معرض «بيروت مدينة التعايش» إضاءة على لبنان الحوار والسلام

الفاتحة في لوحة لهيلدا كيليكيان
الفاتحة في لوحة لهيلدا كيليكيان
TT

معرض «بيروت مدينة التعايش» إضاءة على لبنان الحوار والسلام

الفاتحة في لوحة لهيلدا كيليكيان
الفاتحة في لوحة لهيلدا كيليكيان

العيش المشترك الذي يميز لبنان أرضا وشعبا يترجمه معرض «بيروت مدينة التعايش» للفنانتين لينا وهيلدا كيليكيان، اللتين قدمتا فن الأرابيسك من خلال لوحات تجتمع فيها مأثورات هامة من الثقافتين الإسلامية والمسيحية.
أيقونات وزخرفات تحكي في خطوطها الذهبية حينا والمرصعة باللؤلؤ والأحجار الكريمة حينا آخر، فصولا من حياة رموز هاتين الديانتين ويستمر عرضها في «فيلا عودة» في منطقة الأشرفية في بيروت حتى الثامن والعشرين من الشهر الجاري.
وتقاسمت الفنانتان مهماتهما بأناملهما المبدعة بحيث وقعت هيلدا تلك الخاصة بالفن الإسلامي من آيات قرآنية ونصوص فيما حاكت لينا قصص أيقونات عبر التاريخ وجميعها مرسومة على البرشمان. وهي مادة مصنوعة من جلد البقر أو الحيوانات الأخرى ويتم تصنيعها خصيصاً للكتابة والرسم عليها. ويعد البرشمان أكثر تحملاً للاستعمال من أوراق البردي التي قل استخدامها بعد ظهور الطباعة في أوروبا.
والمعروف أن الفنانتين لينا وهيلدا كيليكيان تحظى أعمالهما بتقدير كبير من قبل خبراء محليين وعالميين معروفين في اليونان وبلجيكا وإيطاليا والمملكة العربية السعودية. وترتكز أعمالهما على الجمع بين الرسم بالأصباغ الطبيعية والتقنيات التقليدية التي تعكس القيم الروحية في المشرق العربي. ويتم اعتبارهما كمرجعين حديثين لهذا التقليد الفني الذي انطلقتا فيه منذ نحو 25 عاما.
وكما «سورة الروم» القرآنية اختارت هيلدا كيليكيان رسومات أخرى لآيات يحفظها الناس، بينها «لا إكراه في الدين»، في لوحات عدة تختلف فقط من حيث الزخرفات المحيطة بالآيات وقد طرزتها بخط يدها وتقول: «لم أستوح الخط المستخدم في لوحاتي من أي أحد آخر، فبمجرد إمساكي بريشتي تكر الكلمات بهذا الخط الذي أصفه بـ«الخاص بي». فعندما أكتب أي رسالة أو مدونة يأتي خطي مغايرا تماما للمستعمل هنا في رسوماتي». وعن اختيارها «الفاتحة» في أكثر من 20 لوحة تقول في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السورة هي الأكثر تداولا بين المسلمين حتى أن هناك مسيحيين في لبنان يعلقونها في منازلهم كرمز للبركة. وقد قدمتها في زخرفات مختلفة وبألوان دافئة لترضي جميع الأذواق». وبحسب هيلدا فإن أعمالها عامة وسبق وعرضتها في مسقط وأبوظبي والسعودية، وهي تلاقي إقبالا كبيرا من أهالي الخليج العربي، إذ يجدون فيها مساحة للتأمل والراحة وعادة ما يتم تبادلها كهدايا بينهم لأنها تعد قيمة بشكلها ومضمونها.
أما لينا كيليكيان التي رسمت السيدة العذراء إضافة إلى لوحات أخرى يظهر فيها بعض القديسين، فقد استخدمت ورق الذهب فيها بشكل لافت بعد أن زينتها بأحجار ملونة اصطفت بدقة حول الرسم. «اللون الذهبي يأخذنا إلى السماء ويخرجنا من حالات الضيق والحزن بصورة تلقائية». تقول لينا التي قدّمت نحو 30 لوحة تناولت فيها رموزا دينية مسيحية. ويتضمن المعرض أيضا رسومات عنونت بـ«أرابيسك» وهي كناية عن زخرفات ونقوش مستوحاة من حقب تاريخية ماضية، تبرز هذا الفن الذي يشكل أحد أهم عناصر الفن الإسلامي القديم، ممثلا بنماذج من الطبيعة وأشكال هندسية متداخلة ومعقدة وقد تم تلوينها بطريقة جذابة.


مقالات ذات صلة

الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

ثقافة وفنون الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

في سياق الاهتمام المتنامي في العالم العربي عموماً، وفي البلدان الخليجيّة خصوصاً، تبرز «موسوعة الفلسفة الفرنسيّة المعاصرة».

مالك القعقور
كتب كتب فرنسية تقدم قراءة مختلفة للإسلام

كتب فرنسية تقدم قراءة مختلفة للإسلام

كان لافتاً أن تصدر في باريس مجموعة من الكتب الجديدة عن تراثنا العربي الإسلامي الكبير فخلال شهر واحد فقط أو شهرين صدرت مؤلفات عدة عن القرآن الكريم والنبي العظيم.

هاشم صالح
شؤون إقليمية يهود حريديم يحملون لافتات خلال احتجاج ضد التجنيد بالجيش الإسرائيلي في القدس 30 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

وفاة شاب في احتجاج لليهود المتزمتين دينياً بالقدس

تحولت مسيرة حاشدة لليهود المتزمتين دينياً ضد تجنيدهم بالجيش في القدس إلى العنف، اليوم الخميس، عندما لقي فتى في سن المراهقة حتفه، خلال الاحتجاج.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي البابا ليو الرابع عشر خلال قداس في كاتدرائية القديس بطرس بالفاتيكان 26 أكتوبر 2025 (رويترز)

البابا ليو يعتزم زيارة موقع انفجار مرفأ بيروت خلال وجوده في لبنان

أعلن الفاتيكان برنامج الزيارة التي ستجرى بين 27 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول) إلى تركيا ولبنان، وتتضمّن زيارة موقع انفجار مرفأ بيروت للصلاة

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
أوروبا سارة مولالي تلقي خطاباً بعد أن تم اختيارها أول امرأة لتصبح رئيسة أساقفة كانتبري في تاريخ كنيسة إنجلترا الذي يمتد لأكثر من 500 عام وذلك في كاتدرائية كانتبري في كانتبري ببريطانيا 2 أكتوبر 2025 (إ.ب.أ)

اختيار سارة مولالي أول امرأة لقيادة الكنيسة الأنغليكانية

أعلنت السلطات الكنسية البريطانية، اليوم الجمعة، اختيار أسقف لندن، سارة مولالي، رئيسة جديدة لأساقفة كانتبري، لتصبح أول امرأة تقود كنيسة إنجلترا.

«الشرق الأوسط» (لندن)

غناء اليودلية والطبخ الإيطالي مرشحان للانضمام إلى تراث «اليونيسكو» الثقافي

أعضاء نادي اليودلينغ السويسري يؤدّون عرضاً في كنيسة بلومّيس بالتزامن مع بحث إدراج هذا الفن على قائمة التراث غير المادي لـ«اليونيسكو» (إ.ب.أ)
أعضاء نادي اليودلينغ السويسري يؤدّون عرضاً في كنيسة بلومّيس بالتزامن مع بحث إدراج هذا الفن على قائمة التراث غير المادي لـ«اليونيسكو» (إ.ب.أ)
TT

غناء اليودلية والطبخ الإيطالي مرشحان للانضمام إلى تراث «اليونيسكو» الثقافي

أعضاء نادي اليودلينغ السويسري يؤدّون عرضاً في كنيسة بلومّيس بالتزامن مع بحث إدراج هذا الفن على قائمة التراث غير المادي لـ«اليونيسكو» (إ.ب.أ)
أعضاء نادي اليودلينغ السويسري يؤدّون عرضاً في كنيسة بلومّيس بالتزامن مع بحث إدراج هذا الفن على قائمة التراث غير المادي لـ«اليونيسكو» (إ.ب.أ)

من المقرر أن يبدأ خبراء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) مداولاتهم في الهند، اليوم (الاثنين)، بشأن الممارسات والتقاليد التي يجب إعلانها كتراث ثقافي غير مادي، مع ترشح فن الغناء السويسري اليودلية والطبخ الإيطالي ضمن الترشيحات هذا العام.

وتم ترشيح ما مجموعه 66 عادة وحرفة من جميع أنحاء العالم لإدراجها في إحدى قوائم التراث الثقافي الثلاث للهيئة الثقافية والتعليمية التابعة للأمم المتحدة.

وتشمل الترشيحات أيضاً ثقافة حمامات السباحة في آيسلندا، و«ديبافالي» وهو مهرجان الأضواء الهندوسي المعروف باسم «ديوالي».

كما تم ترشيح تقليد العرائس الخشبية «رود ماريونيت» في بروكسل، وكذلك مهرجان جيفاتا، وهو مهرجان رأس السنة الجديدة الذي يحتفل به شعب ولايتا في إثيوبيا.

ولكي يجري الإعلان رسمياً عن ممارسة أو حرفة كتراث ثقافي غير مادي، يجب تناقلها من جيل إلى جيل والحفاظ عليها حية من مجتمع ما، من بين معايير أخرى.

وقال كريستوف وولف، نائب رئيس اللجنة الألمانية للمنظمة: «يمثل التراث الثقافي غير المادي المشاركة الثقافية والتنوع والحيوية».

وتُعقد الدورة العشرون للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي في نيودلهي في الفترة من الاثنين إلى السبت.

وفي هذا العام، سيفحص الخبراء 11 ترشيحاً لقائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل، و54 ترشيحاً للإدراج في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، بالإضافة إلى اقتراح واحد لسجل ممارسات الصون الجيدة.


مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
TT

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)

تواصل مصر خطتها لإحياء وتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، وفق أحدث المعايير العالمية والدولية، مع العمل على وصلهما ببعضهما البعض وافتتاحهما قريباً بإدارة من القطاع الخاص.

وأكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة تتابع باهتمام تنفيذ مشروع تطوير الحديقتين، انطلاقاً من أهميته في ظل الطابع التاريخي المميز لهما، وتتطلع لإعادة إحيائهما، والانتهاء من عملية التطوير وفق الخطة الزمنية المقررة، وإدارتهما وتشغيلهما على النحو الأمثل.

وقال مدبولي في بيان عقب اجتماع، الأحد، مع عدد من الوزراء والمسؤولين المعنيين بالمشروع: «هذا المشروع بمثابة حلم للحكومة نعمل جميعاً على تحقيقه، وهدفنا أن يرى النور قريباً، بإدارة محترفة من القطاع الخاص، تحافظ على ما يتم ضخه من استثمارات».

وشهد الاجتماع استعراض مراحل مشروع إحياء وتطوير حديقتي الحيوان والأورمان، حيث تمت الإشارة إلى اعتماد التصميمات وأعمال الترميم والتطوير من جانب المنظمات العالمية المُتخصصة، ونيل شهادات ثقة عالمية من جانبها، مع التعامل مع البيئة النباتية بأسلوب معالجة علمي، إلى جانب تدريب الكوادر العاملة بالحديقتين وفق أعلى المعايير العالمية، بما يواكب رؤية التطوير، ويضمن توافق التشغيل مع المعايير الدولية»، وفق تصريحات المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني.

ويتضمن مشروع تطوير «حديقة الحيوان بالجيزة» مساحة إجمالية تبلغ 86.43 فدان، ويبلغ إجمالي مساحة مشروع «حديقة الأورمان» 26.7 فدان، بمساحة إجمالية للحديقتين تصل إلى 112 فداناً، واستعرض الاجتماع عناصر ربط المشروعين معاً عبر إنشاء نفق يربط الحديقتين ضمن المنطقة الثالثة، بما يعزز سهولة الحركة، ويوفر تجربة زيارة متكاملة، وفق البيان.

وتضمنت مراحل التطوير فتح المجال لبدء أعمال تطوير السافانا الأفريقية والمنطقة الآسيوية، إلى جانب الانتهاء من أعمال ترميم الأماكن الأثرية والقيام بتجربة تشغيلية ليلية للمناطق الأثرية بعد تطويرها بواقع 8 أماكن أثرية.

التشغيل التجريبي للمناطق الأثرية ليلاً بعد تطويرها (حديقة الحيوان بالجيزة)

وأشار البيان إلى أن مستشاري مشروع الإحياء والتطوير؛ وممثلي الشركة المُشغلة للحديقتين، عرضوا خلال الاجتماع مقترحاً للعودة للتسمية الأصلية لتكونا «جنينة الحيوان»، و«جنينة الأورمان»؛ حرصاً على التمسك بهويتهما لدى جموع المواطنين من روادهما منذ عقود، كما أكدوا أن إدارة الحديقتين وتشغيلهما سيكون وفق خطة تضمن اتباع أحدث النظم والأساليب المُطبقة في ضوء المعايير العالمية.

وتم تأكيد ارتفاع نسب الإنجاز في الجوانب التراثية والهندسية والفنية بمشروع تطوير الحديقتين، حيث شملت أعمال الترميم عدداً من المنشآت التاريخية، أبرزها القصر الملكي والبوابة القديمة والكشك الياباني.

وحقق المشروع تقدماً في الاعتمادات الدولية من جهات مثل الاتحاد الأوروبي لحدائق الحيوان (EAZA) والاتحاد العالمي (WAZA) والاتحاد الأفريقي (PAAZA)، وفق بيان مجلس الوزراء المصري.

وترى الدكتور فاتن صلاح سليمان المتخصصة في التراث والعمارة أن «حديقة الحيوان بالجيزة من أكبر حدائق الحيوان في الشرق الأوسط وأعرق حدائق الحيوان على مستوى العالم، حيث تأسست في عهد الخديو إسماعيل، وافتُتحت في عصر الخديو محمد توفيق، وكان بها في بداية افتتاحها أكثر من 175 نوعاً من الحيوانات النادرة من بيئات مختلفة حول العالم، كما كان تصميمها من أجمل التصميمات في العالم وقتها، وكانت متصلة بحديقة الأورمان وقت إنشائها».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «حديقة الأورمان من أهم الحدائق النباتية في العالم، وكانت جزءاً من القصر الخاص بالخديو إسماعيل، وكانت مخصصة لمد القصر بالفواكه والخضراوات، وصممها مهندسون فرنسيون»، وأشارت إلى أن كلمة أورمان بالأساس هي كلمة تركية تعني الغابة أو الأحراش، وعدت مشروع تطوير الحديقتين «من أهم المشروعات القائمة حالياً والتي من شأنها أن تعيد لهما طابعهما التراثي القديم، وهو من المشروعات الواعدة التي من شأنها أن تغير كثيراً في شكل الحدائق المصرية» وأشادت بفكرة العودة إلى الاسمين القديمين للحديقتين وهما «جنينة الحيوان» و«جنينة الأورمان»، لافتة إلى تغيير الصورة الاستثمارية للحديقتين بعد التطوير لوجود مناطق ترفيهية وكافيهات ومناطق لأنشطة متنوعة.


نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
TT

نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

قالت المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي إن العمل الفني لا يولد مصادفة، بل يأتي من تلك الرجفة الداخلية التي يخلّفها هاجس ما، أو من أسئلة لا تتوقف عن الإلحاح حتى تتحوّل إلى قصة.

وبدت نادين في جلستها الحوارية بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، الأحد، التي أدارها أنطوان خليفة، مدير البرنامج العربي والكلاسيكي بالمهرجان، كأنها تفتح كتاباً شخصياً، تقلب صفحاته بهدوء وثقة، وتعيد ترتيب ذكرياتها وتجاربها لتشرح كيف تُصنع الأفلام. فمنذ اللحظة الأولى لحديثها، شددت على أن الصدق هو ما يميّز الفيلم؛ ليس صدق رؤيتها وحدها، بل صدق كل مَن يقف خلف الكاميرا وأمامها.

وأكدت أن الشغف والهوس هما ما يسبقان الولادة الفعلية لأي فكرة؛ فقبل أن تصوغ أولى كلمات السيناريو، تكون قد أمضت زمناً في مواجهة فكرة لا تريد مغادرة ذهنها. شيئاً فشيئاً يبدأ هذا الهاجس بالتشكّل والتحول إلى موضوع محدد يصبح البوصلة التي تضبط كل التفاصيل الأخرى. قد تتغير القصة، وقد يتبدّل مسار الفيلم، لكن الفكرة الجوهرية، ذلك السؤال الملحّ، تبقى العنصر الثابت الذي يجب بلوغه في النهاية.

وتسترجع نادين لحظة ولادة فيلم «هلّأ لوين؟»، فتعود إلى حرب 2008، حين كانت مع طفلها في شوارع بدت كأنها على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة. وتروي كيف تسلّل إليها الخوف عندما تخيّلت ابنها شاباً يحمل السلاح، وكيف تحوّلت تلك اللحظة إلى بذرة فيلم كامل.

نادين لبكي خلال «مهرجان البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

وفي «كفرناحوم» حدث شيء مشابه، إذ تقول إنها كانت ترى الأطفال في الشوارع، وتنصت إلى قصصهم، وتراقب نظرتهم إلى العالم وإلى الناس الذين يمرّون أمامهم كأنهم عابرون بلا أثر. من هنا بدأت الفكرة، ثم امتدّ المشروع إلى 5 سنوات من البحث الميداني، أمضت خلالها ساعات طويلة في محاولة فهم القوانين، والحياة اليومية، والدوافع الإنسانية التي تحكم هذه البقع المهمَّشة.

وتؤكد نادين أن مرحلة الكتابة ليست مجرد صياغة نص، بل لحظة مشاركة وتجربة مشتركة، فالعلاقة بين فريق الكتابة بالنسبة إليها أساسية. وتشير إلى أنها تحب العمل مع أشخاص يتقاسمون معها الرؤية والمبادئ نفسها. أحياناً يكتبون أسبوعين متواصلين، ثم يتوقفون شهوراً قبل أن يعودوا للعمل من جديد، بلا مواعيد نهائية صارمة، لأن القصة، كما تقول، هي التي تحدد إيقاعها وزمنها، لا العكس.

وعندما تنتقل إلى الحديث عن اختيار الممثلين، تكشف أن العملية تستغرق وقتاً طويلاً، لأن أغلب أبطال أفلامها ليسوا محترفين. ففي «كفرناحوم» مثلاً، كان من المستحيل بالنسبة إليها أن تطلب من ممثل محترف أن ينقل ذلك القدر من الألم الحقيقي، لذلك اتجهت إلى أشخاص عاشوا التجارب نفسها أو عايشوا مَن مرّ بها. وتؤكد أنها مفتونة بالطبيعة الإنسانية، وأن فهم الناس ودوافعهم هو بوابة الإبداع لديها؛ فهي لا تفكر في النتيجة في أثناء التصوير، بل في التجربة نفسها، وفي اللحظة التي يُصنع فيها المشهد.

نادين لبكي عقب الجلسة الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

وتتوقف نادين أيضاً عند تجربتها التمثيلية في فيلم «وحشتيني»، كاشفة أنه من أكثر الأعمال التي أثّرت فيها على مستوى شخصي، وأنها سعدت بالعمل مع النجمة الفرنسية فاني أردان. وترى أن التمثيل هذه المرة جعلها تعيش السينما من زاوية مختلفة، فهي تؤمن ـ كما تقول ـ بنُبل السينما وقدرتها على تغيير الإنسان وطريقة تفكيره ونظرته إلى الأشياء، وهو ما يشجعها على الاستمرار في خوض تجارب سينمائية تركّز على السلوك الإنساني، مع سعي دائم لفهم الدوافع غير المتوقعة للأفراد أحياناً.

وتشير إلى أن المدرسة الإيرانية في إدارة الممثلين كانت ذات تأثير كبير في تكوينها الفني. ورغم غياب صناعة سينمائية حقيقية في لبنان عندما بدأت مسيرتها الإخراجية، فإنها تعلّمت عبر الإعلانات والفيديو كليبات، وصنعت طريقها بنفسها من عمل إلى آخر، لعدم وجود فرصة الوقوف إلى جانب مخرجين كبار. وقد عدت ذلك واحداً من أصعب التحديات التي واجهتها.

وأكدت أن فيلمها الجديد، الذي تعمل عليه حالياً، مرتبط بفكرة مركزية، وسيُصوَّر في أكثر من بلد، ويأتي ضمن هاجسها الأكبر، قصة المرأة وتجاربها. ولأن أفكارها تولد غالباً من معايشة ممتدة لقضايا تحيط بها يومياً، تقول: «نعيش زمناً تختلط فيه المفاهيم بين الصواب والخطأ، ولا نجد مرجعاً سوى مبادئنا الشخصية»، مؤكدة أنها تستند في اختياراتها الفنية إلى ما تؤمن به فقط.

وفي ختام حديثها، تتوقف عند شراكتها مع زوجها الموسيقي خالد مزنَّر، وتصفها بأنها واحدة من أهم ركائز تجربتها، موضحة أن رحلتهما في العمل على الموسيقى تبدأ منذ لحظة ولادة الفكرة. وأحياناً يختلفان بشدة، ويتجادلان حول الموسيقى أو الإيقاع أو الإحساس المطلوب، لكنهما يصلان في النهاية إلى صيغة فنية تجمع رؤيتهما، وترى نفسها محظوظة بأنها ترافق شخصاً موهوباً فنياً وإنسانياً.