يقترح علينا الشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار، في «عودة آدم»، ديوانه الشعري الجديد، «سيرة تُمحى فيها الحدود بين الأزمنة والأمكنة، بين الأشياء المرئية وغير المرئية، تتبنَّى ضمير المتكلِّم، بصيغة المفرد»، هو الذي يعلن، منذ أول سطر: «أنا آدَمُ - أوَّلُ رجل على هَذِهِ الأرض - أوْمَأَ للشَّمس ونَادَاهَا باسمِها».
«لماذا يعود آدم الآن؟»، يتساءل الخصار، رداً على سؤالنا: «منذ سنوات وأنا أحمل هذا السؤال: ماذا لو عاد آدم ورأى ما نعيشه اليوم وما عشناه من قبل؟ هل سيكون سعيداً بما آل إليه أبناؤه وأحفاده، أم العكس؟ ربما سيندم. فتاريخ العالم لم يكن تاريخاً سعيداً، دائماً. كانت هناك إشراقات وأشياء جميلة، كما كانت هناك أشياء سيئة وبشعة، سوداء في تاريخ العالم. ليس، الآن، فحسب، ولكن حتى فيما مضى. هناك تاريخ من الحروب والمجاعات والكوارث، سواء تلك التي خلقتها الطبيعة أو خلقتها الكوارث أو التي خلقها الإنسان. سؤالي كان: إذا عاد آدم، الآن، فكيف ستكون نظرته لعالمنا. والديوان يقترب، في نظري، من الجواب. ربما سيبقى آدم حائراً مع شعور يختلط فيه الرضا بالندم».
يشدد شاعر «نيران صديقة» على أنه لم يذهب كثيراً، لكتابة نصه المطول، إلى التاريخ والفلسفة وعلم الأديان والأنثروبولوجيا، وكل ما يمكن أن يرتبط لدى المتلقي الأول بخصوص آدم، وإنما ذهب إلى «الشعر، إلى جانب الإحساس لدى آدم، الذي ليس في النهاية، ربما، سوى الشاعر، سوى القارئ، وسوى الإنسان عموماً»، مع إشارته إلى أن «الشعر أصبح، اليوم، أكثر شساعة»، إذ «يمكن أن تتحدث عن أي شيء، شعرياً. إذ لم يعد الشاعر يتحدث، فقط، عن ذاته، بل أصبح ممكناً أن يتحدث عن أي موضوع، وكل ما يمكن أن يتبادر إلى الذهن».
وعن علاقة ديوانه الجديد بمنجزه السابق، الذي يتضمن أربعة دواوين: «أخيراً وصل الشتاء»(2004) و«أنظر وأكتفي بالنظر»(2007) و«نيران صديقة»(2009) و«بيت بعيد» (2013)، فضلاً عن «خريف فرجينيا، رحلات إلى أوروبا وأميركا» (2017)، قال الخصار: «كتبتُ أربع مجموعات شعرية، هي، في الأساس، تجميع لعدد من النصوص، النصوص القليلة في الغالب، فأنت تعرف أني أجنح إلى كتابة قصائد مطولة، بحيث يتشكل العمل الشعري من أربعة إلى سبعة أو ثمانية نصوص. إذن هناك نية مسبقة أو استعداد مسبق لتأليف كتاب شعري من نص واحد مطول. وهذا ما حدث مع (عودة آدم). الخطاب الذاتي دائماً حاضر، أقصد أنا الشاعر. في (عودة آدم) هناك قناع، لكن القارئ سيكتشف أن آدم هو الشخصية التي تقف على الخشبة لتقول كلاماً ألفه المؤلف. ما من آدم في النهاية سوى الشاعر. وبالتالي فالكتاب الجديد امتداد لنظرتي القديمة، نظرة شاعر يحاكم العالم. هذه هي مهمتي الأثيرة منذ بداية الكتابة. والمحاكمة لديَّ تتخذ أشكالاً عديدة، قد تبدأ بالصراخ وتنتهي بالصمت».
وعن الذي يستطيعه الشعر، في هذا «الزمن غير الشعري»، كما يقول الخصار عادة، يرى شاعر «أنظر وأكتفي بالنظر» أن «بإمكان الشعر أن يقول كل شيء. إنه فن أدبي قديم ومعتق، خبر الحياة جيداً، وعاش منذ قرون تقلبات العالم، وبالتالي فهو الأقدر دائماً على التعبير عن هذه الأهوال والتغيرات بأقل كلمات ممكنة. يتفوق الشعر على الأجناس الأخرى في قدرته المذهلة على قول أشياء كثيرة بكلمات قليلة جداً. لم يعد الشعر بالضرورة عنصراً قادراً على تغيير العالم، ولكنه شاهد كبير على فظاعات العصر وعلى إشراقاته أيضاً. إنه الطفل الذي يرفع لافتة احتجاج في الطريق العامة. قد لا ينتبه إليه أحد، ولكن لن يتعب ولن يغادر الشارع العام حتى وإن غادر الجميع».
وجاء في تقديم دار النشر «المتوسط»: «عودة آدم» جاء عبارة عن نصٍّ واحد مُطوَّل، رصد فيه الشاعر «تحوُّلات آدمِه، من خلال تفاصيل التيه، والوحدة، والبحث عن سبب يجعلُ لوجوده المتوتِّر معنى»، متعمداً «الإجابة عن أسئلة آدم بإقحامِه في التجربة، يُحيله على مُساءلة كلَّ الموجودات، ومحاولة الإمساك بأي شيءٍ، بأي حدسٍ، أو إحساسٍ، يجعله ينتبه لما فاته، ما يعيشه الآن، وما سيكون عليه في زمنٍ آخر، كأنَّنا بصدد مشاهدة شريطٍ سينمائي طويل، يقفزُ بين أعمار الإنسان، متكئاً على الذاكرة واختبار الألم، وكيفَ يمكننا اللَّعب في مساحة محدودة»، وذلك قبل أن «يطوي الزَّمَنُ هَذه الحَياة سَريعاً - ويَضَعُها في صُندُوق»، لذلك «يتوقَّف آدم عند محطَّاتٍ بعينها، لا ليرتاحَ، بل ليضعنا أمام هولِ مأساة الوجود، حينَ تخرج من قاموسِه كلماتٌ على صلة بالحربِ، والقتلِ والمجازر الإنسانية وأنهار الدِّماء التي لا تزالُ تسيلُ منذ أول جريمة إلى اليوم».
7:49 دقيقة
شاعر «يحاكم العالم»
https://aawsat.com/home/article/1186756/%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%C2%AB%D9%8A%D8%AD%D8%A7%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%C2%BB
شاعر «يحاكم العالم»
«عودة آدم» للمغربي عبد الرحيم الخصار
- مراكش: عبد الكبير الميناوي
- مراكش: عبد الكبير الميناوي
شاعر «يحاكم العالم»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة