حسام عيتاني
كاتب وصحافي لبناني لديه عدد من المؤلفات؛ منها: «الفتوحات العربية في روايات المغلوبين»، إضافة إلى ترجمات ومساهمات في دوريات عربية مختلفة. انضم إلى كتّاب «الشرق الأوسط» في عام 2018.

لبنان وإشكالية «التوجه شرقاً»

لنَقُلْ إن شعوراً يتزايد بين اللبنانيين بأن وطنهم الذي عرفوه قد انتهى وأن ما من شيء سيعيدهم إلى ما قبل نكبتهم الحالية. الشعور هذا تعززه متوالية من الانهيارات بدأت مع القطاع المصرفي ووصلت إلى مؤسسات التعليم العالي الخاصة وإدارات الدولة وقدرة هذه الأخيرة على تسيير الشأن المعيشي اليومي للمواطنين. يختلف خبراء الاقتصاد والاجتماع حول موعد «الارتطام» أي اللحظة التي تتفكك فيها آليات الضبط والرقابة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويعود فيها البلد إلى «الحالة الطبيعية»، حيث يعمل كل فرد للحفاظ على نفسه وحياته ولو على حساب الأفراد الآخرين سواء باستخدام القوة أم كل أشكال القهر والإخضاع.

نتنياهو وعضوية نادي «الرجال الأقوياء»

ما زالت الرهانات مرتفعة على السقوط القريب لحكومة بينيت - لابيد بسبب التناقضات الداخلية لأطرافها المكونة من خليط اليمين المتطرف والوسط واليسار وعرب 48.

انتظار «وعي تاريخي» في غير موضعه

لا يكفي أن يعاني لبنان من واحدة من أسوأ ثلاث أزمات اقتصادية في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، كي يتوفر الحافز عند الجماعة السياسية المتسلطة للبدء بخطوات عملية لمنع تفاقم الانهيار الشامل. تقريران للبنك الدولي صدرا عن «مرصد الاقتصاد اللبناني» في البنك الدولي («لبنان يغرق (إلى أول ثلاثة)» – ربيع 2021) و«الانهيار المتعمد» – خريف 2020) يشرّحان من دون قفازات ولا تنميق حقيقة الكارثة الاقتصادية والسياسية الحالية. التقرير الجديد الذي نُشر نصه الكامل باللغة الإنجليزية يوم الثلاثاء في الأول من يونيو (حزيران) يُكمل ما بدأه سابقه من تجميع لأرقام الواقع اللبناني: في 2019 انكمش النمو 6.9 في المائة.

لا قيامة قريبة لـ«معسكر السلام»

ظهر منذ اليوم الأول من جولة القتال في غزة، أن حركة «حماس» قد حققت مكاسب مهمة.

استحالة الفيدرالية في غياب نقيضها

بين تأسيس لبنان وثمانينات القرن الماضي، كان السجال حول الكيان السياسي بين المسلمين والمسيحيين يقيم بين حدين أقصيين: التلويح بالتقسيم والفيدرالية من جهة الأولين، والمطالبة بالوحدة العربية أو الانضمام إلى سوريا من الطرف الثاني. لكل من الجانبين مآخذه على لبنان الذي تتطلب إدارته سلمياً إجادة لفنون التوازن (والتكاذب) ومزيجاً من الممارسات السياسية الحديثة والعشائرية وإضمار الاستعداد للجوء إلى العنف في كل حين. تسوية الاستقلال عن فرنسا قالت إن على المسيحيين التخلي عن حلمهم بالبقاء في ظل الحماية الفرنسية والغربية عموماً، مقابل تخلي المسلمين عن طموحات الوحدة العربية أو السورية.

نعوات على الجدران العربية

استغل النظام السوري مقالة «نعوات سورية» ليزج بالمعارض الراحل ميشيل كيلو في السجن لثلاثة أعوام بين 2006 و2009، إلى جانب توقيعه بيان «دمشق - بيروت» الذي دعا إلى إعادة النظر في العلاقات اللبنانية - السورية. لا تنطوي المقالة على انتقاد حاد لأي من شخصيات الحكم ولا لسجله في القمع ولا لفساده وفشله، بل كانت قراءة للواقع الاجتماعي السوري في عهد «البعث» وحكم حافظ وبشار الأسد. تقارن المقالة بين نوعين من أوراق النعي التي يلصقها أقارب المتوفين على جدران مدينة اللاذقية التي وُلد كيلو وعاش أكثر حياته فيها.

القضايا من دون معانيها

لا تكتسب أي قضية معناها وقيمتها إلا من اندراجها في مخطط عظيم لا يقيم اعتباراً لبشر فانين ولا لحياة قصيرة على هذه الأرض. القضايا هي التحضير اليومي لأمر جلل يتجاوز قدرات الناس على الفهم وحدود استيعابهم للمصير الذي سيداهم يومياتهم. بهذا المنطق المقلوب المستل من عتمات الماضي، ينطلق التحليل الرائج في المشرق العربي وعلى ساحات الممانعة: القضية أهم من أصحابها لأنها تنتمي إلى ما يفوقهم خطراً. القضية الفلسطينية لا تنتهي بحصول الشعب الفلسطيني على حقه في العيش الكريم على أرضه، بل إنها أعظم من ذلك. إنها تجسيد لصراع الخير والشر الأزليين اللذين سيتواجهان ذات يوم في أكناف بيت المقدس.

سردية التوحش والضِّعة

في الصف الطويل أمام السجن حيث كان الأهل ينتظرون أخباراً عن أبنائهم وأقاربهم، تعرفت امرأة على الشاعرة الشهيرة أنا أخمتوفا الواقفة للاستفسار عن ابنها المُعتقل. أشارت المرأة إلى المنتظرين الذين هدّهم الخوف والبرد وأهوال المعتقلات، وسألت الشاعرة: «هل تستطيعين وصف كل هذا؟». تأملت أخمتوفا مشهد الناس المتلهفين للحصول على ما يطمئنهم عن الأبناء والأصدقاء ثم قالت: «نعم. أستطيع» وظهر ما يشبه الابتسامة على وجه السائلة. جمعت أخمتوفا ما عاشته هي والملايين من مواطنيها في معتقلات ستالين الذي دمّر المجتمع الروسي ومجتمعات الشعوب السوفياتية الأخرى من أجل بناء «المجتمع الجديد».

هل من مسؤولية دولية حيال لبنان؟

من دروس الثورات العربية أن المعاناة لم تعد تعني شيئاً لغير من يكابدها. في الفصول الأكثر دموية وقهراً من الثورات تلك، في سوريا خصوصاً، رفض العالم التدخل لمصلحة الضحايا. تركهم يختنقون بالغازات الكيماوية في الغوطة ويُسحقون تحت البراميل المتفجرة في حلب وحمص من دون أن يتخلى عن عادته الكريهة في إجراء الحسابات بين أشلاء الأطفال: ماذا نستفيد إذا سقط بشار الأسد وماذا نربح إذا بقي؟ لم يكن الجواب صعباً. وها هو نظام البعث في المكان الذي يحتله منذ ما ينيف عن نصف قرن.

قضايانا في عُهدة كَهَنة الماضي

يمنع خليط من الآيديولوجيات الكلية القائلة بقدرتها على تفسير الماضي والسيطرة على الحاضر واستشراف المستقبل، إضافةً إلى إرث ثقيل من المكونات الثقافية والهوياتية والولاءات الأهلية، شعوب منطقتنا ودولها من تبني المقاربة العملية (البراغماتية في حدها الأدنى) للقضايا الكبرى التي ما زالت تعصف ههنا. قضايانا تحتل مواقع عاطفية ونرجسية في نفوسنا. فلا نستطيع النظر إليها من دون عدسات ذواتنا المتألمة.