قنوات لبنانية تعمق الشرخ بين الأحزاب قبيل الانتخابات

معارك وصلت لحد الشتائم رغم قانون يفرض التعددية والمهنية

قوبلت الكلمة بردود عنيفة من «إن بي إن» التي حملت بشدّة على خيّاط ووصفته بـ«مطمر نفايات» - تلفزيون «الجديد» يبثّ كلمة نارية لصاحبه تحسين خيّاط متبنّياً توصيف باسيل لبري بالـ«بلطجي»
قوبلت الكلمة بردود عنيفة من «إن بي إن» التي حملت بشدّة على خيّاط ووصفته بـ«مطمر نفايات» - تلفزيون «الجديد» يبثّ كلمة نارية لصاحبه تحسين خيّاط متبنّياً توصيف باسيل لبري بالـ«بلطجي»
TT

قنوات لبنانية تعمق الشرخ بين الأحزاب قبيل الانتخابات

قوبلت الكلمة بردود عنيفة من «إن بي إن» التي حملت بشدّة على خيّاط ووصفته بـ«مطمر نفايات» - تلفزيون «الجديد» يبثّ كلمة نارية لصاحبه تحسين خيّاط متبنّياً توصيف باسيل لبري بالـ«بلطجي»
قوبلت الكلمة بردود عنيفة من «إن بي إن» التي حملت بشدّة على خيّاط ووصفته بـ«مطمر نفايات» - تلفزيون «الجديد» يبثّ كلمة نارية لصاحبه تحسين خيّاط متبنّياً توصيف باسيل لبري بالـ«بلطجي»

تعكس الحملات الإعلامية المتبادلة بين بعض محطات التلفزة اللبنانية صورة الصّراع المستحكم بين القوى والأحزاب السياسية التي تتقاسم ملكية هذه الوسائل، والتي تتحوّل إلى منبر انتخابي باسمها في مرحلة الانتخابات. وبدأ هذا الواقع يتكرّس أكثر مع اقتراب موعد الاستحقاق النيابي المقبل في شهر مايو (أيار) المقبل، بحيث تحاول كلّ وسيلة تسويق مرشحي حزبها، عبر مقابلات مكثّفة ونشر بياناتهم وبرامجهم الانتخابية التي تعتمد بشكل أساسي على شنّ «معارك» ضد الفريق الخصم. وتمثل المعركة الإعلامية التي اندلعت قبل أسبوعين ووصلت إلى حد الشتائم بين قناتَي «أو تي في» المحسوبة على «التيار الوطني الحر»، و«إن بي إن» المحسوبة على «حركة أمل»، وبين الأخيرة و«قناة الجديد»، نموذجاً للواقع «الإعلامي السياسي الانتخابي» الذي سيطبع هذه المرحلة قبل الانتخابات النيابية في شهر مايو المقبل.
وإذا كان امتلاك كل حزب محطة تلفزيوينة أو صحيفة أو إذاعة يعطي الأفضيلة لمرشحيه على المرشحين الذين لا يتملكون مثل هذا الامتياز، فإن القانون الانتخابي الجديد يراعي مسألة توفير مساحة إعلامية لكل اللوائح بالتوازن والتساوي بينها، ما يجعل وسائل الإعلام الحزبية تحت رقابة الالتزام بالمعايير المهنية والقانونية، في مقابل مسؤولية هذه الهيئة لجهة المراقبة الدقيقة والمحاسبة.
ولا يخفي المسؤولون في بعض وسائل الإعلام، انحياز مؤسساتهم إلى أحزابها ومرجعياتها السياسية، من دون أن تتنكر لحيثيات القانون والالتزام ولو بالحدّ الأدنى بمعاييره. وقد أعلن مدير الأخبار في تلفزيون «المستقبل» عماد عاصي، أنّ المحطة المحسوبة على «تيار المستقبل» والمملوكة لرئيس الحكومة سعد الحريري «تعمل منذ عام 1992 على تغطية الانتخابات ومواكبتها بموضوعية، وتحاول إيجاد توازن بين المرشحين وإظهار كلّ الآراء»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أنّ «التباعد في المواقف السياسية، لا يلغي حق الآخرين في إبراز أدوارهم والحديث عن برامجهم عبر شاشتنا».
ويُجمع المطلعون على الواقع الانتخابي المعقّد أصلاً، أنّ القانون الجديد سيزيد من أعباء اللوائح التي لا تتمتع بميزات تفاضيلة قياساً بأحجام الأحزاب والتيارات السياسية وقدراتها المالية والإعلامية، وقد رأى عباس ضاهر، مدير البرامج السياسية في محطة «إن بي إن» المملوكة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، أنّ المحطة «ستلتزم بالقوانين التي تساوي بين كل المرشحين في برامجهم وحملاتهم الانتخابية». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «هيئة الإشراف على الانتخابات، لديها لجنة متخصصة في مراقبة الإعلام، وكل التقارير التي تعدّ عبر المحطات التلفزيونية والصحف والإذاعات، تخضع لرقابتها، ومدى منحها كل مرشح المساحة الوافية لعرض برنامجه»، معترفاً بأنّ وسائل الإعلام الحزبية «ستكون منحازة عاطفياً لمرشحيها الحزبيين، مع الحفاظ على إيجاد هامش إعلامي للمرشحين في اللوائح المنافسة، وتوفير إطلالات لهم، وسنحاول قدر الإمكان احترام هذه المعايير».
وما يسري على الـ«إن بي إن»، ينطبق على تلفزيون «المستقبل» لجهة التعاطف مع مرشحي التيار، وقال عماد عاصي: «نحن لا ننكر أنّنا نمثّل طرفاً سياسياً وهو (تيار المستقبل)، لكنّنا نعمل جاهدين على إيجاد توازن بين كل الأطراف، وإذا كان لنا رأينا السياسي، فهذا لا يقف حائلاً دون اعتمادنا المعايير المهنية وأن نكون عادلين مع كلّ المرشحين»، مضيفاً أنّ «هناك قانوناً يراقب دور الإعلام والضوابط التي وضعت له خلال المعركة الانتخابية، لإيجاد مساحة عادلة ومتساوية بين الجميع، ونحن سنحترمها». موضحاً أنّ «الضوابط لا تعني قبولنا بتقييد الإعلام، بل نريد منع الفوضى الإعلامية».
وكانت مقدمات نشرات الأخبار قد شهدت ما يشبه الحرب الإعلامية عالية السقف، بين بعض المحطات، خصوصاً بين «أو تي في» و«إن بي إن»، بعد الشريط المسرّب لوزير الخارجية جبران باسيل الذي وصف فيه رئيس البرلمان نبيه بري بالـ«بلطجي»، ما استدعى رداّ قاسياً عليه من القناة، وتحركاً في الشارع لمناصري برّي، ورداً على الرد من «أو تي في».
وعمّا إذا كانت الحملات العنيفة بين المحطات التلفزيونية ستستمر في خضم المعركة الانتخابية، قال عباس ضاهر: إنّ «معادلتنا تقول العين بالعين والسنّ بالسنّ والبادئ أظلم». وأضاف: «مَن يرشقنا بوردة سنردّ عليه بوردة، والكلمة بالكلمة، ومن يهاجمنا بقسوة سنهاجمه بلغة أقسى، لكن في ما يخص المعركة الانتخابية، سنحترم القانون ونطبّقه، مع مراعاة خياراتنا السياسية والحزبية»، مذكِّراً بأنّ «الحركة تخوض الانتخابات على أساس وطني وليس بخلفية طائفية أو مذهبية».
ولم تكد تهدأ عاصفة «التيار الوطني الحرّ» وحركة «أمل»، حتى أطل «تلفزيون الجديد» في عيده الـ25، الذي بثّ كلمة نارية لصاحبه تحسين خيّاط متبنّياً توصيف باسيل لبري بالـ«بلطجي»، وقوبل بردود عنيفة من «إن بي إن» التي حملت بشدّة على خيّاط ووصفته بـ«مطمر نفايات»، ووجهت إليه أقسى العبارات التي قوبلت بمواقف لا تقلّ قسوة عن المحطة الأخرى، وقد اتخذت وسائل الإعلام من هذا التراشق العنيف مادة لبرامجها، قبل أن تهدأ الحملات الإعلامية على أثر الاتصال الذي أجراه رئيس الجمهورية ميشال عون برئيس مجلس النواب نبيه بري، واتفقا فيه على التهدئة ووقف الحرب الكلامية.
وإذا كانت المحطات الحزبية تجاهر بسياستها الانتخابية، فللقنوات المحايدة نسبياً رأي آخر، فقد أكد غياث يزبك، مدير الأخبار والبرامج السياسية في محطة «إم تي في»، أنّ مقاربة محطته للمعركة الانتخابية «ستكون ضمن الأطر القانونية، الخاضعة لرقابة هيئة الإشراف على الانتخابات». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن الحملات الانتخابية «تفرض علينا أن نساوي بين كلّ المرشحين، والصعوبة التي كنّا نعانيها في النظام الأكثري بسبب كثافة المرشحين المنفردين، تجاوزناها في النظام النسبي الذي يعتمد اللوائح». ولفت يزبك إلى أن تقارير وزارة الداخلية التي صدرت بعد انتخابات 2009، أكدت أن «إم تي في»، كانت الأكثر التزاماً بالمعايير القانونية، وأعطت مساحة إعلامية ما بين 49 و52 لمرشحي «14 آذار» مقابل 48 لمرشحي «8 آذار»، لأنّ بعض مرشحي الفريق الأخير قاطعونا، واعتبرونا منحازين لـ«14 آذار». وقال: «لا ننكر ميولنا السياسي، لكن ليس له دور في مقاربتنا الإعلامية».
وتحوّلت المحطات التلفزيونية في لبنان إلى قنوات نفوذ للقوى السياسية، موزّعة على الأحزاب والتيارات الكبرى، «أو تي في» تتبع سياسياً «التيار الوطني الحرّ»، وقد أسّسها العماد ميشال عون في عام 2008، خلال رئاسته للتيار، قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية، بينما تتبع «إن بي إن» رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهي ممولة من رجال أعمال قريبين سياسياً من برّي وحركة «أمل»، أمّا تلفزيون «المستقبل» فتعود ملكيته كاملة لرئيس الحكومة سعد االحريري ومموّل منه شخصياً، بينما يمتلك «حزب الله» تلفزيون «المنار»، ويعدّ إحدى وسائل الإعلام الحربي التابعة له ولما يسمّى محور المقاومة في لبنان والمنطقة.
إلى جانب هذه القنوات، هناك 3 محطات غير حزبية، هي «إم تي في» التي يملكها النائب السابق غبريال المرّ، ويرأس مجلس إدارتها نجله رجل الأعمال ميشال المرّ، وهذه المحطة قريبة سياسياً من خيارات قوى «14 آذار»، لكنّها تملك هامشاً من الاستقلالية، يمنحها حرية التنوّع في استقبال الشخصيات من كل الأطراف خلال برامجها السياسية، وقناة «الجديد» التي يملكها رجل الأعمال تحسين خيّاط، لكنّها مؤيدة سياسياً لـ«حزب الله»، وعلى خصومة شديدة مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، أمّا «المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشونال» (lbci)، فهي أيضاً محطة مستقلّة، وربما أعرق المحطات اللبنانية بعد «تلفزيون لبنان» الرسمي، وتميل سياسياً إلى التيار السيادي الذي تمثله قوى «14 آذار»، ويديرها بيار الضّاهر. وجدير بالذكر، أنّ هناك نزاعاً قضائياً بين الضاهر و«القوات اللبنانية» على ملكية المحطة، ينتظر أن تفصل به إحدى المحاكم اللبنانية مطلع شهر مارس (آذار) المقبل.
يشار إلى أن «14 آذار» و«8 آذار» اصطفافان لتحالفات سياسية نشأت في لبنان بُعيد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005. «14 آذار» يضمّ الأحزاب والحركات السياسية التي ثارت على الوجود السوري، بُعيد اغتيال الحريري، أمّا (8 آذار) فقد نشأ أيضاً في الشهر نفسه، بعيد خروج الجيش السوري من لبنان وذلك عندما تظاهرت الأحزاب التي لها علاقة وثيقة مع سوريا، وتضم قوى «حزب الله» و«حركة أمل» و«تيار المردة» ومجموعات موالية لسوريا.


مقالات ذات صلة

«الأبحاث والإعلام» تنال حقوق تسويق برنامج «تحدي المشي للمدارس»

يوميات الشرق شعار المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تنال حقوق تسويق برنامج «تحدي المشي للمدارس»

أعلنت «المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام» عن شراكة استراتيجية تحصل من خلالها على حقوق حصرية لتسويق برامج تهدف لتحسين جودة الحياة للطلبة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا من تظاهرة سابقة نظمها إعلاميون احتجاجاً على ما عدوه «تضييقاً على الحريات» (أ.ف.ب)

تونس: نقابة الصحافيين تندد بمحاكمة 3 إعلاميين في يوم واحد

نددت نقابة الصحافيين التونسيين، الجمعة، بمحاكمة 3 صحافيين في يوم واحد، بحادثة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

«الشرق الأوسط» (تونس)
إعلام الدليل يحدد متطلبات ومسؤوليات ومهام جميع المهن الإعلامية (واس)

السعودية: تطوير حوكمة الإعلام بدليل شامل للمهن

أطلقت «هيئة تنظيم الإعلام» السعودية «دليل المهن الإعلامية» الذي تهدف من خلاله إلى تطوير حوكمة القطاع، والارتقاء به لمستويات جديدة من الجودة والمهنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.