نجيب صعب

نجيب صعب
الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

من إدارة الكوارث إلى إدارة الموارد

أصبحت عبارة «غير مسبوق» وصفاً شائعاً يتكرّر سنة بعد سنة، أكان المقصود حرائق الغابات أم موجات الجفاف والفيضانات، التي لم تنجُ منها أي منطقة. فكأن العالم يشهد تحطيم أرقام قياسية في الكوارث، ينافس تحطيم الأرقام في الألعاب الرياضية، مع ما تتسبب به من خسائر بشرية وأضرار بمليارات الدولارات في البُنى التحتية والممتلكات. فما نعتبره «غير مسبوق» اليوم سيصبح «مسبوقاً» بعد سنة. صحيح أن هذه الكوارث الطبيعية، بحجمها ووتيرة تكرارها، تعود في جزء كبير منها إلى آثار التغيُّر المناخي. لكن الصحيح أيضاً أن من أبرز مسبباتها تقصير في التخطيط، من استعمالات الأراضي إلى إدارة الغابات والمياه، والموارد الطبيعية عامة.

محكمة الجنايات البيئية

إذا كان البعض يعد المطالبة بإنشاء «محكمة جنائية للبيئة» مبالغة، فلا بد من مراجعة الحسابات بناءً على الوقائع، التي تُثبت أن الجرائم البيئية تتوسع بسرعة أكبر من الجرائم الأخرى، وتدر أرباحاً تصل إلى 300 مليار دولار سنوياً. ما يعرفه الناس عن عمل منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) هو أنها تنسق التعاون بين الدول لتطبيق القانون، مما يمنع الإفلات من العقاب، ويجعل العالم أكثر أماناً.

حرائق أوروبا وكوابيس المؤامرات

بعض غلاة المشككين بحقائق التدهور البيئي والتغير المناخي احترفوا اقتناص الفرص لتفسير التقارير والأحداث على هواهم. فهم أحياناً يقوّلون المسؤولين أقوالاً لم ينطقوا بها، ويؤولون أحياناً أخرى كلامهم بتفسيرات تناقض مضمونه. وقد تزايدت هذه الحالات أخيراً في منطقتنا والعالم، بدافع أحداث اعتبرها الشعبويون جرعة حياة. شبكة «فوكس» الإعلامية الأميركية وصفت احتجاجات مربي المواشي في طرقات هولندا على اشتراطات بيئية جديدة بأنها «بداية ثورة عالمية للمزارعين في مواجهة ديكتاتورية البيئة والمناخ ضد الإنتاج الزراعي». وما لبث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، أن أدلى بدلوه مؤيداً ما سماه «ثورة مزارعي هولندا».

المناخ على وقع حرب أوكرانيا

كشفت الحرب في أوكرانيا حساسية الاتفاقيات المناخيّة للحروب، والتطورات الجيو- سياسية الكبرى؛ خصوصاً إذا ضربت إمدادات الغذاء والطاقة، وأدخلت الاقتصاد العالمي في حالة ركود. فمهما حاول بعضهم المكابرة، لا يمكن إنكار أنّ تحقيق الالتزامات المناخيّة سيتأثر في السنوات المقبلة بنتائج هذه الحرب الضروس وسط أوروبا، التي هي في المحصلة صراع على المصالح والثروات الطبيعية والنفوذ. لكن صدمة أوكرانيا قد تقرع جرس الإنذار لإدخال تعديلات جوهرية في سياسات الأمن الغذائي والطاقة على مستوى العالم، لتجنّب هزّات مماثلة في المستقبل.

التسويات تصنع الاتفاقيات

كما في السياسة والاقتصاد، كذلك في البيئة والمناخ. فالتسويات هي التي تصنع الاتفاقيات الكبرى، حيث تتشابك الوقائع وتتضارب المصالح وتتشعب الخيارات. وليست التسويات عيباً، إذ لا أحد يملك ناصية الحقيقة وحده في هذه القضايا المعقدة. وقد تكون المبادرة الأكثر تعبيراً عن اعتراف العالم بضرورة التفاوض في القضايا البيئية وصولاً إلى تسويات مقبولة هي «نشرة مفاوضات الأرض»، التي ترصد يومياً الاجتماعات الدولية المعنية بالبيئة والتنمية والمناخ.

زحف الصحراء لن ينتظر المناخ

كانت التغطية الإعلامية خجولة لأعمال القمة الخامسة عشرة للدول الأعضاء في «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، التي عُقدت في أبيدجان، عاصمة شاطئ العاج. فمع أن عدد الدول الموقعة على اتفاقية التصحر بلغ 196، وهو يوازي تلك التي وقعت على اتفاقية باريس المناخية، إلا أن العالم لا يزال يعتبر التصحر مشكلة محلية لا ترقى إلى مرتبة التحدي العالمي. لذا لم ينجح المؤتمر في إقرار خطة ملزمة للتعامل مع موجات الجفاف، التي تصيب مناطق شاسعة وتهدد الأمن الغذائي والصحة البشرية. فقد ضربت أفريقيا وحدها خلال العامين الأخيرين فقط 14 موجة جفاف حاد.

أسعار معتدلة للنفط في مصلحة المناخ و«أوبك»

رغم الحديث المحموم عن الارتفاع الكبير في أسعار الوقود، فليس ما تشهده الأسواق حالة جديدة كلياً، إذ وصلت أسعار النفط إلى مستويات أعلى في السابق، تبعاً لتطورات سياسية وعسكرية واقتصادية. وإذا قارنا القوة الشرائية لسعر برميل النفط اليوم بما كانت عليه قبل عشرين عاماً، نجد أنها انخفضت. فمسار أسعار الوقود الأحفوري كان في الغالب أبطأ من المسار التصاعدي لمعدلات التضخم. وتبعاً للحق السيادي للدول بالتحكم في مواردها الطبيعية، في نطاق الالتزام بالعقود التجارية والاتفاقات الدولية، لا يحق لأي جهة أن تفرض قيوداً على معدلات الإنتاج والتصدير.

حوارات بيئية في قصر الأمم

الحديث مع مندوبي الدول والمنظمات الدولية في «قصر الأمم» في جنيف يكشف تباينات في قضايا البيئة والتنمية تصل إلى حدِّ التناقض. ولا يبرِّد من سخونة النقاشات إلا موقع المقرِّ الأوروبي للأمم المتحدة، المطلِّ على بحيرة ليمان الهادئة. خبير يعمل مع منظمة مختصَّة بالتغيُّر المناخي يُصرُّ على أنه لا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة قبل التصدِّي لتحدِّيات المناخ. فيعارضه مستشار لمنظمة التجارة العالمية بأن الأولوية المطلقة يجب أن تكون للنموِّ الاقتصادي المدعوم بفتح أبواب التبادل التجاري الحر. ويتشعَّب النقاش في اتجاهات متباعدة، يتداخل فيها الفقر مع التربية والأمن الغذائي والغابات والصناعة.

البلاستيك: مشكلة وأربعة حلول

تفشي جائحة «كورونا» أعاد معضلة النفايات البلاستيكية إلى الواجهة. فمع أن كمية النفايات، عامة، تضاءلت خلال سنتين بسبب الحجر وتراجع النشاط الاقتصادي، إلا أن استهلاك الأدوات الطبية ذات الاستعمال الواحد ازداد أضعافاً، من الكمامات والقفازات، إلى العبوات المستخدمة لإجراء الفحوصات في المختبر أو المنزل. وتقدر دراسة بريطانية حديثة أن عبوات الفحص المنزلي التي استخدمها العالم خلال سنة هي بحجم 1200 بركة سباحة أولمبية، ويمكنها تعبئة 12 مليون مغطس حمام. بعض النفايات البلاستيكية انتهت في المحارق والمطامر، والبقية ذهبت مباشرة إلى مكبات عشوائية، لتلوث الأرض والبحار.

الإمارات نحو «مئوية البيئة»

حين أطلقت أبوظبي أخيراً «المئوية البيئية»، لتواكب «مئوية الإمارات»، تذكّرتُ كيف كان أقصى ما يطمح إليه المناضلون البيئيون العرب قبل أقل من عشرين عاماً، رؤية كلمة «بيئة» في أي خطة حكومية. لكن الإمارات ذهبت أبعد كثيراً من هذا، إذ وضعت خطة بيئية لخمسين سنة، تمتدّ حتى الذكرى المئوية لتأسيس الدولة في 2071. وكانت السعودية قد أطلقت سياسات وأهدافاً بيئية تمتد عقوداً، ابتداءً من «رؤية 2030» وصولاً إلى مبادرة «السعودية الخضراء»، للمساهمة في تحقيق الأهداف المناخية مع منتصف هذا القرن.