مشكلات «ثلاث لوحات» خارج بلدة صغيرة

أحداث غير عادية وشخصية لا تتغير

فرنسيس مكدورمند في فيلم «ثلاث لوحات خارج إيبينغ، ميسوري»
فرنسيس مكدورمند في فيلم «ثلاث لوحات خارج إيبينغ، ميسوري»
TT

مشكلات «ثلاث لوحات» خارج بلدة صغيرة

فرنسيس مكدورمند في فيلم «ثلاث لوحات خارج إيبينغ، ميسوري»
فرنسيس مكدورمند في فيلم «ثلاث لوحات خارج إيبينغ، ميسوري»

في طريقها إلى بلدتها النائمة على بسط من الطبيعة الخضراء، تتوقف ميلدرد (فرنسيس مكدورمند) بسيارتها على ذلك الطريق الريفي فجأة. لقد مرت بثلاث لوحات إعلانية كبيرة من تلك التي تُنصب على قارعة الطرقات لتعلن عن ماركة حليب للأولاد أو مركز عقاري جديد أو جهاز هاتفي حديث بفارق أنها الآن لا تحمل أي إعلان على الإطلاق بل بقايا ممزقة ومهملة من إعلانات سابقة.
ماذا، تقول ميلدرد في نفسها، لو وضعت إعلاناتي على تلك اللوحات؟. على الفور تنطلق لتنفيذ الفكرة. تقصد الشركة التي تمتلك حق نشر الإعلانات فوق تلك اللوحات وتقدم لرئيسها الشاب ما تريد الإعلان عنه. يقرأ ويسألها إذا كانت متأكدة مما تريد أن تفعله. تجيبه بنعم. العملية قانونية. العقد تجاري وحرية القول مكفولة.
الإعلان الأول يقول: «اغتصبت بينما كانت تموت».
الثاني يقول: «وليس هناك من إلقاء قبض»
الثالث يسأل: «كيف حدث يا رئيس البوليس ويلوفبي؟».

بلدة بشارع واحد
«ثلاث لوحات خارج إيبينغ، ميسوري» (ليس هناك من بلدة اسمها إيبينغ في ولاية ميسوري) فيلم ثالث من المسرحي البريطاني مارتن ماكدوناف شهد عرضه الأول في مهرجان فينيسيا والثاني في مهرجان تورنتو ثم توزع بين مهرجانات هلسنكي، وزيوريخ، ولندن وسواها قبل أن يحط على عتبة الترشيحات الرسمية للأوسكار. وهو حتى الآن ربح «غولدن غلوبس» أفضل سيناريو وأفضل ممثلة (مكدورمند) وأفضل ممثل في دور مساند (سام روكوَل) ونالت مكدورمند أيضاً جائزة أفضل تمثيل نسائي من «جمعية الممثلين» الأميركية بينما نال كل الممثلين فيه جائزة أفضل تمثيل جمعي وخرج بجائزتي أفضل سيناريو وأفضل ممثلة في حفلة جمعية «لندن فيلم سيركل» لجانب عدد كبير من الجوائز الأخرى وما زالت هناك ترشيحات له لم يتم صدور نتائجها.
هو الفيلم الثالث لمخرجه بعد In Bruges سنة 2008 وSeven Psychopaths قبل خمس سنوات. والأول له في الولايات الأميركية.
أما حظوظه في الفوز بالأوسكار المقبل فإنها كانت أفضل حتى الأسبوعين الماضيين عندما أخذت الاحتمالات والتوقعات المحيطة بأفلام أخرى (أساساً «شكل الماء» الذي هو أيضاً من عروض فينيسيا) ترتفع عما كانت عليه. لكنه ما زال منافساً مهماً، ومن شبه المؤكد أن تخرج فرنسيس مكدورمند بأوسكار أفضل ممثلة.
هذا كله لم يكن من دون دواع أو مبررات. «ثلاث لوحات خارج إيبينغ، ميسوري» مصنوع كفيلم انتقادي للولايات المتحدة ونوعية حياتها ومفاهيمها حول العنصرية والعنف وأن إيبينغ تلك تمثل، على نحو أو آخر، بلدات ومدن الجنوب والوسط والشمال الأميركي بعيداً عن المدن المغمورة بالمهاجرين والأحداث المختلفة مثل نيويورك وسان فرانسيسكو أو لوس أنجليس أو شيكاغو. «إيبينغ» هي لا شيء. مدينة صغيرة فيها، على ما يبدو لنا من الفيلم، شارع واحد يمثل القطاع التجاري من البلدة ومركز شرطة يغلق أبوابه ليلاً ليذهب رجاله إلى النوم في داراتهم.
لكن في كل ذلك هناك أشياء غير طبيعية. ما نراه ترتيب أوراق لتبدو الوقائع والمفاهيم والدلالات الناتجة عنها على هذا النحو. هناك أخطاء في الصورة المقدّمة تميد بالصيت الحسن الذي أنجزه الفيلم ليس فقط على صعيد الموضوع ومضمونه، بل حتى على صعيد الكيفية التي عولج بها هذا المضمون.
رئيس البوليس ويلوفبي (وودي هارلسون في أداء باهر) يلوم ملدريد على ما قامت به من تشهير. «هل تعلمين أنني مصاب بالسرطان وسأموت؟»، على ذلك ترد: «كلنا سنموت». لكنه ليس الوحيد المستاء مما نشرته ملدريد على مدخل البلدة. أبناء المدينة كلهم مستاءون. نعم لقد خسرت حياة ابنتها التي اختطفت واغتصبت وقتلت (ربما بترتيب مختلف) لكن هذا لا يعني أن تشهر برئيس البلدة. نكتشف في خلال ذلك أن ميلدرد ليست في الأصل امرأة محبوبة وهي لا تحاول أن تكون، ولا المخرج يريدها أن تكون قريبة من قلوب المشاهدين. هذا بالطبع ما يجعل المشاهد يحافظ على المسافة بينه وبينها قدّر أو لم يقدّر مشكلتها. في الواقع التقدير يبدأ عالياً ثم ينحدر مع دخول الفيلم مساحات ضبابية كثيرة من بينها أن قوّة شكيمة ميلدرد تقودها إلى أفعال خاطئة من بينها رمي قنابل مولوتوف (صنعتها بنفسها) على مركز البوليس المغلق بعد الدوام لتكتشف أن نائب رئيس البوليس ديكسون (سام روكوَل) كان موجوداً فيه. لقد تسلل في الظلام ليبحث عن أوراق مستخدماً بطارية يد... كيف لملدريد أن تعرف ذلك؟ النتيجة أنها حرقته كما المركز ورئيس البوليس الجديد (أفرو أميركي) يصدق أن لا علاقة لها. أغلق الملف.

هامشية
ويلوفبي ينتحر بعدما استفحل المرض وديكسون يتصرف كما لو أنه فوق القانون وهو في الأساس عنصري تشرب البغضاء من والدته التي توعز له بما يقوم به. لكن الرسالة التي تركها له ويلوفبي، سيغيّرانه تماماً مبدياً تعاوناً مع ميلدرد لمعرفة الجاني.
«ثلاثة لوحات...» من تلك الأفلام الانتقادية للمجتمع الأميركي من دون دراية كافية أو التزام فعلي بذلك النقد. يبقى غير صادق في طروحاته ضد العنف والعنصرية بل يستخدم الاثنين كاريكاتورياً.
واقعياً، الفيلم عن شخصيات مُساقة بدوافع سلبية بعضها أضعف من بعض لكنها جميعاً تتحرك على الشاشة بقدر كبير من العدائية المقصودة بذاتها. الشخصيات الإيجابية تنتحر (رئيس البوليس) أو تعمد إلى الشرب لتنسى (القزم) أو لا تصبح مقبولة إلا من بعد أن تحترق. ميلدرد ذاتها امرأة لديها رسالة واحدة في هذا الفيلم هي إهانة البلدة التي تعيش فيها ومن يعيش فيها أيضاً. بذلك لا نشعر فداحة خسارتها أو صدق قضيتها. سماتها لا تتغير وشخصيتها تبقى، طوال الفيلم، بوتيرة واحدة حتى بعد أن تدرك أنها أخطأت وأن حملتها أخفقت. هي امرأة فظّة، وهي فخورة بذلك والفيلم فخور بها على هذا النحو أيضاً.
فجأة لديها ضرس بحاجة إلى معالجة، لكن طبيب الأسنان يزعجها. عوض أن تغادر العيادة تختطف آلة الحفر من يده وتغز بها أصبعه في مشهد جعل بعض المشاهدات يصفقن لها، هذا من قبل أن يكتشفن أنها ليست المرأة النموذجية التي يمكن الاقتداء بها حتى ولو كانت قضيتها (البحث عن مغتصب وقاتل ابنتها) محقة.
المخرج وكاتب السيناريو مارتن ماكدوناف مشغول بالعقاب. يريد معاقبة الجميع: يقرر لرئيس البوليس أن ينتحر. يسخر على القزم (بيتر دينكلايج) ويقزّمه أكثر لمجرد أنه قزم (النازية كانت تعتبر أن المرضى المزمنين أو الناس المعاقين عبء اجتماعي يستحق التجاهل). رئيس البوليس الجديد (كلارك بيترز) لا دراية له بما يجب فعله وهو أحد ثلاث شخصيات أفرو - أميركية هامشية في الفيلم. أما ديكسون فتتم معاقبته مرّتين: الأولى باحتراق وجهه، والثانية عندما يتلقى ضرباً مبرحاً من رجلين ارتاب في أن أحدهما قد يكون الجاني. حتى طبيب الأسنان يُعاقب كما سبق.
... ثم لا يصل الفيلم إلى نتيجة.
حين يصل الأمر إلى التمثيل، أخال أن الجميع مُنح شخصيات تتطوّر مما يجعلهم قادرين على التطوّر درامياً معها، باستثناء فرنسيس مكدورمند. نعم مطلوب منها أن تبقى مثل وجه على طابع بريد لا يتغير. لكن المفقود في الأساس هو تغيير يقع تحت السطح، وهذا أيضاً لا يتم.

مدن صغيرة: من «فارغو» إلى «ثلاث لوحات»

> البلدات والمدن الأميركية الصغيرة دائماً ما كانت الرمز الصالح للنظر إلى أميركا صافية بعيداً عن قضايا المدن وشواغلها الكبيرة. فرنسيس مكدورمند نفسها لعبت شخصية رئيسة بوليس بلدة فارغو (في فيلم بالعنوان ذاته أخرجه زوجها جووَل كووَن سنة 1996). البلدة الصغيرة أيضاً كانت موقعاً لأفلام كثيرة: Bad Day at Black Rock (جون ستيرجز، 1955) تحدث عن بلدة اسمها بلاك روك في ولاية كاليفورنيا. ألألماني فيم فندرز حقق «باريس، تكساس» سنة 1984 وديفيد لينش وجد ضالته في «توين بيكس» المدينة الخيالية الواقعة عند الحدود الكندية (1992). والبلدات الصغيرة هي - في الخمسينات والستينات - مقصد المخلوقات الشريرة الهابطة من كواكب بعيدة لكي تدمر أميركا.‬


مقالات ذات صلة

وفاة الممثل البريطاني راي ستيفنسون نجم «ثور» و«ستار وورز»

يوميات الشرق الممثل البريطاني راي ستيفنسون (أ.ب)

وفاة الممثل البريطاني راي ستيفنسون نجم «ثور» و«ستار وورز»

توفي الممثل البريطاني راي ستيفنسون الذي شارك في أفلام كبرى  مثل «ثور» و«ستار وورز» عن عمر يناهز 58 عامًا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «إسماعيلية رايح جاي» يشعل «الغيرة الفنية» بين محمد فؤاد وهنيدي

«إسماعيلية رايح جاي» يشعل «الغيرة الفنية» بين محمد فؤاد وهنيدي

أثارت تصريحات الفنان المصري محمد فؤاد في برنامج «العرافة» الذي تقدمه الإعلامية بسمة وهبة، اهتمام الجمهور المصري، خلال الساعات الماضية، وتصدرت التصريحات محرك البحث «غوغل» بسبب رده على زميله الفنان محمد هنيدي الذي قدم رفقته منذ أكثر من 25 عاماً فيلم «إسماعيلية رايح جاي». كشف فؤاد خلال الحلقة أنه كان يكتب إفيهات محمد هنيدي لكي يضحك المشاهدين، قائلاً: «أنا كنت بكتب الإفيهات الخاصة بمحمد هنيدي بإيدي عشان يضحّك الناس، أنا مش بغير من حد، ولا يوجد ما أغير منه، واللي يغير من صحابه عنده نقص، والموضوع كرهني في (إسماعيلية رايح جاي) لأنه خلق حالة من الكراهية». واستكمل فؤاد هجومه قائلاً: «كنت أوقظه من النوم

محمود الرفاعي (القاهرة)
سينما جاك ليمون (يسار) ومارشيللو ماستروياني في «ماكاروني»

سنوات السينما

Macaroni ضحك رقيق وحزن عميق جيد ★★★ هذا الفيلم الذي حققه الإيطالي إيتوري سكولا سنة 1985 نموذج من الكوميديات الناضجة التي اشتهرت بها السينما الإيطالية طويلاً. سكولا كان واحداً من أهم مخرجي الأفلام الكوميدية ذات المواضيع الإنسانية، لجانب أمثال بيترو جيرمي وستينو وألبرتو لاتوادا. يبدأ الفيلم بكاميرا تتبع شخصاً وصل إلى مطار نابولي صباح أحد الأيام. تبدو المدينة بليدة والسماء فوقها ملبّدة. لا شيء يغري، ولا روبرت القادم من الولايات المتحدة (جاك ليمون في واحد من أفضل أدواره) من النوع الذي يكترث للأماكن التي تطأها قدماه.

يوميات الشرق الممثل أليك بالدوين يظهر بعد الحادثة في نيو مكسيكو (أ.ف.ب)

توجيه تهمة القتل غير العمد لبالدوين ومسؤولة الأسلحة بفيلم «راست»

أفادت وثائق قضائية بأن الممثل أليك بالدوين والمسؤولة عن الأسلحة في فيلم «راست» هانا جوتيريز ريد اتُهما، أمس (الثلاثاء)، بالقتل غير العمد، على خلفية إطلاق الرصاص الذي راحت ضحيته المصورة السينمائية هالينا هتشينز، أثناء تصوير الفيلم بنيو مكسيكو في 2021، وفقاً لوكالة «رويترز». كانت ماري كارماك ألتوايز قد وجهت التهم بعد شهور من التكهنات حول ما إن كانت ستجد دليلاً على أن بالدوين أبدى تجاهلاً جنائياً للسلامة عندما أطلق من مسدس كان يتدرب عليه رصاصة حية قتلت هتشينز. واتهم كل من بالدوين وجوتيريز ريد بتهمتين بالقتل غير العمد. والتهمة الأخطر، التي قد تصل عقوبتها إلى السجن خمس سنوات، تتطلب من المدعين إقناع

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
سينما سينما رغم الأزمة‬

سينما رغم الأزمة‬

> أن يُقام مهرجان سينمائي في بيروت رغم الوضع الصعب الذي نعرفه جميعاً، فهذا دليل على رفض الإذعان للظروف الاقتصادية القاسية التي يمر بها البلد. هو أيضاً فعل ثقافي يقوم به جزء من المجتمع غير الراضخ للأحوال السياسية التي تعصف بالبلد. > المهرجان هو «اللقاء الثاني»، الذي يختص بعرض أفلام كلاسيكية قديمة يجمعها من سينمات العالم العربي من دون تحديد تواريخ معيّنة.


أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
TT

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

بعد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك. «لا يهم»، تقول: «على الأفلام التي تعني لنا شيئاً أن تشقّ طريقاً للعروض ولو على مدى سنة أو أكثر».

فيلمها الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في المهرجان الإيطالي، حيث نال جائزةَ لجنة التحكيم الخاصة وفوقها 8 جوائز فرعية.

مردّ ذلك التأثير يعود إلى أن الفيلم (بالأبيض والأسود) تحدّث عن مهاجرين سوريين (ومهاجرة من أفغانستان) علِقوا على الحدود بين بروسيا وبولندا، وكلّ حرس حدود كان يسلبهم شيئاً ومن ثمّ يعيدهم إلى حيث أتوا. الحالة لفتت نظر جمعية بولندية أرادت مساعدة هؤلاء الذين تناقص عددهم بعدما اختفى بعضهم وسُجن آخرون. الدراما كما قدّمتها هولاند (75 سنة حالياً) نابعة من مواقف ونماذج حقيقية وأحداثٍ وقعت عالجتها المخرجة بأسلوب تقريري غير محايد.

نقطة حياة: «حدود خضراء» (مترو فيلمز)

لحظات إنسانية

> حال مشاهدتي لفيلم «حدود خضراء» في «مهرجان ڤينيسيا» خطر لي أنه يلتقي مع أفلام سابقة لكِ تناولت قضايا مهمّة وحادّة مثل «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السّرية» و«أثر» (Spoor) الذي عُرض في «برلين». كيف تُصنّفين أفلامك؟ وكيف تختارين قضاياها؟

- أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما أخرجته. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أُصحّح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن الأحداث وقعت في لحظات تاريخية ليست فقط مهمّة، بل هي لحظاتٌ بدت فيها الإنسانية بمنحدرٍ. هناك كثيرٌ ممّا يحدث في هذا العالم، وما حدث سابقاً يشكّل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.

«حدود خضراء» الفرار صوب المجهول (مترو فيلمز)

> «حدودٌ خضراء» هو واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السّلطات على النحو الذي ورد في فيلمك.

- أنا لست في وارد تجميل الأحداث. ولا أريد الكذب على المشاهد وأقول له إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجأوا إليها بحثاً عن الأمان غير صحيح، أو أنه حدث في شكل محصور. ومهنتي هذه استخدمها لقول الحقيقة، ولأفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكنني الكذّب عليه أو خداعه. ما شاهدته أنتَ على الشّاشة حصل وربما لا يزال يحصل في دول أوروبية أخرى.

نحو المجهول

> كيف كان رد فعل الجمهور البولندي حيال فيلمك؟

- إنها تجربة مهمّة جداً بالنسبة لي. سابقاً كان هناك حذرٌ من قبول ما أقدّمه لهم من حكايات. كثيرون قالوا إن هذا لا يمكن أن يحدث. نحن في أوروبا والعالم تغيّر عمّا كان عليه. والآن، مع هذا الفيلم، وجدتُ أن غالبية النّقاد وقراء «السوشيال ميديا» يوافقون على أن هذا يحدث. هناك من يأسف وهناك من يستنكر.

> نقدُك لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكّد أن المعاملة العنصرية لا تزال حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين الشرعيين أو غير الشرعيين بات أولوية. صحيح؟

- نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصريّ ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة ولطالما كانت، وعانت منها شعوب كثيرة في كل مكان، ولكن العنصرية هنا هي نتاج رفض بعضهم لقاء غريبٍ على أرض واحدة، هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمدّ يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.

> هل تقصدين بذلك التقدم العلمي؟

- بالتأكيد، لكني لست واثقة من أنه تقدّمَ حقاً. الذكاء الاصطناعي؟ هذا وحده قد يذهب بما بقي من ضوابط أخلاقية ومجتمعية. أعتقد أن التأثير الأول لذلك أننا نعيش في زمن نعجِز عن فهم تغيّراته، والنتيجة أننا بتنا نهرب إلى حيث نعتقده ملجأً آمناً لنا. نهرب من التّحديات ونصبح أكثر تقوقعاً معتقدين أن ذلك خير وسيلة للدفاع عن مجتمعاتنا.

ضحايا

> عمَدتِ في «حدود خضراء» إلى تقسيم الفيلم إلى فصول. هذا ليس جديداً لكنه يطرح هنا وضعاً مختلفاً لأننا ننتقل من وضع ماثلٍ ومن ثَمّ نعود إليه لنجده ما زال على حاله. ما الذي حاولتِ تحقيقه من خلال ذلك؟

- هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك قصصٌ عدة في هذا الفيلم، وكل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة للتطوّر أو التوقف. وهناك 3 فرقاء هم الضحايا والمسعفون ورجال السُّلطة. بعضُ هذا الأسلوب المطروح في الفيلم مشتقٌ من العمل الذي مارسته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السّرد السينمائي، وقد اعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلمٍ يريد تقديم الأحداث في شكلٍ ليس بعيداً عن التقريرية.

> هناك أيضاً حربٌ أوروبية دائرة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمك أوكرانيين هاربين؟

- نعم. يختلف لأنّ الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.