برنامج «شبكة الضحك» الأفغاني يحاول الترفيه عن المشاهدين المنهكين من الصراعات

أبطال برنامج «شبك خاندا» أو «شبكة الضحك» الأفغاني في حلقة تنتقد أداء المستشفيات (واشنطن بوست)
أبطال برنامج «شبك خاندا» أو «شبكة الضحك» الأفغاني في حلقة تنتقد أداء المستشفيات (واشنطن بوست)
TT

برنامج «شبكة الضحك» الأفغاني يحاول الترفيه عن المشاهدين المنهكين من الصراعات

أبطال برنامج «شبك خاندا» أو «شبكة الضحك» الأفغاني في حلقة تنتقد أداء المستشفيات (واشنطن بوست)
أبطال برنامج «شبك خاندا» أو «شبكة الضحك» الأفغاني في حلقة تنتقد أداء المستشفيات (واشنطن بوست)

في مساء أحد أيام الجمعة تجمع العشرات من الزبائن في متجر البقالة الخاص بغلام فارياد من أجل تلقي الجرعة الأسبوعية من الترفيه والفكاهة التي تم استقاء مادتها من مصاعب الحياة اليومية في العاصمة الأفغانية. كانت ترتسم على شفاه الزبائن ابتسامة ذات معنى وهم يشاهدون التلفزيون الموضوع أعلى المنضدة بينما يسخر رجل شرطة أخرق من رجل كان يحاول رواية حادثة سرقة عمه وقتله. بعد ذلك بعدة دقائق، أخذوا يصيحون حين ضرب عضو برلمان شخصاً يشكو من تدخين ابنه للحشيش.
يقول فارياد: «إنهم يكشفون الحقيقة ويرفعون الوعي»، في حين كان الجميع يهزّون رؤوسهم تعبيراً عن موافقتهم له في الرأي. برنامج «شبك خاندا»، أو «شبكة الضحك» هو النسخة الأفغانية الناجحة من برنامج «ساترداي نايت لايف»، والتي يتابعها ملايين المشاهدين أسبوعياً، ويتم إعادة حلقاتها مرتين خلال الأسبوع. لا يمكن لأي سياسي، أو بيروقراطي فاسد، أو حتى الرئيس أشرف غني نفسه النجاة من لسان انتقادات البرنامج اللاذعة.
في الحقيقة يحظى تقليد الممثل محمد إبراهيم عابد للرئيس غني بانتظام بشعبية كبيرة، حيث عادة ما يحاكي ويسخر من ضيق صدر الرئيس وتجاهله لتعليقات المواطنين المتعلقة بالسياسة. وكانت تلك الشعبية هي ما دفع مساعدي الرئيس إلى الاتصال بالبرنامج والشكوى إذا مرّ يوم جمعة دون أن يتم السخرية من رئيسهم.
وما يؤكد عدم تبني البرنامج توجهاً متحيزاً، يسخر البرنامج أيضاً من عبد الله عبد الله، الرئيس التنفيذي في الحكومة، الذي توترت علاقته بالرئيس غني منذ موافقتهما على تقاسم السلطة عقب إجراء انتخابات معيبة عام 2014. ويتبادل كل من الممثلين سيار ماتين، ونابي روشان الأدوار في تقليد شخصية عبد الله.
في إحدى حلقات شهر يناير (كانون الثاني)، والتي أعقبت تنفيذ سلسلة من الهجمات الإرهابية في كابل أسفرت عن مقتل نحو مائة شخص، تم تصوير جهل كلا القائدين بمعاناة الشعب. يسأل الممثل الذي يؤدي دور عبد الله من يؤدي شخصية الرئيس أشرف غني في الفقرة وهو يرتدي عمامة، ويضع لحية زائفة، عما إذا كان حزيناً بسبب التفجيرات، فيجيبه قائلا: «لا ابني مريض وأشعر بالقلق عليه». ويسأل الرئيس بعد ذلك عبد الله الذي تترقرق عيناه بالدموع عما إذا كان يبكي على ضحايا كابل، فيجيبه بالنفي، ويقول إنه يبكي لأن قدم ابنه علقت في باب قطار في نيودلهي.
يقول منتجو البرنامج، الذي لا تتضمن سياسته محرمات أو مقدسات، في المحطة التلفزيونية الخاصة «تولو»، إن الهجاء السياسي يمنح الأفغان، الذين يشعرون بالمعاناة، متنفساً للتعبير عن الإحباط، ويوبخ أصحاب السلطة وينزلهم من عليائهم. ويعد هذا البرنامج من البرامج التي تحظى بأعلى نسبة مشاهدة في البلاد، حيث يتناول موضوعات متنوعة من تلوث الهواء وحتى الجريمة والفساد. يقول روشان البالغ من العمر 34 عاماً: «أنا فخور بما أفعله. عندما ألعب دورا ما لتوصيل رسالة أشعر أني على خط المواجهة في حرب مثل الجندي».
عندما توقفت الشاحنة التي كانت تقل فريق عمل البرنامج في أحد الشوارع خلال الشهر الماضي، أسرع رجل وقبّل رأس عابد؛ وقال الرجل، الذي يدعى روح الله منصوري، إنه يحب البرنامج كثيراً ولم يفته سوى مشاهدة حلقة واحدة تزامن موعد عرضها مع ليلة مخاض زوجته. مع ذلك هناك خطوط حمراء لا يمكن تخطيها في الثقافة الإسلامية المحافظة في أفغانستان؛ فالسخرية الدينية أمر غير مقبول إطلاقاً، لذا يموّه المحررون أي كلمات من المحتمل أن تكون مهينة من خلال إضافة صوت إليها بعد تسجيل البثّ المباشر. كذلك هناك ضغط من السياسيين لممارسة الرقابة على الأجزاء الانتقادية، ويستخدم طاقم العمل أسماء مختلفة في تقديم وتقليد الشخصيات القيادية البارزة.
خلال الربيع الماضي بعد ما أدى تفجير قنبلة مدمرة في العاصمة إلى خروج مظاهرات حاشدة في الشوارع، وافق منتجو البرنامج على التوقف عن انتقاد الحكومة على الأقل بصورة مؤقتة.
وقال روشان: «حالنا ليس كحال الدول الغربية التي يمكن التحدث فيها بحرية». بعد حلقة تمت السخرية فيها من شخصية نافذة وهي عبد الرشيد دوستم، نائب الرئيس المنفي، خرج مؤيدو أمير الحرب السابق إلى الشوارع، وتجمعوا أمام استوديو محطة «تولو» التلفزيونية. ولم تنفضّ المظاهرات إلا بعدما أصدر دوستم أمراً من تركيا بذلك. كذلك قال ماتين إن رجلا مسلحا قام بتهديده مرتين بسبب تقليده لرجل ذي سلطة ونفوذ.
كذلك هناك حساسية في التعامل مع الأمور المتعلقة بالجنس، والعنف الأسري، والعلاقة بين الرجل والمرأة. لا توجد ممثلات كوميديات في فريق العمل، ومن المرفوض في الثقافة تمثيل النساء لدور حبيبة أو بائعة هوى. لذا يلجأ منتجو البرنامج إلى الارتجال والابتكار. على سبيل المثال كان على ماتين لعب دور امرأة خلال فقرة مسجلة الشهر الماضي عن عضو في البرلمان قضى الإجازة البرلمانية خلال فصل الشتاء مع بائعة هوى في دبي. وأوضح أنه بدلا من المخاطرة بإثارة غضب وحنق المشاهدين «من المهم إضحاكهم». أثناء تسجيل الحلقة كان المنتج رافي تابي، يقف وراء إحدى الكاميرات ويصدر تعليمات إلى أفراد فريق العمل، حيث قال لماتين: «ارتد ملابس مثيرة». وسرعان ما توجه الممثل بكل جدية وشعور بالمسؤولية نحو حقيبة الملابس، وفتحها وارتدى تنورة، وشعراً مستعاراً.

- خدمة «واشنطن بوست»



«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
TT

«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)

اختارت مبادرة «نوابغ العرب» البروفسور اللبناني بادي هاني للفوز بالجائزة عن فئة الاقتصاد، تقديراً لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية.

وهنّأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، البروفسور هاني، مؤكداً أن استدامة النمو الاقتصادي المرن والمتوازن تُعد ركناً أساسياً لتقدم المجتمعات وازدهار الحضارة الإنسانية. وقال في منشور على منصة «إكس» إن هاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة سيراكيوز، قدّم «إسهامات استثنائية» في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية، لافتاً إلى أنه نشر أكثر من 200 بحث علمي، وأن كتابه في تحليل نماذج البيانات الاقتصادية بات مرجعاً للباحثين حول العالم.

وأشار الشيخ محمد بن راشد إلى حاجة المجتمعات العربية إلى اقتصاديين محترفين، مؤكداً أن السياسات الفاعلة تُبنى على علم راسخ وبيانات دقيقة، وأن «اقتصاد الأمة يُصنع بعقولها»، معبّراً عن تطلعه إلى «فصل عربي جديد» في مسيرة استئناف الحضارة العربية.

وجاء منح جائزة الاقتصاد هذا العام للبروفسور بادي هاني تقديراً لإسهاماته في تطوير أدوات التحليل الاقتصادي، خصوصاً في مجال «تحليل لوحة البيانات الاقتصادية»، الذي يعزز دقة دراسة البيانات عبر دمج معلومات من فترات زمنية ومصادر متعددة. وأسهمت ابتكاراته، بحسب المبادرة، في تحسين تقييم آثار السياسات الاقتصادية على المدى البعيد وعبر مناطق مختلفة، ما دفع حكومات ومؤسسات إلى تبنّي أساليبه في قياس كفاءة السياسات والإنفاق العام والأطر التنظيمية.

كما قدّم هاني دورات تدريبية لمختصين اقتصاديين ضمن مؤسسات دولية، بينها البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وبنوك مركزية عدة. ونشر أكثر من 200 بحث علمي، وله مؤلفات أكاديمية مؤثرة، أبرزها كتاب «تحليل نماذج البيانات الاقتصادية» المرجعي. وهو يحمل درجة البكالوريوس في الإحصاء من الجامعة الأميركية في بيروت، والماجستير من جامعة كارنيجي ميلون، والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بنسلفانيا.

وفي إطار الإعلان عن الجائزة، أجرى محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس اللجنة العليا لمبادرة «نوابغ العرب»، اتصالاً مرئياً بالبروفسور بادي هاني أبلغه خلاله بفوزه بجائزة «نوابغ العرب 2025» عن فئة الاقتصاد، مشيراً إلى أهمية الأبحاث والنظريات والأدوات التي طورها على مدى عقود، والتي أصبحت ركيزة أساسية في التحليل الاقتصادي الاستراتيجي القائم على المعطيات والبيانات الدقيقة لاستشراف مستقبل التنمية وتعظيم فرصها.

واعتبر القرقاوي أن فوز هاني يمنح «دافعاً قوياً» لجيل جديد من الباحثين والمحللين والاقتصاديين العرب للإسهام في رسم المرحلة المقبلة من التنمية الشاملة في المنطقة.


آلاف يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند «ستونهنج» في إنجلترا

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
TT

آلاف يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند «ستونهنج» في إنجلترا

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

احتشد آلاف الأشخاص ورقصوا حول «ستونهنج» في إنجلترا، بينما ارتفعت الشمس فوق الدائرة الحجرية ما قبل التاريخ، اليوم (الأحد)، في الانقلاب الشتوي.

وتجمعت الحشود، العديد منهم مرتدون زي الدرويد والمشعوذين الوثنيين، قبل الفجر، منتظرين بصبر في الحقل البارد والمظلم في جنوب غربي إنجلترا. وغنى بعضهم، وضربوا الطبول، بينما أخذ آخرون وقتهم للتأمل بين الأعمدة الحجرية الضخمة.

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

يقوم كثيرون بزيارة هذه الدائرة الحجرية كل صيف وشتاء، معتبرين ذلك تجربة روحية. ويعد النصب القديم، الذي بني بين 5000 و3500 سنة مضت، مصمماً ليتوافق مع حركة الشمس خلال الانقلابات، وهي تواريخ رئيسية في التقويم بالنسبة للمزارعين القدماء.

وقالت منظمة إنجلش هيريتاج، المسؤولة عن إدارة «ستونهنج»، إن نحو 8500 شخص احتفلوا يوم السبت بالموقع في سالزبوري بلين، على بعد نحو 75 ميلاً (120 كيلومتراً) جنوب غربي لندن. وأضافت أن البثّ المباشر للاحتفالات جذب أكثر من 242 ألف مشاهدة من جميع أنحاء العالم.

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

واليوم (الأحد)، هو أقصر يوم في السنة شمال خط الاستواء، حيث يشير الانقلاب الشتوي إلى بداية الشتاء الفلكي. أما في نصف الكرة الجنوبي، فهو أطول يوم في السنة ويبدأ الصيف.

ويحدث الانقلاب الشتوي عندما تصنع الشمس أقصر وأدنى قوس لها، لكن العديد من الأشخاص يحتفلون به كوقت للتجديد، لأن الشمس بعد يوم الأحد ستبدأ بالارتفاع مجدداً، وستزداد مدة النهار يوماً بعد يوم حتى أواخر يونيو (حزيران).


«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
TT

«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)

يقدّم الفيلم العراقي «الأسود على نهر دجلة» تجربة تتقاطع فيها الذاكرة الشخصية بالذاكرة الجماعية، ويعود فيها المخرج زرادشت أحمد إلى المُوصل، مدينة الجراح المفتوحة، بعد سنوات من محاولته الابتعاد عن العراق وصراعاته، فبعد نجاح فيلمه السابق «لا مكان للاختباء» وما تركه من أثر عاطفي ثقيل عليه، كان المخرج يؤكد لنفسه أنه لن يصوّر في المنطقة مرة أخرى.

لكن المُوصل كما يقول لـ«الشرق الأوسط» أعادت جذبه ببطء حين رأى الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب مع تنظيم «داعش»، وواجه أسئلة لم يتمكن من تجاهلها حول كيفية سقوط مدينة بهذا التاريخ أمام 800 مقاتل فقط، وكيف يحاول سكانها اليوم النهوض من جديد.

الفيلم الذي حصد التانيت الفضي للفيلم الوثائقي الطويل ضمن فعاليات الدورة الـ36 من «أيام قرطاج السينمائية»، بتونس، بدأت رحلة مخرجه من فكرة مختلفة تماماً، إذ كان يبحث عن تحفة أثرية، تُعرف باسم «بطارية بغداد»، ظنّ أنها سُرقت بعد عام 2003، قبل أن يكتشف وجودها في قبو المتحف الوطني.

وثّق الفيلم جانباً من الأضرار التي لحقت بالموصل (الشركة المنتجة)

لكن زيارة إلى الموصل بدّلت مسار الفيلم، ففي أحد الأزقة الضيقة للمدينة القديمة، وقف أمام منزل دُمر بالكامل، ولم يبقَ منه سوى بوابة رخامية، يعلوها أسدان منحوتان، كأنهما الحارسان الأخيران لزمنٍ مضى، هذا المشهد كان كافياً ليقرر أنه أمام قصة أكبر من مجرد بحث أثري، بل أمام ذاكرة مدينة بأكملها.

تعرف أحمد خلال تلك الرحلات إلى بشّار، الصياد ابن الموصل وصاحب المنزل المدمر، 4 أجيال من عائلته عاشت في ذلك البيت، واليوم لم يبقَ لهم سوى هذين الأسدين، في نظر بشّار لم يكونا حجارة، بل كانا امتداداً لعائلته، لذكرياته، لروحه كلها، يذهب يومياً إلى الأطلال ليحرسهما، ويواجه محاولات سرقة متكررة، ويقاوم شعوراً لا ينتهي بأن الدولة تخلّت عنه، وأن مدينته فقدت القدرة على ضمّه، مأساته في الفيلم ليست فقدان منزل فقط، بل فقدان هوية، وفشل محاولات الإقناع بأن الوقت قد حان للبدء من جديد.

رصد الفيلم جوانب مختلفة من الحياة في الموصل (الشركة المنتجة)

وفي مقابل بشار، يظهر فخري، الشخصية التي تضيف بعداً مختلفاً للفيلم، رجلاً ستينياً، جمع على مدى سنوات أكثر من 6 آلاف قطعة أثرية أنقذها من بيوت مهجورة وبقايا خراب الحرب، وحوّل منزله إلى متحف مفتوح للناس، باع سيارته، ومقتنيات زوجته، ومدخراته كلها ليحافظ على جزء من هوية الموصل. في البداية، كان يحلم بأن يضم باب منزل بشّار إلى مجموعته، معتقداً أنه يحمي تاريخ المدينة من الضياع.

لكن مع الوقت تبدأ تحولات داخلية عميقة تظهر في شخصيته، خصوصاً حين يواجهه صديقه الموسيقار فاضل بأن التاريخ ليس سلعة، وأن ما تبقى لبشّار ليس حجراً بل حياته نفسها، فيصبح هذا الصراع الإنساني بين رجلين يحبان مدينتهما على طريقتين مختلفتين محوراً أساسياً ينبني عليه الفيلم.

أما فاضل، الموسيقار الذي عاش 3 سنوات من الرعب تحت حكم «داعش»، فكان يخفي آلته الموسيقية خشية إعدامه. يخرج اليوم إلى الشارع، يعزف وسط الأنقاض، يعلّم جيلاً جديداً من الشباب ومعظمهم من الفتيات ويعيد الموسيقى إلى مدينة حاول التطرف أن يخنق صوتها، وجوده في الفيلم لا يقدّم بعداً موسيقياً جمالياً فقط، بل يعكس التغيّر الأعمق الذي عاشته الموصل بعد التحرير، انفتاحاً ثقافياً مفاجئاً وغير متوقع، وعودة للحياة المدنية من خلال الفن، لا السياسة.

التصوير كان رحلة محفوفة بالمخاطر كما يؤكد المخرج، فالكاميرا في العراق ليست موضع ترحيب، الناس يخشونها، السلطات تشك فيها، والمخابئ والممرات تحت الأرض كانت لا تزال مليئة بالألغام وبقايا العبوات، كثيراً ما أوقفته الشرطة أو اتهمه البعض بالتجسس، بينما كان يحاول الحفاظ على سلامة فريقه وسلامة الشخصيات التي ترافقه داخل أحياء مهدمة. ومع ذلك، كان الإحساس بأن الوقت ضيق والمدينة تتغير بسرعة دافعاً له للاستمرار، كما لو أنه يصوّر آخر فرصة لتوثيق ما تبقى من ذاكرة شفافة قبل أن تذوب.

خلال 5 سنوات من العمل، جمع المخرج أكثر من 600 ساعة تصوير، لم يكن يعتمد على سيناريو ثابت، بل على تطور القصة من قلب الواقع، وعلى اللحظة التي يلتقطها بعفوية، وعلى مشاهد تنشأ من الصمت أو من جملة يقولها بشّار أو فخري أو فاضل. ولهذا يبدو الفيلم حياً، غير مشكَّل مسبقاً، أقرب إلى تسجيل نبض مدينة تبحث عن روحها.

عودة الروح والموسيقى إلى الموصل بعد تحريرها من أيدي «داعش» (الشركة المنتجة)

يمتد أثر الفيلم إلى ما يتجاوز الشخصيات، فالموصل التي يظهرها أحمد ليست مجرد مدينة مدمرة، بل مدينة تحاول استعادة معمارها وروحها وذاكرتها، حيث نساء يخرجن إلى الساحات من جديد، فنانون يعيدون افتتاح المسرح، موسيقيون يدرّبون أطفالاً صغاراً، ومتحف وطني يُرمَّم بعد أن دمّره «داعش»، كل تفصيلة تتحرك داخل الفيلم باعتبارها جزءاً من سؤال أكبر؛ هل يمكن لمدينة فقدت كل شيء أن تستعيد هويتها؟ وهل يستطيع الإنسان أن يشفى من ذاكرة الحرب؟

ورغم أن الموصل اليوم أكثر أماناً، فإن المخرج يذكّر بأن الأفكار المتطرفة لا تختفي بسهولة، ويرى أن المدينة مثل مرآة للمنطقة كلها، وأن ما يحدث فيها يعكس ما يمكن أن يحدث في مدن أخرى إذا تُركت بلا دعم حقيقي أو دون إعادة بناء للثقة والوعي والانتماء.