هي رحلة لا تشبه غيرها، لا في تاريخها ولا في جغرافيتها، يقدمها معرض «القدس: كلام الضوء في حجر»، لزواره في مكتبة «يافث» بالجامعة الأميركية. وهو يهدف إلى إبراز أهمية مدينة السلام عبر التاريخ، من خلال مخطوطات وصور فوتوغرافية ووثائق قديمة يعود بعضها إلى القرن الـ19. وكذلك إلى فترات لاحقة أكثر حداثة. كما يسهم هذا المعرض أيضاً في تحفيز العمل الأكاديمي والتشجيع على إجراء دراسات وأبحاث ونقاشات علمية في شكل عام، ممّا يحثّ زائره على إعادة النظر في تاريخه العربي ليستوعبه بشكل أفضل.
«لقد قمنا بالتحضيرات لهذا المعرض خلال 5 أيام ليكون بمثابة ردّ على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب القدس عاصمةً لإسرائيل»، تقول كوكب شبارو رئيسة قسم الأرشيف في الجامعة الأميركية ببيروت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، وتضيف: «فريق المكتبة بأكمله الذي يتألف من نحو 12 شخصاً ساهموا في تنظيمه بعد أن واصلوا ليلهم بنهارهم، فنتج عن هذا الجهد معرض يعبر عن أهمية القدس، ويصب كذلك في إعادة كتابة ودرس وفهم التاريخ لنتمكن من تغيير المستقبل».
ينقلك المعرض من خلال مجموعة صور فوتوغرافية إلى شوارع القدس وأزقتها، كما تطلّ من خلاله على معالم مقدسة لم يتسنّ لكثيرين منّا رؤيتها لا من بعيد ولا من قريب. فتمر بـ«بوابة بيلاطس»، وتتعرف إلى هندسة «الجامع الأقصى»، وتدقق بتفاصيل «كنيسة القيامة» عن قرب، فتمضي قرابة ساعتين من الوقت بلحظات مؤثّرة تتصفح فيها تاريخ هذه المدينة، فتشعر كأنك دخلت حقبة تاريخية لا ترغب في الخروج منها. مجموعة هذه الصور التي يفوق عددها الـ100 بُحث عنها في أرشيف الجامعة الأميركية ببيروت الغني بمجموعات خاصة منها، إضافة إلى كتب ووثائق رسمية من حكومة فلسطين قبل الاحتلال. «هي مواد من النادر وجودها في عالمنا العربي بينها مجموعة (بلاتشفورد) الرائعة التي قدمت لهاورد بليس في عام 1920»، توضح كوكب شبارو.
ومن المصورين الفوتوغرافيين الذين تُكتشف مدينة القدس من خلال عدستهم: بونفيس، وصرافيان، ودوبري، وأماديو، وبياتو، وزنغاكي. ومعهم تمر بطريق فلسطين انطلاقاً من مدينة يافا، وبـ«جبل الزيتون»، وكذلك تطلع على أزياء أهل القدس وأسواقها.
وفي مجموعة البطاقات البريدية التي تعود إلى أحد الأشخاص من آل معلوف جمعها ما بين عامي 1925 و1940، تطل على القدس بالألوان من خلال مناظر ومعالم تاريخية تحتضنها. ومن أعشاب ونباتات كانت تقدَّم للسياح خلال زيارتهم لفلسطين في عام 1920، تشتمّ عطر القدس ورائحة ترابها، بعد أن احتُفظ بهذه النباتات في أرشيف الجامعة الأميركية ضمن ألبوم خاص بها.
ومن بين المطبوعات المعروضة قصاصات ورق كُتبت باليد من قبل الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي إثر زيارته لفلسطين، يصف فيها المحطات التي استوقفته في رحلته إليها في عام 1902، إضافة إلى أخرى كُتبت باللاتينية والإيطالية والإسبانية دوّنها أصحابها في قرون مختلفة (السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر)، يصفون فيها مشاهداتهم للقدس. كما يتضمن المعرض خرائط جغرافية لفلسطين تُظهر حدودها الشاسعة، إضافة إلى مطبوعات قديمة تدعو إلى مقاطعة البضائع الصهيونية وتعود إلى الحقبة الممتدة ما بين العشرينات والأربعينات.
وتستوقفك مجموعة رسائل تعود إلى «الحرم الشريف» (بين القرن السادس عشر والقرن العشرين)، تحكي عن قانون الإسلام الذي كان يتبعه المصلون في الجامع الأقصى. وإلى جانبها مخطوطات أخرى صادرة عن الدولة الفلسطينية في عام 1932، وقصاصات لمقالات صحافية كان قد كتبها الصحافي عيسى عيسى ما بين عامي 1935 و1936. مع مجموعة رسائل جرى تبادلها مع المؤرخ السوري قسطنطين زريق، وتحكي عن حال فلسطين المتدهورة إثر الثورة العربية في عام 1936.
ومع تسجيلات مصورة (مقابلات)، تعود لزوار فلسطين في القرن التاسع عشر، ستستمع إلى مشاهدات حية من قبلهم تمت أرشفتها والاحتفاظ بها في «كلية عصام فارس للعلوم السياسية» في حرم الجامعة.
ومع المصور الأرمني الشهير مانوغ المينيان بعدسة كاميرته ما بين عامي 1964 و1965، ستتعرف إلى مدينة القدس عن قرب من خلال معالمها التاريخية وأماكنها المقدسة وكذلك تكتشف تاريخها وتراثها الثقافيين. ومن التاريخ الحديث يعرض «القدس: كلام الضوء في حجر»، مجموعة صور التُقطت ما بين 2003 و2005، من قبل المصور الصحافي جورج عازار، وبينها واحدة لـ«كنيسة القيامة».
ذاكرة العرب عن فلسطين بأكملها يقدمها معرض «القدس» الذي يفتح أبوابه حتى 22 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، في مكتبة «يافث» في الجامعة الأميركية، فيشكل محطة تاريخية يغبّ منها زائرها مدى تعلق أهل المشرق العربي بفلسطين عبر الزمن.
معرض «القدس» رحلة بصرية إلى مدينة السلام
تستضيفه الجامعة الأميركية في بيروت ويتضمن مخطوطات وصوراً فوتوغرافية
معرض «القدس» رحلة بصرية إلى مدينة السلام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة