وزراء «مشاكسون» خارج الحكومة وآخرون تنتظرهم «المحاسبة»

نهاد المشنوق ...ملحم رياشي
نهاد المشنوق ...ملحم رياشي
TT

وزراء «مشاكسون» خارج الحكومة وآخرون تنتظرهم «المحاسبة»

نهاد المشنوق ...ملحم رياشي
نهاد المشنوق ...ملحم رياشي

في موازاة الجهود المبذولة لتشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة، بدأ وزراء في حكومة تصريف الأعمال توضيب أمتعتهم استعداداً لمغادرة وزاراتهم التي شغلها بعضهم لأكثر من سنة ونصف السنة، والبعض الآخر احتفظ بها منذ حكومة الرئيس تمام سلام مطلع العام 2014. رغم الاعتقاد الذي كان سائداً بأن هؤلاء ثابتون في مواقعهم ولا يشملهم الإقصاء أو التغيير.
وتتعدد الأسباب التي تدفع بعض الأحزاب إلى تغيير وزراء محددين، وتسارع هذه الأحزاب إلى تبرير هذا الإجراء بأنه يحصل من ضمن التداول المعتمد في التركيبات الوزارية، إلا أن سلوك وزراء في الحقبة الماضية سيضعهم خارج السلطة الإجرائية، باعتبار أن بعضهم كانوا مشاكسين وشكلوا إحراجاً لفريقهم سواء بأدائهم أو تصريحاتهم النارية التي أحرجتهم مع القوى الأخرى، والبعض الآخر كتدبير عقابي.
وبدأت تتسرّب معلومات عن قرار اتخذته قيادة تيار «المستقبل» باستبعاد وزراء أساسيين من حكومة الحريري الجديدة، أولهم وزير الداخلية الحالي نهاد المشنوق، وفيما رأت مصادر في التيار أن ذلك يأتي ضمن حملة المحاسبة التي بدأها الحريري بعد الانتخابات، أكد عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» مصطفى علوش لـ«الشرق الأوسط»، أن «استبعاد المشنوق من الوزارة، يأتي ضمن قرار الحريري بالفصل بين الوزارة والنيابة»، مشدداً على أن «تيّار المستقبل لديه الكثير من النخب والقيادات القادرة على تولي المهام الوزارية، وبالتالي الوزارة لا تكون حكراً لشخص معين، في ظلّ وجود كفاءات كبيرة جداً، علما بأن نجاح هذا الوزير أو ذاك نسبي وليس مطلقاً».
أما عن فرضية إعفاء وزير شؤون المهجرين معين المرعبي من هذه الحقيبة، بعد استبعاده من السباق الانتخابي، كونه من أشدّ الوزراء المشاكسين، وكان كثير الاشتباك كلامياً مع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ووزرائه خلال جلسات مجلس الوزراء، فأوضح علوش أن المرعبي «أعلن بعد انتخابات العام 2009، أنه لن يترشّح للانتخابات المقبلة، وهذه كانت رغبته»، مشيراً إلى أن «بقاء المرعبي خارج الحكومة يكون برغبة شخصية منه، وهو سيتابع عمله السياسي في التيار من دون المناصب الرسمية».
ويرجّح أن يشمل التغيير الكبير وزراء «التيار الوطني الحرّ»، الذين سيختارهم رئيس التيار جبران باسيل لمواكبته في السنوات الأربع المقبلة، المتوقع أن تكون عمر الحكومة الجديدة، وأشار عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ماريو عون في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن قيادة التيار «لم تطرح بعد الأسماء المرشحة للتوزير، لأن البحث لا يزال في الحقائب»، مشيراً إلى أن «الأسماء التي يجري التداول حولها فيها شيء من التكهّن، لكن ذلك لا يعني أن التعديلات لن تطال بعض الأسماء».
وترددت معلومات غير رسمية، مفادها أن وزير الخارجية جبران باسيل كان يرغب في تغيير بعض وزراء تياره بعد أشهر قليلة على تسلمهم مهامهم من دون ذكر الأسباب، وأفادت المعلومات آنذاك بأن بين الأسماء التي كانت مطروحة للتغيير وزير الدفاع يعقوب الصراف، وزير البيئة طارق الخطيب ووزير الاقتصاد رائد خوري، وهذا ما أكده أمس النائب ماريو عون، الذي أعلن أن «قيادة التيار الحرّ طرحت قبل سنة تقريباً حصول تعديلات في بعض وزراء التيار (متحفظاً عن ذكر الأسماء)، وذلك بسبب المآخذ على سلوك هؤلاء في وزاراتهم، التي لم ترض مرجعيتهم السياسية، وكان التغيير المحتمل جدّياً للغاية».
ولفت النائب ماريو عون إلى أن «هذا التغيير وارد في الحكومة الجديدة، وربما لن يقتصر الأمر على التغيير فحسب، بل ستكون هناك عملية محاسبة للوزراء غير المنتجين». وقال: «عندما يعيّن وزير في وزارة محددة عليه أن يتحمّل مسؤوليته كاملة، وإلّا فإن مرجعيته ستطرح تغييره حسب الأصول واستناداً إلى إنتاجيته». وأضاف عون: «لا أحد كامل في أدائه، لكن ليس مقبولاً أن يكون التقصير شاملاً، بل مطلوب الحدّ الأدنى من العمل بدل أن يفضل الشخص تقطيع الوقت وهو يحمل صفة وزير، عندها تصبح مسألة تغييره مفروضة وليست مطروحة».
وما يسري على «التيار الحرّ» ينسحب أيضاً على حزب «القوات اللبنانية»، لكن بطريقة مختلفة، حيث قدمت مقاربتها الخاصة بالتبديل المحتمل في أسماء وزرائها، وأوضحت مصادر «القوات» لـ«الشرق الأوسط»، أن الحزب «لم يطرح بعد الأسماء المرشّحة للتوزير، بانتظار أن يستكمل الرئيس المكلّف سعد الحريري وضع مسودة التشكيلة الحكومية وتوزيع الحقائب وإبلاغها للأطراف المعنية». وكشفت المصادر أن القوات «طرحت رؤيتها وخياراتها وما هي الوزارات التي ترغب في توليها، مع ترك هامش للتفاوض عليها أو المقايضة».
وثمّة من يتحدث عن إمكانية إسناد حقيبة الثقافة إلى الوزير ملحم الرياشي بدلاً من حقيبة الإعلام التي يشغلها حالياً، بسبب الخلاف المستحكم بينه وبين الفريق الوزاري لرئيس الجمهورية ميشال عون و«التيار الوطني الحرّ»، ومحاولة هذا الفريق فرض تعيينات في وزارة الإعلام وتلفزيون لبنان الرسمي، وهو ما عارضه الرياشي بشدّة، لأن التعيينات المقترحة تأتي من خارج مجلس الخدمة المدنية، ومخالفة لأصول التوظيف في الإدارات الرسمية. لكنّ مصادر «القوات اللبنانية» بدت حاسمة في التصدي لمحاولات فرض شروط عليها، ورأت أن «لا أحد يستطيع أن يفرض على قيادة القوات تغيير هذا الوزير أو تعيين بديل عنه». ولم تخف المصادر «القواتية» أن وزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي سيكون خارج التركيبة، وعزت ذلك إلى «انتخاب بو عاصي نائباً عن منطقة بعبدا، والتزامه بقرار الحزب الذي يفصل النيابة عن الوزارة، وليس لأي اعتبار آخر».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».