«موت ستالين» في انتظار قرار النيابة العامة بعد انتصار «ماتيلدا»

عمل سينمائي بريطاني للمخرج أرماندو يانوتشي عن حياة «أبي الأمة»

أحد مشاهد فيلم {موت ستالين}
أحد مشاهد فيلم {موت ستالين}
TT

«موت ستالين» في انتظار قرار النيابة العامة بعد انتصار «ماتيلدا»

أحد مشاهد فيلم {موت ستالين}
أحد مشاهد فيلم {موت ستالين}

أكد وزير الثقافة الروسي، فلاديمير ميدينسكي، أن «موت ستالين» في انتظار قرار الخبراء من النيابة العامة الروسية. والحديث هنا لا يدور بالطبع عن «موت» بانتظار قرار، بل عن فيلم يحمل هذا الاسم، وهو عمل سينمائي بريطاني للمخرج أرماندو يانوتشي، يعرض الأيام الأخيرة من حياة «الزعيم ستالين» «أب الأمة»، والمؤامرات خلف الكواليس بعد وفاته، في الصراع على السلطة بين كبار القادة في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي. وبينما تكشف التقارير الكثيرة حول عن جدل أثاره الفيلم في المجتمع الروسي، يقول مراقبون إن الجدل «أُثير» على مستوى بعض النخب، وانتقل إلى الشارع، مخلفاً حالة انقسام بين مؤيد ومعارض لهذا العمل السينمائي. و«موت ستالين» فيلم آخر يوجج جدلاً في المجتمع، قبل أن تتراجع حدة النقاش حول فيلم «ماتيلدا» الذي يروي قصة علاقة غرامية بين نيقولاي الثاني، آخر أباطرة روسيا وراقصة البالية ماتيلدا كشيسينسكايا.
وكانت وزارة الثقافة الروسية منحت «موت ستالين» ترخيصاً لعرضه في دور السينما في روسيا، وتم تحديد موعد العرض الأول يوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي. إلا أن الوزارة عادت واستدعت الترخيص، وطالبت بتأجيل عرض الفيلم، إلى أن يعيد الخبراء معاينته. وأصدرت الوزارة ذلك القرار تحت ضغط أصوات بعض الشخصيات المصنفة ضمن «النخب» في روسيا. وقال يوري بولياكوف، رئيس المجلس الاجتماعي لدى وزارة الثقافة الروسية، إن شخصيات ثقافية معروفة، ومثقفون ورجال سياسة شاهدوا الفيلم، بحضور الوزير ميدينسكي، ولم يعبّر أي منهم عن موقف إيجابي نحوه؛ لذلك تم توجيه خطاب إلى وزير الثقافة نطلب فيه استدعاء تصريح العرض.
وشرح المعارضون للفيلم موقفهم في رسالة إلى وزير الثقافة، قالوا فيها إن «الفيلم وإلى جانب الأداء السيئ جداً للممثلين، والديكور البعيد عن الواقع، فإنه يشهر بتاريخ بلدنا، ويشوه ذكرى أبناء بلدنا الذين انتصروا على النازية»، فضلاً عن ذلك يحذر أصحاب الرسالة مما قالوا إنها معلومات في الفيلم تبدو قريبة من التطرف، وترمي إلى إهانة كرامة الإنسان الروسي، وتعكس «نظرة مهينة للنشيد الوطني»، وزادوا أن الفيلم يشكل إهانة «لكل من استشهد في معركة ستالينغراد، ومن بقي هناك على قيد الحياة». ووقّع تلك الرسالة رئيس المجلس الاجتماعي لدى وزارة الثقافة وعدد من أعضاء مجلس الدوما، وبعض الشخصيات من الوسط الفني. وبناءً على ما جاء فيها قررت الوزارة «استدعاء» ترخيص «موت ستالين».
وانتقل السجال حول «موت ستالين» إلى حملات الانتخابات الرئاسة الروسية، وقال بافل غرودنين، مرشح الحزب الشيوعي للانتخابات الرئاسية: «يمكن السخرية من أي شيء، لكن هناك أشياء لا يمكن السماح بالسخرية منها». أما كسينيا سوبتشاك، المرشحة للرئاسة «ضد الجميع»، والمعروفة بانتقاداتها اللاذعة للسلطات الحالية والحقبة السوفياتية، فقد رأت في استدعاء ترخيص عرض الفيلم «تشديد للرقابة»، وقالت: إن «ستالين مات منذ 65 عاماً (...) وهو حي في قلوب من يدافعون عنه، وأعتقد أن هؤلاء دون قلوب». وانتقدت قرار وزارة الثقافة، وقالت: إنه يمثل انتهاكاً للدستور الروسي الذي يمنع الرقابة. وضم ياكوف جوغاشفيلي، ابن حفيد ستالين صوته لمعارضي عرض الفيلم، وقال إن القائمين على إنتاج الفيلم «لا يمكن وصفهم بأنهم بشر، وكيف يمكن وصف أشباه البشر الذين يجدون في الموت مدعاة للسخرية، على أنهم بشر».
إلا أن المزاجية في أوساط أخرى بعيدة عن عالم السياسة، وعالم «النخب» المقربة من الدولة، كانت مغايرة تماماً. وأكد أرماندو يانوتشي، مخرج الفيلم، أن «كل المواطنين الروس الذين عرضنا عليهم الفيلم حتى الآن، بما في ذلك الإعلام الروسي، عبروا عن إعجابهم بالعمل». من جانبه، قال كيريل رازلوغوف، رئيس نقابة السينمائيين والنقاد السينمائيين، في اتحاد السينما الروسي: إن «الفيلم مضحك جداً»، وعبّر عن قناعته بأن «أولئك الذين لا يزال ستالين يمثل بالنسبة لهم الحاضر، فإن الفيلم سيزعجهم. أما من يرون فيه (الماضي) فسيشاهدون الفيلم بكل سرور وسيمرحون».
وعلى الرغم من إعلان الوزارة سحب الترخيص، قررت واحدة من دور السينما في موسكو عرض «موت ستالين». وكان لافتاً الإقبال اللامحدود على البطاقات، والحضور الواسع للفيلم، الذي لم تتمكن دار السينما من الاستمرار في عرضه مدة طويلة بعد تلويح الوزارة بالمساءلة القانونية. وأكدت موظفة على شباك التذاكر، أن طابوراً طويلاً وقف بانتظار الحصول على تذكرة، وفي الساعات الأولى من البيع، يوم 25 يناير الماضي، نفقت تذاكر العروض حتى الخامس من فبراير (شباط). وقال أليكسي، وهو شاب حالفه الحظ بالحصول على بطاقة ومشاهدة الفيلم في العرض الثاني: إن «معظم، إن لم نقل جميع، الحاضرين كانوا يتابعون الفيلم باهتمام ويضحكون، وخرجوا بانطباعات إيجابية»، لافتاً إلى حالة نادرة واحدة «حيث لاحظت شاباً يخرج وهو يتمتم بعبارات استياء في منتصف الفيلم تقريباً». وعبر أليكسي لـ«الشرق الأوسط» عن دهشته إزاء هذا الضجيج حول الفيلم، وقال: «يومياً نشاهد على الشاشات الروسية عشرات الأفلام الوثائقية التي تعري الجرائم في حقبة ستالين، وبعضها يحمله مسؤولية الخسارة في بداية الحرب العالمية الثانية، وأفلام أخرى تتحدث عن عمليات الترحيل القسري وسجون الإبادة في عهده»، وتساءل «لماذا لا يثير هذا كله استياء من يطالبون بمنع عرض موت ستالين؟»، وإذا كان الأمر يتعلق بالسخرية، فإن «ستالين بطل لمئات اللوحات الكوميدية، إن كانت من الأفلام الطويلة أو المشاهد الساخرة القصيرة».
ولم ينته الجدل بعد حول «موت ستالين»؛ إذ يدرس خبراء من النيابة العامة الروسية محتوى الفيلم، وسيتخذون القرار النهائي بشأن السماح أو حظر عرض الفيلم. وتأمل الشابة لاريسا، طالبة كلية الحقوق في موسكو، أن ينتهي الأمر بالسماح بعرض الفيلم، وقالت إن «دور السينما مفتوحة للراغبين، ولا تفرض على من لا يرغب الدخول للمشاهدة»، وعبّرت عن أملها بأن «ينتصر المنطق السليم» مثلما جرى في قضية فيلم «ماتيلدا»، في إشارة منها إلى فيلم للمخرج الروسي أليكسي أوتشيتل، الذي واجه حملة انتقادات حادة، أطلقتها البرلمانية الروسية ناتاليا بوكلونسكايا، التي رأت أن الحبكة الرئيسية للفيلم تشوه صورة الإمبراطور نيكولاي الثاني؛ لأنها تعرض قصة حبه لراقصة بالية، الأمر الذي اعتبرت أنه يشكل إهانة للقيصر؛ نظراً لمكانته في الكنيسة، ولأن القيصر - وفق العرف - يحافظ على «عذريته» ولا يقيم أي علاقات قبل الزواج الرسمي. وانضمت منظمة دينية متطرفة تطلق على نفسها «الدولة المسيحية - روس المقدسة» إلى حملة الانتقادات تلك، ووجهت تهديدات للمخرج في حال تم عرض الفيلم. واضطرت دور سينما إلى سحب الفيلم من العرض بعد تلقيها تهديدات بالحرق. إلا أن السلطات قررت في نهاية المطاف السماح بعرض ذلك العمل السينمائي، فانتصرت «ماتيلدا» بينما يبقى «موت ستالين» في انتظار قرار النيابة العامة.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.