الكروموسوم الذكري... دور متميز في حماية الرجال

العلماء يبحثون في أسراره

الكروموسوم الذكري... دور متميز في حماية الرجال
TT

الكروموسوم الذكري... دور متميز في حماية الرجال

الكروموسوم الذكري... دور متميز في حماية الرجال

اكتشف الباحثون أنّه وعلى عكس فرضيات شاعت منذ زمن طويل، لا ينحصر دور الكروموسوم الذكري «واي Y» بمجموعة من الوظائف الخاصة بالرجال، مثل تحديد الأعضاء الذكورية في جسم جنين قيد النمو، أو سدّ النقص في مخزون السائل المنوي لدى البالغين.
وظائف متميزة
وقد أظهر دليل علمي جديد أن كروموسوم «واي» يشارك في وظائف أساسية تصب في المصلحة العامة للرجال، كإيقاف نمو الخلايا السرطانية، والحفاظ على نظافة الأوعية الدموية، ومنع تكون صفائح الأميلويد الضارة في الدماغ.
ولكن مع تقدّم الرجال في العمر، تبدأ خلايا الدم وغيرها من خلايا الجسم بالتخلص من نسخ من الكروموسوم الذكوري بشكل عفوي، وبوتيرة متفاوتة. ويبدو أنّ هذا الخلل الكروموسومي المؤسف يضع الرجال أمام خطر الإصابة بأمراض كالألزهايمر، واللوكيميا، وغيرها.
يقول لارس فورسبرغ، الأستاذ المساعد المتخصص بالأمراض الجينية من جامعة أوبسالا السويدية: «أنا واثق من أنّ هذه الخسارة في كروموسومات «واي» مع التقدّم في السن تفسر سبب ارتفاع نسبة الوفيات بين الرجال مقارنة بالنساء». ويعتقد دايفيد بيغ من معهد «وايتهيد» في كمبريدج بولاية ماساتشوستس الأميركية أنّ كروموسومي «واي Y» الذكري و» اكس X «الأنثوي يستحقان رواية طويلة خاصة بهما».
ويعطي كروموسوما «إكس» جنس المؤنث للجنين، بينما يكون مزيج «إكس» و«واي» موجودا لدى الذكور. وتختلف الكروموسومات الجنسية عن الكروموسومات الـ22 الأخرى (الكروموسومات غير الجنسية)، التي تشكّل كامل الجينوم البشري الموجود في نواة كلّ خلية في جسدنا.
وقد أدّى هذا الميل باتجاه العزل الجزيئي، إلى التعريف الأساسي للكروموسوم النسائي باسم «X»، لسبب غريب أو غير معروف؛ أمّا الـ«Y»، فقد تمّت ببساطة تسميته بالحرف التالي في الأبجدية الإنجليزية.
كروموسوم معزول
يعتبر كروموسوم «وايط نشازاّ صبغياً حقيقياً لأنه يحمل جزءًا صغيراً من عدد الجينات التي توجد في سائر الكروموسومات ومن بينها كروموسوم «إكس». ولعلّ هذا النقص الجيني هو السبب في حصر دور الكروموسوم «واي» بتحديد جنس الذكور.
كان جنس المولود لدى الزواحف المشابهة للثدييات يتحدّد كما يحصل اليوم مع السلاحف والتماسيح: عبر درجة الحرارة وليس من خلال الوراثة، إذ إن نموّ بيضة السلاحف في ظروف دافئة يشير إلى أن جنس الجنين سيكون أنثى. أمّا في حال كانت الأجواء المحيطة باردة، فهذا يعني أن الجنين سيكون ذكراً.
ولكن مع تنامي عمليات الحمل الداخلي وظروف المناخ الموحّدة فيها، بات تحديد جنس الأجنة يحتاج إلى دليل آخر. هذه الحاجة أدّت إلى نشوء الجين المحدد للجنس الذكوري المعروف بـ«سي آر واي» (sry)، وما ينتج عنه من ضرورة لضمان فصل البرامج الجينية بين الذكر والأنثى. وفي النتيجة، لم يعد الكروموسوم «واي» الذي ترتكز عليه القاعدة الأساسية لـ«sry»، قادرا على إعادة تركيب ومقايضة أجزائه بالأجزاء المناسبة له من الكروموسوم «إكس»، كما تفعل الكروموسومات الأخرى لتنشيط المحيط عندما تتكوّن بويضة أو خلية منوية جديدة.
تبدأ الجينات الموجودة على الكروموسوم «Y» والتي تفتقر إلى نظام الإصلاح المطلوب لإعادة التركيب الصبغي، بالتضاؤل حتى ينتهي الأمر بالتخلّص منها نهائياً أو التخلّي عنها لصالح كروموسومات أخرى.
وشرح بيغ في حديث نقلته الصحف الأميركية أنّ وجود «عوائق التبادل» دفع بكروموسومات «إكس» و«واي» إلى اتباع مسارات مختلفة. وأضاف: «يستطيع كروموسوم (إكس) الاستمرار بإعادة الدمج مع غيره من كروموسومات (إكس) أثناء تكوين البيوض، ولكن كروموسوم (واي) اتبع استراتيجية انعزالية أدّت إلى تدهوره بشكل سريع».
يمكن القول إنّ الحالة ليست انعزالية تامة، إذ إن أطراف كروموسومات «إكس» و«واي» لا تزال قادرة على تبادل بعض الأجزاء فيما بينها، إلا أن غالبية كروموسومات «واي» غير متاحة لعمليات المقايضة والتعديل العابرة للكروموسومات.
وقال جورج فاسيليو من «ويلكام ترست سانجر» وجامعة كمبريدج إنّ الكروموسوم «واي» يعيش عزلة صادمة. وكان فاسيليو وزملاؤه قد تحدثوا في تقرير صدر في مايو (أيار) عن جين خاص موجود في الكروموسوم «واي» يعرف باسم «UT - I» يحمي الفئران من اللوكيميا ويؤدي دوراً شبيهاً لدى الرجال. هذا الكروموسوم يبدي التزاماً أكبر بصحة وقدرة حامله على المقاومة.
خسارة مدمرة
نشر فورسبرغ من جامعة أوبسالا وزميله جان دومانسكي سلسلة من الأبحاث حول ظاهرة تعرف بـ«خسارة واي»، والتي تبدأ خلالها خلايا الدم وغيرها لدى الرجال بالتخلص من الكروموسوم «واي» مع التقدّم بالسن.
وقد وجد الباحثون أيضاً أنّ التدخين يعجّل نضوب الكروموسوم «واي» في الخلايا الدموية لدى الرجال. كما تبيّن أنّ الرجال الذين يملكون نسبة كبيرة من الخلايا الخالية من الكروموسوم «واي» (10 في المائة أو أكثر) يواجهون خطراً أكبر بالموت المبكر، مقارنة بالرجال الذين لا تزال خلاياهم تحتفظ بالكروموسوم. كما وجدوا أنّ احتمال معاناة الرجال المصابين بمرض ألزهايمر من ظاهرة «خسارة واي» أكبر منه لدى الرجال الذين لا يعانون من عوارض الخرف.
رغم ذلك، لا يزال الكروموسوم «واي» يتمتع ببعض القوة، فبعد توقعات شاعت في التسعينات حول التراجع المستمر في أعداد كروموسومات «واي» واحتمال اختفائها كلياً يوماً ما، تاركة خلفها ما يعرف ببروتوكول تحديد الجنس في أعقابه - يتحدّث العلماء اليوم بثقة عن نهاية هذا التراجع الصبغي.
تقول ميليسا ويلسون سايرس، طالبة في حقل الكروموسومات الجنسية في جامعة ولاية أريزونا إنّ الأمر ديناميكي ولكنّه مستقر. وتضيف: «قد يخسر الكروموسوم جينا واحدا أو اثنين، ولكنّه قد يكتسب في المقابل تسلسلات معينة. الأمر ليس نهاية حتمية».
في السياق نفسه، أشارت دراسة حديثة إلى أن كروموسوم «واي» يمكنه أن يعالج بعض المشكلات الداخلية دون الاعتماد على تبادل مجاني أو إعادة دمج مع كروموسوم «إكس»، من خلال خلط النسخات المتطابقة من الجينات على امتداد عزلتها الخاصة. وأخيرا فإن كروموسوم «واي» يحمل أيضاً الكثير من الجينات التي لا تزال تنتظر التعرّف إليها والاعتراف بأهميتها.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر
TT

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

تلتمع «بارفيه» السمّان (وهي لحم مسحون لطير السمّان) على صحني، مقترنة بقرص من الذرة المقلية. وللوهلة الأول، يبدو هذا كنوع من طعام العشاء الفاخر الذي ستجده في العديد من المطاعم الراقية: عجينة غنية وردية مغطاة بالفلفل المخلل، وزهرة صالحة للأكل، ولمحة من الكوتيجا (الجبن المكسيكي المعتّق).

لحم طير مختبري

ولكن العرض التقليدي لهذا اللحم يحجب حقيقة أعمق، فهذه الوجبة غير تقليدية، بل وراديكالية. ومن بعض النواحي، تختلف عن أي شيء شهده العالم في أي وقت مضى.

لم تُصنع عجينة اللحم الموجودة على طبقي بالطريقة التقليدية مع كبد الإوزّ. لقد تمت زراعة اللحم من خلايا النسيج الضام لجنين السمان الياباني الذي تم حصاده منذ سنوات، وتم تحفيزه وراثياً على التكاثر إلى الأبد في المختبر. وقد قُدم لي هذا الطبق في فعالية «أسبوع المناخ» في نيويورك من قبل جو تيرنر، المدير المالي في شركة «فاو» الأسترالية الناشئة للتكنولوجيا الحيوية.

إن تسمية السمان «اللحم المستزرع في المختبرات» تعد تسمية خاطئة. فهذه النسخة الشبيهة بالهلام من السمان كانت تُزرع في مصنع حقيقي للحوم الخلوية، وهو الأول والأكبر من نوعه. وعلى وجه التحديد زرعت في خزان طوله 30 قدماً، وسعته 15 ألف لتر في مصنع «فاو» في سيدني، حيث، حتى كتابة هذه السطور، يمكن للشركة إنتاج 2000 رطل (الرطل 152 غراماً تقريباً) من السمان كل شهر.

وهذه كمية ضئيلة مقارنة بالكميات المتوفرة في مرافق اللحوم التقليدية، لكنها تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة إلى التكنولوجيا التي - على مدى العقد الماضي - أسست سمعتها بالكامل تقريباً على تقديم قطع صغيرة شهية في جلسات التذوق الصحفية الفردية.

نجاحات وإخفاقات

وقد بدأت «فاو» للتو أعمالها هذه مع ما يقرب من 50 مليون دولار من تمويل شركات أخرى مثل «بلاكبيرد فينشرز»، و«بروسبيرتي 7»، و«تويوتا فينشرز» (التي رعت فاعلية أسبوع المناخ). وقامت الشركة حديثاً بتركيب مفاعل بيولوجي كبير آخر سعته 20 ألف لتر هذه المرة، أكبر بنسبة 33 في المائة من الأول. ومع تشغيل المفاعلين على الإنترنت، تُقدر الشركة أنها سوف تنتج قريباً 100 طن من السمان المستزرع كل عام.

قد يبدو كل ذلك متناقضاً مع التقارير السابقة، إذ وصف مقال استقصائي نشرته أخيرا صحيفة «نيويورك تايمز» كيف أن قطاع اللحوم المستزرعة الناشئ قد خرج عن مساره بسبب العقبات الاقتصادية والتقنية، رغم سنوات من الضجيج، وسلسلة من الموافقات التنظيمية البارزة، و3 مليارات دولار من الاستثمار.

جمعت شركة «أب سايد فودز»، ومقرها في بيركلي، بولاية كاليفورنيا، أكثر من 600 مليون دولار لتقييم نموذج لشريحة دجاج تبين أنها يمكنها أن تصنعه يدوياً فقط في أنابيب اختبار صغيرة، في حين أن محاولة شركة «إيت جاست»، ومقرها في كاليفورنيا لبناء مصنع للحوم أكبر 50 مرة من مصنع «فاو» انتهت بدعاوى قضائية ومشاكل مالية والقليل للغاية من الدجاج المستزرع.

وقد وعدت الجهات الداعمة لهذا القطاع بمحاكاة اللحوم التي نشأنا على تناولها، اللحم البقري والدجاج، من دون المعاناة التي تعرضت لها الحيوانات والطيور، ومن دون انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن اليوم لم يعد هناك أي منتج متاح إلا بالكاد في هذه الصناعة. لقد حان الوقت، كما كتبتُ، للاعتراف بحقيقة أن هذا الحلم قد مات.

تطويرات غير مألوفة

كيف تستعد شركة «فاو» لشحن المنتجات بكميات كبيرة؟ بالتخلي عن المألوف واعتماد غير المألوف. إذ وبدلاً من محاولة إنتاج قطع الدجاج الصغيرة والبرغر، ركزت «فاو» على ما يمكن أن تقدمه الخزانات الفولاذية الكبيرة المليئة بالخلايا بشكل موثوق به في المدى القصير: منتجات غريبة ومميزة مخصصة لسوق السلع الفاخرة، وهي فئة جديدة من الأطعمة التي يسميها جورج بيبو الرئيس التنفيذي لشركة «فاو»: «اللحوم الغريبة».

اللحوم الغريبة هي انحراف عمّا وعدت به صناعة اللحوم الخلوية بالأساس. سيكون الأمر مكلفاً، في البداية. ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت شركة «فاو» تبيع بارفيه السمان لأربعة مطاعم في سنغافورة مقابل 100 دولار للرطل. وسوف تتميز هذه اللحوم بمذاق وقوام غير موجودين في الطبيعة. وسوف تُصنع من الحيوانات التي لم يعتد الناس أكلها. فكروا في التمساح، والطاووس، وطائر الغنم، وغيرها. في العام الماضي، تصدرت «فاو» عناوين الأخبار العالمية بعد «كرات اللحم الضخمة» - وهي نموذج أولي ضخم وفريد مختلط مع خلايا الفيل والحمض النووي لحيوان الماموث الصوفي - مما أدى إلى ظهور مقطع ذائع الانتشار في برنامج «العرض الأخير» مع ستيفن كولبرت. في نهاية المطاف، تأمل «فاو» في أن يمنحها إنشاء سوق فاخرة قوية للحوم الغريبة الفرصة لخفض التكاليف تدريجياً من خلال مواصلة البحث والتطوير، رغم أنها سوف تحتاج أولاً إلى تطبيع فكرة تناول الأنواع غير التقليدية.

غرائب الأطباق

عندما أنظر إلى طبق بارفيه السمان خاصتي، يدهشني أنني لم أتناول السمان من قبل. أتناول قضمة، ويكون الطعم خفيفاً ومليئاً مثل الزبدة المخفوقة، مع ملاحظات بطعم معدني دقيق أقرنه بالكبد. إنها تمثل بداية عصر جديد غامض، عصر ستكون فيه اللحوم المستزرعة متوافرة أخيراً، ولكن ليس بالطريقة التي يتوقعها أي شخص.

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»