الواقفون في جحيم دانتي أمام مآسي العصر

الواقفون في جحيم دانتي  أمام مآسي العصر
TT

الواقفون في جحيم دانتي أمام مآسي العصر

الواقفون في جحيم دانتي  أمام مآسي العصر

في جحيم دانتي، الأنشودة الثالثة، نتعرف على أولئك الواقفين في «اللمبو»، أو «اليمبوس»، الذي يقابله الأعراف عندنا، الذين لا يدخلون الجنة، ولا النار، بل يبقون ينتظرون على الأبواب إلى الأبد. وهل يوجد عذاب أشد من انتظار يعرفون أنه لن ينتهي. قدرهم أن يدوروا على الدوام، و«لا تجوز عليهم راحة لأنهم لم يحفلوا في الدنيا بغير الأكل والنوم كالحيوانات»، والدائرة التي يدرون فيها هي أكبر دوائر الجحيم عند دانتي. خطيئتهم أنهم لم يتركوا أثراً من خير أو شر. بل حتى الآثمون أفضل منهم لأنه كانت لهم إرادة الشر على الأقل. إنهم واقفون هناك منتظرون إلى الأبد، إذا كان هناك أبد ما. يحسدون حتى الذين يكتوون بنار جهنم، لأنهم عرفوا مصيرهم في الأقل، وطرحوا عن أنفسهم أي أمل، هذا الأمل الذي سيظل يعذب جماعة «اليمبوس»، الأمل بالخروج من دائرة الدوران حتى لو كان إلى سقر. الأمل حتى بالموت.
هؤلاء هم الذين فقدوا ما يسميه دانتي «غاية العقل»، «فطردتهم السماء كي لا ينقص جمالها، ولم تقبلهم الجحيم العميقة». وغاية العقل لم تتبدل عبر الأزمنة، منذ الإغريق مروراً إلى عصرنا الجحيمي العميق هذا. وهي الغاية نفسها التي يسعى لتحقيقها الثوريون والفلاسفة والشعراء: الحكمة والحرية والحب والعدالة. هذا ما يمنح الأرض والسماء جمالهما. ولكن معذبي دانتي لم يفقدوا غاية العقل فقط في الأرض، بل قوة الروح أيضاً. لم يقولوا «لا»، لم يستطيعوا أن يقولوا «لا»، لكل ما يحول الحياة على الأرض إلى شقاء مقيم، ويحرم الإنسان من حقه الطبيعي في القول والتفكير كإنسان لا يحيا بالأكل والنوم فقط. إنهم «ناس اللاموقف». والموقف لا يحتاج إلى تفسير. الموقف هو نفسه ما قبل دانتي وما بعده، وما قبلنا وما بعدنا حتى القيامة. هو الموقف ضد القسوة والطغيان، والقمع والقتل، والقبح والبشاعة. فاللاموقف ليس سوى تواطؤ وخيانة من الدرجة الأولى، والصمت ليس سوى مباركة لا تقل هولاً عن الجناية والفعل نفسيهما. حصل الكثير لنا وسيظل يحصل ليس فقط لأننا عاجزون عن الحيلولة دونه، ولكن لأنا أدمنا التفرج والصمت، كما نفعل في هذه اللحظة أمام مذبحة الغوطة الشرقية السورية، كمثال فقط من مئات الأمثلة. لم نسمع صوتاً، ولم نر ذراعاً ترتفع احتجاجاً على ما يجري، وكأنه أمر لا يعنينا إطلاقاً، هذا إذا لم نتحدث عن أولئك المنافقين، الذين يميلون مع كل ريح تهب، شمالاً أو يميناً. هل نحن أشباح دانتي الواقفون في «اليمبوس»؟
كلما قرأت «الأنشودة الثالثة» لا أستطيع منع نفسي من التفكير أن دانتي يقصدنا. كأنه يتحدث عنا الآن، على الرغم من أن سبعة قرون تفصل بيننا. إنه يعنينا نحن الذين ضيعنا غاية العقل في عصر التنوير المفترض، الدائرين في «اليمبوس» عقاباً على صمتنا، وغياب عقولنا، وبلادة أحاسيسنا، ولا مبالاتنا، وأنانيتنا القاتلة. نعم، نحن نستحق أن نبقى ندور في «اليمبوس»، في «هذا الجو الأبدي الظلام، كذرات الرمل حين تعصف بها زوبعة»، كما يقول دانتي العظيم، المتنبئ بحالنا من خلف القرون.



مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.