كثيراً ما يقال إنه داخل الهند، يتبدل الطعام واللغة كل بضعة كيلومترات. وفي بلاد مترامية الأطراف مثل الهند، تبدو الأطعمة التي تقدم في الشوارع متنوعة بلا حدود، مع تميز كل إقليم بأطباق ينفرد بها. من جانبهم، يعتقد الكثير من خبراء الطعام أن العاصمة الهندية نيودلهي تعد كذلك بمثابة العاصمة الوطنية لأطعمة الشوارع.
وفي ظل ما تتميز به من ثقافة متنوعة ومزيج ضخم من المطابخ المحلية، تملك الهند القدرة على إرضاء جميع الأذواق. ومع هذا، فإننا نتحدث هنا على وجه التحديد على العالم الفسيح المرتبط بطبق «تشات»، أشهر الأطباق التي يجري إعدادها وبيعها في عربات الطعام بالشوارع على مستوى شبه القارة الهندية بأسرها، من الهند إلى باكستان وبنغلاديش وسريلانكا ونيبال، بل وحتى أفغانستان، ويحمل مجموعة متنوعة من الأسماء والصور.
وعليه، يمكننا القول بأن «تشات» الطبق الهندي النموذجي على مستوى أطعمة الشوارع. في الواقع، من المتعذر أن تلتقي هندي لا يعشق «تشات». ورغم أن الغموض يكتنف جذور هذا الطبق، فإن بعض عناصره تشير إلى ولاية أوتار براديش. كما يبدو أن بعض تنويعات «تشات» كانت نتاجاً لمزيج ثقافي، على سبيل المثال، يعكس «باف بهاجي» (خبز ممزوج بخضراوات مطبوخة ومهروسة) تأثيراً برتغالياً.
بوجه عام، يبرز «تشات» باعتباره الطبق الأول المفضل داخل الهند على صعيد أطعمة الشوارع. ويأتي ذلك على الرغم من بساطة العناصر المكونة للطبق،، التي تُعتبر جميعها تقريباً نباتية. واللافت في إعداد «تشات» أنه غالباً ما يتضمن تعديل أطعمة وعناصر أخرى على نحو يثير الدهشة.
ويكمن سحر «تشات» في نكهته المعتمدة على ما يعرف بـ«تشاتباتا» - مزيج من مذاقات مملحة وحلوة ولاذعة وحارة، مع قوام هش وناعم. العجيب أن كل ملعقة من «تشات» تحمل مذاقاً مختلفاً عن الأخرى التي تليها، وذلك لأنك في كل مرة تلتقط بالملعقة مزيجاً مختلفاً بعض الشيء عن سابقه.
وتعتبر العربات التي تقف على جانبي الطريق وتبيع أطباق «تشات» واحداً من المشاهد التي ستعاينها مراراً أثناء وجودك بالهند، وذلك في كل مدينة كبيرة كانت أو صغيرة. وعندما تسأل هندياً يعيش بعيداً عن وطنه عن أكثر ما يفتقده بخصوص بلاده، قد يأتي «تشات» في المرتبة الثانية مباشرة بعد الأسرة. ومع أن «تشات» بمقدوره أن يشكل وجبة كاملة بمفرده، فإنه يخدم في الوقت ذاته كفاتح جيد للشهية حال تقديمه بكميات صغيرة. وداخل المدن التي يحظى «تشات» بشعبية واسعة، ثمة مطاعم شهيرة متخصصة في تقديمه فقط، مثلما يوجد في شوارع تشاوباتي بيتش وتشاندي تشوك في مومباي وكارول باغ في دلهي.
ورغم وجود عدد ضخم من التنويعات، تبدأ معظم أطباق «تشات» بما يشبه القاعدة أو الأساس؛ يتألف من قطعة صغيرة من خبز محمر هش، شبيه بخبز «تورتيلا» محمر فوق طبقات من مكعبات بطاطا مسلوقة وقطع هشة من حمص الشام وتوابل لاذعة ومملحة مع فلفل حار هندي وصوص مصنوع من زنجبيل مجفف وتمر هندي، بجانب أوراق كزبرة خضراء طازجة وزبادي وقطع بصل للتزيين، بل وأحياناً بعض من «النودلز» الجافة.
من ناحية أخرى، توجد بعض التنويعات الشهيرة لـ«تشات»، مثل «ساموسا تشات» و«داهي بهالا» (تتكون من كرات من العدس المسحوق شديدة التحمير وتقدم مع صوص الزبادي) و«ألو تيكي» (فطيرة مصنوعة من البطاطا) - وهي جميعها تنويعات من «تشات» تغطى بطبقة من الزبادي وأنواع مختلفة من الصوص.
وتضم القائمة أسماء كثيرة، لكن مع كل «جات» يأتي «تشاتباتا» أشبه بغبار سحري يضفي مذاقاً مميزاً على الطبق - وكلما تناولت منه، تزداد رغبة في المزيد. ومن هنا تحديداً جاء الاسم، ذلك أنه تبعاً لـ«ذي بنغوين فود غايد تو إنديا»، فإن كلمة «جات» تأتي من الفعل الهندي «يلعق». وبالفعل، نجد أن الجزء الأفضل في «تشات» هو المتبقي في قاع الطبق. لذا، لا يجد الكثيرون أدنى غضاضة في لعق الطبق بألسنتهم!
- ألو تيكي جات (جات فطيرة البطاطا)
مثلما الحال مع أغلب دول العالم، ثمة ولع تجاه البطاطا داخل الهند. وتعتبر «ألو تيكي» واحدة من أشهر أطباق «جات» على مستوى البلاد. في الواقع، يكاد يكون في حكم المستحيل أن تلقى عربة لبيع «تشات» في الهند تخلو قائمة الطعام بها من «تشات»، ويتكون الطبق بصورة أساسية من بطاطا مسلوقة ممزوجة بتوابل وعدس، ويجري تحميرها. وأحيانا، يجري حشو «جات» بمزيج متبل من المكسرات. كما تزين بمجموعة متنوعة من الصوص الحلو واللاذع.
جدير بالذكر أن الكاتبة والممثلة البارزة مادهور جافري، هندية المولد، التي نجحت في تعريف القراء الأميركيين بالمطبخ الهندي، تحدثت في مذكراتها التي عملت عنوان «تحت أشجار المانغو»، بحب جارف عن أطباق «ألو تيكي» التي كانت تتناولها في طفولتها. وفي إحدى الفقرات كتبت تقول: «بمجرد أن يتسلم البائع طلب الشراء، يضع فطيرة على ورقة، ويشطرها نصفين ويمسح على النصفين بصوص تمر هندي يتميز بمذاقين حلو وحادق معاً. بعد ذلك، نحمل الفطائر الساخنة إلى داخل دور السينما المظلمة ونتناولها أثناء مشاهدة الفيلم».
وبالمثل، كثيراً ما تحدث إسماعيل ميرشانت، منتج ومخرج الأفلام هندي المولد، بشغف عن متعة تجربة تناول «ألو تيكي» طازج يجري تقديمه فوق أوراق موز ضخمة على «عربات تزدان بزخارف ساحرة».
والآن، أصبح بمقدورك الحصول على طبق «مكالو تيكي» في مطاعم «إنديان ماكدونالدز»، في تطور لافت لكنه للأسف لم يصل إلى حدود بريطانيا بعد. أما النبأ السار هنا فهو أن هذا الطبق يتميز بدرجة كبيرة من البساطة تجعل من السهل إعداده في المنزل، تماماً مثل رقائق البطاطا. في الحقيقة، اعترف كثير من نجوم بوليوود والشخصيات الرياضية الشهيرة، بل وسياسيون هنود بالعجز عن مقاومة إغراء أطباق «تشات» من حين لآخر.
الـ«تشات» أشهر أطباق عربات الشوارع
في أسواق الهند يتبدل شيئان كل بضعة كيلومترات: «الطعام واللغة»
الـ«تشات» أشهر أطباق عربات الشوارع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة