مانشستر... ثورة الطعام بين جدران المصانع

منها بدأ النباتيون حركتهم

مانشستر... ثورة الطعام بين جدران المصانع
TT

مانشستر... ثورة الطعام بين جدران المصانع

مانشستر... ثورة الطعام بين جدران المصانع

لا شك أن الرياضة كان لها الفضل الأكبر في جذب الزوار إلى مدينة مانشستر التي تبعد ساعتين و6 دقائق عن العاصمة لندن، فوجود ناديين كبيرين لكرة القدم مثل مانشستر سيتي ومانشستر يونايتد لعب دورا مهما في استقطاب السياح ومحبي الرياضة، وسكن لاعبي كرة القدم في مانشستر عزز الاقتصاد في المدينة وشجع رجال الأعمال على الاستثمار في قطاع المحلات التجارية والمطاعم الراقية التي تتناسب مع قدرات اللاعبين الشرائية العالية.
كان ينظر في الماضي إلى هذه المدينة الشمالية على أنها مدينة صناعية بحتة، وكانت غالبية سكانها من الطبقة العاملة الفقيرة والغالبية كانت تعمل في مصانع النسيج التي ساعدت في تطويرها الجالية المغربية، أما الجالية العربية فجلبت معها في أربعينات القرن الماضي الثقافة الشرقية، وفي الستينات جاء الهنود والصينيون جالبين معهم ثقافة الطعام ليصبح العرب أقلية وتسيطر الجاليات الآسيوية على المشهد.
لا تزال الأبنية قرميدية اللون شاهدة على الثورة الصناعية التي اشتهرت بها المدينة، إلا أنها أزالت عنها صبغة الصناعة وحولت مداخن المصانع التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من تاريخها العميق الذي لا يمكن فصله عن الثورة الصناعية التي بدأت فيها إلى مداخن مطاعم مميزة، وبدلت رائحة انبعاثات المحركات الضخمة إلى عبق يفوح من أطباق تلك المطاعم الفاخرة الحاصلة على نجوم ميشلان، ويوجد بها اليوم أكبر نسبة مطاعم مزينة بالنجوم خارج لندن.
قد لا تكون مانشستر من أجمل المدن من حيث الهندسة المعمارية، إنما عرفت كيف تستفيد من عمرانها الموحش وتستخدمه في إطار مختلف تماما.
زيارتنا إلى مانشستر كانت مستوحاة من الأفكار التي يقدمها موقع «فيزيت بريتان» Visit Britain لمحبي الطعام، ومن خلاله قمنا بجولة على الأقدام مع دليل متمرس عرفنا على كل شاردة وواردة في المدينة، وأعتقد بأن هذه هي الطريقة المثلى للتعرف على أي مدينة لا سيما على مدينة مثل مانشستر، التي توحي أبنيتها بشيء لتكتشف أن ما بداخلها هو شيء مختلف تماما.
وأول ما أشار إليه الدليل هو أن مانشستر هي مهد الحركة النباتية أو ما يعرف بالـVegan Movement ويقف وراء هذه الثورة في عالم الطعام المتجذرة فيها القس وليم كوهيرد الذي شجع أبناء رعيته في سالفورد في أواخر القرن السابع عشر على عدم أكل اللحم والاستعاضة عنه بالنبات والخضراوات، وفي عام 1847 نشأ أول تجمعات النباتيين، واليوم هناك توجه كبير للتحول إلى الأكل النباتي ما يجعل مانشستر قاطعة المرحلة التمهيدية للأكل النباتي بأشواط. وتنتشر في المدينة مقاصف كثيرة للأكل النباتي لا تخلو من النكهة اللذيذة.
ومانشستر هي أول مدينة في بريطانيا تنظم أسبوعيا مهرجانا لأكل الشارع النباتي.
في رحلتنا توقفنا في محطات كثيرة، بدأناها في:
*المحطة الأولى «غاليري كافيه» Gallery Cafe التابع لمتحف الفن في مانشستر، وتشرف على المقهى ماي إلين ماك تاغ الحائزة على عدة جوائز في مطعمها الرئيس «أومبري»، فهي تشدد على استقطاب المنتجات من مزارع محلية، ويتم تحضير كل الأطباق من الصفر، بما فيها صلصة الكاتشاب والمايونيز. ومن أفضل ما يمكن أن تفعله هو أن تغتنم الفرصة للتعرف على المعروضات الفنية، والعرض الوقتي الحالي يستقبلك بعبارة «خوش آمديد» (أهلا وسهلا) لفنانين إيرانيين، وبعدها تغوص في عالم الطعام في أجواء لطيفة، ويقدم المقهى ألذ أنواع السكونز الإنجليزي مع المربيات الطازجة، بالإضافة إلى الفطور العضوي اللذيذ والأهم من هذا هو أن المقهى يطبق نظرية الدفع بحسب ما يراه الزبون مناسبا دون التقيد بالأسعار المدونة على اللائحة.
> المحطة الثانية كانت في أشهر مخبز صيني في الحي الصيني في المدينة واسمه «هوز بايكيري» Ho’s Bakery، وهذا المخبز ليس حكرا على الصينيين المقيمين في مانشستر إنما على جميع محبي الخبز الطازج المفعم بالنكهة.
افتتح المخبز عام 1980 وكان أول مخبز آسيوي في الحي الصيني، وتباع فيه مخبوزات هونغ كونغ التقليدية الحلوة والمالحة، واليوم يديره أفراد الجيل الثالث للعائلة المهاجرة.
نكهة المخبوزات رائعة لأنها لا تضم أي نوع من المواد الحافظة.
المخبز عند تقاطع شارع ولكن من السهل الوصول إليه لأن الراحة الفواحة المنبعثة منه ستقودك إليه.
> المحطة الثالثة كانت وسط المدينة وبالتحديد في مطعم «سالفيز» Salvi’s الإيطالي التي تديره عائلة إيطالية وهو متخصص بتقديم الأطباق الإيطالية التقليدية مع استخدام المنتجات المستقدمة من إيطاليا، ومن أشهر أطباقه جبن الموتزاريلا الذي يقدم مع الطماطم الإيطالية والبسكويت المملح، وإلى جانب كونه من أبرز المطاعم في وسط مانشستر إنما هو أيضا من أهم عناوين بيع المنتجات الغذائية الإيطالية.
> المحطة الرابعة كانت إسبانية، حيث قصدنا لونيا Lunya الواقع في مبنى بارتون أركيد Barton Arcade ويمتد على طابقين، فيوجد المطبخ في الطابق السفلي إلى جانب متجر بيع المنتجات الإسبانية، وفي الطابق العلوي توجد مساحة واسعة للأكل على الشرفة المسقوفة المطلة على روعة المبنى الهندسية من الداخل.
يتخصص لونيا ببيع المنتجات المستقدمة من كاتالونيا في إسبانيا، وقد يكون هو العنوان المفضل لدى محبي الأجبان بحيث يبيع أكثر من 40 صنفا من الأجبان الإسبانية التي يصعب إيجادها في إنجلترا.
ميزة المطاعم الإسبانية هي التاباس التي تشبه إلى حد كبير المازة الشرقية، وتناسب الأشخاص الذين يفضلون مشاركة الأطباق للتعرف على أكثر من نكهة ومذاق.
وهذا ما يعتمد عليه لونيا الحائز على جوائز كثيرة لأطباق التاباس التي تحضر بوصفات كاتالونيا التقليدية.
> المحطة الخامسة كانت في مبنى مسرح «ذا رويال إكستشاينج» The Royal Exchange Theatre، الذي فتح أبوابه أمام الفن العريق منذ عام 1976. ومنذ ذلك الحين وهو يستضيف أهم العروض المسرحية، وكمل صورة الفن بافتتاح مطعم «ذا رايفلز» The Rivals في سبتمبر (أيلول) 2017. وهو يحمل اسم أول مسرحية عرضت في المسرح في السبعينات، واليوم تحول قسم من الغرفة الرئيسة في المسرح التي كانت تعتبر أكبر قاعة مسرح في العالم إلى مطعم يجذب الذواقة من محبي الفن الذين يضربون عصفورين بحجر واحد، فيأتون للأكل ومشاهدة العروض المسرحية.
يقدم المطعم الذي تتولى مطبخه الطاهية أنا فيش الأطباق البريطانية التقليدية ولكن بطريقة عصرية مع إدخال الكثير من النكهات الأجنبية كاستخدام الحمص.
زيارة مبنى المسرح مهمة جدا ليس فقط لمحبي المسرح والطعام إنما أيضا لهواة الغوص في ثنايا التاريخ ومفرداته، فقبل الحرب العالمية الثانية كان هذا المبنى مركزا لتجارة القطن وكان ضخما من حيث الحجم ولطالما تميز بتصميمه الرائع وقاعة الكولوسيوم المميزة بأعمدتها الجميلة وسقفها العالي.
> المحطة السادسة كانت في مبنى «أفليكس بالاس» Afflecks Palace الذي يشبه إلى حد كبير أسواق كامدن تاون في لندن، ولكن في مبنى واحد يتألف من عدة طوابق، فمحطتنا ما قبل الأخيرة كانت في الطابق الأول في «جينجيرز كومفرت إمبوريوم» Ginger’s Comfort Emporium الشهير بأنواع الحلوى والآيس كريم، وكانت بدايته في حافلة متجولة تبيع الآيس كريم في شوارع مانشستر واليوم أصبح لديه عنوان يقصده من يحب الأنواع الغريبة والمألوفة من البوظة، وديكوره يتناسب مع أجواء المبنى «الهيبية» ويمكن الحصول على كتاب صادر عنه فيه جميع الوصفات.
. المحطة السابعة لمحبي القهوة، وكما أشرنا في مستهل الموضوع بأن الأبنية في مانشستر ليست الأجمل من الخارج إنما داخلها يعكس عالما آخر ويركز على الطعام والشراب، فمحطتنا الأخيرة كانت لتناول القهوة لدى أتكينسونز Atkinsons Coffee الأشهر في المدينة ويقع في مبنى «ماكي مايور» Mackie Mayor اللافت الذي تم تحويله إلى مكان عصري جدا لتناول الطعام والقهوة.
وشهرة أتكينسونز لم تأت من فراغ إنما هي نتيجة عمل دؤوب للشركة التي تستخدم أفضل أنواع حبوب القهوة التي تقوم بتحميصها وطحنها في المبنى ذاته.


مقالات ذات صلة

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.