كان ريسينج أول فريق لا تعود أصوله إلى بريطانيا يفوز بالدوري الارجنتيني في 1913 ولأغلب فترات القرن التالي كانت كرة القدم الارجنتينية على النقيض من نظيرتها الانجليزية وابتعدت عن تراثها البريطاني.
لكن مع تعرضها للضغط ويأسها ضد كرواتيا يوم الخميس لم تشبه الارجنتين أحدا أكثر من إنجلترا.
وكان ذلك مربكا فالعديد من اللاعبين حاولوا فعل الكثير بأنفسهم وكان هناك الكثير من الركض والتسرع وارتكاب العديد من الأخطاء في محاولة استعادة الاستحواذ على الكرة وأفكار فقيرة.
وقرب النهاية عندما أحرز ايفان راكيتيتش الهدف الثالث الساخر لكرواتيا كانت الارجنتين منتهية وانهار أي تخطيط دفاعي.
ولو كانت الهزيمة في المباراة الأخيرة في المجموعة كان يمكن تفسير فقدان الالتزام لكنها لم تكن كذلك والهزيمة 1-صفر ربما كانت مقبولة وحتى 2-صفر كان يمكن إنقاذ الوضع.
لكنها الآن بحاجة للفوز على نيجيريا في المباراة الأخيرة وأن تسير نتيجة مباراة ايسلندا وكرواتيا في صالحها وربما يستطيع ليونيل ميسي تحقيق معجزة يمكن أن تكون الأكبر في مسيرته.
وميسي ذاته لم يقدم الكثير ولمس الكرة 49 مرة فقط من بينهم ست مرات في اخر ربع ساعة من المباراة وعندما بحثت عنه بلاده لم يكن هناك.
وهو أمر سخيف أن يتعرض لاعب واحد لكل هذا الضغط وأن يدور كل شيء حوله خاصة أن ما قدمه ضد الاكوادور في ختام مباريات تصفيات امريكا الجنوبية هو الذي وصل بالارجنتين إلى روسيا وخاصة في بلد لديها تاريخ كروي تفخر به مثل الارجنتين وتملك كل هذه المواهب في قائمتها لكن زيادة اعتمادها على ميسي أضاعها وحتى الآن لا توجد سوى طريقة واحدة لإنقاذ الوضع.
وأوضح باولو ديبالا الحقيقة في مقابلة في وقت مبكر من العام عندما قال إن ميسي رائع للغاية.
وأضاف ديبالا أنه يجد أن اللعب يعد شبه مستحيل لأن إغراء تمرير الكرة بسهولة إلى ميسي لا يقاوم وعلى مستوى الأندية يتأقلم اللاعبون لكن على مستوى المنتخب الوطني حيث يكون الوقت ضيقا وعدد المواهب أكبر فالأمر صعب للغاية وكل شيء يدور حوله وهو ما يجعل طريقة الارجنتين متوقعة ومن السهل إحباطها حيث تلجأ الفرق للتكتل في وسط الملعب.
وتحدث خورخي سامباولي مدرب الارجنتين قبل البطولة عن نيته للعب بخطة 2-3-3-2 مع وجود ميسي خلف المهاجمين لكن مع وجود صانع لعب اخر في خط الوسط وهي في الأساس خطة 4-4-1-1 لكن مع وجود عدد أكبر من أصحاب النزعة الهجومية في خط الوسط وظهيرين ينطلقان كثيرا في الهجوم ولم يظهر ذلك سوى لفترة بسيطة ضد ايسلندا بعد مشاركة ايفر بانيجا بدلا من لوكاس بيليا وبعد ذلك بأربعة أيام اختفت تماما.
وتحدث ميسي مع سامباولي في تجمع للشواء في مارس اذار عن أنه يشعر أن خطة 3-4-3 التي اعتمد عليها المدرب لويس انريكي في برشلونة في نهاية موسم 2016-2017 لم تنجح لأن المدافعين يتجهون إلى الجانب الأيمن حيث يفضل اللعب ووافق سامباولي على ذلك لكن ضد كرواتيا عاد إلى الخطة الأصلية واثبتت الأمور في الشوط الأول صحة ما قاله ميسي.
لكن على الأقل في ذلك الوقت كان هناك طريقة واضحة وفي النهاية لم يكن هناك أي شيء فقط مجموعة من اللاعبين وملعب تحول إلى سجن للتعذيب ومنافس لم يصدق حظه.
والفهم المتأخر يعطي تلميحات إلى الدمار القادم ففي أثناء عزف السلام الوطني كان ميسي يحدق في الأرض وواصل مسح وجهه بيده ورفض حضور الاحتفال بيوم الآباء في معسكر الفريق مفضلا البقاء في غرفته قلقا.
وما زالت هناك فرصة أن يلعب في قطر بعد أربعة أعوام لكنه سيبلغ 35 عاما يونيو حزيران 2022 ولن يكون اللاعب ذاته ولو نجح هناك وهو أمر غير متوقع لن يكون الأمر أن أفضل لاعب في العالم يقدم المشهد الأخير من أسطورته بل لاعب مخضرم شرس يكمل المهمة الأخيرة وتحقيق ذلك سيكون بمثابة الخلاص لمسيرته دولية شهدت خيبة أمل كبيرة وهي قصة جذابة لكنها ليست التي أراد هو أو الارجنتين كتابتها.
وقبل بداية الشوط الثاني أخذ سامباولي مكانه على مقاعد البدلاء لكن الإعياء كان واضحا عليه ووجهه كان شاحبا ويسيل عرقه وهذا هو الشعور عند معرفة أنك تقف على حافة الهاوية وفي النهاية خلع معطفه واكتفى بالتلويح بيده المليئة بالوشم وهو قليل الحيلة ويرى فوضى فريقه في الملعب وبالنسبة لانهيار الدفاع فلم يكن خطأ ميسي.
وسيتم تحميل سامباولي المسؤولية وستكون إقالته مؤكدة لو وجد الاتحاد الارجنتيني المال لدفع الشرط الجزائي لكن اللوم يجب أن يكون أكبر من ذلك ويبدأ مبكرا.
فسامباولي هو المدرب الثالث للارجنتين في التصفيات وطريقته المتوقعة بالضغط العالي والمتواصل لم تكن مناسبة لمجموعة المدافعين المتواضعين في الارجنتين ولم يملك الوقت للعثور على حلول وأثار تخليه عن الخطة التي أعلن اللعب بها الذعر ولن يكون المدرب الارجنتيني الأول الذي تأكله الفوضى المحيطة بتدريب المنتخب ولن يكون الأخير.
لكنه ربما يكون اخر مدرب يقود ميسي في كأس العالم وألم الهزيمة سيكون كبيرا.
وما زال ميسي على قمة اللاعبين حول العالم لكنه استحق وداعا أفضل من كأس العالم أكثر من عودة كرة القدم الارجنتيني إلى أصولها الانجليزية.