قصة «أنتيكا تراتوريا بالوتا» اختلطت بتاريخ إيطاليا وحبها للرياضة والفن

مطعم أثري في روما افتتح قبل 200 عام

ديكور كلاسيكي يحمل عبق التاريخ  -  أطباق يسيل لها اللعاب
ديكور كلاسيكي يحمل عبق التاريخ - أطباق يسيل لها اللعاب
TT

قصة «أنتيكا تراتوريا بالوتا» اختلطت بتاريخ إيطاليا وحبها للرياضة والفن

ديكور كلاسيكي يحمل عبق التاريخ  -  أطباق يسيل لها اللعاب
ديكور كلاسيكي يحمل عبق التاريخ - أطباق يسيل لها اللعاب

التوجه العالمي الجديد في الغذاء والمطاعم يميل إلى المأكل النباتي والطعام العضوي واستخدام الروبوت أو الإنسان الآلي في الطهي، لكن المطعم الإيطالي العريق «بالوتا»، في روما، يحافظ على المأكل التقليدي اللذيذ الذي «يقفز إلى فمك حين تنظر إليه» منذ نحو مائتي عام، حين افتتح عام 1820، قبل أن تتوحد إيطاليا. ما زال البناء القديم قائماً بعد إصلاحه، وكذلك الحديقة الصيفية الكبيرة التابعة له، التي تتسع إلى أكثر من 300 شخص، وتصلح لإقامة الحفلات والأفراح، كالتخرج من المدرسة أو أعياد الميلاد.
اختلطت قصة المطعم (واسمه الكامل: أنتيكا تراتوريا بالوتا Antica Trattoria Ballotta)، بتاريخ إيطاليا وحبها للرياضة والفن. ويقع في ساحة في شمال العاصمة جسر مشهور يسمى «ميلفيو»، بني عام 206 قبل الميلاد منذ أيام الرومان، وكانت السيارات تمر عليه حتى أواخر ثمانينات القرن الماضي، وأصبح الآن ملتقى العشاق وأقفالهم التي تنبأ عن حبهم العميق والتزامهم لدرجة أنهم يلقون بمفتاح القفل في مياه نهر التيبر التي تمر تحت الجسر، فانتشرت هذه البدعة منذ 12 عاماً كتقليد للفيلم الإيطالي «أريدك»، ثم امتدت فيما بعد إلى دول أوروبا. ولم يتمكن عمدة روما من منعهم بعد زيادة كبيرة في الأقفال، فاشتكوا عليه «لأنه يعتدي على حقوق العشاق»، وبقيت الأقفال!
لجسر ميلفيو أهمية تاريخية قديمة منذ انتصار الإمبراطور الروماني قسطنطين على غريمه الذي غرق في نهر التيبر عام 312 بعد الميلاد، وبدأ قسطنطين مسيرته في اعتناق المسيحية، ثم حول مدينة بيزنطة إلى مدينة القسطنطينية (إسطنبول بتركيا)، مثلما سميت مدينة قسنطينة بالجزائر باسمه أيضاً.
ومن أشهر زبائن مطعم بالوتا في القرن التاسع عشر كان جيوسيبه غاريبالدي، أحد الآباء الثلاثة للوحدة الإيطالية عام 1870، وهم كافور وماتزيني، وربما كانت زياراته للمطعم في الفترة التي تقع في منتصف القرن، أيام الثورات والاضطرابات في أوروبا آنذاك، حين كانت فرنسا تحتل روما في عهد نابليون الثالث الذي كان يحمي بابا الفاتيكان. وكان غاريبالدي سياسياً ومغامراً وعسكرياً برتبة جنرال، وقد حارب لتوحيد مقاطعات إيطاليا المستقلة بشكل دويلات، فأرسل ألف مقاتل إلى جزيرة صقلية، حيث انتصروا على القوات الفرنسية في معركة قلعة فيمي، التي بناها الأغالبة في صقلية في أثناء حكم إمارة صقلية، وكان شعاره: «هنا، سنخلق إيطاليا الموحدة أو نموت»، كما حارب مع الثوار في البرازيل في أميركا الجنوبية، وعاد إلى إيطاليا ليطرد القوات النمساوية من شمال إيطاليا.
ويقع مطعم بالوتا قرب الملعب الكبير (ستاديوم) لكرة القدم، ومقر وزارة الخارجية الإيطالية، لذا شهد منذ مائة عام العديد من أشهر اللاعبين وكبار الدبلوماسيين والزوارن يتناولون طعام الغذاء أو العشاء فيه، كما يحلو لمشجعي فريق روما وفريق مقاطعة لاتزيو لكرة القدم التنافس على إقامة المآدب والحفلات فيه، ووصل الأمر ذات مرة إلى أن فريق روما أقام أمام المطعم جنازة وهمية للفريق المنافس الذي خسر المباراة، مما سبب المشاجرات العنيفة، ودعا إلى تدخل رجال الشرطة!
اللافت للنظر أن الإدارة الجديدة للمطعم، إثر تحديثه وتنظيف حديقته قبل 5 سنوات، تأتي من كالابريا في الجنوب الإيطالي، التي استأجرت المطعم من العائلة الأصلية التي أبقت على المكتبة المجاورة للمطعم تحت إشرافها، ويعتبر مدير المطعم فرانشسكو جورجي من أنشط وأكفأ من تجتمع بهم في المقاصد الطعامية في روما. وقد صدر منذ سنوات كتاب باللغة الألمانية عن تاريخ المطعم، لكنه غير متوفر للقارئ حالياً. وكانت العائلة المالكة للمطعم تبيع نوعاً ممتازاً يسمى «غوليلمو» من القهوة الإيطالية المصنوعة من حبوب القهوة العربية الصافية (أرابيكا 100 في المائة)، لكن يصعب الحصول عليها في روما حالياً، إنما تباع في لندن لدى بعض الحوانيت المتخصصة بالقهوة والشاي أو المنتجات الإيطالية. كما أن رئيس ومالك فريق روما، جيمس بالوتا (اسم العائلة نفسها)، وهو ثري أميركي من بوسطن، ومن أصول إيطالية من مقاطعة كالابريا أيضاً، يريد بناء ملعب ضخم جديد لكرة القدم في الطرف الآخر من العاصمة، وقد تناول عشاءه عدة مرات في هذا المعقل التاريخي المحبوب لدى سكان الحي. وترى داخل المبني التاريخي المغطى صوراً تذكارية لعدد من نجوم السينما والمسرح والتلفزيون في إيطاليا والعالم، ومن بينهم فيتوريو غاسمان الذي كان يقطن في الحي، والحسناء جينا لولو بريجيدا ابنة العاصمة الإيطالية.
- لائحة الطعام
نجد لائحة حافلة بالوجبات التقليدية في روما، ومقاطعة لاتزيو في وسط إيطاليا، وبعض الأطباق من كالابريا وبقية أرجاء إيطاليا. ولا يعتبر الأكل في روما تاريخياً من أهم ما يمكن الاستمتاع به في إيطاليا لأن رعاة الغنم في العصور الغابرة، بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، كانوا فقراء لا يملكون سوى غنمهم، ولم يستعملوا التوابل أو البهارات، ولا حتى الملح، فاقتصر مأكلهم على الخضار، مثل الفول والقرع والملفوف، ويعتقد أن البابوات الذين حكموا روما أدخلوا البطيخ الأصفر إلى موائدهم، وصنفوه بالأكل الفاخر، إنما تذكر المصادر التاريخية أن أهل روما كانوا يتمتعون بروح المرح والضجيج، وتميز الأقوياء والأغنياء القلائل منهم بنوع من العجرفة، وأغلبية البسطاء بالحسد، لكن الجميع كان يتمتع بالذوق واللباقة وحب الحياة.
ومن المآكل المحبوبة في مطبخ روما المعاصر، نجد المعجنات، مثل الفتوتشيني بالزبدة، وسباغيتي كاربونارا مع قطع من اللحم والبيض نصف الناضج وجبن الغنم، من ريف روما، والخرشوف (أرضي شوكي)، والهندباء البرية (شيكوريا)، ولحم الغنم الشهي المشهور. أما مطبخ كالابريا، التي حكمها الإغريق ثم العرب في القرن العاشر، فيمتاز بفاكهة معروفة تسمى «الرغموت»، وهي فاكهة تشبه الليمونة الكبيرة أو الكباد من الفصيلة البرتقالية، وتستعمل في العطور. والمأكل الرئيسي في كالابريا هو الخضراوات، خصوصاً الفلفل الأخضر والأحمر والحريف والطماطم والباذنجان، ويمتاز السمك فيها بنوعية عالية، ويقال إن العرب أدخلوا إلى إيطاليا الأرز والسكر والسبانخ والزهرة أو القرنبيط.
ونجد في بالوتا تشكيلة كبيرة من مختلف أنواع البيتزا البيضاء أو الحمراء، وتخبز في فرن تقليدي على الخشب، ويشرف عليها الطاهي البارع أحمد ذو الأصل المصري. ويتم تحضير المعجنات الطازجة يومياً في المطعم، ومنها السباغيتي مع جبن الغنم المبشور والفلفل الأسود أو معجنات بوكاتيني، على طريقة بلدة أماترشانا في مقاطعة لاتزيو، مع الطماطم واللحم، أو السباغيتي مع الصدف البحري والثوم والفلفل الأحمر الحار والبقدونس، على طريقة مدينة نابولي في الجنوب. أما الصحن الثاني، فيشتمل إما على سمك اللقز (أو القاروص) أو سمك أوراتا الذي يتم طهيه بعدة طرق من الشوي، أو الخبز مع الكوسا أو القرع والطماطم الصغيرة، أو شرائح اللحم البقري مع الجرجير الطازج والطماطم، أو قطع لحم الغنم المشوية على الفحم، وهناك كثير من أنواع السلطة، ويقولون إن تحضير السلطة الإيطالية يتطلب جهد 4 أشخاص: بخيل لإضافة الخل، ومسرف لصب زيت الزيتون، وعاقل يدرك كيفية استخدام التوابل والأعشاب العطرية، ومجنون يقوم بخلطها ومزج مكوناتها بسرعة، من الخس الروماني والطماطم والجرجير والشمرة!
أما أشهر الحلويات، فهي كعكة الجبن الحلو (ريكوتا) والكرز أو بروفيتيرول (شو ألا كريم بالفرنسية)، مغطاة بالشوكولاته، مع مثلجات القهوة أو حلوى روما المعروفة تيراميسو (وترجمتها: ارفعني إلى الأعلى، كوصف لمذاقها الشهي).
الديكور في بالوتا جميل بسيط، وجو الحديقة مريح، خصوصاً في ليالي الصيف حيث يضفي النسيم العليل فيها متعة وافرة لمن يحب الهواء الطلق. أما الخدمة، فيمكن اعتبارها جيدة على العموم، وتقوم بواجباتها على أحسن وجه، لا سيما إذا كان الزبون من المدمنين على الحضور، ومن سكان الحي، ومن أبرز من تلقاهم من الندل جعفر فانتازي (ويسمونه: جيف)، وأصله جزائري يتكلم الإيطالية والفرنسية والعربية بطلاقة، إضافة إلى اللغة الأمازيغية.
وغدت العاصمة الإيطالية مدينة لا تنام، خصوصاً لثلاثة أيام في عطلة نهاية الأسبوع، وساحة جسر ميلفيو، نفضت عنها الغبار منذ عقدين، وأصبحت من الأماكن المفضلة لسكان المدينة (لا للسائحين الذين لم يكتشفوها بعد)، وفيها كثير من المقاهي والحانات والمطاعم، لكن مطعم بالوتا يبقى مرجعاً تاريخياً للمختصين بالأكل والنوعية الجيدة، فهو من أفضل المطاعم بالنسبة للكلفة المعتدلة والنوعية المميزة.


مقالات ذات صلة

ميغان تعود إلى المطبخ ببيجاما العيد والأمير هاري يفضّل طهو أمّها

يوميات الشرق حلقة خاصة من برنامج ميغان ماركل بمناسبة الأعياد (نتفليكس)

ميغان تعود إلى المطبخ ببيجاما العيد والأمير هاري يفضّل طهو أمّها

حلقة خاصة من برنامج ميغان ماركل للطهو على «نتفليكس» بمناسبة أعياد آخر السنة، وضيف الشرف الأمير هاري.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق حمية الملك تشارلز صحية مع بعض الاستثناءات (أ.ف.ب) play-circle 01:25

على مائدة الملك تشارلز... أطعمةٌ عضويّة وبيض الدجاجات التي يعتني بها شخصياً

يدخل الملك تشارلز غداً عامه الـ77 وهو ما زال يحافظ على قوامٍ رشيق بفَضل نظامٍ رياضيّ وحمية صحية قائمة على المأكولات العضوية الطبيعية.

كريستين حبيب (بيروت)
صحتك  رجل يبيع الفاصوليا الحمراء بسوق جملة في باكستان (إ.ب.أ)

 ما أبرز أنواع البقوليات الغنية بالمغنسيوم؟

يساعد المغنسيوم على تنظيم ضغط الدم وضبط مستويات السكر في الدم وتقليل خطر الإصابة بالصداع النصفي وتكوين الحمض النووي (DNA).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك جميع المكسرات توفر عناصر غذائية مهمة مثل الألياف والدهون الصحية والبروتينات (رويترز)

بسبب فوائده الصحية وتعدد استخداماته... ما أفضل نوع من المكسرات؟

المكسرات سهلة الحمل، مغذية، ومتعددة الاستخدامات؛ ما يجعلها الخيار الأمثل لوجبة خفيفة سريعة أو مكوناً صحياً في وصفات الطعام.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك وجبة الإفطار المتوازنة الغنية بالبروتين والألياف والدهون الصحية تساعد في كبح الشهية (بيكسيلز)

لإنقاص الوزن... 6 وجبات إفطار ينصح بها الخبراء

تُعتبر وجبة الإفطار مفتاحاً لنتائج أفضل في إنقاص الوزن، إذا اخترت الأطباق المناسبة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

شيف كندي يحصد «جائزة جورماند» العالمية في «مهرجان الطعام السعودي»

الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
TT

شيف كندي يحصد «جائزة جورماند» العالمية في «مهرجان الطعام السعودي»

الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض

عبر الشيف الكندي جو ثوتونغال من أصول هندية، والذي حصد «جائزة جورماند» عن كتاب My Thali يوم الجمعة الماضي في «مهرجان الطعام السعودي» الذي أقيم مؤخراً في الرياض، عن ذهوله بثراء التراث الطهوي الغني للسعودية.

وأفصح السفير الكندي لدى السعودية جان فيليب لينتو، لـ«الشرق الأوسط»: عن فخره برؤية مواهب الطهي الكندية معترفاً بها في السعودية، مضيفاً أن التنوع الكندي يغذي الابتكار في الطهي، كما أن جودة المنتجات الكندية تخلق نكهات تجمع الثقافات معاً.

وقال الشيف ثوتونغال، لـ«الشرق الأوسط»: «أقوم بزيارة هيئة فنون الطهي السعودية في الرياض كجزء من رحلتي لحضور مهرجان الطعام السعودي 2025 وحفل توزيع جوائز جورماند (الأفضل على مدار 30 عاماً)».

وأضاف ثوتونغال: «هذه هي المرة الثانية التي أحضر فيها مهرجان الطعام السعودي، وباعتباري طاهياً، فهي فرصة ثمينة لاستكشاف التراث الطهوي الغني للسعودية. أنا مهتم بشكل خاص بمعرفة المطبخ الأصيل لمختلف المناطق، بالإضافة إلى إنتاج زيت الزيتون والعسل في المملكة».

الشيف الكندي جو ثوتونغال يحضر لاحدى الوجبات الشهية (السفارة الكندية) بالرياض

ولفت إلى أن حفل توزيع جوائز جورماند الدولية يجمع مؤلفي كتب الطبخ الملهمين من جميع أنحاء العالم، مبيناً أنها منصة رائعة للتواصل مع المتخصصين ذوي التفكير المماثل، وتبادل الأفكار، واكتشاف المأكولات والثقافات المتنوعة، حيث يمثل هذا الحدث دائماً مصدراً رائعاً للتحفيز والإلهام الإبداعي بالنسبة لي.

وتابع الشيف الكندي: «إذا كنت سأوصي بأطباق ليجربها الضيوف السعوديون، فسأبدأ بشرائح لحم الضأن من كيرالا من كتاب الطبخ كوكونت لاجون. السعوديون لديهم حب عميق للحم المشوي، وهذا الطبق يربط بين عوالم الطهي لدينا بشكل جميل. يضيف التتبيلة على طريقة ولاية كيرالا - المعطرة بالبهارات وجوز الهند ولمسة من الحرارة - طبقات من التعقيد دون التغلب على الثراء الطبيعي للحوم».

الشيف الكندي جو ثوتونغال يحضر لاحدى الوجبات الشهية (السفارة الكندية) بالرياض

وأضاف: «أود أن أقدم لهم سلطة الحمص الأسود، حيث يُستخدم الحمص على نطاق واسع في المطبخ السعودي، لكن الحمص الأسود (كالا شانا) يقدم تجربة مختلفة أصغر حجماً وأكثر صلابة وأكثر نكهة بشكل مكثف من الحمص الأبيض. تُظهِر هذه السلطة الممزوجة بالبهارات وعصير الليمون وبعض الخضار المقطعة كيف يمكن تحويل المكونات المألوفة من خلال عدسة النكهات الساحلية في ولاية كيرالا».وقال ثوتونغال أيضاً: «لأن الأسماك الطازجة هي جوهر تقاليد الطعام السعودية، فإنني أوصي بطبق البلطي المقلي من ماي ثالي. مع تتبيلة التوابل النابضة بالحياة واللمسة النهائية المقرمشة، يعد هذا الطبق بمثابة تذكير بأن المأكولات البحرية لا ينبغي أبداً أن تكون لطيفة. فهو يجمع بين الروائح العطرية الجريئة والحرارة اللطيفة والمذاق النظيف للأسماك الطازجة، وهي نكهات أعتقد أن الأذواق السعودية ستقدرها حقاً». وتابع: «تحتفل هذه الأطباق معاً بالحب المشترك بين ثقافتينا للتوابل الجريئة والمكونات الطازجة والأطعمة التي تحكي قصة».


مدونة الطعام أناستازيا اكتشفت بلاد الأرز فوقعت في حبّها

في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
TT

مدونة الطعام أناستازيا اكتشفت بلاد الأرز فوقعت في حبّها

في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)

«غايد. إل بي» هو عنوان الصفحة الإلكترونية التي تطل منها مدونة الطعام أناستازيا باكوموفسكايا على وسائل التواصل الاجتماعي، وتنشر فيها انطباعاتها حول بلاد الأرز. فقد استكشفت لبنان منذ سنوات قليلة ووقعت في حبّه.

وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لقد زرت أكثر من 50 بلداً حول العالم. ولكن قلبي وقع في حب لبنان، فشعرت وكأنه بمثابة بيتي وعائلتي».

منذ تلك اللحظة قررت آنا كما تحب أن يناديها المقربون منها، أن تدوّن كل ما يتعلّق بميزة أطباق لبنان ومطبخه ومطاعمه. لذلك نراها تتجول بين مختلف المناطق وتنقل منها كل ما يلفتها في عالم الطعام. بالنسبة لها، فإن لبنان يتمتع بطبيعة ساحرة. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أغرمت بأهله وبطقسه المعتدل، وكذلك بأطباق طعامه اللذيذة والشهية. فليس هناك من مطبخ آخر ينافسه برأي، لأنه متنوع وصحي في آن».

أناستازيا في صورة تحكي فيها عن الخبز "المرقوق" (انستغرام)

وعن أطيب الأكلات التي تحب تناولها في لبنان، تقول: «أحب كثيراً تناول طبق الملوخية، وكذلك طبق الـ(شيش برك) باللبن والنعناع اليابس. أما في مجال الحلويات فلا شيء يضاهي طعم ونكهة الكنافة بالجبن».

بدأت قصة أناستازيا مع لبنان منذ نحو 6 سنوات. زارته نظراً لنصيحة أحد الأصدقاء لكونه من البلدان الجميلة جداً. «لم أتوقّع أن يكون بهذا الجمال من عدة نواحٍ. لذلك قررت الإقامة فيه، وصرت اليوم باحثة نهمة عن كل تفصيل يتعلّق بمطبخه».

أناستازيا الروسية الجنسية تجد نقاط تشابه قليلة بين أطباق بلادها وتلك الخاصة بلبنان. وتقول: «هناك أطباق مثل الملفوف المحشو باللحم. وكذلك قطع العجين باللحم المعروفة بالـ(سمبوسك). فهي تشبه أصناف طعام موجودة في بلادنا. ولكن عندنا تحضّر من خلال وضعها في مياه مغلية فقط. فنتناولها إثر نضجها بهذه الطريقة وليس بتقنية الطهي اللبنانية نفسها».

تحب التجوّل في شوارع بيروت (إنستغرام)

لا تتحمس كثيراً لافتتاح مطعم روسي في لبنان. «أعلم تماماً بأنه ليس في لبنان مطعم روسي مع الأسف. أحياناً، أفكر في افتتاح واحدٍ لتعريف اللبنانيين على أطباقنا. ولكن لا أتوقع له النجاح لأن مطبخنا يرتكز على الأطعمة الدسمة والساخنة جداً، فتغيب عنه السلطات والأكلات الخفيفة. فبلدي يقع في منطقة قطبية باردة جداً، فيما لبنان الواقع على البحر المتوسط يفضّل أهله الطعام الـ(لايت) والطازج».

وتستطرد: «ربما أفتتح مطعماً يقدم الأكلات الروسية واللبنانية. وبذلك أجلب روسيا إلى بيروت لمن لم يزرها بعد».

جالت أناستازيا في البترون كما في بيروت وزغرتا والجنوب. «لفتني جداً مطعم (جورجينا) وتديره النساء في بلدة زغرتا. يحضرن الطعام في حديقة غنّاء في الهواء الطلق. صحيح أن موقع المطعم يبعد عن العاصمة، ولكن أطباقه تستأهل قطع هذه المسافة الطويلة».

تعترف أناستازيا بمواجهتها تحديات كثيرة في إقامتها الأولية في بيروت. «لم أكن أعرف تفاصيل كثيرة عن يوميات هذا البلد، وما زلت أتعلم من أخطائي وأتأقلم أكثر».

تهوى آنا مقاهي لبنانية عديدة وتصفها بالرائعة. مضيفة: «هناك عدد كبير منها في مناطق الجميزة ومار مخايل والصيفي، وجميعها تراعي أذواق الناس على اختلافها. أنا مثلاً أحب مقهى (سيب) و(لوفانت) في الجميزة. فهما يتيحان لروادهما الاستمتاع بفنجان قهوة صباحي يضاهي بطعمه أهم المقاهي في العالم. خصوصاً إذا ما تناولناه مع قطعة حلوى لبنانية».

تصف لبنان بالبلد الساحر الذي وقعت في حبّه (إنستغرام)

وماذا عن المطعم الذي يقدم أطيب الأطباق اللبنانية بنظرها؟ تردّ بحماس: «أعدّ مطعم (ام شريف) هو الأهم، ويتميز بكونه يقدم الأطباق اللبنانية الأصيلة بنكهاتها التراثية».

تجري أناستازيا مقارنة سريعة بين بيروت وعواصم عربية أخرى. «زرت دولة الإمارات العربية، دبي مثلاً، ولكنني فضّلت لبنان عليها من نواح مختلفة. فلبنان بلد دافئ، مرت عليه حضارات كثيرة. وهو ما ألّف عنده هذا المزيج من الثقافات. ولكنني من ناحية ثانية أتوق لزيارة المملكة العربية السعودية. ففي السنوات الأخيرة شهدت تبدلاً وانفتاحاً كبيرين. وأتمنى أن أزور مناطق الرياض والعلا وغيرها لأكتشف تاريخ هذه البلاد وجمال حضارتها العربية الأصيلة».

ترفق المدونة الروسية منشوراتها مرات بأغانٍ لفيروز. وفي أحيان أخرى تدأب على نقل أجواء السهر في العاصمة. ولا تتوانى عن نشر مقاطع مصورة من يومياتها خلال تجولها في بيروت. وتقول: «أحب منطقة المنارة والروشة. ومن خلال حواراتي مع اللبنانيين صرت اليوم أجيد التحدث بالعربية. فشعب لبنان محب وقريب إلى القلب».

تزوّد أناستازيا متابعها بعناوين مطاعم ومقاهٍ وأماكن سياحية تحلو زيارتها من وقت لآخر. ومرات تضيف إليها معلومة مفيدة تحكي فيها عن ميزات لبنان. وتعلق: «تخيلي مثلاً أنني عرفت مؤخراً، بأن هناك منازل قديمة يعود تاريخها إلى 400 سنة خلت تقع على شاطئ البحر. وبينها (بيت البحر) للضيافة في منطقة طبرجا».

وتختم لـ«الشرق الأوسط»: «الطبخ في لبنان فن، وأتمنى يوماً ما أن أجيد تقنية الطبخ اللبناني. فأصبح ضليعة في معرفة الأطباق اللبنانية من ألفها إلى يائها».


كيف وأين تتناول طعاماً رائعاً وبأسعار مناسبة حول العالم؟

ديكور مطعم فلوريج الجميل (الشرق الاوسط)
ديكور مطعم فلوريج الجميل (الشرق الاوسط)
TT

كيف وأين تتناول طعاماً رائعاً وبأسعار مناسبة حول العالم؟

ديكور مطعم فلوريج الجميل (الشرق الاوسط)
ديكور مطعم فلوريج الجميل (الشرق الاوسط)

ليس بالضرورة أن تنفق ثروة في تجربة مطعم رائد عالميّاً: إحدى طرق لتحقيق ذلك هي اختيار قائمة الغداء، التي غالباً ما تكون نسخة أقصر وأقل تكلفة من قائمة تذوق الطعام المسائية. والخيار الآخر هو اختيار مكان يقدم قائمة طعام انتقائية وقت الغداء، مما يجعلك أنت المتحكم في حجم إنفاقك. استكشف وجهات تناول الطعام الرائعة بقيمة مناسبة التي ظهرت في قوائم أفضل 50 مطعماً في العالم.

«فلوريلج» - طوكيو

يقع هذا المطعم في أطول مبنى بطوكيو، وتُعتبر قائمة تذوق الغداء ذات اللمسات الفرنسية، التي يقدمها الشيف هيروياسو كاواتي، واحدة من أفضل الخيارات من حيث القيمة في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025. في غرفة طعام ذات إضاءة خافتة، يتشارك الضيوف طاولة واحدة تتسع لـ16 مقعداً، امتثالاً لمفهوم «طاولة المضيف» الخاص بكاواتي، والمصمم لتشجيع الحوار حول الطعام. تركز القائمة على المكونات النباتية، باستخدام المكونات المحلية لخلق طابع ياباني مميز إلى جانب البراعة الفرنسية الكلاسيكية المكتسبة من فترة عمل كاواتي في مطعم «لو جاردان دي سانس» الفرنسي في مونبلييه.

الغداء في سيبتيم بباريس أرخص من العشاء (الشرق الاوسط)

«سيبتيم» - باريس

سوف تحتاج إلى التنظيم الجيد إذا أردتَ حجز طاولة في «سيبتيم»: يتم إصدار الحجوزات قبل ثلاثة أسابيع وتُحجز بسرعة في الغالب. ومع قائمة تذوق متعددة الأطباق بسعر معقول كهذه، فمن السهل أن نفهم السبب. هذا المطعم، الذي احتل المرتبة 40 في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025، هو مطعم بأسلوب «النزعة الصناعية الجديدة»، ويديره الشيف بيرتراند غريبو الذي تحوَّل من مصمم غرافيك إلى شيف، وقد أسر رواد المطعم لأكثر من عقد من الزمان، مقدماً فن الطبخ الفرنسي العصري والمبدع. توقع أطباقاً موسمية تعتمد على المكونات الطازجة مع لمسات عالمية - على سبيل المثال، الهليون الأبيض مع صلصة «البوليت» وصلصة «إكس أو»، وليمون ماير المحفوظ، أو توستادا سمك السلمون المرقط مع الورد والشمندر.

«لا كولومب» - كيب تاون

اجتذبت قوائم تذوق «لا كولومب» ذات الأسعار الجيدة اهتمام العالم، مما أكسب هذا المطعم الأشبه ببيت الشجرة المرتبة 55 في التصنيف الموسَّع لأفضل مطاعم العالم لعام 2025. يقع المطعم على قمة ممر «عنق كونستانتيا» الجبلي في مزرعة «سيلفرميست» للنبيذ العضوي، حيث ستستمتع بمناظر خلابة عبر الوادي، جنباً إلى جنب مع ثمانية أطباق من إبداع الشيف جيمس غاغ وفريقه. ترتكز الأطباق على التقنية الفرنسية وتتميز بلمسات آسيوية، مع الاعتماد بشكل كبير على المنتجات المحلية والموسمية وتقديم الأطباق بأسلوب متقن والكثير من العروض التقديمية على الطاولة.

«سيليلي» - كارتاخينا

يلتزم الشيف خايمي رودريغيز بإضفاء الطابع الديمقراطي على الطهي القائم على البحث. في عام 2021، قرر التوقف عن تقديم قوائم تذوق الطعام في مطعم «سيليلي»، الذي احتل المرتبة 48 في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025. وبدلاً من ذلك قدم قائمة طعام انتقائية تحتفي بالتنوع البيولوجي وثقافة الطهي لمنطقة الكاريبي الكولومبية. بناء على تجارب مكثفة التقى فيها بالشعوب الأصلية ووثق الوصفات، تتميز قائمة «سيليلي» بمكونات نادرة مثل الأوريخيرو (بذور الأشجار التي غالبا ما تُصنع منها عجينة حلوة) والجومبالي (فاكهة برية)، بالإضافة إلى أطباق تحتوي على زهور الكاريبي، وأوراق اليوكا، وشوكولاتة لا سييرا نيفادا دي سانتا مارتا.

من أطباق ماسك (الشرق الاوسط)

«ماسك» - مومباي

«ماسك» هو أول مطعم في مومباي يقدم تجربة قائمة تذوق متعددة الأطباق، وقد أكسبه سعيه المتطور باستمرار لإعادة ابتكار فن الطهي الهندي الكلاسيكي المرتبة 68 في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025. يدير الشيف فارون توتلاني المطعم، الذي يتخذ من منطقة مصانع النسيج الصناعية السابقة في مومباي مقراً له. تتغير قائمة التذوق المكونة من 10 أطباق حسب المواسم، وتتميز بالمنتجات التي يتم الحصول عليها من المزارعين المحليين ومن رحلات البحث عن الطعام البري. يهدف توتلاني إلى تغيير تصورات رواد المطعم عن المطبخ الهندي، مسلطاً الضوء على مكونات غير معروفة خارج النطاق المحلي للغاية، مثل الحنطة السوداء، والتوت البري.

«كول» - لندن

عندما افتتح سانتياغو لاسترا مطعم «كول»، أراد أن يتبنى تحدي ابتكار المطبخ المكسيكي في مناخ لا تنمو فيه المكونات التقليدية.

لن يجد رواد المطعم الأفوكادو، أو الليمون، أو الصبار في القائمة - بدلاً من ذلك، أسفر بحث لاسترا المكثف عن بدائل من المملكة المتحدة مثل الكرنب الساقي، ونبق البحر، وعنب الثعلب المخمر، والأعشاب البحرية. احتل مطعم «كول» المرتبة 47 في قائمة أفضل مطاعم العالم لعام 2025، ويستورد فقط الذرة والشوكولاتة والفلفل الحار من المكسيك، في حين تتبنى القائمة نهجاً بريطانياً موسمياً للغاية مستلهماً من ذكريات لاسترا عن المكسيك. وعلى الرغم من أن أغلب الأطباق تتغير باستمرار، ستجد دائماً طبق المطعم الشهير وهو تاكو الروبيان مع الفلفل الحار المدخن، والملفوف المخلل، ولمسة منعشة من نبق البحر في القائمة.

من أطباق سانت بيتر (الشرق الاوسط)

«سانت بيتر» Saint Peter - سيدني

يقع هذا المكان المغطى بالخرسانة في ضاحية بادينغتون بسيدني، وهو موطن لشيف يُنسب إليه الفضل على نطاق واسع في إعادة كتابة قواعد طهي الأسماك. لن تجد طبق سمك «دُفر سُول على طريقة مونييه» في مطعم «سانت بيتر» - بدلاً من ذلك، يفضل الشيف جوش نيلاند استخدام أجزاء السمك التي يتجاهلها الطهاة الآخرون. يدافع مطعمه، الذي يحتل المرتبة 66 في قائمة أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2025، عن تقنيات «الرأس إلى الذيل» المستخدَمة بشكل أكثر شيوعاً للحوم، مثل التعتيق الجاف، والتقطيع، واستخدام الأحشاء. وفي حين أن قائمة «طاولة الشيف» تحتوي على أطباق جريئة، مثل حساء مع نودلز عظام سمك الترويت المرجاني، وفطيرة كبد سمك «جون دوري» بالباتيه. وتقدم قائمة الغداء ذات الأسعار المعقولة الروح المبدعة ذاتها بأسعار أقل.

«روزيتا» Rosetta - مكسيكو سيتي

يُعد مطعم «روزيتا» للشيف إيلينا ريغاداس المفضل لدى السكان المحليين والمسافرين الباحثين عن تذوق الطعام على حدٍ سواء. تدربت الشيف (التي فازت بجائزة أفضل شيف أنثى في العالم لعام 2023) في المعهد الفرنسي للطهي في نيويورك، وأمضت أربع سنوات في لندن في مطعم «لوكاندا لوكاتيلي» قبل أن تعود إلى موطنها المكسيك لافتتاح مطعمها الخاص. التأثير العالمي واضح في قائمة طعام «روزيتا» — فبينما يتم الحصول على المكونات من منتجين محليين صغار، تكتسب الأطباق طابعا عالميا: خبز البريوش مع بيض النمل وصلصة بيرنيز بالتراغون، وكابيلاتشي الجبن المدخن ومرق الذرة، وتاكو الملفوف السافوي الشهير مع صلصة «بيبيان» بالفستق والروميريتوس، على سبيل المثال لا الحصر. إذا لم تتمكن من الحصول على طاولة هنا (المطعم يحتل المرتبة 45 في قائمة أفضل مطاعم العالم لعام 2025)، فإن المخبز الموجود في الموقع والمتخصص في خبز العجين المخمّر هو وسيلة أكثر اقتصادية لتجربة مواهب ريغاداس.