آلاف الأسر في غزة تقضي رمضان من دون إفطار أو سحور

ظروف مأساوية يعيشها السكان وأرقام صادمة عن واقع الحياة

زينة رمضانية في مدينة غزة أول من أمس (أ.ف.ب)
زينة رمضانية في مدينة غزة أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

آلاف الأسر في غزة تقضي رمضان من دون إفطار أو سحور

زينة رمضانية في مدينة غزة أول من أمس (أ.ف.ب)
زينة رمضانية في مدينة غزة أول من أمس (أ.ف.ب)

عاشت المواطنة أم حمدان ثابت، من سكان منطقة أم النصر في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، لحظات عصيبة عند موعد السحور في أول ليلة من شهر رمضان المبارك، حين لم تجد في الثلاجة المهترئة داخل منزلها ما يمكن أن تقدمه لنفسها وزوجها القعيد وأطفالها من طعام للسحور كبقية العائلات التي استطاعت توفير أهم الاحتياجات لمنازلها.
لم تجد أم حمدان سوى القليل من الزعتر الفلسطيني لتضعه إلى جانب «الشاي» كمائدة للسحور أمام أفراد عائلتها السبعة، عسى أن هذه الكمية البسيطة من الزعتر ستقيهم جوع نهار طويل، وعلى أمل أن تكون قد نجحت في توفير ولو القليل من العدس لإعداده لمائدة الإفطار بعد أكثر من 14 ساعة من الصيام.
وتعيش العائلة في ظروف إنسانية وحياتية صعبة، حيث إن الزوج لا يستطيع العمل وهو قعيد منذ سنوات، بينما اثنان من أطفالهما يعانون من إعاقات مختلفة. ولا يوجد أي معيل للعائلة التي تعيش على بعض المساعدات العينية التموينية من جمعيات خيرية أو من أهل الخير، كما تقول أم حمدان لـ«الشرق الأوسط». وتشير إلى أن تلك المساعدات التي تقدَّم لها غير ثابتة سواء كانت من الجمعيات أو من «أهل الخير»، لافتة إلى أنه قبل رمضان كانت تمر على عائلتها أيام لا تستطيع أن توفر الغداء لهم وتكتفي فقط بتناول الفول الذي لا يكلّفها سوى شيكل واحد (أقل بكثير من نصف دولار).
وقالت أم حمدان إن زوجها لم يعد يستطيع العمل منذ نحو 4 سنوات وإنها بنفسها تتكفل بمهمة توفير احتياجات منزلها، خصوصاً أن أكبر أطفالها لا يتعدى الرابعة عشرة، مشيرةً إلى أن اسم زوجها مدرج ضمن كشوف الشؤون الاجتماعية التي يتم تسليم أصحابها مبالغ مالية تتراوح بين 400 و500 دولار كل 4 أشهر، إلا أنه منذ 5 أشهر ونصف الشهر لم يتم صرفها لأصحابها من قبل السلطة الفلسطينية، ما فاقم من ظروف حياة عائلتها.
وتعيش آلاف العائلات في قطاع غزة ظروفاً مشابهة مع توقف السلطة عن صرف شيكات الشؤون الاجتماعية للعائلات الفقيرة والتي لا يوجد لها أي دخل مادي سوى تلك الأموال البسيطة التي تتلقاها كل 4 أشهر.
ولم تشهد المحال التجارية في مدينة غزة أي حركة كبيرة في عملية البيع والشراء في اليوم الأول من شهر رمضان وكذلك الليلة التي سبقتها، بعكس ما جرت العادة في غزة بتسابق المواطنين في توفير احتياجات منازلهم. وقال التاجر علي بخيت لـ«الشرق الأوسط» إن الأسواق في «حالة ركود كبيرة» لم تعهدها منذ سنوات طويلة، وأن التجار كانوا يتوقعون أن تتحسن الحركة مع بداية الشهر الفضيل إلا أنها ما زالت كما هي، ولا يتوقع وجود تحسن مع عدم صرف السلطة الفلسطينية رواتب موظفيها كاملة. وأشار بخيت إلى أن رواتب موظفي السلطة لها الأثر الكبير في تحريك الأسواق، مضيفاً أن الكثير من الموظفين ممن تسلموا رواتبهم بنسبة 50% فقط عملوا فوراً على تأمين احتياجاتهم الضرورية عند تسلم رواتبهم بداية الشهر الجاري، ثم لم يبقَ معهم أي أموال مع بدء شهر رمضان، خصوصاً أن غالبيتهم من أصحاب الرواتب المتدنية. وأضاف أن عدم صرف الشيكات للعوائل المعوزة زاد من تعقيد الأوضاع الحياتية لدى السكان.
ويقول المواطن فهد ناصر إن رمضان هذا العام ليس له بهجة في ظل ظروف الحياة الصعبة، مشيراً إلى أن الأزمات تثقل كاهل المواطنين خصوصاً أزمات الكهرباء والمياه وعدم وجود فرص عمل، وازدياد البطالة وإغلاق التجار العديد من محالهم بسبب عدم وجود حركة شرائية وتشديد الحصار والوضع السياسي المتأزم وما جرى مؤخراً على الحدود، حيث قُتل عشرات الضحايا.
وأشار ناصر، وهو موظف في السلطة الفلسطينية، إلى أن الظروف الحالية وعدم صرف الرواتب كاملة دفعته إلى التدبر كثيراً في توفير احتياجات منزله، لافتاً إلى أنه اضطر إلى الاستغناء عن بعض السلع الأساسية خلال رمضان. وتابع أن وضعه ما زال أفضل من وضع عائلات فقيرة جداً لا تجد قوت يومها للإفطار أو السحور.
وتشير تقارير حقوقية وأممية إلى أن ما يزيد على مليون شخص في قطاع غزة باتوا دون دخل يومي، أي ما يشكل نحو 60% من إجمالي السكان الذين يعتمدون على مساعدات إغاثية من مؤسسات دولية، مبينةً أن نسبة الفقر المدقع تجاوزت 75%، بينما ارتفعت نسبة انعدام الأمن الغذائي إلى 72%.
وكشف النائب جمال الخضري، رئيس «اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار»، عن أرقام صادمة وصعبة ومرعبة حول الوضع الإنساني والحياتي بغزة. وقال الخضري في تصريح صحافي وزّعه مكتبه، إن 80% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وإن المواطن لا يتلقى الكهرباء سوى لأربع ساعات يومياً، فيما 95% من مياه غزة غير صالحة للشرب. وأشار إلى أن ربع مليون عامل مُعطل عن العمل وآلاف الخريجين بلا أدنى حق من حقوقهم في إيجاد فرص عمل مناسبة تعطي الأمل لهم ولأسرهم، بينما معدلات البطالة بين الشباب تقترب من 60%، أما معدل دخل الفرد اليومي فيقتصر على دولارين فقط. وبيّن أن مليوناً ونصف المليون شخص يعيشون على المساعدات.
وقال إن هذا الواقع «الأكثر من صعب، لا يمكن أن يستمر»، داعياً إلى إيجاد حلول جذرية لكل الأزمات.
من جانبه، قال ماهر الطباع مدير العلاقات العامة والإعلام في غرفة تجارة وصناعة غزة، في تقرير نشره مكتبه، إن القطاع يمر بأسوأ أوضاع اقتصادية ومعيشية لم يشهدها منذ عقود. وقال: «القطاع لم يعد على حافة الانهيار بل دخل في مرحلة ما بعد الموت السريري مع تحوله إلى أكبر سجن في العالم». وأشار إلى أن الأسواق تشهد حالة من الكساد والركود الاقتصادي في نشاطاتها كافة وأنها أصبحت خالية ومهجورة من المتسوقين. وتابع أن نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت 49.1% خلال الربع الأول من العام الجاري، وأن 255 ألف شخص كانوا عاطلين عن العمل خلال الفترة نفسها. وبلغت نسبة البطالة بين الخريجين الجامعيين في الفئة العمرية من 20 و29 عاماً، 64%، ومعدلات الفقر 53%، و33% معدلات الفقر المدقع. كما بلغت معدلات انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر في القطاع 72%.
ولفت إلى انخفاض عدد الشاحنات الواردة إلى قطاع بنسبة 50% من 750 شاحنة يومياً إلى 350 شاحنة. ودعا المؤسسات والمنظمات الدولية إلى الضغط الفعلي على إسرائيل لإنهاء حصارها لقطاع غزة، وفتح المعابر التجارية كافة وإدخال كل احتياجات القطاع من السلع والبضائع وعلى رأسها مواد البناء دون قيود أو شروط.



«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، اليوم الاثنين، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي والوفد المفاوض لشمال وشرق سوريا، بزيارة لدمشق، اليوم، إلا أن الزيارة تأجلت «لأسباب تقنية».

وأضاف، عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه سيجري تحديد موعد جديد لزيارة قائد «قسد» مظلوم عبدي لدمشق، في وقت لاحق يجري الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية.

وأكد أن تأجيل زيارة عبدي لدمشق في إطار ترتيبات لوجستية وفنية، ولم يطرأ أي تغيير على مسار التواصل أو الأهداف المطروحة.

كان التلفزيون السوري قد أفاد، الجمعة، بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على حاجز أمني في مدينة حلب، في حين ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش أسقط مُسيّرات أطلقتها «قسد» باتجاه مواقع تابعة له في سد تشرين، بريف حلب الشرقي.

وأوضح التلفزيون أن عناصر «قسد» المتمركزين في حي الأشرفية بحلب يطلقون النار على عناصر الأمن الداخلي الموجودين عند حاجز دوار شيحان.

لكن «قسد»، من جهتها، أكدت أن فصائل تابعة لحكومة دمشق أطلقت قذيفتين صاروخيتين على قواتها، ما أجبرها على الرد.

وفي وقت لاحق، قالت «قسد» إن الفصائل التابعة للحكومة السورية شنّت «هجوماً عنيفاً باستخدام الرشاشات الثقيلة والمدفعية» على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ووصفت الهجوم بأنه «اعتداء سافر يهدد أمن المدنيين ويُنذر بتداعيات خطيرة».


الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.