدد لـ«داعش» ينحدرون من جمهورية الشيشان، التي باتت بؤرة تعصب ديني خصبة لتجنيد مقاتلي «داعش».
تقول الأرقام الرسمية إن نحو 800 شيشاني بالغ يقاتلون في صفوف التنظيم الإرهابي، في حين أنه من المرجح أن يكون العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير، فبعض الشباب الذين التحقوا بالتنظيم يُصنفون على أنهم مفقودون، لكن السلطات لا تعلم حتى إن العديد منهم ذهبوا للقتال. ولعل السؤال الرئيسي في هذه القراءة: لماذا يلتحق هذا العدد الكبير من الشيشان بتنظيم «داعش الإرهابي»؟
إحدى أفضل الدراسات التي اطلعنا عليها في بحثنا عن جواب للسؤال المتقدم، كانت للبروفسور مايكل فشينفسكي، المحاضر غير المتفرغ في علم الجريمة بجامعة سالفورد بالمملكة المتحدة، وصاحب الأبحاث المتميزة في الإرهاب والعنف السياسي والتطرف في الشيشان والسجون.
يؤرِّخ الرجل لبداية الإرهاب في الشيشان من عند العلاقة بين روسيا والشيشان التي تميزت دائماً بالعنف. وكان السبب الأساسي لذلك الصراع هو التوسع الروسي في منطقة القوقاز، الذي بدأ منذ القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر، ثم استمر في القرن العشرين أيضاً في عام 1991 عندما انهار الاتحاد السوفياتي، وتلا ذلك حصول خمسة عشر عضواً من أعضاء جمهوريات الاتحاد السوفياتي على استقلالهم، مثل روسيا، وأوكرانيا، وكازخستان. إلا أن الجمهوريات التي كانت تتمتع بالحكم الذاتي كان لها وضع قانوني مختلف داخل الاتحاد السوفياتي، أي أنها كانت تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من روسيا ومنها الشيشان.
وطبقاً لخطة حكومة روسيا، فإن كل البلاد الحاصلة على الحكم الذاتي داخل الفيدرالية الروسية، تبقى كما هي داخل الفيدرالية، وتعتبر جزءاً من الدولة الروسية المستقلة أو الفيدرالية الروسية. وكانت الشيشان هي الجمهورية الوحيدة داخل الفيدرالية التي أعلنت استقلالها عن روسيا 1991.
وفى عام 1994 أرسلت حكومة الرئيس يلتسين قوات إلى الشيشان لإجبار الجمهورية على العودة مرة أخرى إلى الفيدرالية، وكانت هذه هي بداية الحرب الأولى بين روسيا والشيشان، التي استمرت من 1994 وحتى 1996. وقد حاربت الشيشان من أجل استقلالها تحت قيادة الرئيس ذوخاردوديف. وانتهت الحرب عام 1996 باتفاقية خزاجفورت للسلام، التي نصَّت على تأجيل البت في الوضع الرسمي للشيشان، لمدة خمس سنوات إضافية، أي حتى عام 2001، إلا أن الخطة لم تُنفَّذ.

الطريق إلى الإرهاب الراديكالي
خلال تلك السنوات بدا وكأن الشيشان ماضية بقوة الدفع الذاتي في طريق الإرهاب الأصولي، فقد اندلعت الحرب الثانية بين روسيا والشيشان مجدداً في سبتمبر (أيلول) من عام 1999، وقد بدأ الأمر بسلسة من الانفجارات لعدة أبنية سكنية، كما وقعت الانفجارات بمدن بوجناكي بداغستان وفولجودونسك وموسكو بروسيا. وقد أتهم الإرهابيون الشيشان بارتكاب هذه الاضطرابات التي أودت بحياة 300 شخص وأصابت 700 آخرين. وفى الشهر ذاته، قامت قوة من الشيشان والداغستانيين، ومسلحين أجانب، باحتلال داغستان، وقد قاد هذا الاحتلال، شاجل بازايف وعبد الله السويلم وخطاب، بهدف تأسيس دولة راديكالية بالشيشان وداغستان.
وكانت هذه الاضطرابات الإرهابية إلى جانب احتلال داغستان، وراء بدء الحرب الروسية الشيشانية الثانية في سبتمبر 1999.
حين حل عام 2000 كانت الحكومة الروسية تعلن انتصارها العسكري ولكن في نهاية الحرب تحول القتال العسكري إلى عملية لمكافحة الإرهاب، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
ولعلَّ الناظر إلى سجلات حقوق الإنسان في الشيشان خلال العقدين الماضيين يدرك أن ظهور الإرهاب وتناميه، وقدرة «داعش» على اكتساب عناصر شيشانية جديدة، إنما يتأتى في بعض أجزائه من جراء ممارسات غير إنسانية مورست ضد المواطنين الشيشانيين على يد القوات الروسية الفيدرالية.
ومنها قصف القرى دون تمييز، إلى جانب القبض العشوائي على الرجال، وممارسة التعذيب أو قتل المحتجزين، كما كانت فرق الموت تقوم بقتل المواطنين، وسرقة أو تدمير أملاكهم، ناهيك باقتحام ديارهم، واستباحة الاعتداء على النساء والرجال، ولا تزال التعديات والانتهاكات تُمارَس ضد المواطنين الشيشان وإن كانت هذه المرة تُمارَس برعاية الحكومة الشيشانية الجديدة ومساندتها بحسب تقارير منظمة «هيومن رايتس ووتش».

العنف قابلة الإرهاب
حين يتحدث كارل ماركس عن العنف بوصفه قابلة التاريخ، فإنه لم يلتفت إلى أن العنف كذلك هو حاضنة الإرهاب والعنف المضاد، الأمر الذي جرت به المقادير في الشيشان حتى الساعة.
تركت الحروب في منطقة الشيشان أثرها على الحجر والبشر، فقد تدمرت البنية التحتية للجمهورية، وتشهد الصور التي التقطت للعاصمة غروزني بعد آثار التدمير التي عاشتها أثناء الحربين الأولى والثانية على ذلك.
وطبقاً لعدة تقديرات، فإن الخسائر في الأرواح التي تعرض لها الشعب بالشيشان أثناء الحروب، تتراوح بين 65 و77 ألف فرد، وذلك من واقع تعداد يقترب من مليون قبل الحروب، مما أثَّر على كثير من الأسر والعائلات، وبالتالي على الأطفال والشباب، كما ترتب على ذلك أيضاً تفاقم حالة البطالة. وفى أعقاب حروب الشيشان تعرضت البلاد لخلل كبير في العملية التعليمية والمخزون من الأدوية. وانتابت شعب الشيشان حالة من الصدمة النفسية ونشأ جيل من الأطفال لم يعرف سوى العنف منذ أن فتح عينيه على العالم.
وكمناطق الحروب الأخرى، فإن ما تعرضت له منطقة الشيشان نتيجة للحروب الدائرة وحالة العنف، وما ترتب عليه من تدهور لظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية، كان له تأثيره الملموس على العائلات والأفراد، خصوصاً صغار السن منهم، حيث يعاني الجميع من انعدام الأمن والحاجة إلى الحماية الجسدية... هل لا بد لانعدام الأمن من ظهور الإرهاب؟

الإرهاب واقع يطرح نفسه
كان من الطبيعي أن تولد الحروب ضد الشيشان اضطرابات نفسية واجتماعية، واقتصادية وأمنية، وليس أفضل من هذه وتلك أجواء ملائمة لنشوء وارتقاء حركات تطرف عنيف، لا يلبث أن يتحول إلى إرهاب، بدا محلياً وها هو ينحو مع الدواعش إلى تهديد أممي.
في الفترة ما بين 1991 و1994 ارتكبت ثمانية أنشطة إرهابية على يد إرهابيين من الشيشان. هذه الأنشطة استخدمت التكتيكات والوسائل الإرهابية، خصوصاً اختطاف الرهائن والمطالبة بالفدية، بالإضافة إلى اختطاف الطائرات والحافلات وعلى متنها مسافرون. وقد أسفرت تلك الأنشطة عن وفاة أربعة أفراد وإصابة تسعة عشر آخرين. بالإضافة إلى ملايين من الدولارات التي دفعت للمختطفين كفدية.
ومن هذه الأنشطة الإرهابية اختطاف طائرة مدنية في نوفمبر (تشرين الثاني) 1991، وقد نفذت العملية احتجاجاً على الوجود الروسي بالشيشان، وهناك كثير من حوادث الاختطاف الأخرى، كان الغرض الأساسي منها المطالبة بالفدية. وهناك أكثر من 60 نشاطاً إرهابياً داخل وخارج الشيشان قد تم ارتكابه على يد الإرهابيين الشيشان، بين عامي 1995، 1999 بالإضافة إلى ما يربو على 80 حادثاً إرهابياً تم ارتكابه بين عامي 2000 و2004.
وكانت أخطر العمليات الإرهابية التي قامت بها عناصر شيشانية، حادث حصار مسرح «دوبوفكا» في موسكو في أكتوبر (تشرين الأول) 2002، وعملية اختطاف الرهائن بمدرسة في بسلان، شمال أوسيتار في سبتمبر 2004. وقد حظيا بتغطية واسعة من وسائل الإعلام الدولية. وقد بدأت العمليات الانتحارية في عام 2000 وما زالت مستمرة منذ ذلك الحين، وطبقاً لبعض الإحصائيات فإن 28 حادثاً انتحارياً قد وقعوا بالفعل بين عامي 2000 و2005.
ما الذي جرى على وجه الدقة وجعل الشيشان على هذا النحو مؤولاً للإرهاب المحلي، الذي يصدر كذلك إلى الخارج؟
المؤكد أنه بعد تحول القتال العسكري الروسي بالشيشان إلى عمليات حربية ضد الإرهاب، بدأت الحركة الانفصالية في التحول هي الأخرى، حيث بدأت القوات الفيدرالية والمحلية التابعة للحكومة في مطاردتها ودفعها إلى منطقة الجبال، ومنذ ذلك الحين والحركة تعمل في سرية. وحالياً يتكون الإرهاب بالشيشان من شبكة تسمى بالجماعات، وهى مجموعات تعمل في سرية، وتتكون عادة من إسلامويين مسلحين ولها اتصالات بجماعات خارج الشيشان في داغستان، وأنجوشيتيا، وكراشايفو - شركسيا، وغيرها من جمهوريات شمال القوقاز.

طريق الإرهاب المعبَّد
لم يكن تنظيم الدولة يحلم بأفضل من مثل هذه أوضاع، هيأت العقول والنفوس لفكرة الخلافة الدولة، وهذا ما تشير إليه إيلينا سوبولينا الباحثة في قضايا الإرهاب من معهد موسكو للدراسات الاستراتيجية، التي تقدم أسبابا مقنعة تجعل «داعش» سعيداً بما يجري في الشيشان في الحال، وما جرى من زمن غير بعيد، وعندها أنه في مقدمة تلك الأسباب التي تجعل شباب الشيشان لقمة سائغة للدواعش، ارتفاع نسبة البطالة، وعدم الرضا على الحالة الاجتماعية، وعدم التمكين من تحقيق أحلامهم، هذه جميعها قادت كثيراً من أبناء المنطقة إلى الارتماء في أحضان «الجهاديين» المغشوشين من الدواعش.
أما بافل فيغنهاور المعلق العسكري المستقل في موسكو، فيذهب إلى أن جهوداً منسقة من أجهزة الاستخبارات الروسية قبيل دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي عام 2014، قد تكون لها علاقة بالموضوع. فالإجراءات الأمنية الصارمة وقتها دفعت أعداداً هائلة من المتطرفين للخروج من البلاد، وهؤلاء امتصهم تنظيم «داعش» مثل مكنسة كهربائية، لكن مع فقدان التنظيم الآن لكل مناطق نفوذه تقريباً، فإن المكنسة الكهربائية باتت تعمل في الاتجاه المعاكس وتهدد بلفظ الإرهابيين.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.